ألمح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، يوم الخميس 30 يوليو/تموز، إلى وجوب تأجيل انتخابات الرئاسة المقررة في نوفمبر/تشرين المقبل. فهل يمكنه فعل ذلك؟
تقول صحيفة The Guardian البريطانية: الإجابة لا، فلا يمكن للرئيس التصرف من تلقاء نفسه وتغيير موعد الانتخابات. إذ يضع الدستور الأمريكي سلطة تحديد مواعيد الانتخابات بيد المجالس التشريعية في الولايات والكونغرس. لكنه لا يمنح الرئيس أية سلطة لفعل ذلك.
وتنص المادة الثانية من الدستور الأمريكي، التي تحدد صلاحيات السلطة التنفيذية في الدولة، على أنَّ للكونغرس صلاحية تحديد “موعد” اختيار الولايات لمرشحيها للرئاسة. ويمكن أن يغير الكونغرس الموعد من خلال تعديل القانون، لكن لا يمكن للرئيس فعل ذلك من جانب أحادي.
وفي هذا السياق، قال نيد فولي، الأستاذ بجامعة أوهايو، عبر رسالة إلكترونية: “إذا لم يُنتخَب رئيس جديد (ولا نائب رئيس)، ينص التعديل العشرين من الدستور الأمريكي على اختيار قائم بأعمال الرئيس بحلول ظهر يوم 20 يناير/كانون الثاني، وسيوقع الكونغرس على تشريع يجعل رئيس مجلس النواب التالي في تولي المهام الرئاسية”.
إذا لم يكن باستطاعة ترامب تأجيل الانتخابات، فلماذا ينشر تغريدات عن هذا؟
يعمل ترامب منذ عدة أشهر على وضع الأساس للطعن في شرعية انتخابات 2020. إذ ادعى كذباً أنَّ بطاقات الاقتراع بالبريد، والمتوقع أن تُرسَل بأرقام قياسية هذا العام بسبب جائحة “كوفيد-19″، ستؤدي إلى سرقة الأصوات و”تزوير” الانتخابات.
ولا يوجد دليل يدعم ادعاءات ترامب. لكن من المرجح أنَّ الرئيس يسعى لخلق رواية تشير إلى أنه قد يكون هناك شيء مريب في انتخابات نوفمبر/تشرين الثاني؛ وذلك حتى يكتسب حجة بأنَّ الانتخابات غير مشروعة إذا خسر. وهناك قلق عميق بشأن كيفية استغلال ترامب هذا الخطاب في نوفمبر/تشرين الثاني؛ خاصة لأنه من المحتمل أن تكون فترة الانتظار للحصول على نتائج الانتخابات طويلة. ويشعر العديد من الخبراء بالقلق من أن يستغل ترامب هذا التأخير ويعلن فوزه قبل فرز الأصوات.
إلى جانب ذلك، يُنظَر لتغريدات ترامب منذ فترة طويلة على أنها حيلة لصرف الانتباه عن الأنباء الوطنية الأخرى، أحدثها التراجع الاقتصادي.
هل ترامب محق في القول إنَّ التصويت عبر البريد قد يؤدي إلى التزوير؟
يجادل ترامب والجمهوريون الآخرون بأنَّ التصويت عن طريق البريد أمر خطير لأنَّ حق الاقتراع يُمنَح لشخص آخر غير الناخب، على عكس التصويت شخصياً. لكن العديد من الدراسات أظهرت أنَّ التصويت عبر البريد لا يؤدي إلى المزيد من الاحتيال.
إذ كشف تحليل أجرته صحيفة Washington Post أنه من بين 14.6 مليون صوت يُدلَى بها في 3 ولايات ترسل الاقتراع بالبريد تلقائياً إلى جميع الناخبين، لم تحدث سوى 372 حالة تصويت مزدوج أو التصويت نيابة عن شخص ميت. ووجدت دراسة مختلفة تتعلق بقضايا تزوير الناخبين، التي تحتفظ بها مؤسسة Heritage Foundation، أنَّ 143 حالة فقط من الإدانات الجنائية المتعلقة بالتصويت الغيابي حدثت خلال السنوات الـ20 الماضية. ويمثل ذلك 0.00006% من إجمالي الأصوات المُدلَى بها خلال تلك الفترة.
وتطبق الولايات عدداً من التدابير لمنع الغش. إذ تسمح العديد من الولايات للناخبين بتتبع بطاقات الاقتراع عبر البريد؛ حتى يكونوا واثقين من أنها وصلت لوجهتها. إلى جانب ذلك، تقارن العديد من الولايات التوقيع على بطاقة الاقتراع بالتوقيع المُسجَّل لدى مسؤولي الانتخابات، وهي ممارسة تمنع التزوير إذا طُبِقَت بحرص. وتفرض بعض الولايات قيود على من يمكنه جمع بطاقات الاقتراع بالبريد وتشترط حتى توقيع بطاقات الاقتراع من قِبَل شاهد أو كاتب عدل (لكن الديمقراطيين ومجموعات حقوق التصويت تعارض هذه الأنواع من القيود في العديد من الولايات، قائلين إنها مقيدة دون داعٍ خلال “كوفيد-19”).
