إلى مدى ينتشر اليمين المتطرف بالجيش الأمريكي؟ أصبحت إجابة هذا السؤال أمراً ملحاً بالنسبة البنتاغون بعد الحديث عن تزايد وجود دعاة تفوق البيض والأيديولوجيات اليمينية الأخرى في صفوف الجيش الأمريكي في عهد ترامب.
قضية اليمين المتطرف بالجيش الأمريكي احتدمت لسنوات بالنسبة للقادة العسكريين الأمريكيين، لكن أصبح لها مزيد من الأولوية بعد إشارات على أن أفراداً عسكريين سابقين لعبوا دوراً في الهجوم المميت على مبنى الكونغرس الأمريكي، حسبما ورد في تقرير لموقع Politico الأمريكي.
ويكثف البنتاغون جهوده لرصد ومكافحة تيارات الاستعلاء الأبيض وغيرها من أشكال التطرف اليميني في صفوفه؛ من خلال سعي المحققين الفيدراليين إلى تحديد عدد الأفراد العسكريين والمحاربين القدامى الذين شاركوا في الهجوم العنيف على مبنى الكابيتول.
ففي الأيام التي انقضت منذ اقتحام عصابة مؤيدة لترامب مبنى الكابيتول في 6 يناير/كانون الثاني، كان كبار قادة 2.1 مليون جندي في الخدمة الفعلية والاحتياط يتصارعون مع مخاوف من العثور على أفراد الخدمة السابقين أو الحاليين بين الحشد، حسبما ورد في تقرير لصحيفة The New York Times الأمريكية.
ستة من مقتحمي الكونغرس لهم صلات عسكرية
واستطاع التحقيق الذي أجراه مكتب التحقيقات الفيدرالي في حصار الكابيتول، الذي لا يزال في مراحله المبكرة للغاية، تحديد هوية 6 مشتبه بهم على الأقل لهم صلات عسكرية من بين أكثر من 100 شخص محتجزين لدى السلطات الفيدرالية، أو العدد الأكبر الذي لا يزال قيد التحقيق. ومن بينهم مقدم متقاعد بالقوات الجوية من تكساس وضابط بالجيش من ولاية كارولينا الشمالية وجندي احتياطي من نيوجيرسي. وأصيب شخص آخر بالخدمة العسكرية بالرصاص في الهجوم.
ويمثل تدقيق الجيش في صفوفه ضرورة ملحة جديدة للبنتاغون، الذي له تاريخ من التقليل من أهمية صعود القومية البيضاء والنشاط اليميني بين أفراده.
وفي هذا الصدد قال الجنرال مارك إيه ميلي، رئيس هيئة الأركان المشتركة، في مقابلة: “هؤلاء الأشخاص لا يمثلون جيش بلادنا”، مضيفاً أنَّ معظم القوات النشطة والمحاربين القدامى “يواصلون الخدمة بشرف ويحافظون على قَسَمهم لحماية الدستور الأمريكي والدفاع عنه”.
ولأكثر من أسبوع الآن، استمع الجنرال ميلي إلى المحللين، وقرأ التقارير، وشاهد مقاطع الفيديو لأعمال الشغب. وقال: “كانت هناك بعض المؤشرات على ارتباط عدد غير معروف من المحاربين القدامى بالتمرد”.
وأوضح الجنرال ميلي أنه رأى مثيري شغب يرفعون أعلاماً عسكرية. وخلال المسيرة وبعد ذلك في اقتحام الكابيتول، شوهد مثيرو الشغب وهم يحملون أعلام مشاة البحرية وشارات للجيش والقوات الخاصة.
الحل في مراقبة نشاط الجنود على شبكات التواصل
إضافة إلى ذلك، كشف مسؤولو وزارة الدفاع الأمريكية أنهم ينظرون في تكثيف مراقبة المنشورات على الشبكات الاجتماعية الخاصة بأفراد الخدمة، بنفس الطريقة التي تتعامل بها الشركات مع موظفيها لرصد مدى تغلغل اليمين المتطرف بالجيش الأمريكي.
