عرض/ آية عبد العزيز
تناول الكتاب المُعنون بـ”الاستراتيجية الأمريكية تجاه حركات الإسلام السياسي في مصر“، الصادر عام 2015 للدكتور “أمين شعبان” دراسة الفكر الاستراتيجي الأمريكي تجاه حركات الإسلام السياسي وربطه بواقع تطورهم وتطبيقه على حركات الإسلام السياسي في مصر خلال الفترة من 2001-2008 تحت إدارة الجمهوري “جورج بوش الابن”، والإدارة الديمقراطية للرئيس “باراك أوباما” من 2009 حتى 2014؛ حيث ينصب اهتمام الفكر الاستراتيجي الأمريكي اليوم على مدى استمرارية هذه الحركات، وقدرتها على الممارسة السياسية، وإمكانية التعامل معها للحفاظ على المصالح الأمريكية، فضلاً عن حماية إسرائيل، والتداعيات المستقبلية لصعود هذه الحركات بعد موجة الربيع العربي منذ عام 2011، وهو ما ينعكس بالطبع على الاستراتيجية الأمريكية التي تتبناها الولايات المتحدة الأمريكية للتعاطي مع هذه الحركات سواء كانت في السلطة أو خارجها.
حدد الكاتب المفاهيم ذات الصلة بالدراسة وعرض النظريات العامة لمفهوم “الاستراتيجية”، حيث ميز بين بين الاستراتيجية السياسية التي تعني (التوجه السياسي الأمريكي في صياغة سياساته الخارجية تجاه الإسلام السياسي) والاستراتيجية الدبلوماسية (التي تتمثل في الآليات التي تطبقها وزارة الخارجية الأمريكية لوضع التوجه السياسي في سياق التنفيذ تجاه هذه الحركات في مصر) مستلهمة المنطلقات النظرية للمدارس الفكرية الأمريكية، والعمل على توظيف هذه والمنطلقات والأسس لخدمة صانع القرار الأمريكي والأمة الأمريكية في صياغة الاستراتيجية الأمريكية أو في إعادة صياغتها مع تحولات البيئة الداخلية في النظام السياسي الأمريكي أو الخارجية التي تتعاطى وتتعامل معها الولايات المتحدة.
عمل الكاتب على توضيح رؤى المدارس الفكرية تجاه حركات الإسلام السياسي خاصة لكل من المدرسة الدمجية التي تعني “استراتيجية التهدئة وتشجيع التطور الديمقراطي” والإقصائية التي تعتمد على “استراتيجية المواجهة والحصار” والهيكلية التوافقية التي تتمثل في”البحث عن حل وسط بين المواجهة والتهدئة”، وهي الرؤى التي انعكست على الاستراتيجية الأمريكية وسياساتها الخارجية في تعاطيها مع حركات الإسلام السياسي، وهنا يبرز دور مراكز الفكر في توظيف هذه الرؤى وبلورتها.
وتطرق الكاتب إلى أسس التفكير الاستراتيجي الأمريكي وأهمها توظيف التحولات الكبرى في النظام الدولي كما حدث عندما تفكك الاتحاد السوفيتي في أوائل التسعينيات، ثم أحداث الحادي عشر من سبتمبر عام 2001، ثم توظيف الربيع العربي لخدمة المصالح الأمريكية. ولعل الرؤى الثلاث التي تبلورت في مراكز الأبحاث الأمريكية ومنها معهد بروكينجز ومؤسسة راند الأمريكية وغيرها أوضحت أن في كل مركز بحثي أمريكي يوجد مناصرون ومناهضون لكل تيار من التيارات الثلاثة (الدمجية أو الإقصائية أو التوفيقية) في التعامل مع حركات الإسلام السياسي.
ولعل الدراسة التي قدمتها مؤسسة راند الأمريكية بعنوان “الإسلام الديمقراطي المدني” للكاتبة شيرى بينارد والتي قسمت فيها حركات الإسلام السياسي ما بين حركات إسلامية متشددة ومتطرفة ينبغي على الولايات المتحدة مواجهتها وحركات معتدلة يمكن التعامل معها كانت استكمالا لما طرحه الفكر الأمريكي حول فكرة الشرق الأوسط الجديد لريتشاد هاس، وما سبقها من كتابات لصموئيل هنتجتون حول الهوية الأمريكية في كتابه “من نحن: تحديات الهوية الوطنية الأمريكية”، وكذا ما تضمنه كتابه بعنوان “صدام الحضارات وإعادة صنع النظام العالمي”.
