تشهد مناطق عدة في سيناء هجمات إرهابية منظمة على مراكز ونقاط أمنية ومصالح حيوية أسفرت عن سقوط شهداء من عناصر الجيش والشرطة إلى جانب عشرات المسلحين. إنها حرب شرسة ضد عناصر إرهابية مدعومة بالمال والسلاح من دول عديدة لنشر الفوضى والعنف في مصر لإعاقة خطط التنمية والتحول الاقتصادي، ومن المعلوم، أنه لا توجد عمليات عسكرية بلا خسائر وأمام تنظيمات إرهابية عالية الكفاءة، لديها أسلحة نوعية بكميات ضخمة ولديها القدرة على الحركة وتبادل الخبرات والمعلومات والأفراد مع كافة التنظيمات المشابهة، إضافة إلى الذين استقدموا من سوريا والعراق وليبيا، ولديهم خبرات تطبيقية وعملية على الإرهاب

وفي هذا السياق يتابع الجيش المصري حملاته العسكرية في سيناء للقضاء على المجموعات الإرهابية، وقد أثمرت القضاء على العشرات من الإرهابيين قتلوا في قصف جوي و مدفعي في مناطق الجماعات الإرهابية في مدن رفح والشيخ زويد والعريش وبئر العبد.

وقبل البدء في إلقاء الضوء على الصورة الملتبسة في سيناء التي يجري بالتدريج وبشكل ممنهج تحويلها إلى ساحة حرب وبؤرة في خاصرة المصريين تستنزف بلادهم وجيشهم وثورتهم، لابدّ من الإشارة إلى أن الجيش المصري هو أحد الجيوش العربية الأخيرة التي لا تزال تحتفظ بقوتها العسكرية وتماسكها، وترى أن ”إسرائيل” وجيشها هما العدو، رغم ”كامب ديفيد” تلك الاتفاقية المشؤومة التي عزلت مصر، وأبعدتها عن بيئتها العربية الطبيعية، وكبلتها بقيود ثقيلة وصعبة، سياسياً وعسكرياً وأمنياً. فمعاهدة السلام المصرية الإسرائيلية 1979 وتطبيقا لبنودها الأمنية فرض على تلك المنطقة تقليص التواجد الأمني إلا من التسليح الشخصي لأجهزة الشرطة فباتت سيناء مرتعا للعناصر التكفيرية وللموساد وعصابات التهريب. وفى أعقاب ثورة 25 يناير استغلت العناصر المتطرفة المتلحفة برداء الإسلام الوضع الأمني المنفلت، ودعموا تواجدهم في تلك المنطقة إلى أن تم تأسيس قواعدهم بقرار ”محمد مرسى” بالإفراج عن أكثر من ثلاثة آلاف إرهابى من السجون المصرية والذين استوطنوا سيناء ليكونوا الشوكة التي تؤرق حياة المصريين حال انقلابهم عليه وهو ما يحدث الآن بالفعل.

لقد تحولت سيناء والممر الأمني الرخو المرتبط بها والممتد من شرم الشيخ والغردقة إلى طابا وإيلات والعقبة، إلى وجهة وهدف الجماعات التكفيرية التي تستفيد من انفتاح المنطقة على الصحراء والبوادي العربية والأفريقية والبحر الأحمر، وتداخل القبائل وتمازج الأنساب في المنطقة، فضلاً عن مشاطأة ست أو سبع لهذه المنطقة المترامية.

وزاد الطين بلة، وقوع الانقلاب السياسي في غزة نتيجة انتخابات عام 2006 وما تلاه ونتج عنه من أعمال عدوان وحصار على القطاع، ما أنتج شبكة من القنوات التحتية سهلت وظيفة التواصل بين من يسمون ”جهاديي البلدين”، مروراً بانهيار نظام العقيد القذافي، وانفتاح بوابات مستودعاته العامرة بكل أنواع السلاح والذخائر، أمام الحركات السلفية والمهربين وتجار السلاح، وصولاً إلى حكم الرئيس المعزول ”محمد مرسي” ومجيء الإخوان والسلفيين إلى قمة السلطة في مصر، الأمر الذي أفضى إلى خروج مئات الجهاديين من السجون المصرية، وتحوّل سيناء إلى قبلة أنظار هذه الجماعات، التي وإن كانت على خلاف عقائدي مع الإخوان، فإنها عرفت، وهم عرفوا أيضاً ـ كيف يتبادلون المنافع الخاصة، ويسندون بعضهم بعضاً فيما يسمونه ”الشدائد” ”مراحل التحول الكبرى”.

