كان الكثير من المراقبين الرصينين قلقين، حتى قبل أداء الرئيس الأمريكي دونالد ترامب اليمين الدستورية في 2017، بشأن هشاشة النظام الديمقراطي في الولايات المتحدة ونزعات ترامب الديكتاتورية الواضحة للغاية، والآن فإن تصرفات ترامب تنذر بإمكانية تحوُّله إلى ديكتاتور ينهي الديمقراطية الأمريكية.
ساهم وصوله إلى الحكم في دفع أساتذة العلوم السياسية والصحفيين للبدء في تجميع قوائم من “الإشارات التحذيرية” التي تنبئ بزحف السلطوية، حسبما قال ستيفن والت في تقرير بمجلة Foreign Policy الأمريكية.
يقول والت: بالعودة بالزمن إلى الوراء، فإنَّني كنتُ متفائلاً للغاية. لكن بعكس بعض المتفائلين، لم أتوقع أن يرتقي ترامب لمستوى مسؤوليات المنصب، لكنَّني كنتُ أعتقد أنَّ نظام الضوابط والتوازنات الموجود في نظامنا الدستوري ستكبحه بكفاءة وتحمي الملامح الأساسية للديمقراطية الأمريكية. كم كنتُ مخطئاً!
ويضيف قائلاً”ما لم أتوقعه هو أنَّ طموحات ترامب السلطوية ستزداد سوءاً كلما طال بقاؤه في المكتب البيضاوي. وكما أشرتُ مسبقاً، لدى ترامب الآن كل الدوافع لعمل كل ما بوسعه حتى يتمكَّن من البقاء في السلطة، حتى لو تمثَّل ذلك الدافع في إبقاء نفسه وعائلته خارج السجن”.
وكنتُ قد حدَّثتُ قائمتي لأكبر 10 إشارات تحذيرية في مناسبتين سابقتين، لكن مع كون الانتخابات على بُعد شهرين تقريباً، بدت اللحظة ملائمة لإجراء تحديث آخر.
تصرفات ترامب تنذر بإمكانية تحوُّله إلى ديكتاتور، إليك أبرزها
1- المساعي الممنهجة لترهيب الإعلام
كان هذا التكتيك ملمحاً محورياً لرئاسة ترامب منذ البداية، سواء كان في صورة تغريداته المستمرة عن “الأخبار الزائفة” أو محاولاته غير الخفية لتهديد مُلّاك وسائل الإعلام التي يكرهها (مثل شبكة CNN وصحيفة The Washington Post). وكما أُفيد، فإنَّه اعترف للصحفية بشبكة CBS الأمريكية ليزلي ستال بأنَّه يهاجم الصحافة بصفة متعمدة.
وهذه المساعي مستمرة حتى الآن. فعلى سبيل المثال، وقَّع ترامب في مايو/أيار الماضي أمراً تنفيذياً يمكن في نهاية المطاف أن يسمح للحكومة بالإشراف على الخطاب السياسي على شبكة الإنترنت.
وزادت الإدارة أيضاً الملاحقات القضائية المتعلقة باستخدام الصحفيين لمعلومات سرية، وفتَّشت أجهزتهم الإلكترونية، وراقبت تحركاتهم. وربما ألهمت توصيفات ترامب المتكررة للصحافة بأنَّها “عدوة الشعب” أتباعه بتهديد المؤسسات الإخبارية هم أنفسهم، وشجَّعت على الاعتقالات والهجمات بحق الصحفيين الذين غطوا التظاهرات الأخيرة في عدة مدن أمريكية.
2- إقامة شبكة إعلامية رسمية موالية لترامب
ثَبُتَ أنَّ التقارير التي ظهرت في وقتٍ سابق وتفيد بأنَّ ترامب (أو أحد أبنائه) كان سيطلق شركته الإعلامية الخاصة لا أساس لها. لكنَّ الرئيس بالكاد يحتاج إلى شركته الإخبارية الخاصة في حين أنَّ لديه شبكة Fox News في معسكره كليةً، ويُقال إنَّ مذيع الشبكة شون هانيتي مستشار شخصي مقرب له، وفي حين أنَّ شبكة “One America News” في صفه بشكل موثوق. ويمكن لترامب أيضاً أن يعتمد على مذيع الراديو راش ليمبو في ترديد أي زيف جديد يختار الرئيس التغريد به.
