“التباطؤ” أول ما سوف يصلنا من عاصفة الركود التي تستعد لتضرب اقتصاد العالم.

تلك هي قراءة رئيسة البنك الأوروبي المركزي، كريستين لاغارد، نهاية سبتمبر/أيلول 2022، وهي تتحدث أمام نواب البرلمان الأوروبي المتلهفين على خبر واحد سعيد وسط شريط الأنباء العاجلة.. الصادمة.

على خلفية ارتفاع أسعار الطاقة والمواد الغذائية التي سببتها الحرب في أوكرانيا والتي تستنزف القدرة الشرائية للمستهلكين، تشهد الشهور الأخيرة في 2022 وما بعدها تباطؤ النشاط التجاري “بشكل كبير”، هذا أولاً.

ثانياً نحن نعيش مرحلة ما بعد الجائحة وحرب أوكرانيا، وكل حساباتنا السابقة أصبحت ذكريات قد “تجاوزتها الأحداث”.

العام المقبل سيكون “بالتأكيد عاماً صعباً”، هكذا قالت.

والأشهر الثلاثة الأولى من عام 2023 “سيكون الناتج فيها سلبياً على الأرجح، مثل معظم 2022”.

انتظروا قليلاً: الناتج السلبي هو أحد تعريفات الركود.

وليس مجرد الركود هو الخطر، بل هناك ما هو أخطر: الركود التضخمي.. أو استمرار الأسعار في الصعود مع تراجع التجارة، إنه الركود العميق.

من الولايات المتحدة إلى كندا وألمانيا أو بريطانيا إلى معظم أنحاء العالم، تبدو صورة أرقام الناتج المحلي الإجمالي قاتمة.

في بداية 2021 كان العالم يحتفل بالتعافي السريع من تسونامي الجائحة التي أغلقت العالم، وأوقفت عجلة الاقتصاد عن الدوران، وها هم الاقتصاديون الآن قلقون من أن الانكماش يلوح في الأفق، لذلك لم يندهش أحد عندما أصدر البنك الدولي توقعات متشائمة للاقتصاد العالمي، ولم يتوقع نواب أوروبا من رئيسة بنكهم المركزي كريستين لاغارد تصريحات متفائلة.

عن حقيقة الوضع الاقتصادي العالمي الآن، واحتمالات انزلاقه في متاهة الركود أو ما هو أكثر يدور هذا التقرير، الذي يستعرض الأسباب الرئيسية للأزمة الحالية، وسيناريوهات المستقبل القريب للعالم.. والعرب.

في البدء كان وحش التضخم الذي أطلقته حرب أوكرانيا، ساهم الضرر الناجم عن جائحة كورونا والغزو الروسي لأوكرانيا في تضخيم التباطؤ في نمو الاقتصاد العالمي، بتأثير الأزمتين، أصبح الاقتصاد العالمي مرشحاً للدخول في فترة طويلة من النمو الضعيف والتضخم المرتفع.

هذا يمهد للخطوة الأولى نحو الأزمة، ويزيد من مخاطر التضخم المصحوب بركود تضخمي، مع عواقب ضارة محتملة على الاقتصادات ذات الدخل المتوسط والمنخفض على حد سواء، إذن، بداية كرة اللهيب التي أشعلت أزمات الاقتصاد العالمي الآن هو التضخم.

والتضخم الذي يشهده العالم الآن وليد خمسة أسباب رئيسية، طبقاً لتقديرات صندوق النقد الدولي:

  1. الاختناقات في سلاسل الإمداد بسبب تدابير الإغلاق العام والقيود على حرية الحركة.
  2. تحول الطلب من الخدمات إلى السلع، سبب أساسيّ للزيادة الأولية في معدلات التضخم يرجع إلى التضخم في أسواق السلع المعمرة بما في ذلك السيارات المستعملة، بينما سجل تضخم الخدمات ارتفاعاً طفيفاً.
  3. حزمة التدابير التنشيطية الضخمة التي قررتها الحكومات جعلت التضخم أمراً “مزمناً”، فقد استغلت الأسر المدخرات التي راكمتها في بداية الجائحة، مما أدى إلى زيادة مفاجئة في الطلب الكلي بسبب زيادة السيولة المالية.
  4. صدمة فقدان ملايين الوظائف في العالم بسبب الجائحة ما زالت تفرض آثارها السلبية على سوق العمل.
  5. صدمات إمدادات الطاقة والغذاء الناجمة عن الغزو الروسي لأوكرانيا رفعت أسعار الطاقة والغذاء، مما ساهم في زيادة معدلات التضخم عالمياً.

وتعد روسيا وأوكرانيا من مصدري السلع الأولية الرئيسية، وقد أدت الحرب والعقوبات إلى ارتفاع حاد في الأسعار لا سيما النفط والغاز الطبيعي، وبالتالي أسعار الغذاء.

هناك أيضاً أسباب محلية للتضخم، وفي مقدمتها زيادة الإيجارات التي ارتفعت في بعض الدول بنسبة 30%، وزيادة التدفقات النقدية الكبيرة نتيجة ارتفاع أسعار النفط والإنفاق الحكومي المتزايد ورفع الأجور بطريقة غير مدروسة، كما تقول الإعلامية الاقتصادية فيوليت غزال، مضيفة أن “كل هذا سينعكس سلباً على أصحاب الدخل المحدود، كونهم الحلقة الأضعف في مقاومة أثر التضخم”.

