جاء قرار محكمة فدرالية بالعاصمة الأميركية واشنطن استدعاء ولي العهد السعودي محمد بن سلمان وعدد من كبار مساعديه في قضية محاولة اغتيال رجل الاستخبارات السعودي السابق سعد الجبري، لتلقي بالضوء على أبعاد القضية المتداخلة قانونيا وسياسيا.
وطالبت مذكرات الاستدعاء التي اطلعت عليها الجزيرة نت من المدعى عليهم بالرد كتابة على الشكاوى ضدهم، سواء شخصيا أو عن طريق ممثليهم القانونيين، وفي حالة تجاهل الرد، فإنه يحق للمحكمة أن تصدر عليهم حكما غيابيا.
وضاعف وجود اثنين ممن شملهم طلبات الاستدعاء بالولايات المتحدة، من تعقيد النظر للقضية من جانبها القانوني، وطبقا لأوراق القضية يقيم بولاية فيرجينيا المدعى عليه يوسف الراجحي، وتقيم بولاية ماساشوستس المدعى عليها ليلى أبو الجدايل.
ودفع وجود اسم ولي العهد السعودي محمد بن سلمان في أوراق استدعاء رسمية صادرة عن محكمة فدرالية، إضافة لتشابه تفاصيل الادعاءات ضده وضد مساعديه بما جرى في حالة قتل الكاتب الصحفي السعودي جمال خاشقجي، لمضاعفة الاهتمام الإعلامي بالقضية.
القضية في بعدها السياسي
تربط علاقات خاصة بين الرئيس دونالد ترامب وولي العهد السعودي محمد بن سلمان، وربطت بعض التقارير بين أهمية خروج هذه الدعوى للعلن وما صاحبها من تغطية إعلامية وقرار المحكمة توجيه استدعاءات للمدعى عليهم، وبين عبء هذه العلاقات على ترامب قبل أقل من ٣ أشهر من الانتخابات الرئاسية.
وطبقا لدانا سترول، المسؤولة السابقة بالكونغرس والباحثة حاليا بمركز واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، فهناك سؤال يطرح باستمرار في واشنطن ويتعلق بالسعودية، ولم تتطرق إليه دوائر واشنطن على مر تاريخ العلاقات الممتدة منذ الحرب العالمية الثانية، وهو هل السعودية عنصر استقرار للشرق الأوسط أم أنها عنصر توتر؟
وجاء في دراسة لسترول أن دوائر واشنطن تعرف حاليا لغة غير مسبوقة تجاه السعودية لا تستخدم مع الأصدقاء أو الحلفاء.
ويظهر ذلك بوضوح في تناول أعضاء الكونغرس والإعلام الأميركي لقضايا تتعلق بالانتهاكات الحقوقية ضد النشطاء السياسيين السعوديين، وسجل جرائم الحرب في اليمن، ورفض الكونغرس تصدير السلاح للرياض، وتبعات قضية قتل خاشقجي، والنظرة السلبية لطموحات السعودية النووية.
ومع قرب موعد الانتخابات الرئاسية، يتناول البعض تأثير وصول المرشح الديمقراطي جو بايدن على مستقبل علاقة محمد بن سلمان بالبيت الأبيض.
وهاجم جو بايدن في مناسبات عدة سجل الرئيس ترامب الودي والداعم لحكام مستبدين حول العالم.
كما انتقد المرشح الديمقراطي للرئاسة في حوار له مع شبكة سي بي إس CBS بشدة الدعم غير المحدود الذي يقدمه ترامب لولي العهد السعودي، وأشار بايدن إلى أن ترامب يجد مبررات لولي العهد السعودي بعيدا عن الحقائق، وهذا يضر الولايات المتحدة وسمعتها الدولية.
الحجج القانونية
أما عن القضية في إطارها القضائي والقانوني، فيري بروس فاين، المساعد السابق لنائب وزير العدل الأميركي والخبير القانوني، في حوار له مع الجزيرة نت أنه إذا ما تقدمت القضية، سيُسمح للجبري بطلب شهادة تحت القسم للمدعى عليهما المقيمين في الولايات المتحدة، ودعوتهما كشاهدين للمحاكمة.
وأكد فاين أن القضية مبررة قانونيا بموجب قانون حماية ضحايا التعذيب، الذي يخلق سببا للنظر في الدعوى أمام محاكم الولايات المتحدة ضد أي شخص يتعرض لخطر القتل خارج نطاق القانون في أي مكان في العالم، بما في ذلك كندا.
من جهتها، أشارت أستاذة القانون بكلية هاستينغ بجامعة كاليفورنيا شامين كيتنر إلى أهداف السيد سعد الجبري من المضي في القضية أمام محاكم أميركية، أنه يمكن أن يخدم تقديم شكوى قانونية بطريقة جادة بهدف لفت الانتباه إلى المخالفات المزعومة للمدعي من جانب المدعى عليهم بما يضع قلقه ومخاوفه أمام الرأي العام والسجلات القانونية الرسمية.
وتعتقد كيتنر أنه نظرا لتجربة الولايات المتحدة ورد فعلها السلبي على مقتل الصحفي جمال خاشقجي، فإنه ليس من المستغرب أن نرى أفرادا يشعرون بأنهم مستهدفون من قبل النظام السعودي يحاولون التماس الإنصاف في المحاكم الأميركية.
وقالت في حديثها مع الجزيرة نت إنه إذا تم تقديم أوراق القضية بشكل قوي وصحيح، “أتوقع من المدعى عليهم أن يثيروا عددا من الاعتراضات على هذه الدعوى التي سيتعين على المحكمة حلها والبت فيها قبل المضي قدما”.
قضية شائكة
وأشارت كيتنر إلى أن أحكام المحكمة ستخضع لهذه الاعتراضات، التي ستُطرح في طلب رفض النظر في القضية للاستئناف من جانب صاحب الدعوى، وبالتالي يمكن أن تكون هناك دعوى قضائية واسعة النطاق زمنيا حتى لو لم تصل المحكمة أبداً إلى الأسس الموضوعية للنظر في القضية، وانتهت في رأيها إلى إمكانية عدم الاستمرار في نظر القضية في مرحلة لاحقة.
وفي السياق، تحدثت خبيرة قانونية مع الجزيرة نت حول حجج القضية القانونية، وقالت الخبيرة -التي طلبت عدم ذكر اسمها نظرا لطبيعة عملها- إن القضية شائكة في طبيعتها، فالمدعي ليس أميركيا، والمدعى عليهم عدد كبير وهم ليسوا أميركيين، ولا يقيم منهم في الولايات المتحدة سوى شخصين.
وأضافت الخبيرة أنها لا تستطيع استدعاء سوابق قانونية يمكن أن تدفع المحكمة للاستمرار في النظر في هذه القضية.