هزيمة الرئيس دونالد ترامب مثلت ضربة قوية لسياسات اليمين المتطرف حول العالم، لكن ذلك لا يعني أن الترامبية قد انتهت، وربما تجد ألمانيا نفسها تحت قيادة فريدريش ميريتس الملقب بترامب ألمانيا، فماذا يعني ذلك؟
ما قصة ترامب ألمانيا؟
فريدريش ميريتس سياسي ألماني محافظ ينتمي لليمين المتطرف لا يطيق المستشارة أنجيلا ميركل التي أطاحت به من الفوز بقيادة التحالف المسيحي الديمقراطي الحاكم قبل 18 عاماً. عاد ميريتس للظهور بقوة مؤخراً ورشح نفسه لخلافة ميركل، والمفاجأة أنه يحظى بشعبية متصاعدة ويتصدر استطلاعات الرأي قبل الانتخابات الداخلية في يناير/كانون الثاني المقبل، بحسب تقرير لمجلة Politico الأمريكية.
ويبلغ ميريتس حالياً من العمر 65 عاماً، قضى العقدين الأخيرين منذ هزيمته أمام ميركل بعيداً عن الأضواء ويعمل في القطاع الخاص، وبعد إعلان ميركل التنحي قبل عامين واختيارها أنغريت كرامب كارينبور لتحل محلها ظهر ميريتس فجأة وانضم للسباق الانتخابي وكاد أن يفعلها، لكن كارينبور فازت في النهاية.
لكن جاء قرار كارينبور المفاجئ بالتخلي عن زعامة التحالف وخلافة ميركل في المستشارية، ليعلن ميريتس عودته للسباق مرة أخرى، ويواجه هذه المرة أرمين لاشيت ونوربرت روتغين في الانتخابات المقبلة، حيث يتوقع أن تقوم الوفود باختيار واحد من الثلاثة لقيادة التحالف الحاكم في يناير/كانون الثاني المقبل. والفائز في هذا السباق يصبح تلقائياً مرشح الحزب المسيحي الديمقراطي لمنصب مستشار ألمانيا خلفاً لميركل.
لماذا تبدو فرصة ترامب ألمانيا قوية؟
أدى تراجع شعبية ميركل في أعقاب أزمة اللاجئين وتعرض التحالف الحاكم لسلسلة من الانتكاسات الانتخابية في الأعوام القليلة الماضية، ما أدى إلى تقدم حزب البديل من أجل ألمانيا اليميني المتطرف بصورة متسارعة، وهذه النقطة تحديداً هي التي أعادت ميريتس للواجهة مرة أخرى.
فالرجل سياسي يميني محافظ ومثير للجدل بصورة كبيرة أدت إلى تشبيهه بالرئيس الأمريكي دونالد ترامب، وقد انعكس ذلك بصورة لافتة خلال الأشهر القليلة الماضية، حيث يردد ميريتس نفس نظريات المؤامرة التي اعتمدها ترامب أثناء ترشحه قبل أربع سنوات ولا زال يستخدمها حتى اليوم لتبرير هزيمته أمام جو بايدن في الانتخابات التي أجريت الشهر الجاري.
يزعم ميريتس أن هناك مؤامرة من جانب ميركل وحلفائها السياسيين لإبعاده عن الترشح في الانتخابات المقررة يناير/كانون الثاني المقبل: “لن ينجحوا”، كان هذه رسالة ميريتس للمتآمرين المزعومين ضده خلال مقابلة تليفزيونية الشهر الماضي، مضيفا: “لن تطيحوا بميريتس أو ترهقوه، سيظل واقفاً”.
ميريتس يستغل خطة التحالف الحاكم بقيادة ميركل تأجيل انتخابات يناير المقبل بسبب الموجة الثانية من وباء كورونا التي تجتاح البلاد حالياً، ويعلن معارضته لأي تأجيل وهو ما يزيد من شعبيته في الأوساط اليمينية الرافضة لإجراءات الحكومة لمكافحة تفشي الفيروس القاتل.
ومن المفترض أن يجتمع ممثلو الولايات الألمانية الستة عشر وعددهم أكثر ألف شخص في مكان واحد لإجراء الانتخابات، وهو ما يخالف إجراءات مكافحة كورونا المطبقة في البلاد حالياً، كما أن إجراء الانتخابات عبر الإنترنت يعتبر أيضاً مخالفاً للقواعد القانونية المنظمة لتلك العملية، لذلك تسعى الحكومة لتأجيلها لما بعد فصل الشتاء تفاديا لمأزق الوباء، لكن ميريتس يرى ذلك مؤامرة تستهدف استبعاده من السباق، رغم نفي كارينبور التي لا تزال زعمية التحالف المسيحي الديمقراطي وغيرها من قيادات التحالف أن يكون للأمر علاقة بميريتس من الأساس.
