على مدى الأسابيع القليلة الماضية، أخذت شركات النفط الكبرى تصدر بياناتها المالية للربع الأول من هذا العام. وقد سُلطت الأضواء على هذه التقارير خاصةً، لأنها تعطي رؤية أولية عن مدى تأثير الانهيار الأخير في أسعار النفط على كبرى شركات الإنتاج النفطي. وجاءت البيانات لتشير إلى أن العديد من أكبر شركات النفط في العالم قد شهدت خسائر في الربع الأول، وعانى بعضها خسائر فادحة. وهذا أمر غير معتاد في صناعة معتادة على تحقيق الأرباح. غير أن المقلق أيضاً هو أن سعر النفط لم يشهد انهياره الحاد إلا في 9 مارس/آذار، أي أن بقاءه على مستوى الانخفاض الحاد حقاً لم يستمر سوى ثلاثة أسابيع ونصف من إجمالي 13 أسبوعاً في الربع المالي.
الثلاثاء 12 مايو/أيار، أعلنت شركة أرامكو النفطية السعودية العملاقة تراجع صافي أرباحها في الربع الأول من العام بنسبة 25% جرّاء انخفاض أسعار الخام، مشيرة إلى أن أزمة كوفيد-19 ستؤثر على الطلب وعلى إيرادات العام الجاري.
وأعلنت أكبر شركة مدرجة في سوق مالية على مستوى العالم أن صافي أرباحها بلغ 62,5 مليار ريال (16,66 مليار دولار) في الأشهر الثلاثة الأولى من السنة، مقارنة بـ22,2 مليار دولار في الفترة ذاتها من العام الماضي.
إليك ما ينبغي التحري عنه في بيانات الربع المالي الأول الخاصة بشركة أرامكو للحصول على نظرة ثاقبة في أوضاع سوق النفط، بحسب تقرير لمجلة Forbes الأمريكية.
1- هل كان إنتاج النفط مربحاً لأي طرف في هذا الربع المالي؟
تختلف أرامكو عن منافسيها من جهة أن أعمالها لا تزال تعتمد اعتماداً أكبر بكثير على إنتاج ومبيعات النفط الخام (مرحلة التنقيب والاستخراج/المنبع) من التكرير والمنتجات (مرحلة التكرير والتصنيع/المصب). علاوة على ذلك، تحتفظ أرامكو بمزايا ضخمة في مرحلة التنقيب والاستخراج، مثل امتياز الحقوق الحصرية في النفط السعودي وتكاليف الرفع المنخفضة للغاية التي تبلغ 2.80 دولار فقط للبرميل. والسؤال هو ما إذا كانت هذه المزايا مكّنت أرامكو من تجنب جزء كبير من الخسائر التي عاناها منافسوها في مارس/آذار.
2- في ظل أسعار النفط شديدة الانخفاض التي شهدناها خلال معظم شهر مارس/آذار، هل سيكون من المجدي لأرامكو أن تُفرط في الإنتاج لتحقيق إيرادات أكبر؟
إذا كانت أرامكو لا تزال تحقق أرباحاً مع هذه الأسعار المنخفضة جداً للنفط –وهذا هو السؤال الكبير- فقد يكون من المنطقي أن تنتج السعودية أكثر من المتوقع في بعض الأحيان.
وقد تكون هذه معلومات مفيدة في بداية الصيف عندما تعيد “أوبك” النظر في حصص الإنتاج. بعبارة أخرى، إذا كانت أرامكو لا تزال تجني المال حتى مع هذا الانخفاض الحاد في الأسعار، فقد يكون من المنطقي للحكومة السعودية أن تطلب من أرامكو إنتاج المزيد. ففي النهاية، لا تزال أرامكو مصدراً لأكثر من 60% من إيرادات السعودية في الأعوام العادية، وهي مصدر أكبر بكثير هذا العام خاصةً، بالنظر إلى المتوقع من إلغاء الحج والعمرة والسياحة الدينية بوجه عام. وخلاصة الأمر أنه إذا كانت أرامكو تجني أموالاً من النفط في ظل هذه الأسعار المنخفضة، فقد يرغب تجار النفط في أن المملكة يُمكنها وينبغي لها أن تدعو إلى زيادة حصص إنتاجها في اجتماع منظمة أوبك المقبل.
