عقد المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية مؤتمرًا لمدة 3 أيام لبحث مستقبل الجمهورية الإسلامية واحتمال تغيير السلطة الذي ييسره مجتمع النشطاء المحليين. كما أن هذا الاحتمال جدير بالاهتمام في الوقت الراهن؛ نظرًا لأنه تمت مقاطعة الانتخابات الرئاسية في البلاد قبل بضعة أشهر، مما أدى إلى أن تشهد أدنى نسبة من مشاركة الناخبين على مدى العقود الـ 4 من حكم نظام الملالي.
ودفعت هذه المقاطعة أعضاء المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية وأنصاره إلى استنتاج أن الضغط على نظام الملالي خلال العام الماضي لم يتضاءل بشكل كبير، على الرغم من أن جائحة فيروس كورونا التي أدت إلى الحد من الاضطرابات العامة على نطاق واسع.
وفي الحقيقة كانت إيران تشهد تصاعدًا غير مسبوقًا في الاضطرابات، قبل جائحة كورونا، حيث اندلعت انتفاضة عامة، في يناير 2018، في أكثر من 100 موقع، وانتفاضة أخرى في نوفمبر 2019، كان نطاقها يعادل ضعف نطاق الانتفاضة السابقة تقريبًا.
ورُفعت شعارات في كل من الانتفاضتين، من قبيل “الموت للديكتاتور”، مما أثار التأييد الشعبي لتغيير نظام الملالي. وقد تعزَّزت هذه الرسالة فيما بعد من خلال مظاهرات على نطاق أصغر، وما تلاها من مقاطعة ليست للانتخابات الرئاسية فحسب، بل أيضًا للانتخابات البرلمانية وانتخابات المحافظين السابقة عليها. وكانت وحدات المقاومة المرتبطة بالمجموعة الرئيسية التي تشكل المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية، ومجاهدي خلق؛ تشجع المواطنين في كل الانتخابات على عدم المشاركة لإثبات أن أبناء إيران يصوتون للإطاحة بنظام الملالي.
وكان تأثير منظمة مجاهدي خلق الإيرانية في مقاطعة الانتخابات امتدادًا واضحًا لتأثيرها أثناء اندلاع الانتفاضات. وعلى الرغم من أن مسؤولي نظام الملالي سعوا لفترات طويلة إلى رفض المعارضة المحلية باعبتارها ضعيفة التنظيم ولا تتمتع بالدعم الشعبي، إلا أن هذا الادعاء الكاذب ذهب أدراج الرياح بكل ما تحمل الكلمة من معنى في عام 2018، عندما اعترف الولي الفقيه، علي خامنئي بأن منظمة مجاهدي خلق الإيرانية”خطَّطت قبل شهور لنشر شعارات مناهضة للحكومة وقيادة الاحتجاجات في جميع المحافظات.
وعزَّز خامنئي وغيره من المسؤولين هذه الرسالة في حديثهم عن مضمون انتفاضة نوفمبر 2019. حتى أنه بعد أن تم قمع هذه الانتفاضة بالإفراط في استخدام القوة، استمر المسؤولون في التحذير من أن منظمة مجاهدي خلق الإيرانية سوف تقود الاحتجاجات المستقبلية وتوسع من شعبيتها في المجتمع. واستمرت هذه التحذيرات أيضًا حتى في فترة تراجع الاحتجاجات؛ بسبب جائحة وباء كورونا، ولا تزال مستمرة منذ ذلك الحين خلال الموجة الجديدة من الاحتجاجات.
وفي حين أن العديد من الاحتجاجات ركَّزت على قضايا محددة، من قبيل تحديد الحكومة لمستويات الأجور في خط الفقر، وسوء إدارة الموارد، وشُح المياه، وانقطاع التيار الكهربائي، لا يزال ما يميز العديد منها هو المطالبة بالإطاحة بنظام الملالي، وهي المطالبة التي اشتهرت بها انتفاضتي 2018، و 2019. كما كرَّرت وحدات المقاومة هذه المطالبة بشكل علني في أنشطتها، من قبيل عرض صور السيدة “مريم رجوي” أو إضرام النيران في الصور العامة السابقة للولي الفقيه، مما أسفر عن تهديدهم بالاعتقال.