وقد ساعدت الشبكات الاجتماعية في اعتقال دونوفان كروول، 50 عاماً، وهو جندي سابق في مشاة البحرية الأمريكية، وجيسيكا واتكينز، 38 عاماً، من قدامى المحاربين في الجيش. إذ وضع كلاهما صوراً لهما وهما يرتديان ملابس قتالية ويقولان إنهما اخترقا مبنى الكابيتول.
وقال عملاء فيدراليون إنَّ تيموثي هيل-كوزانيلي، ضابط الاحتياط من نيوجيرسي، وهو أحد النازيين الجدد والمؤمنين بسيادة البيض. ويعمل كذلك- بإذن سري- في محطة أسلحة بحرية.
وقال مدعٍ عام فيدرالي إنَّ لاري بروك، الضابط المتقاعد بالقوات الجوية، كان ينوي أخذ رهائن في مبنى الكابيتول.
نقيبة نقلت 100 شخص للمشاركة في مسيرة ترامب
وتخضع النقيبة في الجيش الأمريكي إميلي ريني، التي صرحت لوكالة The Associated Press بأنها نقلت 100 شخص إلى واشنطن للمشاركة في مسيرة ترامب، للتحقيق حالياً من الجيش بشأن علاقتها بأحداث الشغب، وفقاً لمسؤول عسكري. وكانت إميلي قد استقالت من منصبها العام الماضي، لكن لم يكن من المقرر رحيلها حتى ربيع هذا العام.
وقال الجنرال ميلي إنه اطلع على تقارير تفيد بأنَّ “الناس كانوا يُظهرون بطاقات وصول مشترك”، في إشارة إلى البطاقات التعريفية المُستخدَمة لدخول المنشآت العسكرية والبنتاغون.
عليكم أن تعلموا أن بايدن هو الرئيس
ويوم الثلاثاء الماضي 12 يناير/كانون الثاني، أرسل الجنرال ميلي وبقية أفراد هيئة الأركان المشتركة خطاباً استثنائياً إلى جميع الأفراد العسكريين، مذكّرين إياهم بأنَّ جو بايدن سيكون قريباً قائدهم العام وأنَّ واجباتهم الوظيفية تُلزِمهم بالدفاع عن الدستور.
وفي استجابة للمخاوف من تزايد اليمين المتطرف بالجيش الأمريكي، أعلن المفتش العام بوزارة الدفاع الأمريكية الأسبوع الماضي عن إجراء تحقيق في مدى فعالية سياسات البنتاغون وإجراءاته التي تحظر أعضاء الخدمة العسكرية من مناصرة الجماعات المتطرفة أو العنصرية أو المشاركة فيها.
ويعرف مسؤولو البنتاغون منذ بعض الوقت أنَّ لديهم مشكلة تتعلق بوجود اليمين المتطرف بالجيش الأمريكي.
وتتباهى وزارة الدفاع باستمرار بأنَّ الجيش الأمريكي هو نموذج مصغر عن المجتمع الأمريكي، لكن المسؤولين يعترفون الآن بأنه إذا كانت هناك شريحة من المجتمع الأمريكي تتبنى وجهات النظر المؤمنة بسيادة البيض، فهذا يعني أنه سيكون هناك شريحة مماثلة من الجيش تفعل ذلك.
لماذا زاد وجود اليمين المتطرف بالجيش الأمريكي؟
“هناك مشكلة أزمة: صعود التطرف وتفوق البيض في الرتب”. لقد غذى ذلك من قبل الرئيس دونالد ترامب، للأسف، حسبما قال النائب الديمقراطي جيسون كرو، وهو ضابط جيش متقاعد وعضو لجنة القوات المسلحة بمجلس النواب، الذي أضاف قائلاً “لذلك يجب التعامل مع ذلك على الفور وبشكل لا لبس فيه. هذا هو أعلى القائمة”.
