جمعت عريضة أطلقتها منظمة عالمية لدعم نداء وجهته الأمم المتحدة إلى وقف إطلاق النار في كل مناطق النزاعات في العالم لمكافحة وباء كوفيد-19 بشكل أفضل، حوالي مليون ونصف توقيع حتى السبت 4 نيسان/ أبريل 2020. وعبر الناطق باسم الأمم المتحدة ستيفان دوجاريك عن ارتياحه لهذه المبادرة التي قامت بها منظمة “آفاز”. وقال “نحن مسرورون جداً بالعدد الذي يمكن أن تجذبه هذه العريضة”، مؤكداً ضرورة الضغط على المتحاربين في جميع أنحاء العالم لوقف الحروب والنزاعات.
كثيرون أعلنوا عن تراجعهم ولكن
ووضعت العريضة على الإنترنت في 30 آذار/مارس، بعد النداء الذي أطلقه الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش في 23 آذار/مارس. وأعلنت مجموعات مسلحة أو متحاربون في بعض الدول كالفيليبين والكاميرون واليمن وكولومبيا وغيرها، أنهم مستعدون لوقف الأعمال القتالية، لكن لم يطبق شيء من ذلك حتى الآن.
وقالت ليتيسيا كورتوا ممثلة اللجنة الدولية للصليب الأحمر في الأمم المتحدة لوكالة فرانس برس: “للأسف يتواصل القتال في معظم المناطق التي نتواجد فيها”. وأضافت أن المعارك مستمرة وما زال جرحى يصلون إلى مستشفيات التي ندعمها، في جنوب السودان مثلاً، مشيرة إلى معلومات تردها من فرق منظمتها في مناطق قتال.
وتابعت أن وقفاً لإطلاق النار في جميع أنحاء العالم ضروري، موضحة أنه “من المهم في الوقت نفسه الإشارة إلى الحاجة الملحة للعاملين في المجال الإنساني لمواصلة عملهم بأفضل قدراتهم ليتمكنوا من التأثير على الوضع” الذي أصبح أصعب مع انتشار الوباء. وتوظف اللجنة الدولية للصليب الأحمر عشرين ألف شخص في العالم وخصوصاً في بلدان تشهد نزاعات أو أزمات.
انسحابات عسكرية من الشرق الأوسط
ويبدو أن فيروس كورونا يصبح عاملاً استراتيجياً رئيسياً في التخطيط العسكري وتخطيط السياسات طويلة المدى في الشرق الأوسط. وقد يمثل فاتحة سلسلة من الاتفاقات المؤقتة أو حتى النهائية التي من شأنها أن تحل محل القتال المباشر، بسبب الحاجة لتقليص النشاط العسكري من جانب الجيوش النظامية والجماعات المسلحة على حدٍّ سواء.
ومع استمرار تفشي فيروس كورونا، يشغل السؤال الآن حول الكيفية التي يمكن أن تعمل بها القوات المقاتلة في بالشرق الأوسط، أذهان دول عدة، منها تركيا وروسيا وسوريا والسعودية وليبيا، وكلها لديها عمليات عسكرية نشطة في جبهاتٍ عدة.
تسليم قاعدة K-1 الجوية من قوات التحالف بقيادة الولايات المتحدة إلى قوات الأمن العراقية في كركوك 29 مارس/ رويترز
وفي العراق تمكَّن فيروس كورونا من فعل ما لم تستطعه السياسة. فبعدما قرَّر البرلمان العراقي مطالبة الولايات المتحدة بسحب قواتها من العراق، ورفض الأمريكيون هذا المطلب، قررت وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون) الأسبوع الماضي تقليص عدد القوات الأمريكية في البلاد بُغية تقليص خطر العدوى.
وذكر الإعلان الصادر عن قيادة القوات الأمريكية في العراق أنه سيجري إغلاق عددٍ من القواعد الأمريكية في البلاد، وخفض عدد القوات التي تقوم بمهام تدريبية للقوات العراقية، ووقف كافة التدريبات مع الجيش العراقي.
وقالت قيادة القوات الأمريكية “إن الولايات المتحدة إذ تواصل الالتزام بالدفاع عن العراق من هجمات داعش، فإننا سنقوم بذلك باستخدام عدد أقل من القوات والقواعد”.
