بدأت رئاسة دونالد ترامب في يناير/كانون الثاني 2017 بصياحه ضد المكسيكيين وحفنة من الأوامر التنفيذية التي تعرقل الهجرة إلى الولايات المتحدة. وانتهت رئاسته يوم الأربعاء، 20 يناير/كانون الثاني 2021، بخلفه جو بايدن يصدر فوراً جهوداً جديدة شاملة لإصلاح نظام الهجرة العتيق والمختل وظيفياً والقاسي في الكثير من الأحيان.
مزايا وتسهيلات كبيرة أقرها بايدن لصالح المهاجرين واللاجئين
مُقترحات بايدن الجديدة التي كشف عنها يوم التنصيب تتضمن طريقاً إلى منح الجنسية لنحو 11 مليون مهاجر يعيشون في الولايات المتحدة دون تصريح لأعوام عديدة، والمزيد من البطاقات الخضراء التي تمنح الإقامة الدائمة للعمال المهرة وعائلاتهم، وتوسيع الدخول في برامج اللجوء واللجوء السياسي، ومنح المزيد من الدعم الأجنبي لدول أمريكا الوسطى لتقليل أعداد المغادرين.
هذه المقترحات تختلف اختلافاً كبيراً عما فعلته إدارة ترامب، من إغلاق الحدود الجنوبية أمام طالبي اللجوء والمهاجرين من أمريكا الوسطى، وتقليل أعداد المهاجرين القانونيين إلى الولايات المتحدة.
لماذا يفعل بايدن ذلك؟
بايدن متعجل وهذا مفهوم، فالإخفاقات السابقة في إصلاح نظام الهجرة أدت إلى صعود ترامب، والنجاح في إصلاحه سيلعب دوراً كبيراً في إخماد الحركة المعادية للهجرة التي صار ترامب قائداً لها، كما تقول مجلة Foreign Policy الأمريكية.
فالنسخة الأولية من ترامب كانت بات بوكانان، الذي أدار حملتين قويتين في الانتخابات التمهيدية بالحزب الجمهوري في عامي 1992 و1996 ببرنامجٍ معادٍ للهجرة يحمل شعار “أمريكا أولاً”، ونشر بعدها مقالات تجادل بأن “غزو المهاجرين” وتراجع معدلات المواليد بين الأمريكيين البيض يهدد الحضارة الغربية بالخراب.
وفي عهد أوباما في 2014، انهارت ثاني جهود الإصلاح في مجلس النواب بعد أن هزم ديف برات، وهو أستاذ جامعي مغمور، زعيم الأغلبية الجمهورية في المجلس، النائب إيريك كانتور، بعد حملة تمهيدية ناجحة في ولاية فرجينيا اتهمت كانتور بأنه ضعيف في مواجهة الهجرة غير النظامية (وهذا غير صحيح). وصار الانتصار الأشبه بالمعجزة لبرات النموذج الذي أدار على أساسه ترامب حملته الناجحة في الانتخابات التمهيدية في 2016.
تحدِّ كبير يواجهه الديمقراطيون في أزمة معاداة المهاجرين
تقول فورين بوليسي إن حقيقة تصويت 74 مليون أمريكي لترامب برغم معاداته الفجة للهجرة، تظهر التحدي الذي يواجهه الديمقراطيون في دخولهم معركة الهجرة مرة أخرى. فبالتأكيد سيتهم الجمهوريون وحلفاؤهم في الإعلام الديمقراطيين بفتح الحدود أمام كل من هب ودب.
وفي مثل هذه البيئة العدوانية، كيف يمكن أن ينجح بايدن فيما فشل فيه بوش وأوباما؟ يُمكنه أن يتعلم من درسين كبيرين من الإخفاقات السابقة: “لا تتوقع من الجمهوريين أن يتفاوضوا بحسن نية، ولا تدع السعي للكمال يقتل الحلول الجيدة”.
في عام 2013، حتى بعد تجربة أوباما الكارثية مع الجمهوريين والإعلاميين الذي اصطفوا ضد قانون الرعاية الصحية، ظل ترامب واثقاً في إمكانية التوصل إلى صفقة مع الحزب الجمهوري بخصوص الهجرة. زاد ترامب من عمليات ترحيل المهاجرين غير الحاصلين على تصريح إلى مستويات قياسية في إشارة إلى الجمهوريين باستعداده لفرض القانون بحزم.
