عادت الولايات المتحدة لتشهد حلقة جديدة من ”الإرهاب الاجتماعي” فقد أصيب 5 أشخاص في إطلاق نار نفذه مجهول، داخل حديقة مزدحمة بالزائرين في ولاية تكساس الأمريكية. ونقلت شبكة ”سي إن إن” الأمريكية، الإثنين 11/05/2020، عن المسؤول الإعلامي في شرطة مدينة فورت وورث، جنوبي تكساس، قوله إن إطلاق النار ”وقع قبل الساعة السابعة مساء بالتوقيت المحلي، مساء الأحد 10/05/2020، في حديقة فيلاج كريك”. وأضاف، في مؤتمر صحافي عقده مساء الأحد، أن الحديقة كانت تضم جمعا من 600 شخص جاءوا للاستمتاع بالألعاب النارية، عندما وقع إطلاق النار. وبحسب التقارير الإعلامية، فإن شخصين من المصابين في حالة حرجة.

 منذ وصول الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى البيت الأبيض مطلع عام 2017، موجات غير مسبوقة من جرائم الكراهية والتمييز العنصري شهدها المجتمع الأمريكي رفعت معدل حوادث إطلاق النار التي تحصد المزيد من أرواح الأمريكيين فيما ارتفعت نسبة الجرائم والاعتداءات على الأقليات إلى أعلى مستوى لها… والشاذ في الأمر، أنّ تصريحات ترامب التحريضية ونزعته لما يسمى ”التفوق العرقي للبيض” عززت بذور التمييز العنصري المتأصل أيضاً في الولايات المتحدة وساعدت على انتشاره كما النار في الهشيم لتطمس كل المحاولات والجهود التي بذلتها المؤسسات الأمريكية الرسمية وغير الرسمية على مدى عقود لتبرئة المجتمع الأمريكي من تهمة العنصرية.

 لقد ارتفعت حوادث إطلاق النار حيث شهدت البلاد خلال العامين الماضيين عشرات حوادث إطلاق النار كان أبرزها في تشرين الأول 2017 عندما أطلق رجل النار على حفل موسيقي في لاس فيغاس بولاية نيفادا ما أسفر عن سقوط 58 قتيلا ونحو 500 جريح. وسجلت حوالي 1.2 مليون جريمة عنف في 2018 في الولايات المتحدة. وسُجل في 2018 ما مجموعه 16214 جريمة قتل، ارتُكب نحو 75 في المائة منها بواسطة أسلحة نارية، وفقاً لمكتب التحقيقات الفيدرالي الأميركي. وقالت صحيفة يو أس إيه توداي الأمريكية، إن عام 2019 شهد وقوع أكبر عدد من عمليات القتل الجماعي منذ السبعينيات، بواقع 41 عملية قتل فيها فوق أربعة أشخاص باستثناء مرتكب الجريمة. ومن بين هذه العمليات كان هنالك 33 حالة إطلاق نار قتل فيها 210 أشخاص. وأشارت الإحصائيات إلى أنه تم تنفيذ معظم هذه الحوادث بالأسلحة النارية مبينة أن توصيف القتل الجماعي ينطبق على أي حادث ينطوي على مقتل أربعة أشخاص وما فوق باستثناء القاتل. وقالت الصحيفة إن معظم عمليات القتل الجماعي لم تجد طريقها إلى وسائل الإعلام الوطنية، لأنها لم تقع في أماكن عامة، ويتضمن غالبها قتل زملاء العمل، أو الأقارب، أو أفراد عصابات.

 وعلى الرغم من أن لون البشرة، واحداً من أهم مسببات الانقسام في داخل المجتمع الأميركي، كما تعكسه مرآة السياسة هناك، إلا أن على المرء أن لا يغفل قط ما يشغل الأميركيين اليوم من صراع حاد حول السماح بحيازة وحمل الأسلحة النارية الخفيفة، بل وحتى المتوسطة والثقيلة، هناك، بخاصة بعد تضاعف أنباء عمليات القتل العشوائي التي يتوقعها الأميركيون اليوم في المدارس والجامعات، وفي النوادي والأسواق، من بين سواها من الأماكن العامة.

