أفلت الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب مرتين من المحاكمة وتمت تبرئته، لكنه يواجه خطر محاكمة جنائية وليست سياسية هذه المرة، فماذا يعني قرار المحكمة العليا بشأن سجلاته الضريبية؟
القرار الذي أصدرته المحكمة العليا الأمريكية مساء الإثنين 22 فبراير/شباط برفض الالتماس الذي تقدم به الرئيس السابق طالباً فيه من المحكمة نقض قرار قضائي أصدرته محكمة فيدرالية يجبره على تسليم إقراراته الضريبية فتح الباب على مصراعيه أمام إعادة فتح تحقيق جنائي قد يؤدي إلى توجيه اتهام لترامب.
قرار المحكمة العليا فتح الباب أمام المدعين في نيويورك للحصول على إقرارات ترامب الضريبية وسجلاته المالية الأخرى عن فترة تمتد لثماني سنوات، وذلك في إطار تحقيق جنائي يجريه النائب العام في مانهاتن ونيويورك كريس فانس في اتهامات بحق ترامب تشمل تهرباً ضريبياً واحتيالاً مالياً وبنكياً، والتي تعتبر أخطر التهديدات القانونية التي يواجهها الرئيس السابق وإن لم تكن الوحيدة، بحسب تقرير لمجلة Politico الأمريكية.
هل يصبح ترامب أول رئيس سابق يدخل السجن؟
وعلى الرغم من أن التحقيق الذي يقوده فانس جلساته مغلقة وتجري أمام هيئة محلفين مستمر منذ سنوات ولا يدلي فانس بتصريحات علنية توضح التقدّم الذي يتم إحرازه، ولا أحد يعلم متى يختتم التحقيق أو ما إذا كان سيتم إطلاق ملاحقات قضائية بموجبه، إلا أنه في حالة حدوث ذلك سيصبح ترامب أول رئيس أمريكي سابق تتم ملاحقته أمام القضاء بالفعل.
وكان تحقيق فانس قد بدأ بخصوص مبالغ مالية قيل إن ترامب دفعها عام 2016 قبل الانتخابات الرئاسية وقتها إلى امرأتين كان ترامب على علاقة بهما سابقاً لشراء صمتهما وعدم مقاضاته، إلا أن التحقيق توسع ليشمل ادعاءات تتعلق بالاحتيال الضريبي أو الاحتيال في التأمين أو الاحتيال المصرفي.
وبالتالي فإن قرار المحكمة العليا يعتبر ضربة قانونية قد تكون قاضية لترامب، بحسب تقرير لشبكة CNN، لسببين رئيسيين: أولهما أن ترامب قد استنفد الحيل القانونية لمنع وصول تلك المستندات المالية والضريبية ليد فانس وثانيها أن تورط ترامب في دفع أموال للسيدتين لشراء صمتهما أمر معلوم بالفعل والآن أصبح إثباته بالمستندات وارداً.
وهناك قضايا تشهير تلاحق ترامب بسبب إنكاره اتهامات من عشرات النساء بأنه اعتدى عليهن جنسياً، من بينهن الكاتبة إيه جان كارول، التي اتهمته باغتصابها في حجرة تغيير الملابس بمانهاتن في متجر بيردورف غودمان بمنتصف التسعينيات، في حين ردَّ ترامب ببساطة على مزاعم كارول، قائلاً: “إنها ليست من نوعي”، رافضاً في الوقت نفسه تقديم عينة من الحامض النووي الخاص به “دي إن إيه”.
وهناك أيضاً قضية تشهير أخرى من المقرر نظرها قدَّمتها المتدربة السابقة سمر زيرفوس ضده، فقد اتهمته قبل انتخابات 2016، عندما كان مرشحاً في ذلك الوقت للرئاسة، بأنه قام في 2007 بتقبيلها بطريقة عدوانية وتحرش بها جنسياً.
ترامب الخبير في الدعاوى القضائية
لكن الرئيس السابق لا يبدي أي قلق من تلك الملاحقات القضائية على ما يبدو، وأصدر بياناً بمجرد صدور قرار المحكمة العليا، اعتبر فيه أن التحقيق هو “استكمال لأكبر عملية اضطهاد في تاريخ بلادنا”، متّهماً المدّعين العامين الديمقراطيين في نيويورك باستخدام “القانون سلاحاً”.