وصدر بيانٌ مماثل في وقتٍ أسبق عن قوات التحالف العامِلة في أفغانستان يتعلَّق بقرار عدم إرسال أية قوات جديدة إلى تلك المنطقة بعدما وُجِدَت أعراض العدوى بالفيروس على 21 جندياً، ووُضِع 1500 من الجنود والمتعاقدين المدنيين الذين وصلوا إلى أفغانستان هذا الشهر مارس/آذار في حجرٍ صحي بعدما أظهروا أعراضاً مماثلة.
كورونا في سوريا.. وفاتان مجرد بداية
في شمال سوريا، كانت تركيا وروسيا قد بدأت بتسيير دوريات مشتركة في منطقة إدلب كجزءٍ من الاتفاق الذي جرى التوصل إليه في لقاء الرئيس التركي رجب طيب أردوغان مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
وتفيد التقارير بأن القتال بين القوات التركية والقوات الموالية للأسد، وهو القتال الذي هدّد بالتوسع والتحول إلى صدامٍ شامل بين الجيشين، قد توقّف بصورة كاملة تقريباً. ويتمثل مبعث القلق الرئيسي الآن في حدوث تفشٍّ للمرض في المحافظة المحاصرة التي يقطنها ثلاثة ملايين شخص، وفي مدينة إدلب نفسها، التي يقطنها مليون نسمة.
عامل صحي يقوم بفحص درجة حرارة طفل في مخيم للاجئين بإعزاز شمال سوريا/ رويترز
ووثقت منظمة أطباء من أجل حقوق الإنسان، منذ بداية الحرب عام 2011، 595 هجوماً على 300 مستشفى في كل أنحاء البلاد ومعظمها هاجمها الطيران التابع لنظام الأسد والطيران الروسي والجماعات الموالية لإيران. ولم يتم إصلاح معظم هذه المؤسسات الطبية خاصة تلك التي تقع في المناطق التي تسيطر عليها المعارضة.
وبحسب إحصائيات منظمة الصحة العالمية، فلا يعمل إلا نصف المنشآت الطبية في سوريا. وأعلنت سوريا عن حالة وفاة ثانية بكوفيد- 19 يوم الإثنين الماضي، فيما وصلت أعداد الإصابات إلى 16، وصفت الأمم المتحدة الإعلان بأنه “طرف كرة الثلج”، وربما كانت الحالات أعلى.
تقول مرام الشيخ، وزير الصحة في الحكومة المؤقتة، لصحيفة ذي إندبندت البريطانية، إنه لا يوجد إلا جهاز تنفس واحد لكل 26.500 شخص، ولا قدرات طبية على الإطلاق لمعالجة مرضى الفيروس.
وأضافت: لدينا أكثر من مليوني نازح يعيشون في المخيمات، ولدينا 65 مستشفى و200 سرير للعناية المركزة و150 جهاز تنفس لخدمة 4 ملايين نسمة. وقالت إن الحكومة فرضت بعض القيود مثل منع السفر إلى تركيا التي تجاوزت الإصابات فيها نحو 20 ألف، إلا أنها تحدثت عن ضرورة تعقيم المدارس والجامعات والأسواق، وأردفت: نحن بحاجة إلى حملة توعية، لا يعرف الناس ما هو قادم إليهم.
اليمن.. تسجيل حالة واحدة يعني التحول إلى وباء على الفور
أما في اليمن، البلد العربي الوحيد الذي لم يسجل إصابات بمرض كورونا حتى الآن بسبب عدم وجود فحوصات أصلاً، فلم تتوقف المعارك فيه بين التحالف والحكومة اليمنية من جهة، وبين ميليشيات الحوثي المدعومة من إيران من جهة أخرى، وسط مخاوف من وقوع كارثة إنسانية، إذا ثبت وصول الفيروس للبلاد التي تعاني من الحرب والدمار وانتشار المجاعة والكوليرا.
ولا يمكن لليمن الحصول على المساعدات الإنسانية والطبية بسبب الحصار الذي فرضه التحالف. ويقول الأطباء والعاملون في المنظمات الإنسانية، إن المسألة هي مسألة وقت قبل اكتشاف حالات إصابة. وأدت الحرب الدائرة منذ خمسة أعوام لأكبر كارثة إنسانية في العالم. وتحتاج نسبة 80% من سكان اليمن للمساعدات الإنسانية. وتقف نسبة ثلثي البلاد خطوة واحدة بعيداً عن المجاعة.