منذ أن أقصى الشعب المصري من خلال مسيراته التي ضمت عشرات الملايين جماعة الإخوان المسلمين عن السلطة في مصر لأسباب باتت معروفة لدى الجميع، وفي مقدمتها: استئثارهم بالسلطة، وإبعادهم للفئات المصرية التي قامت بالثورة ضد نظام حسني مبارك ومن ثم سعيهم خلال عام من حكمهم في ظل رئاسة مرسي إلى ”أخونة الدولة” وفرض قيود على الشعب المصري تجاوزها الزمن منذ ذلك الوقت ازدادت أعمال التخريب والاعتداءات على القوات العسكرية والأمنية في سيناء من قبل آلاف التكفيريين… كثيرون منهم من غير المصريين وبعضهم من منظمة حماس وأنصارها بهدف مساندة فلول الإخوان المسلمين الذين يحاولون عن طريق العنف العودة إلى السلطة في مصر رغم أن الشعب المصري بأغلبيته العظمى رفضهم، ولفظهم من بين صفوفه إلى غير رجعة، وتالياً اضطر الجيش المصري والأمن المصري إلى التصدي في حرب مفتوحة لهؤلاء الذين يسمون أنفسهم ”جهاديين”، بينما هم مجموعات من المرتزقة والإرهابيين الذين وظفتهم أجهزة خارجية أميركية وأوروبية وخليجية وتركية لإزعاج الجيش المصري واستنزاف قدراته خدمة ”لإسرائيل” وأسيادها في واشنطن. لهذا، تسعى السلطات العسكرية والأمنية المصرية إلى تجفيف منابع تسلّح وتسلّل هذه الجماعات المسماة جهادية، وسط معلومات تشير إلى أن أعدادهم تزداد لتصل إلى الآلاف.

وفقاً لمصادر عديدة وموثوقة، فإن رائحة الاستخبارات الغربية والإقليمية والقطرية في سيناء تكاد تزكم الأنوف، فأعداء مصر ينظرون إلى سيناء كخاصرة ضعيفة لمصر، ولهذا لم يكن غريباً أن يشرع خصوم النظام ومريدو الإخوان المسلمين ومؤيدوهم في الضغط على هذه الخاصرة، وإطلاق النار بغزارة على جبهاتها المترامية بدءاً من صبيحة اليوم التالي لحكم ”مرسي” وجماعة الإخوان المسلمين ظناً منهم أن الحرب على الحكم الجديد في مصر بعد ”مرسي” وعلى المؤسسة العسكرية المصرية العريقة ستكون فعالة أكثر، إن هي انطلقت من عمق سيناء، وعمت أرجاءها، مخلّفة وراءها الموت والدمار والخراب لها ولأهلها الأبرياء.

 أهدافهم هي ذاتها: تدمير مؤسسات الدولة، وضرب الاستقرار فيها، وإشاعة حالة من الفلتان الأمني المستدام بما يوفر الجو المناسب لنشاطات الميليشيات المسلحة المرتبطة بأجهزة المخابرات الغربية والإقليمية، وإشغال الجيوش العربية الرئيسة عن مهامها الوطنية والقومية وإعداد نفسها لمواجهة ”إسرائيل” ومخططات الهيمنة الأميركية على المنطقة، بخاصة الجيشين السوري والمصري، إشغال هذه الجيوش بحروب شوارع، وأعمال بوليس لا فكاك منها لحماية مواطني بلادها ومؤسساتها، وتالياً استنزاف القدرات القتالية لهذه الجيوش وللأجهزة الأمنية بما يخدم ”إسرائيل” بالدرجة الأولى، ومن دون أي اكتراث بمستقبل البلاد والعباد أما أدواتهم فهي ذاتها كذلك، أدوات قذرة وإجرامية: الاغتيال والتفجير والتفخيخ للسيارات، من دون أي حساب لعواقب وتداعيات ذلك على الشعب وعلى مؤسسات الدولة وعلى جيشها وقواتها الأمنية.

باختصار: إن مصر مستهدفة الآن كما هي سورية مستهدفة ولاسيما بعد أن أبعد الشعب المصري جماعة الإخوان المسلمين عن السلطة، مصر مستهدفة بشعبها وجيشها لإضعافها وإبقائها في إطار التبعية لأمريكا، والتصالح والتطبيع مع ”إسرائيل”، لكننا على ثقة تامة ويقين راسخ، أن شعب مصر الشقيق يدرك أبعاد المخاطر المحدقة ببلاده، وقادر على تخطي الأزمة، ولاسيما أن الأمل باستعادة مصر لوجهها الوطني والقومي قد تعزز…

باحث وكاتب صحفي من المغرب.

 

نُشر بواسطة رؤية نيوز

موقع رؤية نيوز موقع إخباري شامل يقدم أهم واحدث الأخبار المصرية والعالمية ويهتم بالجاليات المصرية في الخارج بشكل عام وفي الولايات المتحدة الامريكية بشكل خاص .. للتواصل: amgedmaky@gmail.com

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

Exit mobile version