وكالات
هل سيتمكّن جو بايدن من الاحتفاظ بالغالبية الضئيلة في الكونغرس؟ أم سيعيد السيطرة على مجلسي الشيوخ والنواب للجمهوريين الذين سوف يحاولون عرقلة سياساته؟ الرد في الثامن من نوفمبر في انتخابات التجديد النصفي التي ستشهدها الولايات المتحدة.
خلال شهر، سيختار الناخبون نوابهم الذين سيشغلون المقاعد في واشنطن وعملياً في كل المجالس المحلية، إضافة إلى حكّام 36 من أصل خمسين ولاية، فضلا عن ذلك، تعدّ الانتخابات النصفية التي تجري بعد عامين على الرئاسيات أقرب إلى استفتاء بالنسبة لبايدن. فخلال أكثر من 160 عاماً، لم يتمكّن حزب الرئيس إلّا نادراً من الإفلات من هذا التصويت “العقابي”.
معارك يجب مراقبتها
يصوّت الأميركيون في غضون شهر في الانتخابات النصفية التي ستشهد تجديد جميع مقاعد مجلس النواب، وأكثر من ثلث مقاعد مجلس الشيوخ وانتخاب نحو ثلاثين حاكم ولاية. في ما يلي المعارك التي يجب متابعتها خلال هذه الانتخابات.
الأنظار على بنسلفانيا
إنها إحدى أكثر الانتخابات أهمية، إذ قد تعتمد الغالبية بمجلس الشيوخ الأميركي عليها، ففي ولاية بنسلفانيا المعروفة بمراكز التجمّع السكانية الكبرى وبصناعاتها الآخذة في التدهور، يدور الصراع حول مقعد شاغر تركه عضو جمهوري في مجلس الشيوخ.
ويزعم الجرّاح المعروف محمد أوز، الذي يقدّم منذ فترة طويلة برنامجاً طبياً شهيراً، أنه سيحافظ على هذا المعقد، كما يحظى الرجل البالغ من العمر 60 عاماً بدعم دونالد ترامب، الذي يحتفظ بنفوذٍ كبير على الناخبين الجمهوريين.
يواجهه جون فيترمان، العملاق الأصلع، طوله 2.05 متر، الذي يناضل من أجل تقنين الحشيش وتطوير النقابات العمالية. وكان هذا الديموقراطي الذي تخرّج من جامعة هارفارد، عمدة لبلدة عانت من تراجع التصنيع على مدى 13 عاماً.
وقد توجّه كلّ من جو بايدن ودونالد ترامب إلى الولاية من أجل القيام بحملات دعماً لمرشّحيهما. غير أنّ المستطلَعين يرون أنّ السباق متقارب للغاية إلى حدّ أنه من الصعب تحديد المرشّح المفضّل
جورجيا، الفصل الثاني
بعدما أسرت العالم في العام 2020، وقدّمت لجو بايدن فوزاً على دونالد ترامب بـ 12000 صوت، تجد جورجيا نفسها مرة أخرى في قلب كلّ الأطماع. في هذه الولاية الأميركية المتاخمة لفلوريدا، تجري اثنتان من المنافسات الأكثر شراسة والتي تغذّيها عشرات الملايين من الدولارات.
ويسعى نجم كرة القدم السابق الجمهوري هيرشل ووكر للاستحواذ على مقعد مجلس الشيوخ الذي يشغله القس الديموقراطي رافاييل وارنوك. وكان هذا الأخير أول سناتور أسود يُنتخب في جورجيا، الولاية التي لا تزال تعاني من جروح الفصل العنصري.
غير أنّ حملة المرشح المؤيّد لترامب خضّها عدد من الفضائح أخيراً، في الوقت الذي اتُهم فيه هيرشل ووكر، والمعروف بمواقفه المناهضة للإجهاض، بتمويل إجهاض إحدى رفيقاته السابقات.