3- تسييس الخدمات المدنية والجيش والحرس الوطني والوكالات الأمنية الداخلية
قد يكون الرئيس هو القائد الأعلى ورئيس السلطة التنفيذية، لكنَّ الجنود والموظفين العامين يؤدون قَسَمَاً للدستور، وليس لفرد. تجاهل ترامب هذا المبدأ وحاول الإتيان بمسؤولين حكومين يعبِّرون عن “الولاء” له شخصياً، وقاد اجتماعات حكومية أغدقت فيها الشخصيات التي عيَّنها الرئيس بالثناء عليه بصورة محرجة. وأحلَّ ويليام بار محل المدعي العام جيف سيشنز بعدما أظهر سيشنز درجة من النزاهة.
اتخذت تلك المساعي مؤخراً منحى أكثر خطورة. فاستبدل ترامب موالين غير مؤهلين محل مسؤولين ذوي خبرة، وضغط على البحرية الأمريكية للتراجع عن قرار بإعادة قائد حاملة الطائرات يو إس إس ثيودور روزفلت.
ويمثل استخدام الغاز المسيل للدموع وضباط فيدراليين لفض التظاهرات في ساحة لافاييت بواشنطن حتى يتمكَّن ترامب من التقاط صورة، وحضور رئيس هيئة الأركان المشتركة الجنرال مارك ميلي ووزير الدفاع مارك إسبر ضمن الحاشية التي خرجت معه في ذلك الوقت، حالة أخرى حاول ترامب فيها تحويل المؤسسات غير الحزبية إلى جزء من جماعته.
وأخيراً، توحي الحملة الأخيرة لتقييد وعزل المفتشون العامون المستقلون –في وزارات الخارجية والدفاع والصحة والنقل، وفي أجهزة الاستخبارات- إمَّا برد جميل سياسي أو رغبة لحماية كبار المسؤولين من عمليات التدقيق المستقلة. وأيَّاً ما كان الأمر، فإنَّها تمثل إشارة أخرى على أنَّ ترامب يعتقد أنَّ الوكالات الحكومية تعمل لحسابه وليس لحساب دافعي الضرائب الأمريكيين.
4- استخدام المراقبة الحكومية ضد الخصوم السياسيين الداخليين
لا أعلم ما إذا كان ترامب يستخدم مكتب التحقيقات الفيدرالي (FBI) أو وكالة الاستخبارات المركزية (CIA) أو قدرات المراقبة الأخرى من أجل التجسس على حملة بايدن أو مراقبة الخصوم السياسيين أم لا. لكنَّنا نعلم أنَّ الحكومة الفيدرالية قامت بمراقبة أشخاص احتجوا على سياسات الإدارة تجاه الهجرة، وهدَّد ترامب بإعلان حركة “أنتيفا” الفضفاضة التي لا يوجد لها هيكل قيادي محدد منظمةً إرهابية، وهو ما قد يسمح للوكالات الأمنية الداخلية بإجراء المزيد من المراقبات بعيدة المدى للاحتججات المناهضة لترامب. وبالتأكيد فإنَّ ترامب وحلفاءه ليسوا بعيدين عن احتمال استخدام المؤسسات الحكومية لتعزيز حظوظ الرئيس السياسية. ومن هنا جاء تصريح السيناتور الجمهوري رون جونسون لمحطة إذاعية محلية بأنَّ تحقيق مجلس الشيوخ الذي لا أساس له في أنشطة هانتر بايدن في أوكرانيا من شأنه أن “يساعد الرئيس على الفوز بإعادة انتخابه“.
5- استخدام سلطة الدولة لمكافأة الداعمين من الشركات ومعاقبة الخصوم
في هذه المرحلة، بالكاد قد تشق الأخبار عن كون إدارة ترامب فاسدة للغاية، أو أنَّ عائلة ترامب تستخدم منصبه لإثراء نفسها بطرق شتى، طريقها إلى عناوين الأخبار الرئيسية. لكنَّ بعض الأمثال أكثر خطورة، فوفقاً لدراسة جديدة لمعهد بروكنغز، كانت استجابة إدارة ترامب لجائحة فيروس كورونا المميتة مشوبة بوجود رقابة غير ملائمة وإشارات واضحة على الفساد.
فوفقاً للدراسة: “خرجت تقارير تفيد بأنَّ 27 عميلاً من جماعات الضغط المرتبطة بترامب تلقَّت ما يصل إلى 10.5 مليار دولار من الإنفاق الحكومي المرتبط بفيروس كورونا، وأنَّ المستفيدين أيضاً شملوا كيانات عدة مرتبطة بعائلة جاريد كوشنر وغيرها من شركاء ترامب وحلفائه السياسيين، وأنَّ ما يصل إلى 273 مليون دولار قد مُنِحَت لأكثر من 100 شركة يملكها أو يُشغّلها مانحون كبار لجهود ترامب الانتخابية…”.
