تمكن الرئيس السيسي خلال الفتره الرئاسيه الاولي ، من هز اركان كافه السياسات التي قام عليها منافيستو عبد الناصر وشكلت مجمل السياسات التي قام عليها النظام الجمهوري خلال السته عقود الماضيه :
اولا: الاتجاه لزيادة قدره الدوله المصريه علي اداره الموارد الاقتصاديه ، وذلك بالتخلي عن مجمل السياسات ، السياسية والاجتماعيه والاقتصاديه ، التي سادت في العصر الجمهوري ، واستخدمت للتغطيه علي سوء اداره الموارد الاقتصاديه وهي :-
١- تسعير الجنيه المصري بأكثر من قيمته الحقيقيه. فكان قرار تعويم قيمه الجنيه في نوفمبر ٢٠١٦ ، هو اجرا قرار اقتصادي تم اتخاذه في العصر الجمهوري منذ سنه ٥٢ لانه اظهر مدي ضعف الجهاز الانتاجي للدوله ، ومن ثم ، اصبح إصلاح الجهاز الانتاجي ضروره حياه ، يجب ان يستجيب لها نظام الحكم ، حتي يكتب له النجاه بل والحياه.
٢- الاعتراف بعدم قدره الجهاز الاداري في الدوله علي انشاء وأداره مشروعات الدوله الخدميه والانتاجية ، بأساليب البيروقراطيه العتيقه ، والقوانين والتشريعات المتناقضه ، التي تحمي ليس فقط عدم كفاءتها ، بل ، وفسادها.
فتصدت القوات المسلحه عن طريق جهازي الخدمه المدنيه ، والهيئة الهندسية للقوات المسلحه ، لاداره كافه استثمارات الدوله المصريه ، لانشاء وأداره المشروعات الاستراتيجيه في مجالات البنيه التحتيه في شيكات الكهرباء ، والطرق ، والمياه ، والصرف الصحي ، والنقل والاسكان ، والمشروعات الانتاجيه للطاقه ( الغاز والبترول ) وألطافه المتجدده ( الشمس والرياح ) وشبكه نقل المعلومات والاتصالات ، وإستصلاح وزراعه الارض الجديده والتوسع الزراعي الرأسي عن طريق الصوب الزراعيه ، ومزارع الأسماك ، والمدن الجديده ، وحل مشكلات العشوائيات ، وتحقق خلال الفتره الرئاسيه الاولي انجازا مبهرا ، نتائجه تظهر مدي فشل جهاز الدوله البيروقراطي ، الذي كان يحتاج – بطريقه عمله العاديه – الي اربعه عقود علي الأقل ليحقق هذه الإنجازات ، ولأربعه أضعاف الاستثمارات الماليه نتيجه للفساد.
ويمكن لأي باحث مدقق ان يقارن الاستثمارات التي تمت – باموال المعونات العربيه – بعد ٣٠ يونيه في فتره رئاسه عدلي منصور ، فيما سماه الاقتصاديون المحترفون – الببلاوي وزياد بهاء الدين – بالانفاق الاستثماري علي الحزم التحفيزية ، لعلاج الكساد الاقتصادي – فإستخدوا أموال المعونات العربيه في مشروعات تصدي لها الجهاز الاداري ، فتمت سرقه هذه الأموال ، بمعرفه لصوص الجهاز الاداري ، ولَم يظهر لها – رغم ضخامتها – اي عائد ، وخسرت الدوله المصريه أموال المعونات العربيه خلال الفتره الانتقالية ، قبل رئاسه السيسي.
٣- كشف حقيقه السياسه الاجتماعيه. التي قامت علي دعم الطبقات الاجتماعيه الفقيره. من خلال اداره دعم الفقراء للتغلب علي مصاعب الحياه ، وتم ترتيب دخول ثابته من خلال وظائف صوريه في الجهاز الاداري والانتاجي في الدوله ، وتحولت كل قوه العمل المنتجه في مصر الي موظفين وعمال ، ذوي دخول ثابته ، بصرف النظر عن إنتاجيتهم ومهاراتهم ، وكان من الطبيعي وجود نظام حكومي للدعم ، في ظل ثبات بل وتدني الدخول الثابتة ، والتي لم تستجيب لمواجهه كل متطلبات الحياه ، فقدم دعم الغذاء ، و دعم التعليم والصحه والنقل والاسكان ، ودعم الطاقه والسماد ، ودعم كل الانشطه الخاصه عن طريق دعم الجنيه ، علي حساب موارد الدوله من العملات الأجنبيه ، واتباع سياسه خارجيه ، تقوم علي مايقدمه العالم من معونات ومنح وقروض ، وكان من الطبيعي ان تزداد مخصصات الدعم السنويه ، مع توالي الزياده السكانيه ، وسوء اداره موارد الدوله وارتفاع الأسعار العالميه، ونفاذ الموارد الماليه التي نهبها نظام عبد الناصر من عهود الدوله الملكيه الليبرالية ، ونضوب المعونات والمنح العالميه ، ففشلت السياسات الاجتماعيه القائمه علي دعم الفقراء ، لأنهم ازادادوا فقرا علي فقرهم ، واتسعت قاعدتهم ، وتدنت ، بل نقول ، انعدمت خدمات الصحه والتعليم. وفشل نظام دعم الفقراء ، وواجه الفقراء مصيرهم ، وظهرهم للحائط ، لأنهم عندما اعتمدوا علي الدوله ، فقدوا كل مهاراتهم التي كان من الممكن ان تعينهم علي الكسب ومواجهه الحياه.