إشكالية العلاقة بين الدين والسياسية في الولايات المتحدة
يرى الكاتب أن العلاقة بين الدين والسياسة مازالت تُثير حالة من الجدل داخل المجتمعات؛ حيث نجح بعضها في تحقيق التوازن بينهم لاستكمال حضاراتهم الإنسانية، فيما اختلط الأمر داخل البعض الآخر وأثر على حاضرهم ومستقبلهم لعدم وجود حدود فاصلة بين الدين والسياسة؛ فعلاقة الدين بالسياسة في الولايات المتحدة متجذرة في المجتمع الأمريكي، وقد ظهر ذلك جليًا خلال إدارة المحافظين الجدد في فترة حكم الرئيس جورج بوش الابن وانعكس ذلك على علاقة الولايات المتحدة بالعالمين العربي والإسلامي، إذ تجسدت حالة من العداء الذي يكنه الأصوليون الأمريكيون للعرب والمسلمين، علاوة على دعمهم لإسرائيل، وضرورة أن يعتنق العالم المسيحية الإيفانجليكية التي تعني وفقًا لـ”عادل المعلم” في كتابه “مقدمة في الأصولية المسيحية” الذي استشهد به الكاتب “طائفة من البروتستانت الأصوليين تتمسك بالتأويل الحرفي للكتاب المقدس، وبرزت بشكل كبير في القرن التاسع عشر في الولايات المتحدة.”.
وبتتبع التطور التاريخي للأصولية البروتستانتية والإيفانجليكية فإنها تُثبت فرضية أن التداخل بين الدين والسياسية لا يعد خروجًا عن التقاليد الأمريكية، بل هي مورثات متجذرة في خبرة المجتمع والنظام السياسي. ومع بداية القرن العشرين برز الانقسام بين الطائفة إلى تيارين أحدهما “محافظ” والأخر “لاهوتي ليبرالي” لكل منهم حركاته الفرعية التي نتجت كاستجابة للتغيرات الاجتماعية والعلمية. ولذا فإن الدين لعب دورًا في تكوين أفكار ورؤى النخبة الحاكمة الأمريكية عن العالم ومهمة الولايات المتحدة فيه، فضلًا عن استجاباتهم لما يحدث خارج بلادهم وفقًا لرؤيتهم لأنفسهم كأمة مختارة، علاوة على استرشاد الأحزاب للمبادئ الدينية في تعزيز سياساتها الخارجية.
ففي كتاب “مقدمة في الأصولية المسيحية في أمريكا والرئيس الذي استدعاه الله وانتخبه الشعب الأمريكي مرتين” للكاتب “عادل المعلم” أشار إلى علاقة الدين بالسياسة الخارجية لكونها ليست قاصرة على وجود إدارة يمينية، بل مع وجود إدارة ديمقراطية، واستدل على ذلك من خلال تصريحات “جون كيري” المرشح الديمقراطي في الانتخابات الرئاسية 2004، الذي أكد تأييده لإسرائيل، ويرجع ذلك لعدد من التفسيرات منها إنه تأثر بالثقافة السائدة المتعلقة بشعب الله المختار والأرض الموعودة وعودة المسيح.