في الوقت نفسه، تتعرَّض المنظمات التي يعتبرها ترامب غير صديقة لمخاطر أن يتم اختصاصها بالمعاملة القاسية. ففي الأسبوع الماضي فقط، قرَّر الوزير بار تسريع تحقيق لمكافحة الاحتكار بحق شركة جوجل.
6- ملء مناصب المحكمة العليا
تعتمد قدرة الرئيس على ملء مناصب المحكمة العليا على حدوث شغور في أحد المناصب وعلى موافقة مجلس الشيوخ. وليس على ترامب أن يقلق بشأن مجلس الشيوخ، الذي سمح له باختيار قاضيين جديدين في ولايته الأولى. لكنَّه لم يمضِ أبعد من هذا، والسبب الوحيد لهذا هو أنَّه لم يحظَ بفرصة أخرى منذ التعيين المثير للجدل للقاضي بريت كافاناه.
في الوقت نفسه، يقوم ترامب وزعيم الأغلبية الجمهورية بمجلس الشيوخ ميتش ماكونيل بعمل جيد في ملء المناصب الشاغرة بالمحاكم الأدنى، بما في ذلك تقديم بعض المرشحين ذوي المؤهلات الهزيلة. والأمر لا يتعلَّق بمسائل حقوق الإجهاض وضبط السلاح وحسب. فإذا تحولت انتخابات 2020 إلى معركة عض أصابع، قد تكون قرارات المحاكم الأدنى بشأن المخالفات الانتخابية المحتملة ذات أهمية كبيرة. وبالفعل، فتح العديد من القرارات الأخيرة في بعض الولايات الباب تحديداً أمام ذلك النوع من خنق الناخبين الذي قد يفيد ترامب.
7- تطبيق القانون على طرف واحد فقط
في حين يُوجِّه ترامب سهام نقده للمهاجرين والمحتجين وبايدن الخائن شديد الخطورة والناعس في نفس الوقت، غضَّ الرئيس إلى حد كبير الطرف عن مجرمين أكثر خطورة بكثير. فمع أنَّ المجموعات اليمينية الإرهابية والمؤمنين بنظرية تفوق أصحاب البشرة البيضاء مسؤولون عن وفيات أمريكية أكثر بكثير من المحتجين اليساريين أو الجماعات الإرهابية الأجنبية، أعرب ترامب مراراً عن تعاطفه مع الطرف الأول بطرق شتى.
في الوقت نفسه، يسعد ترامب بمنح العفو لرفاقه المجرمين، مثل الجاني المُدان روجر ستون، وإسقاط التهم عن مستشار الأمن القومي السابق مايكل فلين.
لكن انتبهوا: هنالك نظامان قانونيان في أمريكا ترامب؛ الأول للرئيس وأعوانه، والآخر للمغفلين أمثالكم. وهو نفس الوضع الموجود في نظم سلطوية أخرى.
8- الإفساد الحقيقي للنظام
حين يكتب شخص مثل ديفيد بروكس، الكاتب لدى صحيفة The New York Times، عمود رأي يخبركم فيه بالاستعداد للمشاركة في حملة عصيان مدني ضخمة عقب انتخابات نوفمبر/تشرين الثاني المقبل، تدركون أنَّنا في مشكلة خطيرة. وقد أوضح ترامب بجلاء أنَّه سيفعل كل ما بوسعه لتوجيه الانتخابات لصالحه.
وحتى في ظل المزايا التي يوفرها نظام المجمع الانتخابي له، يواجه ترامب احتمال هزيمة مهينة، وإن كانت مُستحقة تماماً. لذا، وكما يفعل في ملاعب الجولف، فإنَّ ترامب مستعد كل الاستعداد للغش. فحاول إلغاء تمويل أو تعطيل هيئة البريد الأمريكية، لجعلها أقل قدرة على التعامل مع زيادة التصويت عبر البريد، في حين يزعم في الوقت نفسه، خطأً، أنَّ التصويت عبر البريد (الذي يستخدمه هو نفسه) مليء بالاحتيال. ويأبى هو وأتباعه التصريح علناً بأنَّه سيغادر منصبه في حال هزيمته.