وتابع ترامب في بيانه: “كان يجب على المحكمة العليا ألا تسمح (بهذا الأمر) لكنها فعلت”، وأضاف: “سأواصل النضال، على غرار ما أفعله منذ خمس سنوات (حتى قبل انتخابي) على الرغم من كل الجرائم الانتخابية المرتكبة ضدي. وسننتصر”.
ففانس ليس المدعي الوحيد الذي يجري تحقيقات جنائية بحق ترامب، فالمدعية العامة الديمقراطية لولاية نيويورك ليتيسيا جيمس تحقق أيضاً في مزاعم الاحتيال المصرفي هذه والاحتيال على التأمين في إطار شكوى مدنية.
وأشارت وسائل إعلام أمريكية إلى أن المحققين استجوبوا في الآونة الأخيرة موظفين في البنك الألماني “دويتشه بنك” الذي لطالما كان الداعم المالي لترامب ومجموعته “منظمة ترامب” وشركة التأمين أون التابعة له، كما أعادوا استجواب محامي ترامب السابق مايكل كوهن المحكوم عليه بالسجن ثلاث سنوات، ويقضي عقوبته في الإقامة الجبرية. وكان قد أبلغ الكونغرس أن ترامب وشركته يضخمان بشكل مصطنع أو يقللان من قيمة أصولهما للحصول على قروض مصرفية أو خفض الضرائب.
وعلى عكس محاكمتي العزل اللتين تعرض لهما ترامب أثناء فترة رئاسته الصاخبة وتمت تبرئته فيهما، يواجه الرئيس السابق عقوبة السجن في حال تمت إدانته، وإن كان خبراء قانونيون يتوقّعون أن يخوض معركة قضائية شرسة قد تستغرق سنوات.
لماذا أصبح وضع ترامب أخطر؟
ترامب ليس غريباً على الملاحقات القضائية أو المعارك القانونية، بل إنه يتباهى بقدرته على الانتصار فيها دائماً وهذا ما قاله نصاً خلال أحد تجمعاته الانتخابية عامه 2016: “هل هناك من يعرف أكثر عن التقاضي من ترامب؟ كلا! أنا أشبه رسالة دكتوراه متحركة في عمليات التقاضي!”.
وسيرة الملياردير والرئيس الجمهوري السابق تؤكد هذا في حقيقة الأمر، فالرجل خبير في عمليات إشهار الإفلاس، إذ فعلها 6 مرات ولم يخسر أموالاً فيها بل استمر في جني المزيد، كما أنه يجيد توظيف الثغرات القانونية والنظام القضائي الأمريكي المكلف للغاية لصالحه.
وعندما نشرت صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية تقريراً بشأن ما سدده ترامب للضرائب وهو بالتحديد 750 دولاراً فقط عن عام 2016 والمبلغ نفسه عن عام 2017 وذلك قبل شهر من الانتخابات الرئاسية الأخيرة، كان تبرير ترامب للأمر أنه يجيد استخدام الإعفاءات التي يقدمها القانون معتبراً ذلك “أمراً جيداً يدل على النجاح”.
لكن فريق من الخبراء القانونيين يرون أن ما يواجهه ترامب هذه المرة ربما يكون أكثر خطراً مما يظن لأسباب متعددة أبرزها بالطبع الحكم الأخير من المحكمة العليا بتسليم إقراراته الضريبية وسجلاته المالية التي قاتل بشراسة للحفاظ عليها في طي الكتمان وبعيداً عن أيدي المدعين الذين يسعون لوضع يدهم عليها منذ سنوات.
وتطرح هذه النقطة سؤالاً هاماً بشأن سيناريوهات المرحلة المقبلة وهو يتعلق بمدى نجاح أساليب ترامب القانونية القديمة هذه المرة أيضاً، وهذه الأساليب هي التأجيل والتأجيل والتأجيل على أمل أن يفقد الطرف الآخر اهتمامه بالدعوى أو تنفد نقوده، فهذه المرة أصبح لدى من يلاحقونه هدف قانوني أكبر وهو الرئيس السابق للولايات المتحدة وليس مجرد ملياردير يجيد لعبة التقاضي ويمتلك أموالاً أكثر من خصومه فيها.