الخبرة العربية حول العلاقة بين الدين والسياسية
أفاد الكاتب أن الخبرة العربية حول العلاقة بين الدين والسياسية متداخلة لا يمكن الفصل بينهما لكون الدين يتعلق بالبناء الحضاري ومركزيته في حياة المجتمعات والشعوب العربية والإسلامية، وهو لا يعني وجود الدينية “الثيوقراطية”. وفيما يتعلق بـ”حركات الإسلامية” التي تعرف بإنها “حركة تغيير اجتماعي شامل على أساس الاعتماد على مرجعية الإسلام كمصدر للفكر والسياسات والسلوك والبرامج والغايات”؛ حيث ظهر منها العديد من الحركات نتيجة التفاوت في فهم مقاصد الإسلام“، وبتتبع ظاهرة الإسلام السياسي منذ نشأة الإخوان في الثلاثينات والأربعينات وحتى أوائل القرن الحادي والعشرين لاحظ الكاتب مجموعة من السمات المختلفة بل إنها تتفاوت من حركة إلى أخرى على حسب نضجها والعوامل المحيطة بها إلا أن هناك مجموعة من الخصائص المشتركة بين الحركات الإسلامية أهمها:
- أنها تنعت نفسها بالدين الإسلامي، فهي تصف نفسها بأنها حركات إسلامية.
- الطبيعة “الجذرية” للحركة الإسلامية على صعيد المفاهيم ونظام الحياة، والمقصود هنا هو استهداف التغيير الجذري للمفاهيم وللرؤية الكونية الحضارية الغربية التي غلبت على نظام الحياة السياسية والاقتصادية وغيرها في العالم العربي، وإضفاء رؤيتها على المجتمعات والشعوب وهو ما يعنى تغيير هوية المجتمعات.
وفي هذا الإطار ذكر الكاتب أن مسألة العنف الذي تنتهجه بعض الحركات والتيارات الإسلامية والتنظيمات يُشكل تحديًا كبيرًا أمام المجتمع المصري وما زال النظام السياسي يمتلك رؤية للتعامل مع هذه الحركات.
أما فيما يتعلق بتداخل الدين في السياسة في النموذج المصري فقد كشف الكاتب إنها أدت إلى تشوه الممارسة السياسية ولم ينعكس على السياسة الداخلية أو الخارجية لمصر. حيث تجذرت الحركات الإسلامية في المجتمع لتصبغ عليه كل سلبياتها، وفرضت حالة من الاستقطاب الإسلامي الليبرالي العلماني دون أن تحقق أيًا من أهدافها حتى في وضع اللبنة الأولى لتنفيذ ما عمدت إلى تسميته بمشروعها الحضاري والإنساني، وعملت الولايات المتحدة والغرب على توظيف واستخدام هذه الحركات للضغط على النظم السياسية العربية لتعظيم المصالح الأمريكية في المنطقة وليس خدمة لمبادئ الحرية والديمقراطية أو خدمة لشعوب المنطقة.
أسباب نشأة الحركة الإسلامية في مصر من واقع أدبيات الحركات الإسلامية
طرح الكتاب عددًا من التفسيرات حول تاريخ نشأة الحركات الإسلامية في مصر؛ إذ أوضحت أدبيات الحركات الإسلامية أن أول جماعة إسلامية منظمة في مصر تسمى “الجمعية الشرعية لتعاون العاملين بالكتاب والسنة” أسسها الشيخ “محمود خطاب السبكي” أحد علماء الأزهر، وكانت بداية نشاطها في نهاية القرن التاسع عشر، وتم تسجيلها قانونيًا عام 1913مع صدور قانون ينظم تأسيس وإدارة الجمعيات. وهناك رأي يقول إن ظهور هذه الجماعات ارتبط بانحسار دور الأزهر، وليس مرتبطًا بسقوط الخلافة الإسلامية ولا بهزيمة يونيو 1967، فلم تكن الخلافة الإسلامية قد سقطت بعد.
وفقًا للكاتب أكد الدكتور “محمد عمارة” المفكر الإسلامي عضو مجمع البحوث الإسلامية أن ظاهرة الإسلام السياسي تعود إلى قدوم الحملة الفرنسية إلى مصر التي نبهت الأمة إلى ضرورة التجديد والنهضة لمواجهة المد الاستعماري والغزو الفكري الأوروبي؛ حيث تم بلورة الحركة الإسلامية على مراحل كان بدايتها على يد الإمام “جمال الدين الأفغاني” والإمام “محمد عبده” وتركيزهما على نقد الموروث من الإسلام أكثر من نقد التغريب، وكان خطابهما الفكري يُركز على النخب بهدف إحياء وتجديد الفكر أكثر منه نشاط سياسي. ثم جاء “حسن البنا” متوجهًا للأمة وليس النخبة بخطاب جماهيري حيث كان مقتنعًا بأهمية حشد الجماهير في هذه التنظيمات، وكانت الخطوة الأهم له بعد ذلك هو انخراط جماعته في العمل السياسي.