ووافق حلفاؤه الديمقراطيون في مجلس الشيوخ على مطالب الجمهوريين بتخصيص مليارات الدولارات المُضافة إلى الموازنة لتعزيز أمن الحدود وأجهزة فرض القانون الداخلية، ثمناً لوضع المهاجرين غير المصرح بهم على مسار المواطنة. وهذا جلب لمشروع القانون 68 صوتاً في مجلس الشيوخ، لكنه لم يجلب شيئاً في مجلس النواب.
تقول المجلة الأمريكية إنه يجب على بايدن أن يتوقع المعاملة نفسها من الجمهوريين، لكن ينبغي عليه أيضاً أن يعطيهم الفرصة لفعل الصواب. هذه المرة سيُتَّخذ القرار في مجلس النواب، المنقسم بالتساوي بين الحزبين لكن الحزب الجمهوري مفكك. إن قرر بعض الأعضاء المؤسسين بالحزب مثل ميتش ماكونيل وجون كورنين وروب بورتمان الانفصال عن جناح ترامب في الحزب، لا توجد مناسبة أفضل لفعل ذلك من قانون الهجرة.
ونظراً لتاريخه الطويل في إعاقة تمرير القوانين، فالسيناريو الأرجح هو أن ماكونيل سيعرض التعاون، ثم يتراجع في عرضه، ويؤخر جهود الإصلاح وربما يقتلها. على بايدن وضع موعدٍ نهائي واضح للتوصل إلى نتيجة، وأن يُعلم الجمهوريين بأنه يرحب بالتنازلات، لكنه سيمضي قدماً في تمرير مشروع القانون.
وإن فشلت كل الخيارات، ينبغي أن يستعد بايدن للخطوة القادمة. إن كان الديمقراطيون يبحثون عن فرصة لإضعاف قاعدة العرقلة البرلمانية، فهناك قضايا يُمكن أن يؤدي استعمال العرقلة البرلمانية فيها إلى تأييد الكثير من أعضاء الحزب الديمقراطي لإلغائها. والجمهوريون يعرفون ذلك، ومجرد التهديد بإلغاء العرقلة البرلمانية من أجل الدفع بقوانين إصلاح الهجرة يمكن أن يشجعهم على التعاون والتفاوض.
قوانين بايدن الجديدة سيصعب التخلص منها
هذه الأساليب العنيفة قد تؤدي إلى إبعاد الناخبين الجمهوريين بل ربما المستقلين عن الحزب الجمهوري. لكن هذه الخسارة قصيرة المدى ستكون على الأرجح مكسباً طويل المدى. فمشروع قانون يفتح الباب أمام المهاجرين ويضع الملايين على مسار الحصول على الجنسية سيحد من الأضرار التي يمكن أن يتسبب فيها الرئيس الجمهوري مستقبلاً لهذه المجموعات.
فمن الأسباب التي مكنت ترامب من فصل الأطفال عن آبائهم على الحدود ورد طالبي اللجوء بصورة مشروعة إلى بلادهم ورفض إدخالهم هي أن القوانين الحالية للهجرة تُعطي سلطة أكبر من اللازم للرؤساء. وأي تغييرات يصنعها بايدن عن طريق الأوامر التنفيذية يمكن أن يعكسها الرئيس القادم، لكن القوانين الجديدة التي يمررها الكونغرس يصعب للغاية عكسها.
هناك سبب أكبر كي لا يتقبل بايدن الهزيمة. فالقتال على الهجرة صار مثالاً للصورة التي ستكون عليها الولايات المتحدة في المستقبل. هل ستكون بلداً متنوعاً مرحباً بالآخرين يرى نفسه منارة للعالم، أم بلداً ضيقاً منعزلاً يخشى التغيير؟ لا يوجد حل وسط سهل هنا، ولا تسوية يمكن أن ترضي الأمريكيين المنقسمين بشدة حول قيمٍ بعينها. لكن أحياناً على القادة أن يضبطوا توجه البلاد بدلاً من محاولة معرفة رغبات الشعب. لقد كان بايدن واضحاً طوال مسيرته السياسية، وأيضاً في خطاب التنصيب، حين قال إن قوة الولايات المتحدة ورخاءها المستقبلي ونفوذها العالمي يكمن في تنوعها وانفتاحها. وبعد أعوام عديدة من الفشل، حان الوقت لصنع ذلك المستقبل.