ومشكلة التطرف اليميني تطارد الجيش لعقود وتميل إلى أن تكون أكثر حدة عندما يكون هناك صعود لهذا اليمين المتطرف في المجتمع الأوسع.
وجد استطلاع أجري في عام 2020 أن أكثر من ثلث جميع القوات العاملة وأكثر من نصف أفراد خدمة الأقليات أفادوا بأنهم شاهدوا أمثلة مباشرة للقومية البيضاء أو غيرها من العنصرية المدفوعة أيديولوجياً.
“لقد زاد عدد المتطرفين في الجيش بسبب ارتفاع نسبة المتعصبين للبيض الذين يحاولون الانضمام إلى الجيش وتطور ميول تفوق البيض بين بعض الأفراد العاملين حالياً” حسبما أبلغ مارك بيتكافيدج، المتخصص في الجماعات اليمينية المتطرفة في رابطة مكافحة التشهير، لجنة القوات المسلحة بمجلس النواب العام الماضي.
وأضاف: “إلى درجة أكبر مما كانت عليه في موجات التطرف السابقة، يلعب الإنترنت دوراً كبيراً في انتشار هذه الظاهرة مع وجود محتوى متطرف على مواقع الويب ومنتديات النقاش وغرف الدردشة ووسائل التواصل الاجتماعي وتطبيقات المراسلة والألعاب ومواقع البث والأنظمة الأساسية الأخرى”.
استهداف لنشطاء اليسار بالمتفجرات
روى بيتكافيدج سلسلة من الحوادث التي تورط فيها متطرفون يمينيون في الرتب العسكرية على مدى السنوات القليلة الماضية، بما في ذلك: عرض لتعليم كيفية صنع المتفجرات واستهداف نشطاء اليسار، والانضمام إلى المنظمات المؤيدة للنازية والسفر إلى أوكرانيا دون أوامر للتدريب. مع ميليشيا يمينية، حتى إن أحد رجال الحرس الوطني في فلوريدا أسس مجموعة من النازيين الجدد.
وفي العام الماضي أخطر مكتب التحقيقات الفيدرالي وزارة الدفاع بأنه شن تحقيقات جنائية تشمل 143 من أفراد الخدمة الحاليين والسابقين. وقال مسؤول كبير في البنتاغون إنَّ 68 من بين هؤلاء مرتبطون بقضايا تطرف محلية، و”الغالبية العظمى” منهم هم أفراد عسكريون متقاعدون، وكثير منهم لديهم سجلات تسريح سلبية.
وأضاف المسؤول أنَّ غالبية قضايا التطرف المحلي تضمنت دوافع مناهضة للحكومة أو معادية للسلطة، بما في ذلك الهجمات على المنشآت والسلطات الحكومية. وربع الحالات كانت مرتبطة بالقومية البيضاء. فيما ارتبط عدد صغير بدوافع معادية للفاشية أو مناهضة للإجهاض.
وطلب النائب جيسون كرو في مكالمة هاتفية خلال عطلة نهاية الأسبوع مع وزير الدفاع الأمريكي رايان مكارثي “تحقيقاً سريعاً ومحاكمة عسكرية ضد المتورطين” في أعمال الشغب التي وقعت الأسبوع الماضي في الكونغرس. علماً بأنه يمكن للجيش أيضاً محاكمة الأفراد السابقين في المحاكم العسكرية.
ووجه القائم بأعمال وزير الدفاع الأمريكي، كريستوفر ميللر، مسؤولي البنتاغون الشهر الماضي بتشديد السياسات واللوائح التي تحظر الأنشطة المتطرفة بين القوات، وتحديث القانون الموحد للعدالة العسكرية لمواجهة تهديدات المتطرفين على وجه التحديد.
وقال جاري ريد، مدير استخبارات الدفاع في البنتاغون، للصحفيين الأسبوع الماضي: “نحن في وزارة الدفاع نبذل قصارى جهدنا للقضاء على التطرف”. ومع ذلك لم يتمكن ريد من تحديد التفاصيل ورفض تناول أي جانب من جوانب مشاركة أعضاء نشطين في الخدمة في الهجوم على مبنى الكابيتول.
