تبدو الأرقام جيدة للغاية بالنسبة للديمقراطيين في ولاية أريزونا. فمرشح الحزب على مقعد الولاية بمجلس الشيوخ متقدم بأكثر من خمس نقاط في متوسطات استطلاعات الرأي، ويتقدَّم جو بايدن على دونالد ترامب بأكثر من ثلاث نقاط في نفس المتوسطات. وإن صمدت هذه الأرقام، قد تمنح الولاية الديمقراطيين مجلس الشيوخ وتمنح بايدن البيت الأبيض بضربة واحدة.
لكنَّ أحد المنظمين الديمقراطيين الرئيسيين في الولاية لا يمكنه الجزم بما إن كان يعتقد أنَّ الأرقام ستصمد أم لا، لأنَّه لا يعتقد أنَّ الأرقام موجودة بالأساس.
ويقول لاري بودين، رئيس مجموعة “Democrats of Greater Tucson” (ديمقراطيو توكسون الكبرى)، لصحيفة The Guardian البريطانية: “يمكنني أن أقول إنَّ استطلاعات الرأي مجرد سراب. فقد قرَّرتُ بعد 2016 أنَّني لن أعتمد على ما تقوله استطلاعات الرأي من الآن فصاعداً، وأن أعتمد بدلاً من ذلك على ما يقابله زملائي الديمقراطيون على الأرض”.
هل فقد الديمقراطيون إيمانهم باستطلاعات الرأي؟
داخل مكاتب الحزب الديمقراطي الممتدة من الساحل الشرقي إلى الساحل الغربي، وفي منازل عدد لا بأس به من المصوتين المناهضين لترامب، يجري التعامل مع نتائج استطلاعات الرأي التي تُظهِر أداء واعداً لبايدن والمرشحين الديمقراطيين على المناصب الأخرى بمزيجٍ من الارتياب ورفض الاستسلام. وقد تعهَّد الكثير من التقدميين بأنَّهم اكتفوا من لعبة الأرقام، وذلك لشعورهم بأنَّ استطلاعات الرأي ضلَّلتهم ودفعتهم للاعتقاد بأنَّ هيلاري كلينتون كانت قاب قوسين أو أدنى من الفوز في 2016، ثُمَّ ما لبثوا أن تعرَّضوا لكمين بفوز ترامب.
قال بودين: “أنا نشط في دوائر الديمقراطيين، ولا أحد تقريباً يتحدث عن استطلاعات الرأي”.
ويبدو أنَّ هذا الاتجاه ليس له جانب سلبي يُذكَر بالنسبة للمُنظمين السياسيين. لكنَّ مسألة مصداقية استطلاعات الرأي لها تداعيات أوسع بالنسبة للحملات الانتخابية، والسياسة العامة، وفي نهاية المطاف لحياة الأمريكيين اليومية، بشأن قضايا تتراوح من التمييز العِرقي في التعاملات مع الشرطة وحتى التشكك حيال اللقاح المحتمل لفيروس كورونا.
وفي النهاية، يقول المحللون إنَّ صحة استطلاعات الرأي مرتبطة بصحة الديمقراطية. فسؤال الناس عمَّا يعتقدونه هو تعبير عن الثقة في أنَّ رأي الأمريكيين له أهميته، وهي فكرة تبدو أكثر جدارة بالاهتمام في ظل مطالبة ترامب بـ”التخلص من بطاقات الاقتراع” في نوفمبر/تشرين الثاني المقبل.
وفي ظل تلك المخاطر الماثلة، وفي ظل حالة التمحيص العامة المكثفة عشية الانتخابات الفاصلة، أجرى مُنظِّمو استطلاعات الرأي في أنحاء البلاد تعديلات لمعالجة أخطائهم في 2016 ويعملون جاهدين لرسم صورة دقيقة لانتخابات 2020.