بموازاة ذلك، تدور معركة شرسة على منصب الحاكم حيث يسعى الجمهوري براين كامب إلى الحفاظ على منصبه، في مواجهة النائبة السابقة ستايسي أبرامز التي عملت على مدى عقد من الزمن على حشد الناخبين من الأقليات في هذه الولاية.
مبارزة في الصحراء
تجري أيضاً معارك شرسة في أريزونا، ولاية الـ”غراند كانيون”، وتُسلّط كلّ الأضواء هناك على منصب الحاكم، حيث تتقدّم الصحفية السابقة كاري ليك التي تعدّ انعكاساً رمزياً للترامبية، بفارق قليل على الديموقراطية كاتي هوبز. وتواصل المرشّحة الجمهورية التنديد بنتيجة الانتخابات الرئاسية للعام 2020، مؤكدة أنّ الانتخابات سُرقت من دونالد ترامب.
أما في ولاية نيفادا المجاورة، فتجري مبارزة محتدمة على مقعد في الكونغرس، حيث يتمتّع الجمهوري آدام لاكزالت بفرص الفوز على كاثرين كورتيز ماستو، أول “لاتينية” تحصل على مقعد في مجلس الشيوخ في العام 2017.
“حزام الصدأ”
تشهد ولايات “حزام الصدأ” مبارزات شديدة أيضاً. هذه المنطقة التي تعدّ أرض المصانع الديموقراطية تاريخياً، سقطت في أيدي ترامب بسبب تراجع التصنيع.
في ولاية أوهايو، سيُتابَع عن كثب انتخاب عضو مجلس الشيوخ، وهو المنصب الذي يشغله حالياً جمهوري. وستدور المبارزة بين تيم راين والوافد الجديد إلى السياسة الأميركية جي دي فانس، وهو جندي سابق ومؤلّف كتاب ذائع الصيت عن الطبقة الوسطى البيضاء.
في ولاية ويسكونسن حيث فاز جو بايدن في العام 2020 بعد فوز دونالد ترامب في العام 2016، يسعى الجمهوري رون جونسون للاحتفاظ بمقعده في مجلس الشيوخ في مواجهة الديموقراطي الشاب مانديلا بارنز الذي يدعمه الجناح اليساري لحزبه.
من يُنتخب؟
لن يكون الرئيس الأميركي على ورقة الاقتراع هذا الخريف، كما هو الحال كلّ عامين، تخضع جميع مقاعد مجلس النواب الأميركي، البالغ عددها 435 للتصويت.
وفي مجلس الشيوخ الذي يضم 100 عضو منتخب تستمر ولايتهم ست سنوات، فإنّ التجديد سيطال أكثر من ثلث الأعضاء في الثامن من نوفمبر، أي 35 مقعداً.
يبدأ المنتخبون الجدد ولايتهم في الثالث من كانون الثاني/يناير 2023. كذلك، ينتخب الأميركيون بعض حكّامهم ومجموعة من المسؤولين المحليين، الذين يقرّرون سياسات ولاياتهم بشأن الإجهاض والتنظيم البيئي وغير ذلك.
ما هي القضايا التي تبدو على المحك؟
قد يكون تأثير هذه الانتخابات حاسماً في جميع أنحاء البلاد. دعا جو بايدن الأميركيين إلى منحه الغالبية الكافية للالتفاف على اللوائح المنظمة البرلمانية التي تمنعه من تشريع الإجهاض في جميع أنحاء البلاد، أو لمنع الأسلحة الهجومية.
وقال في خطاب أخير “الأميركيون لديهم الخيار”، مشيراً إلى أن الإجهاض والأسلحة النارية والنظام الصحي، كلّها موجودة على “أوراق الاقتراع”. من جانبهم، يعد الجمهوريون بقيادة معركة شرسة ضدّ التضخّم ومكافحة المخدّرات، ومواصلة هجومهم ضدّ الرياضيين المتحوّلين جنسياً.