مستشفى في العاصمة اليمنية صنعاء سيتم تخصيصه لمرضى فيروس كورونا، استعدادًا لأي انتشار محتمل للوباء 29 مارس/ رويترز
وبسبب الحرب، شهد اليمن اندلاع موجات كوليرا كان يمكن منعها، مما يجعل سكانه عرضة لفيروس كورونا. وقالت منظمة أوكسفام البريطانية الأسبوع الماضي، إن هناك 50 حالة كوليرا تظهر كل ساعة، كل هذا بسبب عدم توفر مياه الشرب الصحية، وفي هذه الظروف يمكن للفيروس الانتشار بسرعة.
وبحسب إحصاءات منظمات حقوقية، وجد أنه خلال خمس سنوات من الحرب، قصف التحالف السعودي المستشفيات والعيادات 83 مرة، وقتلت غاراته عشرات المدنيين، وتقول منظمة أطباء من أجل حقوق الإنسان، إن اليمنيين عرضة للخطر أكثر من الآخرين بالمنطقة. ووثقت المنظمة، الدمار الذي أصاب القطاع الطبي. ويقول العاملون الطبيون إنهم لا يملكون المعدات لمعالجة الجرحى ومرضى الكوليرا وفقر التغذية حتى يكونوا في وضع لمكافحة فيروس كورونا.
ليبيا.. حرب مستعرة وتحذيرات من كارثة صحية
وفي ليبيا، تسعى السلطات الليبية جاهدة لاستيراد الإمدادات الطبية في طرابلس التي مزقتها المعارك، والهجوم الجنوني الذي يشنه الجنرال المتقاعد خليفة حفتر منذ عام.
لا يزال القتال في البلاد محتدماً بين حكومة الوفاق الوطني المعترف بها دولياً، والقوات التابعة لحفتر. وبحسب وزارة الصحة في طرابلس، تم تحديد ما لا يقل عن 17 حالة من الفيروس في حين سجلت وفاة واحدة، في وقت تفتقر فيه الحكومة إلى القدرة على اختبارات كشف الفيروس، بسبب عدم توفرها.
ويقول مسؤولو حكومة الوفاق لصحيفة الإندبندنت، إن طاقمهم الطبي ليسوا مدربين على التعامل مع الجائحة، وهم مشغولون بالفعل بإصابات المعارك من القصف اليومي والغارات الجوية التي يشنها حفتر المدعوم من مصر والإمارات.
عناصر من الشرطة الليبية يرتدون أقنعة واقية، يقفون في أحد شوارع مصراته، أثناء حظر التجول المفروض لمنع انتشار فيروس التاجي/ رويترز
وقالت منظمة الهلال الأحمر الليبي إنها تبرعت بالمعدات الواقية والقفازات المطاطية إلى مستشفيات طرابلس توقعاً لوصول حالات إصابة بكوفيد- 19، وأضافت: يجب علينا التعامل مع جرحى المعارك بأجهزة واقية خشية الإصابة، إلا أننا تبرعنا بما لدينا لحالة الطوارئ بسبب كوفيد- 19.
مصدر قلق رئيسي آخر هو عدد كبير من المهاجرين واللاجئين الضعفاء القادمين من عمق إفريقيا، لسنوات، كانت ليبيا واحدة من البوابات الرئيسية إلى أوروبا، حيث بلغت الذروة، ما يصل إلى 180.000 مهاجر يدفعون للمهربين لعبور البحر الأبيض المتوسط.
مع تجدد الحملة على تجارة التهريب داخل ليبيا، والإجراءات التقييدية المعمول بها في إيطاليا، توقف التدفق تماماً، لكن البلاد لا تزال تستضيف عدداً كبيراً من المهاجرين. وتحذر المنظمة الدولية للهجرة، من وصول فيروس كورونا لهذه المراكز، وأن نحو 1500 مهاجر على الأقل محتجزون في مراكز اعتقال رسمية، وهي قذرة وضيقة، وقد تساعد بيئتها على تفشي الفيروس.