الجيش الأمريكي لديه أدوات أقوى لمكافحة التطرف بداخله من الشرطة، ولكنه لا يستخدمها
وعلى عكس إدارات الشرطة وغيرها من مجموعات إنفاذ القانون في الولايات المتحدة، فإنَّ الجيش الأمريكي لديه صلاحية استخدام المعتقدات المتطرفة سبباً لاستبعاد أولئك الذين يسعون للانضمام إلى صفوفه. لكن النقاد لاحظوا أنه فشل مراراً وتكراراً في تطبيق تلك الصلاحيات على نطاق واسع.
وقالت كاترينا موليغان، الرئيس التنفيذي للأمن القومي والسياسة الدولية في مؤسسة Center for American Progress البحثية الليبرالية: “يتمتع الجيش بقدرات فريدة على وضع حد لسلوكيات لا تمتلكها أجزاء أخرى من الحكومة. لكن استخدامه لهذه القدرات غير متكافئ”.
ويقول المسؤولون العسكريون والمتخصصون المستقلون إنَّ الجنرال أوستن تنتظره تحديات هائلة. ويقر مسؤولو البنتاغون بأنه على الرغم من الضوابط المُطبَّقة، فإنَّ الجماعات المتعصبة للعرق الأبيض وغيرها من الجماعات اليمينية المتطرفة تجند بنشاط أعضاء في الخدمة أو يحاول أعضاؤها الانضمام إلى الجيش لتعلم المهارات والخبرات؛ مما يضفي بدوره الشرعية على قضيتهم.
ويخضع جميع الأفراد العسكريين، بمن فيهم أفراد الحرس الوطني، لتحقيقات شاملة على خلفياتهم وفحوصات بدنية تشمل تقييمات للوشم. وتُراقَب القوات باستمرار بحثاً عن مؤشرات على تورطهم في نشاط متطرف وللتصدي لوجود اليمين المتطرف بالجيش الأمريكي، ويتلقون كذلك تدريبات لتمكينهم من تحديد أي “تهديدات داخلية” يمثلها من حولهم.
لكن الناقدين يقولون إنَّ قيادة الجيش فشلت مراراً في محاسبة المنتهكين.
وقالت هايدي بيريش، المؤسس المشارك لمنظمة Global Project Against Hate and Extremism، في جلسة استماع بمجلس النواب الأمريكي في فبراير/شباط الماضي: “القواعد التنظيمية الحالية تضع إلى حد كبير مسألة العقوبات بين يدي القادة، وغالباً على مستوى الوحدة. ويبدو أنه لا توجد عملية مُتبَعَة لتعقب الأشخاص المطرودين بسبب صلاتهم بجماعات سيادة البيض”.
وتضمن قانون إقرار الدفاع الوطني للسنة المالية 2021 الذي اعتُمِد مؤخراً، والذي يحدد سياسة البنتاغون السنوية وأولويات الإنفاق، تدابير تهدف إلى مساعدة الوزارة في معالجة مشكلة اليمين المتطرف بالجيش الأمريكي، بما في ذلك استحداث منصب جديد في مكتب المفتش العام بوزارة الدفاع؛ وهو: نائب المفتش العام للتنوع والشمول ومحاربة العنصرية والتطرف ونشاط العصابات الإجرامية. إلى جانب ذلك، كلَّف الكونغرس المفتش العام بإنشاء “آلية للتعقب والإبلاغ” عن نشاط المتطرفين أو العصابات في الجيش الأمريكي.
ويجب أن تكون معالجة تأثير جماعات الكراهية والدعاية العنصرية والمشاعر المناهضة للحكومة في سلك الضباط والرتب المجندين مهمة فورية خاصة بعد اختيار جو بايدن وزير دفاع أسود لأول مرة في تاريخ أمريكا وهو الجنرال المتقاعد لويد أوستن، وفقاً للمشرعين والقادة العسكريين المتقاعدين والخبراء.