يخشى غالبية المراقبين والمحللين السياسيين من أن تستيقظ الولايات المتحدة الأمريكية على كابوس في نوفمبر/تشرين الثاني المقبل، نتيجة لرفض الرئيس الأمريكي دونالد ترامب قبول هزيمته في الانتخابات الرئاسية من جهة، أو حدوث فوضى وعنف إذا ما تكرر فوزه في انتخابات 2016 وبنفس الطريقة، فما القصة؟
ترامب يجهز المسرح منذ فترة
شبكة CNN نشرت تقريراً مطولاً بعنوان “الأمور قد تصبح قبيحة: يخشى الخبراء من كارثة ما بعد الانتخابات لأن ترامب يجهز المسرح لرفض النتيجة في نوفمبر”، استطلع فيه رأي 20 من خبراء الانتخابات والمشرعين السابقين والمحللين السياسيين وأساتذة القانون يمثلون كافة أطياف الخريطة السياسية من اليمين لليسار، وأجمعوا على وجود مؤشرات مقلقة على أن أمريكا ربما تستيقظ على “سيناريو كابوسي” في أعقاب الانتخابات المقبلة.
ويبني هؤلاء جميعاً تخوفاتهم على ما شهدته الساحة الأمريكية من أحداث منذ ظهور ترامب في الصورة قبل أربع سنوات؛ فمن ناحية هناك تاريخ ممتد من الأكاذيب بشأن تزوير إرادة الناخبين وتزييف الانتخابات ومزاعم أخرى يرددها الرئيس الجمهوري دون دليل، وهو ما يراه المراقبين على أنه تجهيز للمسرح من جانب الرئيس الأكثر إثارة للجدل في التاريخ كي يرفض الاعتراف بالهزيمة حال ظهور النتائج على عكس ما يتمنى.
ومن ناحية أخرى، يرى نفس الخبراء والمراقبين أن الديمقراطيين أيضاً قد يرفضون الاعتراف بالهزيمة إذا ما تكرر إعلان فوز ترامب بنفس الطريقة التي حدثت في انتخابات 2016، والمقصود هو فوزه بأغلبية أصوات المجمع الانتخابي، رغم خسارته التصويت الشعبي.
وترجع هذه النقطة لنظام الانتخابات الرئاسية الأمريكية الفريد والوحيد من نوعه في العالم، حيث يدلي الأمريكيون بأصواتهم يوم 3 نوفمبر/تشرين الثاني (الثلاثاء الأول من شهر نوفمبر)، ثم يصوّت المجمع الانتخابي يوم 14 ديسمبر/كانون الأول لاختيار الرئيس (هذا المجمع الانتخابي يضم ممثلين عن الولايات الأمريكية الخمسين ويبلغ مجموع أصوات المجمع 536 صوتاً، يحتاج الفائز إلى الفوز بـ270 منها على الأقل).
وفي الانتخابات الماضية، فاز ترامب بالرئاسة بعد أن حصل على الأغلبية من أصوات المجمع الانتخابي، رغم أن منافسته الديمقراطية هيلاري كلينتون كانت قد فازت بالأغلبية في التصويت الشعبي في نوفمبر/تشرين الثاني.
والآن تظهر جميع استطلاعات الرأي تفوق بايدن بصورة واضحة وبهامش تفوق يصل إلى 15% في بعض الأحيان، وهو هامش كبير، لكن ترامب يعلق دائماً بتحذير مناصريه من أن الانتخابات المقبلة “ستكون أكثر انتخابات مزيفة في تاريخ أمتنا”، وهو ما يؤكد أنه لا ينوي القبول بالهزيمة، بل إن بعضاً من مؤيديه عبروا بالفعل عن عدم قدرتهم على تصور ما قد يفعله إذا خسر.
السيناتور السابق عن بنسلفانيا ريك سانتوروم، أحد أبرز مؤيدي ترامب قال لشبكة CNN إنها “انتخابات متقاربة جداً ولا يوجد عندي أي شك أنه (ترامب) سيشكك في نتيجتها، وحتى لو لم تكن متقاربة لهذه الدرجة، أعتقد أنه سيرغب في تحدي النتيجة أيضاً، لكنني لا أظنه يمتلك دعماً كبيراً في هذا الشأن ولن يتمادى في رفضه للنتيجة”.
