تحليلات
يبدو أن ضغط الرئيس الأمريكي دونالد ترامب على الولايات لكي تعيد فتح اقتصادها حثيثاً يرجع إلى أن ذلك أفضل فرصة لديه لدخول انتخابات 2020 الرئاسية ببيانات اقتصادية إيجابية، وفي حال ما إذا كان التعافي قوياً، قد يعود ببعض أكبر الأرقام المسجلة تاريخياً، كما تقول مجلة Newsweek الأمريكية.
ومن المنتظر أن يصدر “مكتب التحليل الاقتصادي” التابع لوزارة الخزانة الأمريكية تقديراته الأولى لبيانات الناتج المحلي الإجمالي للربع الثالث، في 29 أكتوبر/تشرين الأول، قبل أقل من أسبوع من تصويت الأمريكيين على رئيسهم. وشهر يونيو/حزيران هو الشهر الأخير من الربع الثاني الذي يتوقع المحللون خلاله انكماش الاقتصاد بنحو 40%.
أمَّا إذا أعيد فتح الاقتصاد الأمريكي بدرجة كبيرة بحلول شهر يوليو/تموز، فقد يصل معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي على أساس ربع سنوي إلى أكثر من 20%، وفقاً لبعض التوقعات الأكثر تفاؤلاً، وهو ما قد يوجه دفعةً قوية لحملة ترامب في الانتخابات التي ستكون المنافسة فيها متقاربة على ما يبدو.
فتح الاقتصاد عامل حاسم عند ترامب
يقول كريس ويلسون، وهو محلل استراتيجي جمهوري والرئيس التنفيذي لشركة WPA Intelligence، لمجلة Newsweek، “على الأغلب فإن هذا بمثابة عاملٍ حاسم لترامب، وأعتقد أن المسافة بين المتنافسين قد تضيق بسرعة، إذا لم يتقدم ترامب في الصدارة بفضل كون هذا العامل لصالحه”.
قبل الأزمة الحالية كان ترامب يحظى ببيانات تشير إلى نمو اقتصادي قوي وسجل متدنٍّ فيما يتعلق ببيانات البطالة، وهي البيانات التي كانت حملة إعادة انتخابه تأمل في الاستفادة منها. وقد أظهر استطلاع حديث أن الناخبين ينظرون إلى ترامب نظرةً أكثر إيجابية فيما يتعلق بالجانب الاقتصادي، أكثر من منافسه الديمقراطي المحتمل جو بايدن.
إذ أظهر استطلاع أجرته شبكة Fox News لآراء 1207 أشخاص من الناخبين المسجلين، بين 17 و20 مايو/أيار، أن 45% يثقون بترامب فيما يتعلق بالجانب الاقتصادي، مقابل 42% يثقون بمنافسه بايدن، بغض النظر عن وجود هامش خطأ بنسبة 3 نقاط مئوية.
كما أبرز استطلاع آخر أجرته صحيفة Economist بالشراكة مع شركة YouGov نتيجةً مماثلة. وكشف الاستطلاع الذي شمل 1500 شخص بالغ، بين 17 و19 مايو/أيار، أن 38% من المشاركين يعتقدون أن الاقتصاد سيتحسن إذا أُعيد انتخاب ترامب، في حين يعتقد 35% من المشاركين أن الأوضاع الاقتصادية ستسوء في حال إعادة انتخابه.
على الجانب الآخر، قال 38% من المشاركين إن الاقتصاد سيزداد سوءاً إذا انتُخب بايدن رئيساً، مقابل 31% يعتقدون أنه سيتحسن. ويجدر الالتفات إلى أن إعادة فتح الولايات لن تؤدي إلى تحسن الاقتصاد بوجه عام فحسب، بل قد تؤدي أيضاً إلى تراجع حاد في معدلات البطالة المتصاعدة، بعد أن وجد ملايين من الأمريكيين أنفسهم عاطلين عن العمل جرّاء الوباء.