 مرتكبو جرائم إطلاق النار سواء كانت ذات منشأ عنصري لا يواجهون أي عائق أمام ارتكاب فظائعهم، فالقانون الأمريكي يسمح بحيازة الفرد للسلاح. ورغم تزايد عدد حوادث إطلاق النار وانتشار الرعب في المدارس على وجه الخصوص بعد أن تكررت مثل هذه الحوادث فيها، إلا أن الإدارة الأمريكية برئاسة دونالد ترامب لم تحرك ساكنا، بل عرقلت أي تحرك قانوني لسن تشريعات جديدة تحد من انتشار الأسلحة في الولايات المتحدة وسهولة حيازتها. فترامب يعتبر من أبرز المدافعين عن حرية اقتناء السلاح، وسبق أن تعهد خلال حملته الانتخابية عام 2016 بالدفاع عما اعتبره ”الحق” لدى فئات من الأمريكيين بحمل سلاح ورفع القيود التي وضعها الرئيس السابق باراك أوباما على شراء الأسلحة.

 وإذا كان الرئيس دونالد ترامب، متمسكاً شخصياً لحيازة وحمل الأسلحة، فإن ذوي ضحايا الرمي العشوائي، يقفون ضد الرئيس وضد حزبه بسبب ما تعرضوا إليه من آلام وما قدموه من ضحايا، جلهم من أبنائهم، للأسف. انعكاس هذا الكم الهائل من عنصرية ترامب سواء ضد الأقليات أو المرأة كان واضحاً في المجتمع الأمريكي، فقد زادت خطابات العنصرية والتمييز في أرجاء الولايات المتحدة، كما زادت حدة العنصريين البيض. وحسب الاحصائيات الجديدة فإن معظم عمليات القتل الجماعي وقعت بين أشخاص تربطهم علاقات شخصية أو نتيجة نزاعات عائلية أو قضايا مرتبطة بالمخدرات والعصابات ما يوضح حالة التفكك التي يعاني منها المجتمع الأمريكي نظرا لانتشار ظاهرة العنف وثقافة حق حمل السلاح الفردي دون رقيب أو حسيب.

 مسؤولية ترامب عن ارتفاع جرائم الكراهية وإطلاق النار لا تقف فقط عند عنصريته ومواقفه القائمة على التمييز والتفرقة بين الأمريكيين بل تتعداها إلى تجاهله عواقب هذه الجرائم ورفضه كل المحاولات الهادفة إلى تعديل القوانين الخاصة بحيازة السلاح إرضاء للوبي الأسلحة الأمريكي الذي يتألف من جماعات ضغط وشركات لا يرغب ترامب بمعارضتها نظرا للمصالح المشتركة التي تجمعه بها. وما نسمعه اليوم من ترامب، هو ما قاله نفسه السياسي الأميركي جون كالهون عام 1848 في نقاش بشأن عدّ المكسيكيين مواطنين في الولايات المتحدة الأميركية، عندما قال: ”حكومتنا هي حكومة الرجل الأبيض” وكرره السياسي الأميركي ستيفان دوغلاس عام 1858 ”لقد قامت دولتنا على يد الرجل الأبيض، من أجل مصلحة الرجل الأبيض وازدهاره إلى الأبد”.

 ما يهمنا هنا هو تدبر السؤال الكبير: هل نتوقع إرهاباً أبيض يسيطر على أميركا؟

 ربما يكون صحيحا أن وجود رئيس مثل دونالد ترامب في البيت الأبيض شجع المتطرفين البيض على التبجح إلى حد العنف الذي أسفر عن قتل وإصابات، لكن الحديث عن صعود اليمين المتطرف من عنصريين بيض ونازيين جدد بشكل غير مسبوق فيه مبالغة، ولعل التغطية الإعلامية أسهمت في ترويج تلك المبالغة حتى بدت كحقيقة واقعة. حتى الحديث عن أن استمرار حكم ترامب يمكن أن ينتهي بأميركا منقسمة على أساس عنصري ويشيع موجة إرهاب داخلي يجانبه الصواب. فلا يمكن إغفال حقيقة أن الولايات المتحدة تحكمها مؤسسات وقوى تمثل مصالح بشكل توافقي، بغض النظر عن الإدارة الموجودة على رأس الجهاز التنفيذي. ومع التسليم بضعف وترهل المؤسسات في العالم عموما، وبالتأكيد في أميركا، إلا أن النظام يظل هو صمام أمان للجميع وتظل المؤسسات مؤثرة وإن ضعف التأثير. صحيح أن كل شيء وارد، وأن التغييرات الكبرى تبدأ بانهيار النظم لكن ليس هناك ما يؤشر على أن الوضع في أميركا يسير بهذا الاتجاه.