وبالتالي فإنه تاريخيًا يُنظر إلى أن مقاومة الاستعمار، واستعادة مجد الأمة، وإرساء أسس الشورى، والإصلاح الديني وتجديده قد شكلت الأسس التي قامت عليها الحركة الإسلامية الحديثة. علاوة على تأثير العوامل الاجتماعية على نشأة الحركة الإسلامية في مصر على عكس غيرها من الحركات التي كانت نتاج عوامل سياسية بالأساس.
وأوضح الكاتب أن بعض الكتاب ينظرون للحركة الإسلامية المصرية كأم الحركات الأخرى على صعيد التجديد والإحياء الداخلي في مجتمعاتها أو على مستوى مقاومة التهديدات والهجمات الخارجية على العالم الإسلامي؛ إذ نشأت بعض الحركات الإسلامية كفعل إحيائي مجتمعي يحاول أن يملأ فراغ سقوط دولة الخلافة الإسلامية عام 1924 انتقل أثرها في كل العالم العربي بعد ذلك، أما الحركات ذات الطابع الجهادي التي ظهرت في السبعينيات فقد كانت ذات تأثير واضح على بزوغ الحركات الجهادية في بقية العالم الإسلامي ولا يزال تنظيم القاعدة ورافده تعبيرًا واضحًا عن فكر هذه الحركات. وعليه فإن الحركة الإسلامية في مصر لها تأثير كاريزمي واضح بما له من أشكال على باقي الحركات في أنحاء العالم العربي والإسلامي، كما إنها شهدت عددًا من التحولات المهمة نتيجة تأثرها بالعوامل المحلية والخارجية.
رؤية الجماعة والتيار السلفي لقضايا العمل السياسي الداخلي
يستعرض الكاتب أبرز المعضلات التي واجهت عمل تنظيم الجماعة قبل ثورة 30 يونيو 2013 على الصعيد الداخلي التي تتجسد في غياب الممارسة الديمقراطية، واختيارها لقيادتها، خاصة المرشد العام واستمرار هيمنته على كل أمور التنظيم؛ إذ عجزت عن تقديم نموذج ديمقراطي داخل هيكلها التنظيمي على الرغم من اعتمادها على آلية الانتخاب لاختيار أعضاء المكاتب الإدارية في المحافظات من قبل مجالس الشورى المنتخبة مما يعرف بالشُعب وهي إحدى هياكل الجماعة.
وعلى هذا فقد عانت الجماعة نتيجة لتغليبها عنصر الثقة والولاء على الكفاءة. وقد اتضحت هذه الأزمة بعد ثورة 30 يونيو، حيث لم تتسم قيادة الجماعة بالحصافة لكي تنجو من الصدام والدخول في مواجهة مع الشعب المصري والدولة، وهو ما أوصلها إلى إعلانها تنظيمًا إرهابيًا يمارس العنف ضد الدولة والمواطنين.
فالجماعة افتقرت إلى تقديم رؤية سياسية أو مشروع سياسي، ولم تنجح في بناء تحالف وتفاهم مع كافة القوى السياسية المدنية وغير المدنية بعد أحداث يناير 2011 يحافظ على هوية الدولة والمجتمع ويحفظ التوازنات القائمة ويحول دون سقوط الدولة والمجتمع ودخوله في حالة من الاقتتال والحرب الأهلية بين أطيافه. فخلال الانتخابات البرلمانية التي أعقبت أحداث 25 يناير رفعت الجماعة شعار “مشاركة لا مغالبة” دون تنفيذ ذلك رغم حصولها على الأغلبية البرلمانية.