ووفقاً لمجموعة كاملة من التحليلات التالية لانتخابات 2016، تضمَّنت أخطاء المرة السابقة ما يلي: لم يهتم منظمو استطلاعات الرأي بالتحصيل العلمي باعتباره خطاً فارقاً محتملاً ضمن هيئة الناخبين، وضللتهم موجة غير معتادة من الناخبين المترددين الذين توجَّهوا نحو ترامب في آخر لحظة، وكان عدد استطلاعات الرأي في الولايات المتأرجحة الرئيسية ضئيلاً لدرجة لا تسمح بمعرفة ما كان يجري هناك حقاً، وجرى نشر الخُلاصات التي استُنتِجَت من البيانات القليلة بدرجة يقين كبيرة للغاية، وربما كان هناك بعض ناخبي ترامب “الخجولين” الذين لم يرغبوا في الإفصاح عن دعمهم له.
مع ذلك، تظل النتائج تُشكِّل صدمة سياسية. ففي الأيام الأخيرة لانتخابات 2016، كان “متوسط” استطلاعات الرأي الشحيحة في ولاية ويسكونسن يُظهِر تقدُّم كلينتون بست نقاط ونصف. وفي ولاية ميشيغان، كان متوسط “تقدُّم” كلينتون 3.6 نقطة، في حين كان في بنسلفانيا 2.1 نقطة. مع ذلك، فاز ترامب بالولايات الثلاث كلها وفاز معها بالبيت الأبيض. كان الانتقاد الفوري الذي وُجِّه لحملة كلينتون هو أنَّها لم تزر ولايات الغرب الأوسط العليا، وأخذت دعم ناخبي ميشيغان وويسكونسن على أنَّه أمر مُسلَّم به، بعدما ركنت لاستطلاعات الرأي المُطمئِنة.
ما الذي تغير منذ الانتخابات السابقة؟
كان استطلاع رأي كلية فرانكلين آند مارشال الشهير وواسع الانتشار في بنسلفانيا يُظهِر تقدُّم كلينتون بـ10 نقاط فما فوق في الولاية في آخر الاستطلاعات التي أجرتها الكلية قبل انتخابات 2016. لكنَّ ترامب فاز بالولاية بهامش ضئيل جداً أقل من 50 ألف صوت، أو أقل من نقطة مئوية واحدة.
قال مدير الاستطلاع، جي تيري مادونا، إنَّ توجه موجة غير معتادة من الناخبين الذين حسموا اختيارهم متأخرين في معظمهم في نفس الاتجاه –نحو ترامب- هو ما أدَّى إلى نقطة الضعف تلك في الاستطلاع.
وأضاف: “في بعض الحالات، بما في ذلك حالتنا، خرجنا من على الأرض، بمعنى أنَّنا أنهينا مقابلاتنا قبل 10 أيام من الانتخابات. وما وجدناه في استطلاع رأي الناخبين الخارجين من مراكز الاقتراع هو أنَّ بضعاً وعشرين في المئة من الناخبين حسموا أمرهم أو غيَّروا رأيهم في آخر 10 أيام، وذهبوا باتجاه ترامب أكثر من كلينتون”. وقال مادونا إنَّ استطلاعات الرأي ستبقى على الأرض فترة أطول، وإنَّه يرى عدداً أقل من الناخبين المترددين هذه المرة.
وبالنسبة للقرَّاء الذين قرَّروا عدم تجاهل استطلاعات الرأي: أعلنت كلية فرانكلين آند مارشال استطلاعاً للرأي صباح الخميس 24 سبتمبر/أيلول يُظهِر تقدُّم بايدن بست نقاط في الولاية التي لابد له من الفوز بها، في حين تُظهِر متوسطات استطلاعات الرأي تقدُّم بايدن بـ4.1 نقطة.
ووسَّع منظمو استطلاعات الرأي الآخرون، بما في ذلك معهد الرأي العام التابع لكلية مولنبيرغ في مدينة بيت لحم بولاية بنسلفانيا، منهاجياتها منذ الأيام الأخيرة لعام 2016.
فقال كريستوفر بوريك، مدير استطلاع الرأي، إنَّ الاستطلاع هذا العام لا يبحث فقط في أكثر التصنيفات شيوعاً للرؤى المتعلِّقة بسلوك المصوتين –الجنس، والعمر، والمنطقة، والحزب، والعِرق- لكنَّه أضاف أيضاً تصنيفاً آخر: التحصيل العلمي.