معارضة ميريتس وإصراره على عقد الانتخابات في موعدها أدى حتى الآن لعدم اتخاذ قرار التأجيل بشكل رسمي، ويبدو أن الانتخابات سيتم إجراؤها بالفعل في يناير، والسبب في موقف ميريتس هو أن استطلاعات الرأي تظهر تقدمه السباق بصورة كبيرة عن أقرب منافسيه.
فقد أظهر استطلاع رأي أجرته مجلة دير شبيغيل الألمانية الشهر الجاري أن ميريتس يتقدم السباق الانتخابي بنسبة 26% من الأصوات يليه روتغين بـ10.6% وراتشيت بنسبة 8.1% فقط، والغريب في نتيجة ذلك الاستطلاع هو أن وزير الصحة جينس سبان جاء في المركز الثاني خلف ميريتس بنسبة 23% رغم أنه ليس من ضمن المرشحين من الأساس، وقال 20% من المستطلعين إنهم يفضلون مرشح آخر.
وعلى الرغم من استطلاع الرأي المذكور لا يعني أن ميريتس سيفوز بالفعل، فإن من المستحيل توقع النتيجة على أية حال، لكن يظل السؤال الأهم هو إذا ما كانت ألمانيا مستعدة بالفعل للتعايش مع تداعيات اختيار ترامب ألمانيا خليفة لميركل في منصب المستشار.
الترامبية لن تنتهي قريباً
ما تشهده ألمانيا من احتمال تولي سياسي يميني يشبه كثيراً دونالد ترامب منصب المستشار خلفاً لميركل يجيب في حد ذاته عن السؤال الكبير الذي لا يزال يتردد منذ في أعقاب خسارة ترامب أمام جو بايدن وهو هل تنتهي الترامبية مع مغادرة ترامب البيت الأبيض؟
وتناولت شبكة CNN الأمريكية قصة الترامبية في تقرير بعنوان “خسارة ترامب وجهت ضربة للشعبوية حول العالم، لكن الحركة لا تزال قوية ومستمرة”، والمقصود بالترامبية هي اليمين المتطرف والشعبوي الذي يؤمن أتباعه بتفوق الجنس الأبيض ويرفضون القيم الديمقراطية والليبرالية وحرية التعبير والمثلية الجنسية والإجهاض وغيرها من القيم المحسوبة على اليسار.
وبالطبع لم تظهر سياسات اليمين مع ترامب، لكن وصوله للبيت الأبيض قبل أربع سنوات جعله قائداً لذلك التيار حول العالم ومثل دفعة قوية للسياسيين اليمينيين مثل بوريس جونسون في بريطانيا وناريندرا مودي في الهند وهايير بولسونارو في البرازيل وغيرهم حول العالم من الفلبين للمجر، وأصبح عداء ترامب للهجرة والأقليات وعدم احترامه لحقوق الإنسان اتجاهاً عالمياً ملموساً طوال فترة رئاسته.
ومن الطبيعي أن تمثل خسارته للانتخابات ضربة قوية لحلفائه من الزعماء اليمينيين والاستبداديين حول العالم، لكن هذا لا يعني بالضرورة أن موجة اليمينية والشعبوية قد أفل نجمها، لا في الولايات المتحدة الأمريكية ولا حول العالم. صحيح أن جو بايدن فاز في الانتخابات الأمريكية وحصل على رقم قياسي لم يحصل عليه مرشح قبله من أصوات الناخبين تخطى 81 مليوناً، إلا أن ترامب أيضاً حصد أكثر من 73 مليون صوت، وهو ما يعني أن شعبية الرئيس الخاسر قد زادت عن انتخابات 2016.
البحث في الأوضاع السياسية يظهر تراجعاً في شعبية الترامبية ولو بصورة طفيفة في الولايات المتحدة والدليل خسارة ترامب، والأمر نفسه يبدو متكرراً حول العالم، لكن المؤشرات تقول إن السياسات الشعبوية واليمينية ربما تكون قد تعرضت لهزة بخسارة ترامب لكنها قد تحظى بدفعة أكبر إذا ما فاز ميريتس وأصبح مستشاراً لألمانيا خلفاً لأنجيلا ميركل.