9- إثارة الخوف عبر تشويه الأقليات
ماذا تفعل حين تتخلَّف في استطلاعات الرأي، ولا تملك أدنى فكرة عما تفعله لإعادة الناس إلى أعمالهم، ولا تستطيع السيطرة على الجائحة؟ الأمر بسيط: حاول إخافة الناس من شيءٍ آخر. وكما فعل ترامب أثناء ترشُّحه للمنصب في انتخابات 2016 بتقديمه ادعاءات غير مسؤولة ومثيرة للاستغراب بشأن المسلمين والمكسيكيين “المغتصبين” وغيرها من الأخطار الأجنبية، يبذل ترامب هذه المرة جهداً إضافياً لإقناع الناخبين بأنَّ مدن الولايات المتحدة مشتعلة، وأنَّ الحشود الغاضبة من أصحاب البشرة الملونة متجهون إلى الضواحي للاستيلاء على منازلهم والقضاء على نمط حياتهم.
في غضون ذلك، يحاول إقناع الناس بأنَّ بايدن، وبطريقةٍ ما، تَعِب بدرجة لا تسمح له بأن يكون رئيساً وفي الوقت نفسه يصفه بأنَّه مزيج خطير من مالكوم إكس و”فصيل الجيش الأحمر” و”السفاح زودياك”. وهي حيلة واضحة ويائسة، لكنَّ أكاذيب ترامب نجحت من قبل.
أدان بايدن بالطبع التطرف العنيف بكل أشكاله وبعبارات واضحة. في حين لا يمانع ترامب العنف حين يهدد أنصاره به أو ينتهجونه. لكنَّ أمله الوحيد هو نثر أكبر قدر ممكن من الفُرقة والكراهية من الآن وحتى الثالث من نوفمبر/تشرين الثاني المقبل، على أمل أنه قد يدفع عدداً كافياً من الناخبين الخائفين للإدلاء بأصواتهم لصالحه أو الخروج إلى الشوارع في حال خسارته. وهذا هو الأمر المخيف فعلاً.
10- شيطنة المعارضة
تُعَد هذه الإشارة التحذيرية خطوة تقليدية في النظم السلطوية، وترتبط ارتباطاً وثيقاً بالإشارة التحذيرية السابقة. في عالم ترامب، لا يسع المرء تصوُّر وجود اختلافات مشروعة بين الأمريكيين الوطنيين المسؤولين المتساوين، ذلك النوع من الاختلافات الصحية التي وُجِدَت النظم الديمقراطية لاستيعابها والتوفيق بينها. فأنت إمَّا معه، وإمَّا أنَّك شرير ومجنون ومخبول وقذر وخائن.. إلخ.
ومع تراجع حظوظه السياسية، يزداد هذا التوجه سوءاً أيضاً. ومثال ذلك خطابه الغوغائي في جبل رشمور في يوم الاستقلال. إذ استغل ترامب المناسبة لمهاجمة “الغوغاء الغاضبين” الذين يشوهون “النصب التذكارية المقدسة”، متهماً خصومه بمحاولة “إطلاق موجة من الجرائم العنيفة” التي تمثل “شمولية” و”فاشية اليسار المتطرف التي تتطلَّب الولاء المطلق”. كانت اتهاماته الجامحة في الحقيقة ذات أسس ضعيفة أو بلا أساس على الإطلاق، ولم يقدم الخطاب أي محاولة لجمع الشعب الأمريكي في مواجهة التحديات الكثيرة التي يواجهها اليوم. لكن حين يكون أفضل آمالك هو إقناع الناخبين بأنَّ الطرف الآخر أسوأ منك، يكون اختلاق الحكايات المخيفة هو المتوقع.
يقول الكاتب: “هذا ما وصلنا إليه اليوم. فبعد ثلاث سنوات ونصف في منصبه، يواصل ترامب إظهار كل إشاراتي التحذيرية العشر للانهيار الديمقراطي، بل ويزداد سوءاً في العديد منها بمرور الوقت. ولا يوجد أي سبب يدعو للاعتقاد بأنَّ إعادة انتخابه ستؤدي فجأة إلى غرس التزام جديد بالمبادئ الجوهرية للديمقراطية الأمريكية في نفس هذا الشخص النرجسيّ غير النزيه والأناني بالفطرة. بل العكس، لن يؤدي ذلك إلا لتعزيز اعتقاده أنَّ بإمكانه الإفلات بأي شيء يفعله تقريباً”.