رصد ملايين الدولارات للمعارك القانونية
ويقول لاري دايموند، خبير المؤسسات الديمقراطية في مؤسسة هوفر المحافظة، إنه “توجد مؤشرات قوية ومتعددة على إمكانية حدوث أزمة غير مسبوقة تلي الانتخابات في البلاد”، وقد تبلورت تلك المخاوف بصورة أكبر بعد أن ألمح ترامب في مقابلة مع قناة فوكس نيوز قبل أيام قليلة إلى أنه قد لا يقبل نتيجة الانتخابات: “لابد أن أنتظر. كلا، لن أقول نعم ببساطة. ولن أقول لا، لم أفعل هذا في المرة السابقة”.
وهناك خصوصية للانتخابات هذا العام تتمثل في تزامنها مع وباء كورونا الذي يعني أنه من المتوقع أن يُدلي عدد غير مسبوق من الناخبين بأصواتهم عبر البريد، أي أن إعلان النتائج سيستغرق أياماً وبالتالي انتشر الآن في أمريكا مصطلح “أسبوع الانتخابات” بعد أن كان المصطلح هو “ليلة الانتخابات”، بل يتوقع البعض أن يستغرق الأمر أياماً وربما أسابيع حتى تتبلور صورة “الفائز” في وسائل الإعلام.
ونتيجة لهذه المؤشرات، فقد خصصت حملتي ترامب وبايدن ملايين الدولارات وتعاقد كل فريق بالفعل مع “جيش من الخبراء القانونيين” استعداداً لمعارك قانونية يتوقعونها على مستوى المقاطعات والمدن والولايات، وهي المرحلة التي تعرف بفترة الطعون القانونية على النتائج الجزئية أو الكلية.
تأثير الوباء يسكب الزيت على النار
الحقيقة أن الساحة السياسية الأمريكية قد شهدت بالفعل فوضى ما بعد الانتخابات في المرة السابقة وخرجت مظاهرات رافضة لفوز ترامب وتحول بعضها للعنف والفوضى، وهو ما يراه المراقبون “بروفة مصغرة” لما قد يحدث هذه المرة، مع وجود وباء كورونا الذي يمثل سكباً للزيت على النار.
فمع تفشي الوباء في الولايات المتحدة، الدولة الأكثر تضرراً على الإطلاق بعد أن سجلت ما يقرب من أربعة ملايين إصابة وأكثر من 143 ألف حالة وفاة اليوم الثلاثاء 21 يوليو/تموز، لجأت كثير من الولايات لتطبيق التصويت عبر البريد في الانتخابات التمهيدية، وحققت بعضها نجاحاً مثل كنتاكي مقابل فشل ذريع شهدته الانتخابات في ويسكنسون وجورجيا.
وعبرت إيمي والتر رئيسة تحرير التقرير السياسي كوك وهي هيئة غير حزبية تراقب الانتخابات عن تخوفها من أن “كثيراً من الولايات ليست مستعدة لما ستكون عليه الانتخابات هذه المرة، حيث لم تمارس بعضها أبداً التصويت عبر البريد على هذا المستوى، وهذا يعني أن الأمر فوضوي وستكون هناك أخطاء كثيرة، وسيكون هناك أشخاص في كل ولاية يمكنهم إثبات أن عملية التصويت كانت معيبة”.
وهناك أيضاً مخاطر أخرى تتعلق باختلاف التشريعات من ولاية لأخرى؛ فبعض الولايات تقبل بطاقات التصويت بالبريد التي يتم إرسالها في نفس يوم التصويت وهو ما يعني تأخير عملية الفرز وحساب النتائج، وعلى سبيل المثال استغرق إعلان الفائزين في الانتخابات التمهيدية للكونغرس في نيويورك وكنتاكي أكثر من أسبوع، وكل هذه المؤشرات في أجواء يسودها الاستقطاب الحاد ورئيس يغذي ذلك الاستقطاب تجعل من “كابوس نوفمبر” السيناريو الأرجح وليس فقط أحد السيناريوهات.
قضية نشر الجيش لفضّ الاحتجاجات
هناك أيضاً قضية الاحتجاجات التي تشهدها الولايات الأمريكية حالياً تنديداً بالعنصرية ورفضاً لوحشية الشرطة في التعامل مع السود، والتي اندلعت في أعقاب مقتل جورج فلويد المواطن الأمريكي من أصل إفريقي على أيدي رجل شرطة أبيض، وهي الاحتجاجات التي يصف ترامب المشاركين فيها “بالغوغاء الغاضبين” ويريد نزول الجيش إلى الشوارع للتصدي لها، وهو ما حدث بالفعل في محيط البيت الأبيض.
