المركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية:
مثّل إعلان وسائل الإعلام فوز المرشح الديمقراطي “جو بايدن” وهزيمة “ترامب” في الانتخابات الرئاسية الجارية تناقضًا واضحًا للتنبؤات التي أطلقها بعض رموز الإنجيلية الأصولية “الإيفاجيلكيين”، والتي أكدت على إعادة فوز “ترامب”، ويأتي ذلك في خضم سباق رئاسي مضطرب يتنازع فيه كلا المرشحين على الفوز، وتتعالى فيه دعوات الاحتجاجات والعنف، وتتزايد فيه خطابات وأحاديث الاستقطاب والانقسام، وأنباء الغش والتزوير؛ الأمر الذي يستدعي ضرورة النظر في موقف الإنجيليين الأصوليين من المشهد الانتخابي الحالي، وكذا تحركاتهم المستقبلية ردًّا على نتيجة الانتخابات.
محاولات “ترامب” و”بايدن” للتقارب مع الإنجيليين الأصوليين:
صور “ترامب” نفسه –منذ حملته الانتخابية الأولى في 2016- كحامٍ للمسيحية في الولايات المتحدة، في مقابل النموذج الليبرالي للرئيس السابق “باراك أوباما”. وعلى الرغم من مسيرته المتناقضة مع التعاليم الأصولية (زيجات ثلاث، اتهامات بالتحرش، فضيحة “ستورمي دانيالز”)، لكنه تمكن من تجاوز ذلك عبر بناء تحالفات سياسية راسخة مع قيادات الأصوليين، وتبني مطالبهم ورؤاهم. ويأتي في مقدمة تحركاته للتقارب معهم اختيار نائبه “مايك بنس” المتشدد دينيًّا، صاحب المواقف المحافظة ضد المثليين والتحول الجنسي والإجهاض، خلال حملته الأولى 2016 والثانية 2020.
ولأن القضاء كان على رأس الشواغل التي تهم الأصوليين، تعهد “ترامب” خلال حملته الأولى للناخبين المحافظين بتسمية قضاة تتوافق مواقفهم مع قيمهم، لذا، اتبع سياسة قائمة على التوسع في تعيين القضاة اليمينيين المحافظين، إذ استبدل القاضي المحافظ المعتدل نسبيًّا “أنتوني كينيدي” بالمحافظ المتشدد “بريت كافانو”، ودخل في معركة لتعيين القاضية المحافظة “إيمي كوني باريت” خلفًا للقاضية التقدمية “روث بادر جينسبرج”، ما أدى إلى وجود 6 قضاة محافظين بداخل المحكمة العليا التي تتكون من رئيس و8 قضاة.
في عام 2018، وقع “ترامب” أمرًا تنفيذيًا لإنشاء مبادرة البيت الأبيض للإيمان والفرص the White House Faith and Opportunity Initiative، التي تعمل على إزالة الحواجز التي منعت المنظمات الدينية من العمل مع الحكومة الفيدرالية أو تلقي تمويل منها. وفي إطار الحشد لانتخابات 2020، أعلن “ترامب” في نوفمبر 2019، تعيين القسيسة الإنجيلية “باولا وايت” في منصب المستشارة الروحية، والتي سهلت -عبر منصبها- العديد من اللقاءات بين القساوسة المحافظين ومسئولي البيت الأبيض لطمأنتهم بأن الرئيس مستمر في التجاوب مع اهتماماتهم وقضاياهم. فضلًا عن ذلك، اتجه “ترامب” إلى إطلاق تحالف “إنجيليين من أجل ترامب”، لتجييش الأصوليين خلفه خلال السباق الرئاسي.
وعلى الرغم من أن الصورة المرتبطة بالإنجيليين الأصوليين تفيد بتوجههم صوب التصويت لصالح “ترامب”، فإن حملة “بايدن” بذلت خلال عام 2020 جهودًا متضافرة للوصول إليهم؛ فوفقًا لموقع “بوليتكو Politico” قال أحد كبار مساعدي حملة “بايدن” إننا “قمنا بمراهنات استراتيجية مع مجموعات دينية”. كما قال القس “جويل هانتر” -عمل مستشارًا روحيًا للرئيس “باراك أوباما”- إن “هيلاري كلينتون لم تتواصل قط مع المجتمع الإنجيلي”، لذلك ساد اعتقاد بصعوبة التأثير والتواصل، وعليه توجهت الأصوات صوب “ترامب” خلال 2016، إلا أنه انضم إلى الإنجيليين المؤيدين لـــ”بايدن”، الذين يصفون الأجندة العامة للحزب الديمقراطي بــــأنها “جدول أعمال متوازن كتابيًا”، على الرغم من اختلافهم معها في بعض الأمور كالحق في الإجهاض.
