يبدو الصعود اللافت الذي تشهده شبكة بارليه للتواصل الاجتماعي مريباً، ومن الواضح أن هناك من يريد جعل بارليه تنافس تويتر أو أن تكون بديلاً لها ولفيسبوك، الأغرب أن دولة عربية يبدو أن لها علاقة بالأمر.
هناك كثير من الغموض يحيط بشبكة بارليه، حسبما ورد في تقرير لموقع Business Insider الأمريكي.
فإن أردت أن تعرف كم شخصاً يعمل في بارليه، شبكة التواصل الاجتماعي المكرسة لحرية التعبير والتي تتزايد شعبيتها بالتدريج هذه الأيام، فلا تسأل مدير العمليات بالشركة.
قال جيفري ويرنك، وهو أيضاً مستثمر بالشركة، لموقع Business Insider إنه لا يعرف عدد الموظفين في الشركة على وجه اليقين، لكنه يخمن أن العدد حوالي 30 بناءً على تقرير من صحيفة وول ستريت جورنال، التي استعملت بيانات من LinkedIn في تقدير الأعداد.
هل تمثل شبكة بارليه للتواصل الاجتماعي منصة جديدة لليمين المتطرف؟
ويرنك، الذي استثمر في بارليه لمهمتها في ضمان حرية التعبير، غاضب لأن شركته تصورها وسائل الإعلام، على أنها منصة لليمين، ومنها موقع Business nsider الذي كتب تقريراً عن شعبية بارليه في أوساط المحافظين والمتطرفين. وقال ويرنك: “نحن لسنا موقعاً يمينياً محافظاً. نحن ساحة عامة”.
مؤخراً، ازدحمت هذه الساحة. تضاعفت تحميلات تطبيق بارليه في الأسابيع الماضية، وحصل على 3 ملايين تحميل منذ يوم الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة. وفي 8 نوفمبر/تشرين الثاني، احتل التطبيق المركز الأول في قوائم متجر التطبيقات من آبل. وقد حثت الرموز اليمينية البارزة، ومن بينهم شون هانيتي من فوكس نيوز وتيد كروز، عضو مجلس الشيوخ عن ولاية تكساس، متابعيهم على الهرب من الرقابة المفروضة على منصات تقليدية مثل فيسبوك وتويتر، والانضمام إلى جنة الحرية الموعودة في بارليه.
وهناك أيضاً العديد من المتطرفين والمنبوذين من وسائل التواصل الاجتماعي، من بينهم الجماعة اليمينية المتطرفة المسلحة Proud Boys، والمؤمنون بالتفوق الأبيض، ونظريات المؤامرة QAnon، الذين وجدوا في بارليه ملاذاً آمناً.
خرجت من العدم وتمويل سري من أنصار ترامب
وبعد نشر تقرير عن تمويل سري لبارليه من المتبرعة المحافظة ريبيكا ميرسر، يتساءل البعض، كيف برزت شركة ناشئة دون أصل في سيليكون فالي بصفتها بديلاً سريع النمو لعمالقة الإنترنت؟ لقد صار هذا سؤالاً بالغ الأهمية في الحروب الثقافية في البلاد. ورغم تأكيدات ويرنك على أن بارليه ليست موطناً لليمينيين، تُظهر نظرة عن قرب للأيام الأولى للشركة عدة روابط بين المنصة وبين رموز بارزة من المحافظين.
تأسست بارليه في يناير/كانون الثاني 2018. على الأقل هذا ما يمكن استنتاجه من حسابي مؤسسيها على موقع LinkedIn، جون ماتز وجاريد طومسون.
الخبرة الوحيدة الظاهرة على حساب ماتز في شركات التقنية الكبرى هي عملٌ لمدة ثلاثة أشهر في شركة Amazon Web Services في 2017. ومقر عمله كان في “موقعٍ خاطئ، مدينة سياتل الأمريكية”.
وبالنسبة لمنصة مكرسة لحرية التعبير و”سياسة أخلاقية ذات شفافية للشركة”، لا تكشف بارليه الكثير عن نفسها. لا يوجد بالموقع قسم “الفريق” المعتاد في مثل هذه الشركات، الذي يحوي قائمة بالمديرين والموظفين والمستثمرين. وعلى عكس القصص الرومانسية الوردية لنشأة الشركات التي تروج لها العديد من الشركات الناشئة، لا تقول بارليه أي شيء عن متى تأسست ولا كيف، فيما عدا الإشارة إلى مقر الشركة في هندرسون بولاية نيفادا.
والنسخ المخبأة من موقع بارليه من منتصف 2018 تكشف المزيد عن تاريخ الشركة. إن بارليه في بداياتها كانت شركة عائلية، وثلاثة من عائلة ماتز كانوا من موظفيها في يوليو/تموز 2018، وفقاً لنسخة مؤرشفة من الموقع: جون، مؤسس الموقع، وريان وماثيو ماتز، “من كبار المطورين”.