ويرى الخبراء أن هناك احتمالاً خطيراً بحدوث اضطرابات مدنية على مستوى البلاد في حال فاز ترامب، في ظل التوترات الحالية الناتجة عن الاحتجاجات ضد الظلم وعدم المساواة والتي تطورت لأحداث شغب في بعض المدن واجهتها الشرطة بالعنف والقمع أيضاً، ومع إصرار ترامب على نشر القوات الفيدرالية تصبح الصورة أكثر خطورة.
وأمس الإثنين فقط أقسم ترامب أن ينشر قوات فيدرالية في عدة مدن أمريكية حكامها من الحزب الديمقراطي، في خطوة يراها منتقديه محاولة للعب “ورقة النظام والقانون” لتعزيز فرص إعادة انتخابة، بحسب تقرير لصحيفة الغارديان البريطانية بعنوان “تعهد ترامب بإرسال قوات فيدرالية لمدن أمريكية حيلة انتخابية، بحسب النقاد”.
ترامب أعلن من البيت الأبيض أن نيويورك وشيكاغو وفيلادلفيا وديترويت وبالتيمور وأوكلاند كلها مدن تحتاج لقوات فيدرالية، واصفاً حكام تلك المدن بأنهم “ديمقراطيون ليبراليون”، مضيفاً: “سون نرسل قوات إنفاذ القانون، لا يمكننا أن نسمح بحدوث ذلك في تلك المدن”.
وتحدث ترامب باستفاضة عن شيكاغو، التي شهدت حادث إطلاق نار في عطلة نهاية الأسبوع أصاب 63 شخصاً قتل منهم 12، مستغلاً الفرصة لتوجيه هجوم مباشر على منافسه جو بايدن: “هذا أسوأ من أفغانستان بكثير. إنه أسوأ من أي شيء آخر رآه أي شخص. والمسؤول ديمقراطي ليبرالي أيضاً، وأتعرفون؟ لو تمكن جو بايدن سينطبق هذا على البلاد كلها. البلاد كلها ستذهب للجحيم ولن نسمح لها أبداً أن تذهب للجحيم”.
الحقيقة أن المعلومات الخاصة بتاريخ ترامب في رفض الاعتراف بالهزيمة في أي انتخابات خاضها أو كان مؤيداً لمرشح خسر ترجع لعام 2012، حيث كان مسانداً للمرشح الجمهوري ميت رومني وروج وقتها الرئيس الحالي لنظريات مؤامرة بشأن أن ماكينات التصويت كانت مبرمجة بحيث تحذف الأصوات المؤيدة لرومني تلقائياً، وغرد بعد ظهور النتيجة قائلاً: “لا يمكننا أن نسمح بحدوث ذلك، يجب أن نتوجه جميعاً إلى واشنطن ونوقف تلك المهزلة”.
وأثناء الانتخابات التمهيدية لاختيار المرشح الجمهوري للرئاسة عام 2016 -التي فاز بها ترامب في النهاية- حل ترامب ثانياً في ولاية آيوا خلف تيد كروث السيناتور عن تكساس، فكان ردّه أن “كروث لم يفز في آيوا بل سرق آيوا”، متهماً منافسه بالاحتيال ومطالباً بإعادة الانتخابات قائلاً إن “ولاية آيوا عليها أن تستبعد كروث”.
وأثناء المناظرة التلفزيونية الأخيرة بين ترامب ومنافسته الديمقراطية هيلاري كلينتون قبيل انتخابات 2016، رفض المرشح الجمهوري الالتزام بقبول النتائج قائلاً: “سأخبركم وقتها. سأترككم منتظرين”، حتى بعد إعلان فوزه بالرئاسة، زعم ترامب -دون دليل- وجود ملايين الأصوات غير القانونية في كاليفورنيا وولايات أخرى في معرض تبريره لسبب خسارته التصويت الشعبي لصالح كلينتون.
والسؤال الآن: هل تتخيلون ما يمكن أن يقدم عليه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في حالة خسارته الانتخابات لصالح منافسه جو بايدن؟