المصدر: وكالات
ميليشيات مؤيدة لترامب شاركت في اقتحام الكونغرس – رويترز
العنصرية في أمريكا هي مربط الفرس، هذه النتيجة ليست دعاوى يطلقها أعداء واشنطن في الخارج، بل آراء لمسؤولين ومحللين أمريكيين يرون أن رئاسة ترامب كشفت المستور، وأن اقتحام الكونغرس رفع الستار عن العنصرية المتجذرة، التي لن تختفي بغياب ترامب عن المشهد.
حياة السود مهمة واقتحام الكونغرس
شهدت أمريكا احتجاجات ضخمة ضد العنصرية خلال عام 2020، وضعت قوات إنفاذ القانون في البلاد في مواجهة المتظاهرين، وبعد اقتحام الكونغرس يوم الأربعاء 6 يناير/كانون الثاني الجاري، عقدت كثير من المقارنات بين ما حدث في ذلك اليوم وبين ما حدث خلال غالبية مظاهرات حياة السود مهمة.
احتجاجات أمريكا/رويترز
ونشر موقع Vox الأمريكي تقريراً شارحاً بعنوان “العرق الأبيض في قلب التمرد”، رصد الشواهد التي سبقت لحظة اقتحام مبنى الكونغرس، وكيف أنها كانت حاضرة في المشهد الأمريكي بشكل عام وليس فقط في العاصمة واشنطن، ومع ذلك لم يتحرك أحد بشكل كاف لمنع تلك الفوضى غير المسبوقة.
وبحسب التقرير، يُعرب كثير من المراقبين عن قلقهم من حقيقة نجاح المتمردين في اقتحام مبنى الكونغرس، وهو مبنى فيدرالي يحرسه ألفا رجل أمن مسلحين، ورغم ذلك سيطر عشرات من أنصار ترامب على المبنى من الداخل والخارج.
ومصدر القلق الثاني هو أنه كانت هناك إعلانات مسبقة عن الخطة “لاستعادة أمريكا” يوم 6 يناير/ كانون الثاني، وهو الإعلان الذي صدر عن الرئيس ترامب نفسه، ورغم ذلك لم تطلب شرطة الكونغرس تعزيزات من الحرس الوطني أو شرطة العاصمة، وهو ما نتج عنه نجاح المتمردين في تنفيذ ما أعلنوا أنهم سيفعلونه مسبقاً.
والنقطة الثالثة هي أن 69 شخصاً فقط هم من ألقي القبض عليهم بالفعل ليلة اقتحام الكونغرس، رغم أن مشاهد العنف والفوضى كان يتم نقلها على الهواء مباشرة وانتشرت مقاطع الفيديو والصور عبر منصات التواصل الاجتماعي، والمقارنة بين تعامل أفراد الأمن مع المتمردين من أنصار في فوضى الكونغرس من جهة والتعامل مع الاحتجاجات المناهضة للعنصرية من جهة أخرى تشير إلى تفاوت واضح يصعب التغاضي عنه.
اقتحام أنصار ترامب مبنى الكونغرس/ رويترز
لكن ربما تكون أكثر نقاط هذه المقارنة إثارة للقلق هي مشاهد بعض رجال أمن الكونغرس وهم يساعدون المتمردين ويفتحون لهم الأبواب ويوجهونهم إلى مكاتب المشرعين وقاعات المجالس البرلمانية، وهو الأمر الذي قالت تقارير إن هناك تحقيقاً بالفعل يتم في هذه السلوكيات، وقال تيم رايان، عضو مجلس النواب الديمقراطي عن أوهايو، إن هناك تحقيقاً يتم مع عدد من ضباط أمن الكونغرس، يتراوح بين 10 و15، مضيفاً أن أحدهم تم القبض عليه بالفعل.
لكن متحدثاً باسم رايان نفسه نفى ما قاله عضو الكونغرس لاحقاً، وقال إنه أخطأ، حيث لم يتم القبض على أي من أفراد الأمن، مضيفاً أن 10 من الضباط المتواجدين وقت الاقتحام يخضعون للتحقيق بالفعل بسبب دورهم في الأحداث، بحسب تقرير لشبكة CNN.