وقال بيانٌ قصير يوضح مهمة الشركة على الموقع في 2018: “Parler فعل فرنسي يعني (أن تتحدث). وبعد أن أنهكنا غياب الشفافية في شركات التقنية الكبرى، والرقابة الأيديولوجية وانتهاكات الخصوصية، قرر جون ماتز وجاريد طومسون صنع حلٍّ بديل”.
جاءت أول ملامح شهرة بارليه في ديسمبر/كانون الأول 2018، حين غردت كانديس أوينز، المعلقة اليمينية المعروفة بنشر معلومات مضللة متعلقة بكوفيد-19، ومن معجبيها عائلة ترامب، غردت أنها انضمت إلى المنصة، وقال إنها “طريقٌ تحت الأرض، وحركة لنقل الكلام” بالنسبة للمحافظين.
وكان أثر تغريدة أوينز فورياً، إذ انضم 40 ألف مستخدمٍ جديد إلى الموقع ذلك اليوم، ما أدى إلى تعطل خوادم بارليه، وفقاً لماتز حين تحدث إلى موقع Politico في 2019. وكانت هذه الموجة الأولى من المستخدمين، التي بلغت ذروتها مع الزيادة الكبيرة في أعداد المستخدمين بعد الانتخابات هذا الشهر.
ودان بونجينو، المذيع المثير للجدل واسع الشعبية في البرنامج الحواري المحافظ Bongino Report، استثمر في بارليه هذا الصيف، وفقاً لويرنك مدير العمليات. لم يفصح ويرنك عن مقدار استثمار بونجينو، أو مقدار استثماره هو نفسه. وقد بدأ ويرنك العمل في بارليه قرب نهاية 2019. ومع أنه قال إن جميع جهود العلاقات العامة الخاصة ببارليه يتم إبلاغه بها، فإنه لم يعلق على أي شيءٍ بخصوص الشركة قبل تعيينه.
صلات مبكرة بناشط ووريثة
قبل استثمار بونجينو، جذبت بارليه انتباه سيدة أعمال محافظة أخرى، ريبيكا ميرسر، ابنة الملياردير صاحب صناديق التحوط روبرت ميرسر. مولت ريبيكا بارليه منذ نشأتها، وبعد أن كشفت صحيفة وول ستريت جورنال عن صلة ميرسر ببارليه هذا الشهر، كتبت ريبيكا منشوراً تقول فيه إنها وماتز “أسسا بارليه لتوفير منصة محايدة مكرسة لحرية التعبير، تماماً كما أراد آباؤنا المؤسسون”.
عائلة ميرسر من كبار الممولين لحملة دونالد ترامب الرئاسية في 2016. وكان روبرت وريبيكا ميرسر من كبار المستثمرين، ومعهما مستشار ترامب السابق ستيف بانون، في شركة كامبريدج أناليتيكا، التي ألقت بفيسبوك في قضية مثيرة للجدل بسبب استخراج المعلومات الشخصية للمستخدمين واستعمالها في استهدافهم بإعلانات سياسية.
بارليه تنافس تويتر، وأعداد هائلة من المستخدمين جاءوها من دولة عربية
وفي يونيو/حزيران 2019، انضم 200 ألف مستخدم من السعودية إلى المنصة بعد زعمهم أن تويتر يحجب تغريداتهم المؤيدة للحكومة السعودية، وفقاً لرويترز. ورحبت بارليه بمستخدميها الجدد، ودعتهم للانضمام إلى الشركة من أجل “القتال في سبيل حقوقنا معاً”.
بالنسبة للرموز المحافظة الشهيرة، فإن ما يجذبهم للمنصة واضح: بارليه لا تؤمن بأن منصات التواصل الاجتماعي عليها تنظيم حرية التعبير. قال ويرنك لموقع Business Insider: “لسنا نسخة من تويتر. إننا نحاول المشاركة في طريقة جديدة للتوسط في الثقة على الإنترنت”.
وأضاف ويرنك أنه لا يؤمن بأن تويتر وفيسبوك يمكن اعتبارهما من منصات التواصل الاجتماعي بعد الآن، نظراً لفرض قيود على المحتوى، وشدد على أن بارليه ليست مسؤولة عن تحديد الحقيقة. وأشار ويرنك إلى المادة 230 من قانون آداب الاتصالات، التي تحمي الناشرين ومنهم شركات التواصل الاجتماعي من المسؤولية القانونية عن المحتوى الذي ينشره المستخدمون.
لكن بارليه ليست مرتعاً لأي شخص. فالموقع له لوائح مجتمعية تحظر رسائل المضايقة والمنظمات الإرهابية “وفقاً لحكومة الولايات المتحدة”، والإعلانات غير المطلوبة، والسب والقذف، والابتزاز، والبذاءة، والتهديد بالأذى، إلى جانب أشياء أخرى.