كذلك، وعد مرشّحو الحزب الجمهوري بفتح سلسلة تحقيقات برلمانية ضدّ جو بايدن، ومستشار الجائحة أنتوني فاوتشي ووزير العدل ميريك غارلاند، في حال حصلوا على الغالبية. كما يخطّطون لوقف عمل لجنة التحقيق في الهجوم على الكونغرس الأميركي الذي نفّذه أنصار دونالد ترامب.
ماذا عن استطلاعات الرأي؟
وفق استطلاعات الرأي الأخيرة، فإنّ المعارضة الجمهورية لديها فرصة جيدة للفوز بما لا يقل عن 10 إلى 20 مقعداً في مجلس النواب، وهو ما يكفي للحصول على الأغلبية هناك. تبدو الاستطلاعات أقل وضوحاً فيما يتعلّق بمصير مجلس الشيوخ، حيث يأمل الديموقراطيون في الحفاظ على الغالبية.
استفتاء مضاعَف
رغم أنّ اسم جو بايدن لا يظهر على أوراق الاقتراع، إلّا أنّ العديد من الأميركيين ينظرون إلى هذه الانتخابات على أنها استفتاء على الرئيس، لكن الانتخابات تحمل اختباراً على مستقبل دونالد ترامب السياسي، الذي ألقى بثقله في الحملة مضاعِفاً التجمّعات في أنحاء البلاد.
بالنسبة لهذين الرجُلين، اللذين يلمّحان إلى الترشّح لانتخابات 2024، يمكن أن تكون نتيجة “الانتخابات النصفية” حاسمة، فقد توقف زخم أحدهما وتُسرّع زخم الآخر.
بعد خسارته في الانتخابات الرئاسية للعام 2020، قرّر دونالد ترامب أن يلقي بكل ثقله في حملة انتخابات التجديد النصفي، ليختبر سمعته كصانع ملوك. وقدّم الجمهوري دعمه لمناهضي الإجهاض والمدافعين عن النظرية القائلة بأنّ الانتخابات الرئاسية سُرقت منه أو حتى لشخصيات حديثة العهد بالعمل السياسي. لكن هؤلاء المرشحين المثيرين للجدل في مجلس الشيوخ يواجهون تحدّيات، فيما يوجّه العديد من الجمهوريين أصابع الاتهام في هذا الأمر إلى الرئيس السابق.
يقول جون هوداك من مركز أبحاث “بروكينغز” في آخر مدوّناته، “دونالد ترامب ليس مرشّحاً في العام 2022، ولكنّ مستقبله السياسي” على المحك. ويضيف أنّ خطّة ترامب إعادة تشكيل الحزب الجمهوري على صورته عبر هذه الانتخابات “ستجعله إما خاسراً، أو قائد سياسة الحزب لسنوات مقبلة”.
يُنظر إلى العديد من المرشحين الذين أيّدهم ترامب في الانتخابات التمهيدية، على أنهم يقوّضون الانتصارات السهلة التي يمكن أن يحققها مرشحون آخرون في ساحات المعارك الانتخابية الرئيسية أمام الديموقراطيين.
من بين خيارات ترامب المثيرة للجدل، الطبيب الشهير محمد أوز في ولاية بنسلفانيا، حيث يعتبره كثيرون “غير ذي صلة” بالواقع وعرضة للزلّات الخطابية، وجي دي فانس في أوهايو وهو رأسمالي مغامر قضى معظم حياته الراشدة في وادي التكنولوجيا، كما يواجه مشكلات مماثلة لتلك التي يواجهها أوز.
الأمر ذاته في جورجيا، حيث يواجه نجم كرة القدم السابق هيرشل ووكر اتهامات حول العنف المنزلي والكذب بشأن ماضيه وصحته العقلية.
“القليل لكسبه”
ألمح زعيم الأقلية الجمهورية في مجلس الشيوخ ميتش ماكونيل، الذي يحتاج إلى مقعد واحد فقط لاستعادة غالبية مجلس الشيوخ من الديموقراطيين، إلى أنه يرى مشكلة في “نوعية المرشحين”.