وقال: “نرى الآن انقساماً أكبر، حيث يُصوِّت ذوو التحصيل عالي المستوى بطريقة معينة ويُصوِّت ذوو التحصيل الأقل بطريقة أخرى… لذا نأخذ الآن في الاعتبار التحصيل العلمي، وهو بالفعل يؤثر في استطلاعات الرأي قليلاً”.
التعريف بقيود استطلاعات الرأي
ومن بين 453 جهة منظمة لاستطلاعات الرأي مُصنَّفة وفق موقع FiveThirtyEight لتحليل البيانات، يُعَد استطلاع الرأي من معهد الرأي العام التابع لكلية مولنبيرغ واحداً من بين ستة فقط حاصلة على التقييم “A+”.
كان آخر استطلاع أجرته كلية مولنبيرغ في انتخابات الرئاسة في بنسلفانيا قبل انتخابات 2016 يضع كلينتون متفوقةً بهامش ضئيل. وكانت النتيجة الفعلية -فاز ترامب بالولاية بهامش أقل من 1%- ضمن نطاق هامش الخطأ في الاستطلاع. ومن الناحية الإحصائية، لم يكن الاستطلاع مخطئاً.
لكنَّ بوريك يشير إلى أنَّه حين تقع الفجوة بين الرقم الذي يُوردِه استطلاعٌ ما ونتيجة الانتخابات في الجهة المقابلة من الخط الفاصل بين الفوز والخسارة، من المستحيل أن تقول لأي أحد إنَّ استطلاع الرأي لم يكن على خطأ.
قال نيت سيلفر، مؤسس موقع FiveThirtyEight، إنَّ هذه الدورة الانتخابية قد تمثل تحدياً غير معتاد بالنسبة لمنظمي استطلاعات الرأي، بسبب القفزة الكبيرة في عدد الناخبين الذين يدلون بأصواتهم مبكراً وعبر البريد. وتوقع سيلفر نتيجة كل الولايات الخمسين في انتخابات الرئاسة لعام 2012 بصورة صحيحة، وكان واحداً من محللي استطلاعات الرأي القلائل الذين قالوا بوضوح عشية انتخابات 2016 إنَّ ترامب لديه فرصة للفوز.
وغرَّد سيلفر هذا الأسبوع: “أعتقد بالفعل أنَّ الانتقال إلى معدلات عالية من التصويت عبر البريد واحدٌ من أكبر المصادر المحتملة لخطأ استطلاعات الرأي، لاسيما أنَّ التصويت عبر البريد يُرجَّح أن يكون ديمقراطياً بشكل غير متناسب، ولو أنَّه من الصعب معرفة في أي اتجاه قد يقع الخطأ”.
وقال بوريك إنَّها مسؤولية منظمي استطلاعات الرأي، لاسيما الأكاديميين منهم، توضيح ما تعنيه نتائجهم لجمهور لا يفكر دوماً بشأن نتائج الانتخابات من حيث احتمالات النسب المئوية وهامش الخطأ.
وأضاف: “أعتقد أنَّ منظمي الاستطلاعات، والأشخاص الذين يقومون بالبحث في الرأي العام، ينبغي أن يكونوا قادرين على منح المواطنين شعوراً بموقف الرأي العام الأوسع نطاقاً بشأن القضايا وبشأن السباقات (الانتخابية)، وأن يقوموا بذلك بدقة. وأن يُعرِّفوا كذلك بقيود الأمور التي نقوم بها”.
وقال بودين، المنظم الديمقراطي من أريزونا: “ينبغي ألا يأخذ الديمقراطيين أي شيء باعتباره أمراً مُسلَّماً به، ونصيحتي لهم هي أن يتواصلوا مع أنصار الحزب الديمقراطي المحليين لديهم وأن ينشطوا. فليتوقفوا عن الصراخ على التلفزيون، وليتوقفوا عن الشكوى بشأن ما يرونه في الأخبار وليخرجوا ويفعلوا شيئاً ما حياله”.