ومع ذلك، يحتج ترامب والجماعات المحافظة بأنه حتى العدد القليل من وقائع الاحتيال يمكن أن يغير مجرى الانتخابات، واستدلوا بحالة حديثة من الاحتيال المشتبه به تتضمن بطاقات الاقتراع بالبريد في مدينة باترسون بولاية نيو جيرسي، لدعم حجتهم. لكن المسؤولين المحليين قالوا لصحيفة Washington Post إنهم لا يعتقدون أنَّ المدينة تواجه مشكلة تزوير واسعة النطاق وأنَّ مسؤولي الانتخابات تمكنوا من كشف الاحتيال.
هل سيضر التصويت عبر البريد ترامب والجمهوريين الآخرين؟
لا يوجد دليل على أنَّ التصويت عبر البريد سيضر بفرص ترامب. وأظهرت دراسة أجراها باحثون في ستانفورد في وقت سابق من هذا العام أنَّ التصويت بالبريد عامةً لا يفيد الديمقراطيين أو الجمهوريين. وفي بعض الولايات، مثل فلوريدا، اعتمد الجمهوريون لفترة طويلة على التصويت عبر البريد بوصفه وسيلة موثوقة للحصول على أصوات المؤيدين.
بيد أنَّ هناك بعض القلق من أنَّ خطاب ترامب حول التصويت عبر البريد يمكن أن يضع الجمهوريين في وضع غير مؤاتٍ هذا الخريف. وحتى بالرغم من اعتراض ترامب على التصويت بالبريد، حث الجمهوريون مؤيديهم على طلب بطاقات الاقتراع بالبريد. ووفقاً لوكالة The Associated Press، أرسلت الأحزاب الجمهورية المحلية في فلوريدا ونورث كارولاينا مندوبين إلى أنصارها يحملون صوراً لبعض تغريدات ترامب مُختَارة بانتقائية ومُعدلة وشجعوهم فيها على طلب بطاقات الاقتراع بالبريد.
“مخاوف مشروعة”
لكن تجدر الإشارة إلى أنَّ هناك مخاوف مشروعة بشأن قدرة الولايات وخدمة البريد الأمريكية على إدارة الانتخابات في خريف هذا العام. إذ لم تعتد الكثير من الولايات على تلقي عدد كبير من الأصوات عبر البريد، وقد شعر مسؤولو الانتخابات المحليون بالارتباك تحت طائل تدفق طلبات الاقتراع الغيابي وبطاقات الاقتراع نفسها. وهناك أيضاً قلق من أنَّ خدمة البريد الأمريكية، التي يُقال إنها تفكر في إبطاء وتيرة تسليم البريد بسبب نقص الميزانية، لن تتمكن من تسليم بطاقات الاقتراع في الوقت المناسب.
ويمكن للولايات أيضاً رفض بطاقات الاقتراع الغيابية لعدد من الأسباب؛ فقد تصل في وقت متأخر، أو قد لا يتطابق التوقيع على بطاقة الاقتراع مع التوقيع المُسجَّل، أو لأنها غير مُغلَقة بإحكام. وهناك قلق أيضاً من أنه في ظل زيادة عدد المصوتين عبر البريد هذا العام، سيزداد عدد بطاقات الاقتراع المرفوضة.
وهذه كلها مخاوف مشروعة، لكن لم يفعل ترامب ولا الجمهوريون في الكونغرس الكثير للتغلب عليها. وتحتاج الولايات إلى ما يُقدَّر بـ4 مليارات دولار حتى تستعد استعداداً كافياً للتصويت عبر البريد، لكن الكونغرس لم يخصص سوى 400 مليون دولار حتى الآن. وأحدث مشروع قانون طرحه الجمهوريون للتخفيف من آثار “كوفيد-19” أمام مجلس الشيوخ لا يحتوي على تمويل إضافي للولايات لمساعدتها في إدارة الانتخابات. ويقول مناصرو طريقة التصويت هذه إنَّ خدمة البريد الأمريكية بحاجة ماسة إلى دفعة من التمويل الفيدرالي، لكن ذلك توقف أيضاً في الكونغرس.
وأخيراً، يمكن للولايات أن تُقلِل من عدد حالات رفض الأصوات من خلال مطالبة مسؤولي الانتخابات بإخطار الناخبين قبل رفض البطاقات، وهو شرط معمول به في أقل من 20 ولاية. علاوة على ذلك، تشترط العديد من الولايات على مسؤولي الانتخابات رفض بطاقات الاقتراع التي تصل بعد يوم الانتخابات، بغض النظر عن موعد إيداعها في البريد. وقد سبق ورفع الديمقراطيون عدداً كبيراً من الدعاوى القضائية في جميع أنحاء البلاد سعياً لمطالبة الولايات بفرز الأصوات طالما أنها تحمل ختم البريد بحلول يوم الانتخابات وتصل في الأيام التالية. لكن لم تدعم حملة ترامب تلك الجهود.