بل تطرق الكاتب إلى مواقف الجماعة والتيار السلفي لقضايا العمل السياسي والمجتمع ورؤية كل منهما لقضايا الحزبية والمشاركة السياسية لقضايا المرأة والحجاب والأقليات والأدب وفكرة الدول المدنية والديمقراطية، حيث تبين أن هناك تناقضات وتغيير في مضمون الخطاب فيما قبل أحداث 25 يناير وما بعدها، حيث غلبت لغة المراوغة والتلاعب في تناول قضايا تتعلق بالدولة والمجتمع والهياكل الاجتماعية والأسرة والأقباط والمرأة، وإن كان التيار السلفي في بعض القضايا لم تتغير نظرته إلا في أضيق الحدود للقضايا التي طالما كانت جدلية في المجتمع.
رؤى جماعة الإخوان الإرهابية للولايات المتحدة قبل وبعد أحداث 25 يناير
رأى الكاتب أن العلاقة قبل أحداث 25 يناير بين الجماعة والولايات المتحدة اعتمدت على مبدأ التوظيف المتبادل؛ حيث تستخدم الجماعة الولايات المتحدة للضغط على النظام السياسي المصري، فيما توظفهم الولايات المتحدة كأوراق ضغط على النظام لابتزازه لتقديم التنازلات في العديد من الملفات التي تحكم العلاقات الاستراتيجية بينهم.
وبعد 25 يناير كشف الكاتب أن الجماعة انتهجت خطابًا مغايرًا تجاه الولايات المتحدة وإسرائيل؛ فبعد أن كان اليهود أبناء قردة وخنازير كما صرح د. “مرسي” عندما كان عضو البرلمان عام 2005، تبنى لغة مختلفة بعد انتخابه رئيسًا لمصر تجسدت عندما وجه إلى الرئيس الإسرائيلي خطاب اعتماد سفير مصر لدى “تل أبيب” مناديًا إياه بصديقي العزيز شيمون بيريز….، فضلاً عن تنسيق الجماعة مع الولايات المتحدة وإسرائيل وحماس لإنجاز اتفاق الهدنة لوقف إطلاق النار في قطاع غزة في نوفمبر 2012.
وسبق أن أعلن د. “مرسي” احترام مصر لمعاهدة السلام مع إسرائيل وهو عكس ما كانت تصرح به الجماعة قبل وصولها إلى السلطة؛ حيث اتهمت نظام الرئيس الراحل مبارك بالتخوين والتحالف مع الولايات المتحدة والتطبيع مع إسرائيل على حساب القضية الفلسطينية.
وفقًا للكاتب يعد ذلك تحولًا في رؤية واستراتيجية الجماعة تجاه الولايات المتحدة الذي بدأت إرهاصاته منذ أحداث 11 سبتمبر ودخول أفغانستان والعراق حيث لم يتجاوز موقفهم حد الإدانة والرفض والتظاهر ضد السياسات الأمريكية. وهي بذلك تكشف عن تناقضها فيما تدعيه بقيادتها للمشروع الحضاري الإسلامي، وما زعمت بتسميته مسؤولياتها التاريخية أمام الأمة والتاريخ التي دائما ما تدعي أنها نشأت من أجلها، فالجماعة في السلطة بدت مختلفة تمامًا في القناعات عن تلك التي قدمت نفسها للشعب المصري قبل وصولها إلى السلطة.
الاستراتيجية الأمريكية تجاه حركات الإسلام السياسي وخاصةً الجماعة
أشار الكاتب إلى أن الاستراتيجية الأمريكية خلال حكم الإدارات السابقة وحتى إدارة “كلينتون” تجاه حركات الإسلام السياسي وصفت بالعمومية والتناقض نتيجة خصائص وسمات هذه الحركات حتى التي تعود جذورها الفكرية لجماعة الإخوان. لذا فإن تبني سياسية واحدة لن يكون فعال لتعاطي مع اختلاف وتنوع هذه الحركات. بجانب عدم اهتمام المخابرات الأمريكية الكبير برصد نشاط جماعات الإسلام السياسي حتى نشوب حرب أفغانستان.
بالرغم من ذلك أبقت الولايات المتحدة على اتصالات منخفضة المستوى بجماعة الإخوان منذ منتصف التسعنيات من خلال السفارة الأمريكية بالقاهرة أو عبر جهاز المخابرات ولقاءات لبعض المسؤولين الأمريكيين. هدفت هذه الاتصالات من قبل الإدارة الأمريكية بالجماعة في مصر إلى محاولة تقييم الاحتمالات فيما بعد نظام مبارك، ولكن تبين أن مثل هذه الاتصالات السرية قد تضعف العلاقات الأمريكية المصرية، كما أثارت غضب الرئيس الراحل “مبارك”.