وفي هذا السياق، عيّن “بايدن” الإنجيلي “جوش ديكسون” مديرًا للمشاركة الدينية في حملته، وعمل “ديكسون” بدوره بجد للوصول إلى المجتمع الإنجيلي بطرق متنوعة. علاوة على ذلك، اعتبرت حملة “بايدن” أن الإيمان المسيحي الشخصي لدى “بايدن” والمناقشة العلنية لدور الدين في حياته الشخصية قد تدفع الإنجيليين للتصويت له، ما ساهم في تزايد هامش التصويت الإنجيلي لصالح “بايدن”، لكنه لم يستطع تغيير نمط التصويت.
وارتباطًا بذلك، قامت “جروشاه دوفورد” -حفيدة الإنجيلي “بيلي جراهام”- بتزعم مجموعةPro-Life Evangelicals الداعمة لــــ”بايدن”، كما انضمت لمجموعة “ليس إيماننا Not Our Faith ” الموالية لـــــ”بايدن”، قائلة إن “هدفي تشجيع أكبر عدد من الناس على مغادرة الكنيسة بسبب النفاق الذي رأوه”. علاوة على ذلك، أولى “بايدن” اهتمامًا خاصًا للناخبين البروتستانت السود، الذين ساعدوه في الفوز بترشيح الحزب الديمقراطي. وقبل يومين من بداية الانتخابات، ألقى خطابًا في مسيرة بعنوان “النفوس إلى صناديق الاقتراع Souls to the Polls” استهدفت رواد الكنيسة السود في فيلادلفيا. كما تم إطلاق حملة منفصلة باسم (إنجيليين من أجل “بايدن”) من قبل الإنجيليين المدافعين عن البيئة، في مقدمتهم “جيم بول” و”ريتش سيزيك”.
اتجاهات تصويت الإنجيليين الأصوليين في سباق 2020
ذكر “فرانك نيوبورت Frank Newport” -عالم بمؤسسة جالوب- أن “الدين” بات قضية أكثر بروزًا في خضم السباق الرئاسي 2020 أكثر من الحملات الرئاسية الأخرى؛ ويرجع ذلك لأمرين، أولًا: ما بذله “ترامب” منذ وصوله للمكتب البيضاوي من جهود لتعزيز السياسات والبرامج المصممة خصيصًا لزيادة الدعم بين المسيحيين الإنجيليين البيض. ثانيًا: سعى “بايدن” لإبراز قدر معقول من التزامه الديني كونه المرشح الكاثوليكي الرابع في تاريخ الولايات المتحدة.
أظهر استطلاع AP VoteCast أن 81٪ من الناخبين البروتستانت الإنجيليين البيض صوتوا لـصالح “ترامب” هذا العام، مقارنة بـ 18٪ الذين صوتوا لصالح “بايدن”، أما استطلاعات الرأي الصادرة عن إديسون فتقدر أن 76٪ من الإنجيليين البيض صوتوا لصالح “ترامب”، و24٪ لصالح “بايدن”، ما يعني الزيادة المحدودة بهامش التصويت الإنجيلي لـــ”بايدن” دون تغيير في نمط التصويت. كما تُظهر تقديراته للتصويت الكاثوليكي هذا العام انقسامًا شبه متساوٍ، إذ صوت 49٪ من الكاثوليك لصالح “بايدن” و50٪ لصالح “ترامب”.
