تجذب زيارة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي إلى فرنسا في سادس زيارة له منذ توليه السلطة أنظار العالم لتزامنها مع أحداث عالمية وإقليمية حساسة. وهي الزيارة التي وجهت إليه الدعوة للمشاركة في كلٍ من مؤتمر باريس لدعم المرحلة الانتقالية في السودان، وقمة تمويل الاقتصاديات الأفريقية. فما هي أهداف تلك الزيارة؟ وما ستجنيه مصر من المشاركة في هذه الزيارة على الصعيد السياسي والاقتصادي والأمني؟ وهل يمكن أن تدعم الزيارة موقف مصر العادل في الحفاظ على حقوقها المائية؟ كل هذه الأسئلة وغيرها سنتناولها بالتحليل في هذه المقالة.

في البداية أود الإشارة إلى أن العلاقات الفرنسية المصرية هي علاقات قديمة ترجع إلى بداية فترة محمد علي وقدوم نابليون بونابرت لمصر إذ تقوم هذه العلاقات على أسس تاريخية وحضارية وثقافية. وفي السنوات الأخيرة تميزت العلاقات المصرية الفرنسية بأنها استراتيجية ذات طبيعة قوية، فمصر وفرنسا في قارب واحد وطالما عانى كلا البلدين من ويلات الإرهاب الأسود.

تأتي زيارة الرئيس المصري إلى فرنسا بناء على دعوة من الرئيس الفرنسي للمشاركة في كل من مؤتمر باريس لدعم المرحلة الانتقالية في السودان، وقمة تمويل الاقتصاديات الإفريقية، في ضوء العلاقات الوثيقة التي تربط مصر وفرنسا، والدور المصري الهام لدعم المرحلة الانتقالية في السودان ، بالإضافة إلى الثقل الذي تتمتع به مصر في إفريقيا بما يساهم في تعزيز المبادرات الدولية الهادفة لدعم الدول الأفريقية.

وتبرز هذه الدعوة العلاقة الوطيدة التي تربط بين السيسي والرئيس ماكرون منذ عام 2014، فهي عامل محوري فى تنمية العلاقات وتطويرها ومضاعفة مجالات التعاون المشترك بين البلدين إلى مستوى من الشراكة الاستراتيجية القوية فى العديد من المجالات.

وبالنظر إلى أجندة الرئيس السيسي فى هذه الزيارة، يتضح أنها غطت خمسة أنشطة رئيسية:

أولا: مؤتمر دعم المرحلة الانتقالية في السودان حيث سلط الرئيس السيسي الضوء على أهمية تكاتف المجتمع الدولي لدعم السلطة الانتقالية في السودان، ومساعدة السودان بتسوية الديون المتراكمة، بما ما يساعد على تحقيق الاستقرار السياسي والأمني والاقتصادي في السودان.

وقد أثمرت الجهود المبذولة عن نتائج سريعة مع إعلان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون شطب كامل الديون المستحقة على السودان والتي تبلغ 5.5 مليار دولار بهدف تحرير هذا البلد الذي يشهد انتقالا ديمقراطيا من عبء الدين. وكذلك تعهدت فرنسا بتقديم قرضا للسودان بقيمة 1,5 مليار دولار لمساعدتها في تسديد متأخراتها من الديون لصندوق النقد الدولي. كما أعلنت مصر المشاركة في المبادرة الدولية لتسوية مديونية السودان من خلال استخدام حصة مصر لدى صندوق النقد الدولي لمواجهة الديون المشكوك بتحصيلها.

وتجدر الإشارة إلى أن الدين الخارجي للسودان يبلغ نحو 60 مليار دولار، بينما تزداد الأوضاع الاقتصادية سوءًا بسبب تداعيات فيروس كورونا 19، وحالة ركود مستمرة منذ ثلاث سنوات، مع تضخم متسارع ونقص حاد في السلع الأساسية.

 ثانيا: قمة تمويل الاقتصاديات الأفريقية: فقد شارك الرئيس السيسي في مناقشة الموضوعات التي تهم الدول الإفريقية بشأن تعزيز الجهود الدولية لتيسير اندماجها في الاقتصاد العالمي في مرحلة ما بعد أزمة فيروس كورونا لاستعادة معدلات النمو، بعد الفقدان الذي حدث بمشاركة من قادة الدول الأفريقية والدول المانحة ومؤسسات التمويل الدولية، وكذلك تيسير نقل التكنولوجيا للدول الأفريقية، ودفع حركة الاستثمار الأجنبي، ومناقشة كيفية تعزيز التمويل الدولي الموجه إلى القطاع الخاص والشركات المتوسطة والصغيرة ومتناهية الصغر فى أفريقيا.

كما دعا الرئيس السيسي المجتمع الدولي إلى توفير الدعم اللازم الذي تحتاج إليه الدول الإفريقية في مواجهة جائحة كورونا، بإتاحة التطعيمات الى كافة الدول لإعادة إطلاق الحياة الاقتصادية.

ثالثا: مباحثات قمة مع الرئيس الفرنسي لبحث العلاقات الثنائية التي تشهد طفرة كبيرة خلال الأعوام الأخيرة، والتشاور والتنسيق المتبادل حول الملفات الإقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك، بالإضافة إلى تعزيز التقارب والاتفاق فى الرؤى فى مواقف البلدين بشأن مختلف القضايا والأزمات الإقليمية المختلفة، ومكافحة الإرهاب والتطرف. وعلى رأس القضايا الإقليمية احتلت الأزمة الليبية واستعادة الأمن والاستقرار أولية هامة، إلى جانب الملف اللبناني المعقد للخروج من الأزمة السياسية وتشكيل حكومة لبنانية.

