أعرب الرئيس جو بايدن ووزير الخارجية بلينكن عن دعمهما لاتفاقيات أبراهام، وللمكتسبات التي حققها أسلافهما من أجل بناء السلام في الشرق الأوسط، كما أعلنا التزامهما بمواصلة الجهود الأمريكية لتوسيع دائرة السلام العربي الإسرائيلي. وإن تحقيق ذلك سيستلزم ليس فقط الدفع بعملية التطبيع كهدف استراتيجي، ولكن أيضا تعزيز الروابط بين الأديان تحت اسم إبراهيم وما يحمله من دلالة عميقة. فهذه الروابط عنصر أساسي لبناء السلام المستدام.
لقد كانت كل المحاولات السالفة لحل الصراع العربي الإسرائيلي، والنزاع بين إسرائيل والفلسطينيين على وجه الخصوص، تتجنب بشكل مدروس ممثلي الجماعات الدينية من كلا الطرفين. وليس من الصعب فهم ذلك، بالنظر إلى العنف والكراهية المرتكبة باسم الدين، خاصة في الشرق الأوسط.
لكن، إذا كان المرء لا يريد أن يجعل الدين جزءًا من المشكلة، فلن يكون الحل بتجنبه.
يؤدي استبعاد الدين من العمليات الدبلوماسية إلى تهميش المتدينين المحبين للسلام وقيادتهم، والذين يمثلون الأغلبية الساحقة، وبالتالي إخلاء الملعب للمتطرفين، ومنحهم فرصة الظهور كأنهم الصوت الحقيقي للدين. إن إلغاء حضور الجماعات الدينية المعتدلة يعزز الانطباع بأن مبادرات السلام معادية لمصالح المتدينين الملتزمين. إذا كنا لا نريد جعل الدين جزءًا من المشكلة، فيجب أن نجعله جزءًا من الحل: فكلما كان الدين أكثر مرئيًا، كان ذلك أفضل.
يكمن جزء كبير من النجاح المبهر لاتفاقيات إبراهيم في الرؤية التي يجسدها اسمها. وقد شاركني أحد المصممين الرئيسيين لكواليس الاتفاقيات التعليق التالي:
لقد عزمنا بالفعل على تأليف هذه الشعوب الثلاثة في سلام من خلال رابط الدين الذي لا يمكن إنكاره. ولكي يكون هذا السلام سلامًا مستدامًا، نحتاج إلى جعل هذا الأمر ينبني على علاقات “بين الأشخاص” بدل العلاقات الصارمة بين الحكومات. لقد أردنا أن ينبني هذا الاتفاق على الدين والمعتقدات المشتركة من أجل تسليط الضوء على أوجه التشابه بدل إبراز الاختلافات.
يتميز العالم العربي على وجه الخصوص بكونه متجذرا بعمق في المعتقدات الدينية. ويعتقد الكثيرون أن أحد أسباب فشل محاولات صنع السلام الماضية هو عدم فهم مدى عمق وتجذر هويات أطراف الصراع في الموروث الديني. فالصراع لا يدور فقط حول الأرض والموارد والأمن والسلطة السياسية، بل يتضمن أيضًا الأصول غير الملموسة والتي تتعلق برؤية (وطريقة تلقين) كل شريعة للشريعة الأخرى.
لقد رأينا للأسف كيف تقوض التعاليم السلبية المبنية على الجهل حول الطرف الآخر كل الجهود الدبلوماسية البناءة. إذ أن خلق مناخ إيجابي ليس فقط من خلال التعاون التجاري والأمني، ولكن أيضًا من خلال المشاركة بين الأديان والتعاون والتعليم هو أمر بالغ الأهمية.
لقد تشرفت بمشاهدة الحوارات المذهلة بين الأديان التي جرت تحت رعاية الفاعلين السياسيين الرئيسيين على مدى السنوات الست الماضية. وتجدر الإشارة بشكل خاص إلى جهود منتدى تعزيز السلام في المجتمعات الإسلامية، بقيادة الشيخ عبد الله بن بيه. والذي أسفرت أعمال قمته، التي استضافها الملك محمد السادس في مراكش، وإعلانه، إلى جانب تحالف الفضيلة الجديد الذي وقع في أبو ظبي من قبل قادة الديانات الإبراهيمية الأخرى ومجموعة من علماء المسلمين البارزين، إلى بزوغ رؤية إسلامية بناءة نحو التعددية واحترام الاختلاف الديني.
كما كان وثيقة مكة التاريخية الذي أصدرته رابطة العالم الإسلامي العام الماضي، والذي وقعه أكثر من 1200 عالم مسلم، إنجازا كبيرا أيضا.
لقد ساهمت هذه التطورات بشكل كبير في التغلب على الصور النمطية السلبية، وولدت نظرة مختلفة عن مجتمعاتنا ومكانتها في هذه المنطقة ومهدت الطريق لاتفاقات إبراهيم.
وهنا تكمن أهمية اسم إبراهيم. إذ أن إبراز الأب المشترك بين الديانات يوضح حقيقة أننا يمكن أن نعتبر عائلة واحدة، على الرغم من كل الاختلافات الكبيرة التي يجب احترامها.
لقد ساهم اسم أبراهام ولا يزال يساهم في إحداث تلك النقلة النوعية المنشودة في رؤى السلام وحل النزاعات بين القادة الدينيين والسياسيين على حدٍ سواء. جنبًا إلى جنب مع أهمية جميع مجالات التعاون الملموسة، فمن الأهمية بمكان تشجيع مبادرة “العلاقات بين الأشخاص” وتطويرها على جميع الأصعدة. ويمكن القول إن لحوار بين الأديان من شأنه أن يوفر ما يمكن تسميته بالمادة اللاصقة “النفسية والروحية” الضرورية جدًا لتطوير هذه العلاقات والحفاظ عليها وبناء السلام في المنطقة ككل.
إن التطبيع بين الدول مبني على المصالح المشتركة والاعتبارات السياسية البراغماتية. ولكن إذا كنا نطمح إلى إقامة سلام مستدام حق بين الناس، فيجب علينا أيضًا استحضار القيم والهويات التي تؤطر حياتهم.
الحاخام ديفيد روزين، المدير للشؤون بين الأديان الدولية باللجنة اليهودية الأمريكية ومقرها القدس.