يبحث عن أي تعافٍ اقتصادي سريع قبل الانتخابات
وفي السياق نفسه، قال أليكس كونانت، رئيس قسم الاستشارات السياسية بشركة Firehouse Strategies، لمجلة Newsweek، إن “أي تعافٍ اقتصادي سريع قبل الانتخابات سيكون في صالح ترامب بلا شك”.
وأضاف كونانت: “دائماً ما كان من الصعب هزيمة الرئيس الموجود في السلطة، خاصة إذا كان الاقتصاد قوياً. إذ بغض النظر عما إذا كان هذا من الإنصاف أم لا، فإن الناخبين يثقون بالشخص المسؤول عندما تسير الأمور على ما يُرام، ويلومونه على كل شيء إذا ساءت الأمور”.
ومع ذلك، فإن إعادة فتح البلاد تنطوي على خطر كبير يتمثل في عودة تفشٍّ كبير للعدوى مرة أخرى. لقد توفي بالفعل أكثر من 100 ألف أمريكي جراء الإصابة بفيروس كورونا، وإجراءات الإغلاق لها دور كبير في السيطرة على الوباء تدريجياً. كما حذّر الخبراء من أن أمريكا ليست مستعدة لمواجهة موجة ثانية من العدوى.
وفي حين أن الأمريكيين قلقون بشأن الاقتصاد، فإنهم يميلون في الوقت الحالي إلى إعطاء الأولوية للصحة. وهو ما أشار إليه استطلاع أجرته شركة YouGov، في مايو/أيار، على آراء 1640 شخصاً بالغاً أمريكياً، وجاءت النتائج بأن 62% من المشاركين كانوا أكثر قلقاً بشأن تأثير وباء كورونا على الصحة العامة من التداعيات الاقتصادية لإجراءات مواجهته.
كما يُبين استطلاع شبكة Fox News نفسه الذي جاء فيه ترامب متقدماً على بايدن فيما يتعلق بالاقتصاد، أن 55% من المشاركين يعتقدون أن الولايات المتحدة يجب أن تتمهل في إعادة فتح البلاد، حتى لو عنى ذلك إطالة الأزمة الاقتصادية.
ضغط الانتخابات قد يؤدي بترامب لاتخاذ قرارات ضارة
يعود ذلك إلى أن الناخبين يدركون بشدة خطر الوباء. فإعادة فتح متسرعة قد تتسبب في ارتفاع أعداد حالات الإصابة، ومن ثم أعداد الوفيات. وكل ذلك قد يأتي بنتائج عكسية على ترامب، الذي سيتحمل على الأرجح الجزء الأكبر من اللوم في حال تفاقم الأوضاع وسط المزيد من عمليات الإغلاق والمعاناة الاقتصادية، علاوة على أنه يواجه بالفعل الآن معدلات قبول منخفضة لإجراءاته المتعلقة بمكافحة الوباء.
ويذهب جون لير، الاقتصادي في مؤسسة Morning Consult، في تصريحات لمجلة Newsweek، إلى أنه “على المدى القصير، فإن تخفيف القيود الاقتصادية يوفر دفعة للناتج المحلي الإجمالي، لكنه في الوقت نفسه يزيد من خطر تسريع انتشار الفيروس”.
وأضاف لير أنه “على المدى الطويل، من المرجح أن يؤدي تسريع انتشار الفيروس إلى إحداث فوضى إضافية في الاقتصاد”.
وفي حين أن الرأي الشائع بين عديد من المحللين في وقت مبكر من الأزمة كان يذهب إلى آمال في انتعاش اقتصادي عكسي بنفس الدرجة، بمجرد أن يبدأ الوباء في التراجع، فإن الواقع اليوم يبدو أقل إيحاءً بالتفاؤل، إذ من المرجح أن يكون التعافي بمعدل ثابت ليس حاداً في الاتجاه العكسي.
ويعتقد جويل براكن، كبير خبراء الاقتصاد الأمريكي في شركة IHS Markit، أن الاقتصاد ربما لن يصل إلى ذروة التعافي ما قبل الفيروس حتى عام 2022، ويستند في ذلك بالأساس إلى أن خبراء العلوم الحيوية في الشركة يعتقدون أن لقاحاً فعالاً لفيروس “كوفيد 19” لن يكون متاحاً للتوزيع على نطاق واسع حتى أواخر العام المقبل، وحتى ذلك ليس ثمة ضمان يؤكده.