ويبدو أن هناك شعورًا متزايدًا جراء كل هذه الأنشطة بأنه من غير الممكن حل المشاكل الحالية التي يعاني منها المجتمع الإيراني إلا بالإطاحة بالديكتاتورية الدينية. وسلَّطت السيدة رجوي الضوء على وجهة النظر هذه في المؤتمر المنعقد في شهر يوليو، وخلصت إلى أن هذه هي القوة الدافعة هي التي ستكون وراء الزيادة غير المسبوقة في”العداء بين النظام الإيراني والمجتمع” طوال العام المقبل.
وفي تعبيرها عن هذا التوقع، اعترفت السيدة رجوي رسميًا بهذا الاتجاه وأشادت باعتراف مسؤولي نظام الملالي رسميًا بالشعور المتزايد بالخوف من هذا التوقع. ويبدو أن نظام الملالي و”المقاومة الإيرانية” متفقان على اهتزاز الديكتاتورية الدينية وعدم استقرارها، على الرغم من أن هذا النظام الفاشي يسعى إلى التستر على هذه الحقيقة، بينما تسعى المقاومة الإيرانية إلى استغلال هذا الوضع.
وقد تُحدد نتيجة هذه المنافسة في القريب العاجل ما إذا كان خصوم إيران الأجانب أيضًا قد تمكنوا من اكتشاف هذه الحالة من عدم الاستقرار والارتجاف، وما إذا كانوا سيسهلون مؤامرة طهران هذه، أو ما إذا كانوا سينضمون للمجلس الوطني للمقاومة الإيرانية لتكثيف الضغط على نظام الملالي.
ولا ينبغي أن يكون الاعتراف رسميًا بمثل هذا الأمر صعب إلى حد بعيد. فغالبًا ما جعلت تصرفات النظام الإيراني، داخل البلاد وخارجها، الجميع يرون عدم استقراره وارتجافه. حتى أن تعيين إبراهيم رئيسي رئيسًا للجمهورية لمواجهة معارضة الشعب الإيراني لدليل في حقيقية الأمر على مدى شعور هذا النظام بالخطر من تصاعد الاضطرابات الأخيرة.
إن ما جعل رئيسي مشهورًا في الماضي هو أنه كان الجاني الرئيسي المتورط في الإبادة الجماعية لمجزرة 30,000 سجين سياسي، في صيف عام 1988. وتم تعزيز سجل رئيسي الأسود من انتهاكات حقوق الإنسان أثناء انتفاضة 2019، عندما أشرف على الجوانب الرئيسية للقمع بوصفه رئيسًا للسلطة القضائية.
ووصفت السيدة رجوي ترقيته ليتولى منصب رئاسة الجمهورية بأنه مصدر للعداء آخذ في التصاعد. حتى أن تصاعد الاضطرابات قبل أن يؤدي رئيسي اليمين الدستورية لرئاسة الجمهورية في شهر أغسطس؛ عزَّز هذا الاستنتاج.
ومن المؤكد أن خامنئي، الولي الفقيه إذا كان لا يعتقد بأن رئيسي، جزار عام 1988 سيكون قادرًا على التغلب على الاضطرابات، لما كان قد عينَّه. بيد أن قدرته على إنجاز هذه المهمة قد تكون مرهونة إلى حد كبير بما إذا كان المجتمع الدولي سيختار غض الطرف عن تورطه في انتهاكات حقوق الإنسان أو أنه سيميل على حين غرة إلى ممارسة المزيد من الضغط على حكومته وعلى نظام الملالي نفسه.
والجدير بالذكر أن القوى الغربية ستؤدي واجبها الملح لحماية حقوق الإنسان للفئات الضعيفة في جميع أنحاء العالم، من خلال تبني الخيار الثاني ليس إلا. ولكن ما يحظي بنفس القدر من الأهمية، هو أن مثل هذه الاستراتيجية سوف تتسبب في خلق التحديات لحصانة طهران طويلة الأمد. وبناءً عليه، سوف يتقلص احتمال تكثيف هذا النظام الفاشي من أنشطته النووية، أو تمويل الإرهاب الدولي، أو ممارساته الشريرة الأخرى.
وبصرف النظر عن ذلك، فإن الضغط الدولي الجديد على النظام الإيراني سيساعد في دعم المعارضة المحلية لتسهيل تغيير نظام الملالي. والحقيقة هي أن هذا الهدف كان بعيدًا كل البعد عن السياسة الغربية لفترات طويلة، إلا أن اتجاه مسار الاضطرابات الداخلية في الجمهورية الإسلامية يقضي بضرورة أن يعي المشرعون أن تغيير نظام الملالي أمر ممكن أكثر من أي وقت مضى وأكثر مما يعتقد العديد من المراقبين.