وبالعودة للمقارنة بين تعامل الأمن الأمريكي مع المحتجين الليبراليين من أنصار حركة السود مهمة في مقابل التعامل مع المحتجين من أنصار ترامب، نجد أن تقريراً رصد 7750 مظاهرة نظمتها حركة السود مهمة في 2400 مكان مختلف حول البلاد، كانت 93% مظاهرات سلمية تماماً، ورغم ذلك تم التركيز على المظاهرات التي شهدت أحداث عنف فقط، واستخدم ترامب منذ البداية تعبير “بلطجية وغوغاء” للإشارة لتلك الاحتجاجات.
وكشفت المقارنة أن قوات إنفاذ القانون أقل تسامحاً مع احتجاجات اليسار المناهضة للعنصرية بنسبة الضعف، مقارنة بتعاملها مع الاحتجاجات والمسيرات التي تنظمها الحركات اليمينية المتطرفة الداعمة لترامب، والرافعة لشعارات تفوق العرق الأبيض، حيث تميل قوات الأمن إلى السعي لتفريق احتجاجات اليمين دون استعمال العنف أو القبض على المشاركين في أغلب الأحيان.
كيف يفسر الجمهوريون اقتحام الكونغرس؟
وفي سياق المكاشفة في حقيقة ما يحدث على الساحة الأمريكية، ومدى عمق الانقسام الحالي الذي يلقي غالبية المحللين والمراقبين به على رئاسة دونالد ترامب، يصعب القول إذا ما كان غياب ترامب عن المشهد بعد انتهاء رئاسته خلال أيام قليلة قد يعني بداية النهاية لذلك الانقسام وتلك العنصرية.
صحيح أن هناك غضباً لا يمكن إنكاره بين غالبية الأمريكيين، تفجر بسبب اقتحام الكونغرس ومشاهد الفوضى والعنف التي سببت خزياً قومياً للبلاد على المسرح الدولي، لكن هذا لا يعني أن ما حدث لن يتكرر مرة أخرى، بل إن هناك مخاوف حقيقية من أن يتكرر وبصورة أسوأ خلال الأيام القليلة المقبلة حتى تنصيب جو بايدن.
الرئيس الأمريكي دونالد ترامب – رويترز
لكن الصورة الأعمق هنا تكشف أن الملايين من الأمريكيين صدقوا بالفعل ادعاءات ترامب الخاصة بتزوير الانتخابات -رغم عدم وجود أدلة تثبت تلك الادعاءات- والأخطر أن هناك مؤشرات قوية على أن نسبة غير قليلة من منتسبي الأجهزة الأمنية والقوات المسلحة أيضاً وقعت فريسة لتلك النظريات التآمرية، بحسب تقرير لشبكة CNN.
إذ كشف استطلاع رأي أجراه موقع Vox مع منظمة Data For Progress في الأيام القليلة الماضية في أعقاب اقتحام الكونغرس أن 74% من الناخبين الجمهوريين لا يزالون مقتنعين بادعاءات ترامب حول تزوير النتيجة، رغم تصديق الكونغرس بالفعل على فوز بايدن بالرئاسة.
وعبّر غالبية من تم استطلاع رأيهم عن عدم اقتناعهم بفوز بايدن، وأنهم يعتبرونه رئيساً غير شرعي، وهو ما يعني أن الفوضى والانقسام الذي تعاني منه الولايات المتحدة حالياً على الأرجح لن يختفي قريباً حتى لو غاب ترامب تماماً عن الحياة السياسية في أمريكا، بعد مغادرته البيت الأبيض يوم 20 يناير/كانون الثاني الجاري، فهل الانقسام والعنصرية الأمريكية كانا هناك دون تغيير يذكر منذ البداية، وما فعله ترامب هو فقط كشف المستور؟