ومما لا شك فيه أن العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة كان موضوع أساسي للمناقشة بين الزعيمين لوقف العنف بين الفلسطينيين والإسرائيليين، وحقن الدماء جميعها من أجل عودة الاستقرار لقطاع غزة والأراضي الفلسطينية ومنطقة الشرق الأوسط. وفي سياق جهود إعادة بناء غزة في أعقاب الضربات الجوية الإسرائيلية، أعلن الرئيس عبد الفتاح السيسي عن مبادرة

تخصيص 500 مليون دولار لإعمار قطاع غزة مع قيام الشركات المصرية المتخصصة بالاشتراك في تنفيذ عملية إعادة الإعمار.

رابعا: لقاءات مع المسؤولين الفرنسيين ورؤساء بعض الشركات الفرنسية الكبرى، وذلك لبحث سبل دفع التعاون في المجالات الاقتصادية والتجارية والاستثمارية بين مصر وفرنسا، علاوة عن بحث استئناف تدفق السياحة الفرنسية إلى مصر.

ويعبر لقاء الرئيس السيسي مع إيريك ترابييه، الرئيس التنفيذي لشركة “داسو” للصناعات الجوية المُصنِعة لطائرات الرافال الحربية، عن أهمية القطع العسكرية التي تنتجها الشركة الفرنسية من إضافة لقدرات القوات المسلحة المصرية.

وفي السياق ذاته، تظهر الشركات والمؤسسات الفرنسية اهتماما كبيرًا بالتعاون فى شراكات اقتصادية وتنموية مع مصر من أجل تنفيذ العديد من المشروعات العملاقة التي تطرحها الحكومة المصرية في عدة مجالات مختلفة على الصعيد الاقتصادي والاستثماري والتجاري والعسكري، تشمل التصنيع المشترك وتوطين التكنولوجيا وتطوير التطبيقات الجديدة، ومشروعات تحديث البنى التحتية وتطوير الخدمات الصحية للمواطنين وتنمية الريف. ومن أبرز المشروعات التي ساهمت فرنسا في دعمها بمصر الخط الثالث لمترو أنفاق القاهرة وتوصيل الغاز الطبيعي للمنازل، ودعم المشروعات الصغيرة والمتوسطة في قطاع الزراعة، وتحسين خدمات مياه الشرب والصرف الصحي، والمساهمة في إنشاء محطة رياح خليج السويس، ومشروع دعم الرعاية الصحية الأولية.

وتعد العلاقات الاقتصادية بين مصر وفرنسا راسخة وتنمو بشكل جيد. فيبلغ إجمالي حجم الاستثمارات الفرنسية فى مصر نحو 5 مليارات يورو، ويوجد أكثر من 165 شركة فرنسية عاملة فى مصر توفر حوالي 38 ألف موظف. كما يبلغ حجم التبادل التجاري بين البلدين نحو 1,6 مليار دولار خلال الفترة من ينايرـ سبتمبر عام 2020.

خامسا: اجتماعات بعدد من رؤساء الدول والشخصيات الدولية، للتباحث حول دفع أطر التعاون الثنائي والتشاور حول مختلف القضايا الإقليمية والدولية. فقد التقى الرئيس السيسي مع “أنطونيو كوستا”، رئيس وزراء البرتغال والرئيس الحالي للاتحاد الأوروبي، الذي صرح بأن مصر باتت مثال ونموذج ملهم للاستقرار وتحقيق التنمية يحتذي به في الشرق الأوسط وإفريقيا. كما التقي الرئيس مع كريستالينا جيورجييفا، مدير عام صندوق النقد الدولي التي أشادت بأداء الاقتصاد المصري بتجربة الإصلاح الاقتصادي رغم جائحة كورونا، فضلاً عما حققه من مستهدفات اقتصادية وهيكلية في إطار برنامج الإصلاح الاقتصادي الذي يعد قصة نجاح ونموذجاً يحتذى به.

وأعتقد جازماً أن مصر لديها فرصة ممتازة لعرض قضيتها أمام كبار الشخصيات الدولية ورؤساء الدول الأفريقية، فقد التقى الرئيس السيسي، رئيسة إثيوبيا سهلي ورق زودي، فى فرنسا، ضمن عدد من الزعماء الأفارقة، ودارت مناقشات حول قضية الأمن المائي المصري. وهذ الأمر هام جدا لاسيما أن أزمة سد النهضة قد وصلت إلى طريق مسدود بعد جولات طويلة من المباحثات مع الجانب الأثيوبي، حيث أعرب الرئيس المصري عن تمسك مصر بحقوقها المائية من خلال التوصل إلى اتفاق قانونى منصف وملزم يضمن قواعد واضحة لعملية ملء وتشغيل السد، ويحقق المصالح المشتركة لجميع الأطراف، والتشديد على أن مصر لن تقبل بالإضرار بمصالحها المائية.

وفي الختام أرى أن مصر وفرنسا لديهما رؤية مشتركة تعززها شراكة استراتيجية نحو القضايا الدولية والإفريقية والإقليمية. ربما لن تظهر كل نتائج زيارة الرئيس عبد الفتاح السيسي إلى فرنسا الآن، لكن بالتأكيد سيكشف المستقبل يوما بعد يوم عن ثمار الجهود المخلصة للدولة المصرية والقيادة السياسية.

 

 

نُشر بواسطة رؤية نيوز

موقع رؤية نيوز موقع إخباري شامل يقدم أهم واحدث الأخبار المصرية والعالمية ويهتم بالجاليات المصرية في الخارج بشكل عام وفي الولايات المتحدة الامريكية بشكل خاص .. للتواصل: amgedmaky@gmail.com

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

Exit mobile version