وأفاد الكاتب أن الإدارة الأمريكية بعد أحداث 11 سبتمبر في عهد الرئيس “بوش” (2001-2008) انتهجت سياسة المواجهة الشاملة مع هذه الحركات، وإصدار قوائم الإرهاب التي ضمت منظمات ورموزًا من الحركات الإسلامية والمقاومة مثل حركتي “حماس” و”حزب الله”. ولم يحدث أي تفاهم أو تحالف بين الحركات الإسلامية والإدارة الأمريكية، كما لم تؤيد أنظمة الحكم التي أقامتها مثل هذه الحركات مثل ما حدث في السودان، واتجهت إلى وضع كل الحركات في بوتقة واحدة بوصفها تمثل العدو الأول للغرب.
ومع تنامي حالة الخصومة والعداء مع قطاع عريض من الجماهير بدأ عملية فرز الحركات المعتدلة عن المتطرفة والتعامل معهم على هذا الأساس. بالنسبة لجماعة الإخوان فقد اتجهت الإدارة إلى احتوائهم خارج السلطة، تجنبًا للمواجهة والإقصاء باعتبار وجودهم أمر واقع لا مفر منه.
أما إدارة “باراك أوباما” في الفترة الأولى (2009-2014) فقد قدمت خطابًا تصالحيًا مع العالم العربي والإسلامي، مع تبني استراتيجية كبرى للمنطقة تعكس وجهة النظر الأمريكية تقوم على التحالف مع التيارات المعتدلة من الإسلاميين مثل جماعة الإخوان في مصر وحزب “العدالة والتنمية” في تركيا. فقد تصورت الإدارة الأمريكية أن هذا التحالف سوف يساهم في عملية التحول الديمقراطي، فضلًا عن تحقيق عدد من الأهداف التي أوضحها “والتر راسل ميد” الذي استشهد به الكاتب التي تتمثل على النحو التالي:
- محاولة لإنهاء حالة العداء التي كانت تهيمن على العلاقة بين العالم الإسلامي والولايات المتحدة خلال السنوات الماضية.
- السعي لعزل التنظيمات الإرهابية، وتحييد الأصوات الراديكالية بالمنطقة، من خلال نجاح تيار الاعتدال الإسلامي، وقدرته على تحقيق إنجازات بمساندة أمريكية، كبديل للتيار المتطرف.
- قدرة تيار الإسلام السياسي المدعوم أمريكيًا على تحقيق الديمقراطية في أغلب دول المنطقة بما يعني تحسين الظروف الاقتصادية والاجتماعية لمعالجة الأسباب التي تساهم في دفع مواطني المنطقة للتطرف والانضمام إلى التنظيمات الإرهابية.
وأشار الكتاب إلى محاولات بعض المفكرين الأمريكيين مراجعة وتدارك الأخطاء فيما يتعلق برؤية الإدارة الأمريكية للإسلام السياسي بشكل عام وللجماعة بشكل خاص، ولذا فقد أكد المفكر الأمريكي “والتر راسل ميد” في مقال بعنوان “انتكاسات متكررة: الأخطاء الخمسة للاستراتيجية الأمريكية تجاه الشرق الأوسط” عدم إدراك الولايات المتحدة للأهلية السياسية للإسلاميين في العملية السياسية في مصر، حيث اقتنعت الولايات المتحدة بأن الحركات الإسلامية المعتدلة لديها النضج السياسي والإمكانيات الإدارية الكافية لإنجاحها في إدارة الدولة وتولي مقاليد السلطة، بينما كان الواقع المصري مغايرًا لما حدث في الحالة التركية.
فالجماعة لم تكن مؤهلة لإدارة المشهد السياسي برمته، كما أنها لم تدرك حدوها في المجتمع المصري ولذا كانت 30 يونيو بمثابة النهاية لفترة حكم الإخوان، بل أن انحياز الإدارة الأمريكية نحو حركات الإسلام السياسي بعد أحداث 25 يناير كاد أن يلحق ضررًا بالعلاقات الأمريكية السعودية.