وارتباطًا بذلك، يقول “روبرت جونز” -الرئيس التنفيذي لمعهد أبحاث الدين العام- إن “المشهد الديني هذا العام كان مستقرًّا بشكل ملحوظ من حيث التصويت”، فمنذ “رونالد ريجان” كان الناخبون المسيحيون البيض يميلون إلى دعم المرشحين الجمهوريين”. إلا أن موقع “بوليتكو” لفت لوجود فشل بحملة “ترامب” في تحييد تهديد “بايدن” بمقاطعة كينت بولاية ميشيجان، حيث منحت المقاطعة “بايدن” 50.000 صوت أكثر في هذه الدورة من “هيلاري كلينتون”، رغم كونها جيبًا إنجيليا. وارتباطًا بما سبق، يُمكن بلورة أهم الملاحظات على المشهد الانتخابي الحالي على النحو التالي:
1ـ التوظيف السياسي للدين: في خضم سباق رئاسي يجري على أشده، سعى المرشحان إلى استغلال كل الأدوات لضمان الفوز، ووصل الأمر إلى توظيف واضح للدين لضمان أصوات المتدينين بشكل عام، والإنجيليين الأصوليين على وجه التحديد. غرد القس “جاك جراهام” قائلًا إنه “يصلي من أجل كشف الأكاذيب والخداع وإعادة انتخاب “ترامب” بشكل عادل”. كما قادت “بولا وايت” -المستشارة الدينية والروحية لـــ”ترامب”- صلاة من أجل الانتخابات، وادعت سماعها “صوت النصر”. كما ادعى القس “جورج بيرسونز” خلال خطاب متلفز “أن الرب غير راضٍ عما يحدث، مشيرًا إلى أن الرب مستاء -على وجه التحديد- من خسائر “ترامب” في ولايات ساحات القتال الرئيسية”. وقال الإنجيلي “إرميا جونسون” تعليقًا على الانتخابات إنه “إما أن تكون روح كاذبة قد ملأت أفواه العديد من الأصوات النبوية الموثوقة في أمريكا، أو أن “ترامب” قد فاز بالفعل بالرئاسة ولكن خطة شيطانية وشريرة تتكشف لسرقة الانتخابات”.
2- حالة الاستقطاب الديني في المشهد الانتخابي: يضاف إلى حالة الاستقطاب السياسي الشديد بين المرشحين “ترامب” و”بايدن” أو بين المعسكرين الجمهوري والديمقراطي، حالة شديدة من الاستقطاب الديني وصلت لدى البعض إلى اعتبار الأمر كحرب بين (معسكر الخير ضد معسكر الشر) أو (حرب الرب ضد الشيطان). في سبتمبر الماضي، طلب الإنجيلي “جون هاجي” من أتباعه الإدلاء بأصواتهم لصالح “الكتاب المقدس”، وبالرغم من أنه لم يسمِّ “ترامب” بشكل مباشر؛ إلا أن التضمين كان واضحًا: المرشح الجمهوري هو الخيار المؤيد للحياة والمؤيد للمسيح، على حد وصف موقع إكسبريس Express البريطاني. وقال أيضًا: “أنقذوا أمريكا من “إله الاشتراكية” الذي يهدد الآن بقاء هذه الأمة”. كما قال “كينت كريسماس” إن “هذا ليس أمرًا سياسيًا، هذا ليس عن “ترامب” أو “بايدن” أو السياسة أو الديمقراطيين أو الجمهوريين؛ هذه حرب بين الجنة والنار، وهي تتعلق بمصير هذه الأمة”.
3- محدودية خطاب التهدئة ووحدة الصف: على الرغم من أن حالة الاستقطاب الشديدة ستضر بلا شك بالنموذج الأمريكي ووحدة الشارع الأمريكي، ما يتطلب من كافة الرموز تبني خطاب يحفز على التهدئة ويدعو لوحدة الصف؛ إلا أن عددًا محدودًا من الرموز الإنجيلية هم من دعوا لذلك في مقابل استمرار البعض الآخر في الخطاب المشعل لحالة الاستقطاب. إذ قال القس “ألبرت موهلر” -رئيس المدرسة اللاهوتية المعمدانية الجنوبية في لويزفيل بكنتاكي- في تعليقه اليومي، “إن توجيه تهم عامة بتزوير الانتخابات دون تفاصيل يمكن التحقيق فيها يعد أمرًا خطيرًا للغاية لأمريكا كأمة”. وفي المقابل، أكد العديد من القساوسة والقادة الإنجيليين الكبار الذين كانوا قد أكدوا إعادة انتخاب “ترامب” أن الانتخابات لم تنتهِ بعد، وأنهم ما زالوا متمسكين بتوقعاتهم. فقد سخر الإنجيلي المحافظ “كينيث كوبلاند” -في مقطع فيديو- عبر الضحك بشكل هستيري استنكاري ردًّا على إعلان وسائل الإعلام فوز “بايدن”. كما قالت “كات كير”، خلال بث مباشر، إن “الصخور على وشك التحرك و”ترامب” سيكون رئيسًا بغض النظر عما تسمعونه”. ويؤكد كل من “سيد روث” و”مايكل موريللو” أن “ترامب” سيفوز: “لقد ألقى الرب هذه الانتخابات في المحاكم حتى يتم الكشف عن الفساد”.