وواجه النظام حقيقه انه يجب ان تتحول سياسات اداره الفقر – الذي زادت الفقراء فقرا ووسعت قاعدتهم – الي ضروره تبني سياسة اداره الثروه ، لتوسيع قاعدتها ، ولتمكن الفقراء من المهارات التي تمكنهم من كسب عيشهم وعدم الاعتماد علي الدوله.
٤- كشف حقيقته الحياه السياسية في مصر. فكان يقال مثلا بأن نظام الحزب الواحد المسيطر علي الحياه السياسية – الذي خلقه عبد الناصر ، وتبناه خلفاؤه السادات ومبارك – هو الذي أدي الي تدهور الحياه السياسية. وأظهرت حقيقه عدم وجود حزب للرئيس السيسي خلال اربع سنوات من حكمه ، عدم صدق هذه الفرضيه ، فالباب مفتوحا علي مصراعيه لتكوين الأحزاب – بدون اي قيود – حتي ان عددها زاد عن مئه حزب.
وهو ما وضع المصريين امام حقيقه هامه وهي ان ضعف الحياه السياسية ، ليس سببها السلطه اي كان شكلها ، وإنما يمكن البحث عن اسبابها في ضحاله ثقافة المجتمع وتعليمه ، وعدم وجود اصحاب مصالح وطنيه متبلورة ، تسعي الي تأسيس كيانات سياسية لحمايه هذه المصالح ، سواء بوجودها في الحكم او في المعارضه. وانه – في ظل غياب – هذه الكيانات السياسية الوطنيه ، يكون من اللازم تصدي القوات المسلحه – بإعتبارها مؤسسه الشعب الحاميه لمصالحه لانها تتكون من كل طبقاته وفئاته – لعمليه اداره الدوله ريثما تتبلور هذه الكيانات الوطنيه.
ثانيا: ان القوات المسلحه المصريه ، خلال الأربع سنوات الاولي من حكم السيسي ، تحملت مجهودا فوق طاقه الاحتمال ، لانها ، كانت تحارب علي جبهتين :
١- جبهه حمايه حدود الدوله – وهو دورها الأساسي – في ظل ظروف استثنائية فرضت تهديدات خارجيه تهدد كيان الدوله المصريه علي كل حدودها – الشرقيه في سيناء بحرب ضروس ضد ارهاب عالمي يخلق بيئه غير مواتيه للعمليات العسكرية التقليديه، مما يستلزم جهودا غير عاديه وإعداد كبيره من الشهداء ، وعلي الحدود الجنوبية والغربيه وعلي سواحل البحرين الأبيض المتوسط والأحمر.
٢- الجبهه الداخليه. حيث تصدت القوات المسلحه لعمليه اداره دولاب العمل الانتاجي والخدمي ، في كل مجالات الحياه المدنيه ، لتعويض عدم كفاءه جهاز اداره الدوله المدني.
وهذا عبء إضافي علي اجهزه القوات المسلحه ، استدعاها السيسي لأدائه ، بروح القتال والنصر في معارك مدنيه ، للمحافظه علي الجبهه الداخليه من السقوط ، في الوقت الذي تعاظمت فيه التهديدات الخارجيه والارهاب الدولي.
وأصبح من الواضح ان هذا الدور الاستثنائي للقوات المسلحه لايمكن ان يستمر ، وان علي اجهزه الدوله المدنيه ان تقوم بدورها بكفاءه ، وبنفس الروح التي تصدت لها اجهزه القوات المسلحه.
واعتقد ان هذا هو الهاجس الأساسي للرئيس السيسي في فتره الرئاسه الثانية. ويجب علي القوي الحيه الوطنيه ان تساعده وتشاركه في ذلك.