ويقول أندرو هانتر، كبير خبراء الاقتصاد الأمريكي في شركة Capital Economics الاستشارية، إن شركته تتوقع نمو الناتج المحلي الإجمالي بنحو 20% في الربع الثالث من العام المالي، وذلك في حال عدم وقوع موجة ثانية من التفشي للوباء.
ويعتقد هانتر أن “القطاعات الأكثر تضرراً، مثل السياحة والضيافة، ستستغرق على الأرجح سنوات للتعافي بدرجة كاملة”. وأشار هانتر إلى أن نشاط المستهلكين لا يزال خافتاً في الولايات التي أُعيد فتحها، وهذا نذير شؤم لأي شخص في حملة ترامب يعلق آماله على انتعاش سريع للاقتصاد.
إذ “لا تزال مبيعات تذاكر السينما وتناول الطعام في المطاعم والرحلات الجوية تعود بدرجات متدنية من المستويات السابقة، حتى في تلك الولايات التي أُعيد فتحها منذ عدة أسابيع الآن”.
إذا فشلت توقعات ترامب حول الاقتصاد فعلى ماذا سيراهن للفوز؟
على الجانب الآخر، قال الخبير الاقتصادي براكن لمجلة Newsweek، إن “بيانات الناتج المحلي الإجمالي الخاصة بالربع الثالث من العام المالي سيجري الإبلاغ عنها في وقت متأخر جداً، ومن ثم قد لا يكون لها أي تأثير على الانتخابات إذا جرت الأمور وفق الترتيبات الطبيعية”.
“وحتى إذا كانت بيانات الربع الثالث مرتفعة، فقد يظل معدل البطالة 25%. وفيما يتعلق بهذه النماذج التي تتنبأ بنتائج الانتخابات، فالأمر يعود بالأساس إلى شيئين: معدل البطالة ومعدل نمو الدخل قبل ستة أو تسعة أشهر”.
ومن ثم، يعتقد براكن أن “بيانات الناتج المحلي الإجمالي للربع الثاني سيكون لها تأثير شديد الوطأة على نتائج الانتخابات. وهي البيانات التي ستخرج في أواخر يوليو/تموز”.
يعود براكن ليشير إلى أنه “في وسط كل ذلك، وفي ظل الحملة المتصاعدة، فإن حصول ترامب على معدل تراجع بنسبة 40% للناتج المحلي الإجمالي، ومعدل بطالة يبلغ نسبة 20%، فإن هذا ليس مزيجاً جيداً لأي مرشح يأمل في إعادة ترشيح نفسه، لاسيما إذا كان لديه بالفعل تقييمات أفضلية ليست مواتية بدرجة كبيرة”.
وبالنظر إلى ذلك، يقول كريس ويلسون، المحلل الاستراتيجي الجمهوري، إنه في حال إذا لم ينتعش الاقتصاد بسرعة فإن ترامب يواجه تحدياً أكبر فيما يتعلق بالسعي لتأمين إعادة انتخابه. لأنه مع نهاية الربع الأول في مارس/آذار، كانت نقطة قوته الأساسية هي حقيقة أن معدل البطالة كان عند أدنى مستوياته على الإطلاق.
ومن ثم “إذا لم تنعكس الأوضاع الحالية وعادت إلى تلك البيانات مرة أخرى، فسيتعين عليه حينئذ أن يراهن للفوز في الانتخابات على شيء آخر غير الاقتصاد، وستكون هذه معركةً أصعب بكثير بالنسبة إليه. وأنا لا أقصد الإشارة إلى أن هذه معركة لا يمكن الانتصار فيها، إنها بالتأكيد معركة يمكن كسبها، لكن إذا عاد الاقتصاد إلى مستويات تعافيه السابقة، فأعتقد أنه سيكون في وضع أفضل بكثير”.