4- استمرار الميل الأصولي تجاه الجمهوريين: على الرغم من الجهود المعقولة التي قامت بها حملة “بايدن” لكسب أصوات الإنجيليين الأصوليين، إلا أن هامش التغيير في مواقفهم لا يزال محدودًا، إذ لا تزال الأغلبية فيهم تميل تجاه “ترامب” أو تجاه الجمهوريين. قال القس “جيفريس” إذا أصبح “بايدن” رئيسًا، فإن “المسيحيين سيتحملون نفس المسئولية التي يتحملونها تجاه الرئيس “ترامب”، إذ يجب عليهم الإشادة بسياساته الجيدة، وإدانة سياساته السيئة، والصلاة من أجل نجاحه”. لكنه شدد على أن “ترامب” سيظل بطلًا للإنجيليين كونه “أكثر الرؤساء المؤيدين للإيمان في التاريخ الأمريكي”. وعلى الرغم من خطاب التهدئة الذي يتبناه القس “موهلر”، إلا أنه تطلع إلى استمرار سيطرة الجمهوريين على مجلس الشيوخ انطلاقًا من أن تقسيم السلطة بين مجلس الشيوخ والبيت الأبيض سيؤدي إلى إحباط سياسات “بايدن” المحتملة التي قد تقلق الإنجيليين.
مستقبل محموم
يمكن القول بشكل عام، إن أغلب التحليلات اتجهت إلى وصف انتخابات 2020 بأنها تصويت على “روح” الولايات المتحدة ما بين معسكرين؛ البيض المحافظين في مقابل السود والملونين المهاجرين؛ لذا، فإن المشهد الانتخابي الحالي يحوي صراعًا مشتعلًا نتيجة رغبة كل معسكر في إثبات قدرته على التأثير في العملية السياسية. ويرى بعض المحللين أن صعود “ترامب” جعل من الصعب أكثر من أي وقت مضى فصل الإنجيلية عن السياسة. وعليه، فإن نجاح “ترامب” في تغيير المشهد الانتخابي الحالي عبر القضاء الأمريكي، يعني انتصارًا واضحًا لمعسكر الإنجيلية الأصولية، واستمرار أجندتهم في البيت الأبيض. في حين يعني فوز “بايدن” خسارة معسكر الإنجيلية الأصولية، ما سيستتبع رد فعل قويًّا من جانبهم لإعادة بناء صفوفهم، وتأكيد قدرتهم على التأثير في العملية السياسية. ووفقًا لذلك، يمكن توضيح أبرز ملامح المستقبل على النحو التالي:
- دور أكبر للقادة الإنجيليين: على الرغم من أن هزيمة “ترامب” تمثل عدم مصداقية التنبؤات التي أطلقتها الرموز الإنجيلية، فإن هزيمته ستفتح الباب أمام الادّعاءات الخاصة بوجود خطط شيطانية لسرقة الولايات المتحدة وضرب نموذجها، بعبارة أوضح: سيقوم القادة الإنجيليون بتكثيف الحشد لضمان استمرار تأثيرهم على الساحة السياسية. قال “ريتشارد فلوري” -كبير مديري البحث والتقييم في مركز USC للدين والثقافة المدنية- إن الانتخابات جزء من “صراع أكبر بين الرب والشيطان لن ينتهي أبدًا، بالنسبة لهم، حتى يعود يسوع”.
- استقطاب معقد (ديني وعرقي): ستتجه حالة الاستقطاب التي تشهدها الساحة الأمريكية إلى المزيد من التعقيد بسبب امتزاج الاستقطاب الديني بالعرقي، يتضح ذلك في ميل الإنجيليين البيض تجاه “ترامب”، وميل بعض الإنجيليين السود تجاه “بايدن”. إذ يقول “دو ميز”، مؤلف كتاب “يسوع وجون واين”، إنه “يعتقد أن الانقسام داخل الكنائس الإنجيلية سيكون من الصعب حقًّا معالجته”.
- تأجج الصراع السياسي: بالنظر إلى الساحة الأمريكية وما يشهده السباق الرئاسي من تجاذبات، يتضح أن الساحة الأمريكية مرشحة بقوة للدخول في صراع سياسي قطباه الرئيسيان المحافظون من جانب، والتقدميون من جانب آخر لكونهم لعبوا دورًا -ليس بالقليل- في فوز “بايدن” سعيًا منهم لوضع سياساتهم موضع التنفيذ. ويكمن موضع الخطر الحقيقي في كون المعسكرين يمثلان “طرفي نقيض” يصعب بناء قدر معقول من التوافقات فيما بينهما. وعليه، سيمثل الصدام بين المحافظين بشكل عام، والمتدينين منهم على وجه الخصوص، والتقدميين في إدارة “بايدن”، صراعًا سياسيًا كبيرًا قد يهدد استقرار العملية السياسية.