وفي هذا السياق، يقول هوداك إنه إذا “خسر المرشحون لمجلس الشيوخ مثل والكر وأوز وفنس …” وبقيت الغالبية في المجلس في يد الديموقراطيين، فإنّ “ترامب سيُلام بشكل كبير”.
إلّا أنّ نتائج الانتخابات السيئة لمرشّحي ترامب ستكون جيّدة لمنافسيه في انتخابات العام 2024، ومنهم ليز تشيني المعروفة بعدائها لترامب، وحاكم فلوريدا رون ديسانتيس، ونائب الرئيس السابق مايك بنس.
وعدا عن تشيني، فقد استمرّ المرشّحون اليمينيون للرئاسة في ممالأة دونالد ترامب بعد خسارته في الانتخابات الرئاسية. لكن شخصيات مثل وزير الخارجية السابق مايك بومبيو قد تتشجّع بسبب النتائج السيئة في الثامن من تشرين الثاني/نوفمبر.
يرى ديفيد غرينبرغ أستاذ التاريخ والإعلام في جامعة روتجرز، أنّ الرئيس السابق ليس لديه “إلّا القليل ليكسبه” من الانتخابات النصفية. ويقول غرينبرغ “لدى ترامب الكثير ليفقده، لأنه في حال خسر مرشّحوه، سيُنظر إليه على أنه فقد سحره”. ويضيف “العديد من الناخبين في الانتخابات التمهيدية للعام 2024 سيفكّرون مرّتين قبل دعمه مجدّداً، خصوصاً إذا ترشّح بديل شعبوي آخر، مثل ديسانتيس”.
مع ذلك، من المتوقع أن تتقارب الاستطلاعات قبل تشرين الثاني/نوفمبر، وقد ينتصر جميع مرشّحي ترامب الأكثر إثارة للانقسام في النهاية.
“زعيم بلا منازع”
في كلتا الحالتين، يشير المحلّلون إلى أنّ العديد من الذين يشكّلون قاعدة الرئيس السابق لا يولون سوى القليل من الاهتمام لمجلس الشيوخ أو حسابات واشنطن السياسية.
ويقول عالم السياسة نيولاس كريل “على الرغم من هزيمته (في الانتخابات الرئاسية)، وإجرائي العزل اللذين تعرّض لهما، وحوالى 12 تحقيقاً جنائياً مهمة، وفضائح لا حصر لها كانت ستُغرق منذ فترة طويلة معظم السياسيين الآخرين، لا يزال ترامب زعيم الحزب بلا منازع”. ويضيف أنّ “دعم ترامب داخل الحزب الجمهوري قوي للغاية بحيث لا يمكن إلحاق الضرر به بسبب الأداء الحزبي السيئ في تشرين الثاني/نوفمبر”.
ومع ذلك، يتوقّع مراقبون آخرون أنّ المشاكل القانونية التي يواجهها رجل الأعمال، بما في ذلك الفضيحة المتعلّقة بإساءة التصرف حيال وثائق حكومية سرية، ستؤثّر على آفاقه السياسية بقدر ما تؤثر الانتخابات النصفية.
بالنسبة إلى إيرينا تسوكرمان، المحلّلة الجيوسياسية المقيمة في نيويورك، يُنظر إلى ترامب بشكل متزايد على أنه “عبء سياسي” غير قادر على الفوز في انتخابات رئاسية مستقبلية، حتى ضدّ ديموقراطي ضعيف. وتقول “بشكل عام، يبدو أنّه سيتراجع عن الترشّح في العام 2024، وهو ما قد لا يفعله لأسبابه الخاصة، مثل تجنّب الإحراج والاحتفاظ بالمال الذي يجمعه حالياً”.
لم يجب مكتب ترامب على طلب للتعليق.