بقلم .. داليا السيد حسين علي حسنين
ألم يأمرنا الله سبحانه وتعالى بالعدل مع أنفسنا ومع غيرنا ومع مواردنا التي جعلها المولى عز وجل لنا وسيلة للعبادة والحياة والتعمير؟! بلى، لقد أمرنا الله سبحانه وتعالى بالعدل في كل شيء كسلوك مستقيم وخُلُق حسن وطيب. يقول الله سبحانه وتعالى: “إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَىٰ أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ..” النساء ايه 58.
من الذي مد نهر النيل في أحد عشر دولة؟
الله سبحانه وتعالى هو من جعل نهر النيل.. النهر الطبيعي غير الصناعي، يمتد داخل أحد عشر دولة (هي بالترتيب الأبجدي: إريتريا، وأوغندا، وإثيوبيا، والسودان، وجمهورية الكونغو الديمقراطية، وجنوب السودان، وبوروندي، وتنزانيا، ورواندا، وكينيا، ومصر) ليكون لهم قاسمًا مشتركا في هذا المورد المائي العظيم أي أن نهر النيل مثل الشركة التي يتشارك فيها الأعضاء الأسهم والملكية. وبالتالي، فإن استئثار أي طرف بشيء أو أمر فيه وتضييقه على الآخرين هو شيء غير مقبول كلية بحكم الشراكة الطبيعية، فيقول الله سبحانه وتعالى: “أَخْرَجَ مِنْهَا مَاءَهَا وَمَرْعَاهَا.” سورة النازعات31، فهو يسير من الله بأمر الله إلى أمر الله جل وعلا.
لذلك، عندما ننظر إلى نهر النيل باعتباره مورد طبيعي خلقه رب الناس وخالقهم ليكون لأصحابه منفعة ونعمة جارية ومتدفقة داخل دول حوض النيل، حتما سيكون الحكم فيه تشاركي وليس فردي أي تشاركي بين جميع الأطراف الشريكة لأن هذه الأطراف هي من تسعى للحفاظ على هذا المورد المائي بكل ما لديها من إمكانيات، وكذلك نهر النيل باعتباره شراكة بين أحد عشر دولة عليهم أن يحافظوا عليه وعلى سلامته وتدفقه المستمر بينهم وكذلك في حال تطويره وتنميته كمورد مستدام.
وكما يكون الحكم تشاركي، تكون أيضا تحقيق المنفعة ومنع الضرر تشاركية. ذلك لأن للجميع هدف واحد يجمعهم هو حفظ المورد وسلامته داخل الدول لأطول فترة زمنية ممكنة بإذن رب العالمين.
نهر النيل المورد المائي … الحقوق
باعتبار نهر النيل شركة قائمة بين دول حوض النيل، يكون من المهم تنظيم وفهم الحقوق والواجبات المتبادلة بين أطراف هذه الدول ليكون ناتج العمل إيجابي على الجميع بإذن الله تعالى. نظرا لأنه ليس من حق أي طرف التعامل بفردية مطلقة في هذا الشأن، يكون من المهم احترام قرارات ورغبات الدول في الحفاظ على مصالحها المائية والاقتصادية والسياسية والاجتماعية، مع العمل على استخراج إتفاقات ترضي جميع الأطراف بغض النظر عما تستغرقه هذه الإتفاقات من وقت سواء في القرار أو التنفيذ ليكون لديها مخرجات موثقة وقوية تستمر معهم ويمكن بها مواجهة ظروف التغير المختلفة تبعا لمتطلبات كل عصر في أوانه.
من الحقوق التي يمكن تنظيمها، وبعد معرفة القانون الدولي في استخدام المجاري المائية الدولية، يمكن سرد ما يلي بإذن الله تعالى:
1. حقوق الاستفادة المتكافئة من المورد المائي لكل دولة كمًّا ونوعًا وكيفًا
2. حقوق الاستفادة غير المضرة من الموارد التابعة للمورد المائي
3. حقوق تنمية الموارد المائية بشكل جماعي غير سلبي وغير فردي
4. حقوق إنفاق المورد المائي واستخدامه فيما ينفع ولا يضر
5. حقوق الحفاظ على سلامة المجرى المائي نفسه من الأضرار
6. حقوق التشاور ومشاركة القرار في المشروعات ذات الصلة بالمورد المائي بشكل كلي أو جزئي تبعا للحالة الموجودة
نهر النيل المورد المائي… الواجبات
دوما كما يكون لأي طرف حقوق، فإن عليه أيضا واجبات للغير طالما هناك عدد من الأطراف يتبادلون الحقوق والواجبات فيما بينهم.، فمن الواجبات يمكن سرد ما يلي بإذن الله تعالى:
1. واجب عدم الإضرار بحق أي دولة في الاستفادة من المورد المائي
2. واجب إدارة المورد المائي والمنشآت والموارد ذات الصلة بالشكل الفعال التشاركي
3. حفظ واجبات كل دولة نحو الأعضاء المشاركين في الموارد المائي
4. واجب التشاور وعدم القرار الفردي فيما يخص مشاركة الموارد المائي والمشاريع التابعة له، بل اتخاذ القرار الجماعي
5. عدم تغيير المجرى المائي بدون مشاركة جميع الأعضاء المشاركة فيه
6. واجب حماية المورد المائي من أي تهديد في مساره أو طبيعته أو تدفقه الكامل
7. واجب حماية المورد المائي من أي تعديات بينية داخله أو خارجية عنه من خارج دوله
8. واجب الدفاع المشترك عن الحقوق وضد أي تعديات
مبدأ لا ضرر ولا ضِرار
عليك أن تراجع حقوقك وواجباتك لكي تحقق هذا المبدأ أن: لا ضرر ولا ضِرار، هذا المبدأ النبوي والإنساني والاقتصادي الذي يحفظ للجميع منظومته المستدامة، فلا يحدث له ضرر على أي جانب طبيعي أو اجتماعي أو اقتصادي أو سياسي، وكذلك لا يحدث لغيره أي ضرر من أي نوع بمشيئة الله تعالى.
ومن معرفة الحقوق والواجبات، نجد أن الموقف المصري لم يرفض استفادة الجانب الأثيوبي من نهر النيل بل أراد فقط تنظيم هذه الاستفادة والمشاركة في القرار والإدارة في هذا الشأن لكي لا يقع ضرر (لا قدر الله) على أي طرف، خاصة أن الوقت المستغرق لأي إتفاقات يمكن أن يزيد عن التنفيذ نفسه، فالوقت ليس عامل فعال في هذا الحال، فكما يكون الوقت عامل بناء فيمكن أن يكون إما عامل محايد أو عامل هدم كذلك وسواء بالنقص أو الزيادة فيه. وفي حين يتعجل الجانب الأثيوبي في التنفيذ، هو لا يدري لعل التأني فيه سلامة لكل من القرار والتنفيذ بإذن الله تعالى، لأن الاعتدال مطلوب في كل شيء لكي لا يحدث تجاوز في أي جانب على حساب الجانب الآخر.
ولعلنا نهتدي إلى قرارات ونظم أفضل تحقق للجميع ما يهدف إليه، وفقا لقول الله سبحانه وتعالى: وَأَلْقَى فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَن تَمِيدَ بِكُمْ وَأَنْهَارًا وَسُبُلًا لَّعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ.” سورة النحل15… اللهم اهدنا لما تحبه وترضاه وعافنا من الأضرار كلها.