- تقوية جبهة الإنجيليين: يمكن القول إن إحساس الإنجيليين بتراجع تأثيرهم على الساحة السياسية وتزايد التهديدات، لا سيما الاجتماعية والأخلاقية، من حولهم سيدفعهم مجددًا إلى إعادة بناء صفوفهم، مثلما حدث خلال عقدي السيتينات والسبعينات عندما واجهوا هذه المشكلات عبر تطوير أدواتهم وإعادة بناء صفوفهم والبحث عن قنوات لتنفيذ الأجندة الأصولية، فقد قاموا بتطوير خطابهم وبرامجهم في الإذاعة والتليفزيون لتقديم أفكارهم بصيغة شعبية منقحة وعبر برامج ترفيهية ورياضية، وتنظيم تجمعات شعبية احتفالية، وكذا التوسع في بناء المعاهد والكليات الدينية، وتعزيز ما يمكن وصفه بــــ”شبكة الكنيسة الإلكترونية”.
- تواضع احتمالية فك الارتباط بين الإنجيليين والجمهوريين: اتضح من الهامش الضئيل في صفوف الإنجيليين المصوتين لصالح “بايدن”، أن جهود الديمقراطيين لم تنجح في ثني الإنجيليين عن توجههم الجمهوري، والذي اتضح جليًّا مع وصول “رونالد ريجان” لسدة الحكم، فقد مثلت الانتخابات الرئاسية في عام 1980 الانتصار الأول للأجندة الأصولية، حيث تبنى الحزب الجمهوري ومرشحه أجندة أصولية، وجرى استبعاد العناصر ذات الميول الليبرالية من الحزب أبرزهم الرئيسة المساعدة للحزب “ماري كريسب”.
- استمرار بعض السياسات العنصرية: يدرك الإنجيليون البيض جيدًا وجود تهديد ديمغرافي نتيجة لتزايد أعداد المجاهرين السود والملونين، ما يعني أن الإنجيليين سيدفعون بقوة عبر الموالين لهم في مجلس الشيوخ أو مجلس النواب أو حتى القضاء الأمريكي لتحجيم سياسات الهجرة. بعبارة أوضح، يمثل البعد الديموغرافي عامل ضغط على الأجندة الأصولية لكون الإنجيليين البيض باتوا أقلية في وجه السود والملونين، ما يعني تراجع تأثيرهم -أي الأصوليون- وانحسار أدواتهم، الأمر الذي قد يدفعهم بقوة إلى استخدام رموزهم الموجودة في مواقع السلطة لتبني سياسات أكثر تشددًا تجاه الهجرة.
- محدودية التجديد في الفكر الإنجيلي: تتجه بعض القيادات الإنجيلية إلى الدفع باتجاه تجديد بعض الأفكار، لا سيما لتجاوز السلبيات التي طرأت على التيار الإنجيلي خلال حقبة “ترامب”، إلا أنه من الواضح أن تأثيرهم سيظل محدودًا. وفقًا لموقع “ذي أتلانتك The Atlantic”، قال “مارك جالي” -رئيس التحرير السابق لمجلة “كريستيانتي توداي”- إننا “نحن المسيحيين لدينا الكثير من الأرضية التي يجب أن نقويها الآن ضد أتباع “ترامب” الإنجيليين الذين كان تفانيهم له في حدود الوثنية”. كما قال الإنجيلي “جون هوفمان” -الذي كان رئيسًا لمجلس إدارة مجلة “كريستيانتي توداي”- إنه يعرف العديد من قادة المؤسسات الإنجيلية الكبرى الذين يرغبون في معارضة “ترامب”، لكنهم لن يفعلوا ذلك لأن مؤيديهم سيسحبون التمويل.
مجمل القول، إن الإنجيليين لا يزالون رقمًا مهمًا في المعادلة السياسية على الساحة الأمريكية، كما أن الانتخابات الأمريكية الحالية تمثل –بقدر كبير- نقطة تحول مهمة في تحركاتهم المستقلبية، لا سيما في حالة التحقق من هزيمة “ترامب”. وعليه، سيكون الإنجيليون الأصوليون طرفًا واضحًا في حالة الاضطراب المرشحة إليها الساحة الأمريكية، وسيتطلب احتواؤهم تبني الإدارة الأمريكية الجديدة سياسة أكثر محافظة وأقل ليبرالية.