 لن تنتهي العنصرية في أميركا، ولن تعدم ”الإرهاب الأبيض” من وقت لآخر، لكنها ليست على وشك التحول إلى بؤرة نازيين جدد أو متطرفين عنصريين يغزون العالم. ولننظر لأنفسنا، فبضع آلاف من المسلمين الذين يمتهنون قتل الأبرياء وتفجير أنفسهم في المدنيين لا يمكن أن يكونوا التيار السائد بين المسلمين. وإذا كنا نصرخ دوما بألا يأخذنا العالم بجرم هؤلاء، فالأدعى أن نكون منصفين ونحن نرصد عنصرية اليمين المتطرف الأميركي. ولا يعني ذلك أن للعنصرية الأميركية أشكالا مختلفة، منها ما هو مستتر في التعاملات السياسية والتجارية، لكن حديثنا هنا عن دعاة تفوق الجنس الأبيض والنازيين الجدد.

تصف ”روبين توماس” مديرة المركز القانوني ضد أعمال العنف التي ترتكب باستخدام أسلحة نارية واقع انتشار الأسلحة الشخصية في الولايات المتحدة بالقول ”الدولة الفيدرالية لا تفعل إلا القليل وتقريباً لا شيء” في هذا المجال، ولكن 40 في المائة من مبيعات الأسلحة لا يشملها القانون لأنها تجري بين أفراد ”على مواقع الكترونية متخصصة لتقوم بدور وساطة بين شخصين ولا يطال القانون سوى التجار الذي يملكون تصريحا بهذه التجارة، وهناك ثغرات في السجل العدلي الفيدرالي للأفراد”.

ويمكن الربط بين النظم الاقتصادية وما يحدث في المجتمعات، ويتفرد مجتمع الولايات المتحدة الأمريكية بنظام اقتصادي لا يماثله نظام آخر في العالم، فدولة الولايات المتحدة تضم خمسين ولاية ولكل ولاية نظمها وقوانينها، غير أنها جميعاً سائرة في إطار نظام السوق والاقتصاد الرأسمالي القائم على المنافسة ومنع الإحتكار، وتأخذ المنافسة واقعاً حدياً لا وجود للضعفاء مكان فيه، بل أن هناك أعرافاً تسير الحياة وفق دلالاتها ومضامينها منها ”عندما نتحدث عن الكسب و المال فإن الشفقة تعني الضعف” و ”إن الفقراء أغبياء و كسالى ويستحقون فقرهم والأغنياء الأثرياء أذكياء ومثابرون ويستحقون غناهم”.

أما نظام السوق فيعمل بقوانين المنافسة الكاملة والتي من بين أنواعها ما يعرف بـ”منافسة قطع الحنجرة” التي تعني ”اقض على منافسيك بإخراجهم من السوق قبل أن يقضون عليك ويخرجونك من السوق” في مثل تلك النظم والقوانين والتشريعات الصارمة الحدية التي تفرضها النخب السياسية في الكونجرس التي تمثل كبريات الشركات والمصالح المسيطرة على سائر طبقات المجتمع الأمريكي، في مثل هذا الواقع لابد أن يسعد أناساً ويشقى منه آخرون.

باحث وكاتب صحفي من المغرب.

نُشر بواسطة رؤية نيوز

موقع رؤية نيوز موقع إخباري شامل يقدم أهم واحدث الأخبار المصرية والعالمية ويهتم بالجاليات المصرية في الخارج بشكل عام وفي الولايات المتحدة الامريكية بشكل خاص .. للتواصل: amgedmaky@gmail.com

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

Exit mobile version