لا شك أن ما يؤرق مضاجع العالم حاليا هو فيروس كورونا الذي فاق عدد المصابين به حاجز المليون واقترب عدد قتلاه من سبعين ألفا على مستوى العالم، لكن صحيفة كوريري ديلا سيرا الإيطالية ترى أن هناك فيروسا ثانيا يهدد العالم هو النزعات الشعبوية التي باتت تشكل خطرا على الأنظمة الديمقراطية.
وفي مقال تحليلي بعنوان “فيروس ثان في العالم” قالت الصحيفة إن هناك فيروسين حاليا في العالم، الأول هو كوفيد-19 والذي قد يتم احتواؤه عاجلا أم آجلا بواسطة لقاح أو دواء، أما الفيروس الثاني فهو خطر الشعبوية المحدق بالديمقراطيات الغربية والذي يتغذى من فيروس كورونا.
ويتجلى الفيروس الثاني -حسب كاتبي المقال ألبرتو أليزينا وفرانشيسكو جافازي- في أسلوب الحكم الذي ينتهجه الرئيس الأميركي دونالد ترامب ونظيره الروسي فلاديمير بوتين، وفي أنظمة الحكم الفردي التي يمثلها رئيس وزراء المجر فيكتور أوربان، وفي النزعة السيادية التي تعتمدها بعض الدول الأوروبية.
ويرى الكاتبان أن علاج الفيروس الثاني يكمن في تعزيز الديمقراطية الليبرالية وتقوية مبدأ “الضوابط والتوازنات” بين السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية.
وقالا إن خطورة الفيروس جدية ذلك أنه من بين القواسم المشتركة بين القادة الشعبويين هو رفضهم للعلم، وهو ما تسبب في تأخر عدد من الدول على رأسها الولايات المحدة وبريطانيا بعدة أسابيع في اتخاذ تدابير ناجعة لمكافحة فيروس كورونا مما تسبب في حصول وفيات كان بالإمكان تلافيها.
فعلى سبيل المثال -بحسب المقال- كان ترامب يردد حتى مطلع مارس/آذار الماضي أن الوضع تحت السيطرة وأن خصومه بالحزب الديمقراطي يبالغون وأن الفيروس سيختفي بمعجزة في فصل الربيع، أما رئيس وزراء بريطانيا بوريس جونسون فقد دعا لاعتماد ما سماه مناعة القطيع قبل أن يصاب هو شخصيا بالفيروس.
أما نتيجة تلك المواقف الشعبوية فهي أن عدد المصابين بالولايات المتحدة فاق ثلاثمة ألف، وهناك توقعات أن يتراوح عدد القتلى هناك بين مئة ألف شخص ومئتي ألف خلال الأشهر المقبلة.
وإذا كان القائد الحقيقي هو من يوحد جهود بلاده في حالات الطوارئ، فإن ترامب يعمق انقسامها مما يثير مخاوف البعض بشأن قيام الانتخابات الرئاسية في الرابع من نوفمبر/تشرين الثاني المقبل، حيث يمنع الدستور تأجيلها.
وإذا اتسع انتشار فيروس الشعبوية -بحسب مقال الصحيفة الإيطالية- فإن أوروبا ستتحول إلى كيانات فقيرة ولا قيمة لها وإن بعض قادتها الذين يستغلون ذريعة السيادة ومكافحة الهجرة، سيدمرون الكيان الأوروبي ليصبح عبارة عن دول مستقلة شكليا لكنها في الحقيقة حدائق خلفية تحت رحمة روسيا والولايات المتحدة والصين.
وساقت الصحيفة حالة المجر حيث يستغل رئيس الوزراء فيكتور أوربان المخاوف الناجمة عن تفشي فيروس كورونا، من أجل تعليق قواعد الديمقراطية في البلاد.
في مقابل ترامب الذي يعرّض الأعراف الديمقراطية العريقة في بلاده لامتحان عسير بإرساء تقاليد جديدة تناقضها وتكرس حكم الفرد، تتوقف الصحيفة عند الرئيس الروسي الذي يرى أن “الديمقراطية نظام بال” ويتدخل بأساليب مختلفة في الديمقراطيات الغربية وفي مساراتها الانتخابية.
المصدر : الصحافة الإيطالية