لقد تضمن الكتاب تحليلاً لمواقف الإدارة الأمريكية من أحداث 25 يناير وثورة 30 يونيو، وكشفت تصريحات المسؤولين الأمريكيين عن الاستراتيجية الأمريكية والتوجه السياسي للولايات المتحدة آنذاك والذي اتسم بالتغيير من حين إلى آخر لخدمة مصالح الولايات المتحدة بالأساس، كما تضمن الكتاب رصدًا للاتصالات التي تمت بين الولايات المتحدة وعناصر الجماعة والتيار السلفي قبل أحداث 25 يناير وما بعدها، وهو ما قد تضمنته البرقيات والوثائق التي تم تسريبها على موقع ويكيليكس.
وفقًا للكاتب استندت الاستراتيجية الأمريكية تجاه حركات الإسلام السياسي بدرجات عالية من المرونة في صياغتها وتنفيذها بما يسمح لهم التكيف مع التحولات التي تطرأ على تنوع وتنامي هذه الحركات ويحافظ على الأمن القومي الأمريكي.
إن هذا الكتاب يتناول بالرصد والتحليل حقبة من أهم حقب التاريخ والسياسة في تاريخ وحاضر مصر وهي أهم دولة في العالمين العربي والإسلامي ومنطقة الشرق الأوسط بحكم تاريخها وإرثها الحضاري وموقعها الجغرافي وقدرتها على التأثير في محيطها وجوارها المباشر وغير المباشر بل ووزنها على المستوى الإقليمي والعالمي.
ولذا فقد بذل الكاتب جهداً في ربط كافة الأحداث المتلاحقة ببعضها البعض وتحليلها بما يمكن القارئ من فهم ما يدور في الفكر الاستراتيجي الأمريكي وكيف أصبح لأصحاب الفكر والرأي إسهام في عملية صنع واتخاذ القرار في الولايات المتحدة، حيث يتيح النظام السياسي الأمريكي المساحة لمراكز التفكير الأمريكية لتقديم أفكارها وأطروحاتها إلى البيت الأبيض والكونجرس الأمريكي والحزبين الجمهوري والديمقراطي لتسهم في عملية صناعة القرار وصياغة السياسة الخارجية للولايات المتحدة الأمريكية.
وتطرق الكتاب إلى الكيفية التي تبلورت بها الاستراتيجية الأمريكية في عهد الإدارة الجمهورية لولايتين (جورج بوش الابن) من 2001 حتى 2008، حيث كان الرئيس الراحل حسنى مبارك في السلطة آنذاك وكيف كانت رؤية الولايات المتحدة لحركات الإسلام السياسي في منطقة الشرق الأوسط بشكل عام وهو ما انعكس على مصر بشكل خاص، حيث جاءت أطروحات الشرق الأوسط الكبير والشرق الأوسط الجديد من معاقل الفكر ومراكز الأبحاث الأمريكية ووجدت هذه الأفكار صدى كبيرًا لدى تيار المحافظين الجدد الحاكم في الولايات المتحدة، ثم جاءت الإدارة الديمقراطية عام 2009 بقيادة الرئيس الأسبق باراك أوباما وتبلورت رؤية أكثر مرونة في التعامل مع حركات الإسلام السياسي، حيث اختزلت العالم الإسلامي في حركات الإسلام السياسي وهي رؤية ليست في محلها.
وبعد أقل من عامين بدأت أحداث عدم الاستقرار السياسي تضرب العالم العربي ابتداءً بتونس مرورًا بمصر وليبيا وسوريا واليمن، وجاءت رؤية الإدارة الديمقراطية أكثر انفتاحًا للقبول بوصول حركات الإسلام السياسي إلى السلطة، ولم تتفهم الإدارة الأمريكية خطورة التنظيمات الإسلامية وما يمكن أن تسببه من عدم استقرار سياسي نتيجة لتوجهاتها الفكرية الساعية للهيمنة وتغيير هوية المجتمعات والشعوب وفرض رؤيتها المتطرفة حتى ولو انتهجت العنف والإرهاب سبيلًا إلى ذلك.