3- هل يبدو أن أرامكو لديها المال الكافي للاستثمار في أصول ومشروعات جديدة؟
منذ أواخر الثمانينيات، توسعت أرامكو دولياً وفيما يتعلق بالتكرير والتصنيع بانتظام إلى حد كبير. وتوسعت خاصةً في شرق آسيا، لكنها تمتلك أيضاً المصفاة الأمريكية الأكبر [مصفاة “بورت آرثر” بولاية تكساس الأمريكية التي تصل طاقتها الاستيعابية إلى 600 ألف برميل يومياً، وهي الأكبر في الولايات المتحدة]، ومعامل تكرير مختلفة في أمريكا الشمالية وأوروبا والهند.
كانت أرامكو قد أعلنت قبل عامين التزامها بمبلغ 40 مليار دولار من النفقات الرأسمالية (capex) سنوياً [هي مقدار الأموال النقدية الصافية التي تنفقها شركة ما في سبيل الحصول على أصل طويل الأجل، كالمنشآت والمعدات وغيرها، وتحسينه. وعادةً ما يستخدم في مشروعات أو استثمارات جديدة للشركات التي ترغب في الحفاظ على نطاق عملياتها أو توسيعه أو رفع كفاءة الشركة وقدراتها]، لكن المبلغ ما انفك ينخفض منذ ذلك الحين. وإذا استنفدت الشركة عوائدها في دفع النفقات والأرباح العادية الكبيرة وتسديد أموال الحكومة، فإن المرجح أن تخفض استثمارتها العالمية. وفي ظل اتجاه الشركات الأخرى إلى خفض النفقات الرأسمالية بالفعل، فإن ذلك يمكن أن يفضي إلى تخفيض كبير في قيمة الصناعة وأصولها. وقد يعني ذلك أيضاً قدراً أقل من الاستكشاف والتكرير في المستقبل.
يجب ألا ننسى أن البيانات المالية التي أعلنتها أرامكو الثلاثاء لا تشمل بيانات شهر أبريل/نيسان. وهذا يعني أنها أعلنت عن جزء فقط من الأضرار التي عانتها الشركة بالفعل في ظل الأسعار المنخفضة، ولن تتناول طبيعة التأثير الذي تسبب به زيادة الشركة لإنتاجها في أبريل/نيسان (بإنتاج وصل إلى 12 مليون برميل يومياً، و300 ألف برميل إضافي من المخزون) على الأرباح النهائية. ومع ذلك، فإن أرقام أرامكو، باعتبارها الأخيرة في بيانات الربع المالي الأول لكبرى شركات النفط، ستعطي إمكانية لبعض التبصر المعتبر والتوقعات المفيدة فيما يتعلق بمستقبل سوق النفط.
تشير الأخبار الأخيرة القادمة من المملكة خلال عطلة نهاية الأسبوع إلى أن البيانات المالية لأرامكو ليست إيجابية. وهذا يتضمن أنباء تفيد بأن الجانبين [شركة أرامكو والحكومة السعودية] قد يعيدان التفاوض بشأن سعر الشركة السعودية للبتروكيماويات (سابك) على الرغم من إعلان أرامكو استحواذها المزمع على حصة 70% في سابك يمضي قدماً نحو الاكتمال في الربع الثاني، إلا أن مصادر قالت لرويترز هذا الأسبوع، إن من المرجح إعادة هيكلة الصفقة مع هبوط أسعار النفط بسبب فيروس كورونا التي من المقرر أن تشتريها أرامكو من صندوق الاستثمارات العامة التابع للحكومة السعودية خلال الأشهر المقبلة. كما أن الحكومة السعودية قررت مضاعفة ضريبة القيمة المضافة بمقدار ثلاثة أضعاف، وأوقفت بدل “غلاء المعيشة” لقطاع التوظيف الحكومي الضخم، وهي إجراءات تعني أن الحكومة قلقة بشأن إيراداتها الخاصة.