حدث التضخم.. كيف تستجيب البنوك المركزية للتضخم؟

أول ما يتبادر إلى ذهن صانع القرار في مواجهة موجات التضخم العالية هو رفع الفائدة، لسحب السيولة النقدية من الأسواق إلى خزائن البنوك.

لكن استمرار بنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي في زيادات الفائدة على الدولار لتهدئة التضخم يدفع الاقتصاد إلى الركود بالضرورة.

يمتلك بنك الاحتياطي الفيدرالي تفويضاً بتبني سياسات نقدية تستهدف خفض التضخم لدى معدلات دنيا، لكن هل الزيادات في الفائدة كافية لخفض التضخم الذي يبلغ 8.3% حسب البيانات الرسمية الأمريكية؟

الواقع أن رفع الفائدة بصورة متكررة منذ بدأت عاصفة التضخم أضر بالاقتصاد العالمي كثيراً، بل إن البنك المركزي الهندي اعتبره الضربة الثالثة للاقتصاد بعد كورونا وحرب أوكرانيا.

وحذرت الأمم المتحدة مما وصفته بالمخاطرة التي يقوم بها بنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي ‏والبنوك المركزية الأخرى، بدفع الاقتصاد العالمي تحت براثن الركود ‏الذي ربما يعقبه كساد طويل الأمد إذا استمروا في رفع أسعار الفائدة، “مخاطر الركود العالمي الناجم عن السياسة النقدية سيكون لها ‏عواقب وخيمة بشكل خاص على البلدان النامية، ودعت إلى استراتيجية جديدة”.‏

ارتفعت الفائدة والتضخم مستمر.. إنه الركود الاقتصادي

الركود حالة تعيشها الأسواق إذا زادت السلع المعروضة عن الطلب، ينجم عن ذلك انخفاض في الأسعار وبطء في حركة البيع والشراء، يتلو ذلك توقف المنتجين جزئياً عن الإنتاج لاستحالة بيعه أو تخزينه، يعني ذلك الاستغناء عن جانب من العمالة، ما يرفع نسبة البطالة، والركود في أحد قطاعات الاقتصاد يترك آثاراً سلبية على القطاعات المجاورة.

ويبدأ استخدام مصطلح الركود إذا مرّ ربعان متتاليان من نمو الناتج المحلي الإجمالي السلبي، وإذا ارتفعت وتيرة الركود يتحول إلى كساد، والذي تكون نتائجه أقوى وأخطر من الركود الاقتصادي.

هناك مجموعة من المؤشرات على الركود، أولها انخفاض القدرة الشرائية لدى المستهلك.

ضعف القدرة الشرائية لدى الفرد يؤدي إلى ضعف القدرة الشرائية لدى الحكومات، كما يترافق مع ضعف الإنتاج العام لدى الدول.

العاصفة التي تضرب الاقتصاد في 2023 تتشكل الآن

“للأسف، لقد ساءت الأمور أكثر بكثير مما كنا نتوقعه”، هكذا يبدأ أيهان كوسى، مدير مجموعة آفاق التنمية في البنك الدولي، رؤيته للوضع الراهن، ويضيف: كنا نتوقع تباطؤاً، وقد أصبح هذا التباطؤ أكثر وضوحاً الآن.

في العام الماضي، كانت توقعاتنا لنمو الاقتصاد العالمي في حدود 5.7%، ما حدث هو أننا خفضنا التوقعات في جميع المجالات، تم خفض التوقعات بالنسبة للاقتصادات المتقدمة والاقتصادات النامية الناشئة، نتوقع الآن انخفاض النمو إلى 2.9% على المستوى العالمي.

بسبب الحرب، باتت لدينا قائمة أكبر بكثير من المخاطر، للأسف، تضخم هذه المخاطر بعضها البعض.، بمعنى أن الغزو الروسي لأوكرانيا أدى إلى تصعيد التوترات الجيوسياسية.

الآن لدينا تهديد خطير للغاية يتمثل في التضخم المصحوب بالركود، وهذا يأتي مع ارتفاع أسعار الفائدة.

“ما زلنا نرى اضطرابات في الإمدادات، وهناك مخاطر مرتبطة بأزمة غذائية أكبر في المستقبل.

وعندما تواجه هذه الأنواع من التحديات، فإن مخاطر التوترات الاجتماعية تزداد بالطبع.

هكذا يربط خبير البنك الدولي الأسباب الثلاثة في حزمة واحدة:

  1. اشتداد التوترات الجيوسياسية وأثرها على أسواق السلع.
  2. تشديد شروط التمويل والاستثمارات بسبب ارتفاع أسعار الفائدة.
  3. ثم الاضطرابات الناجمة عن جائحة كورونا.

عندما نضع الثلاثة معاً، إذا تحققت هذه المخاطر الثلاثة، يمكننا أن نجد أنفسنا بسهولة في خضم عاصفة كاملة.

هذا النوع من العاصفة سيدفع معدل النمو هذا العام إلى 2%، وفي العام المقبل سينخفض النمو على المستوى العالمي إلى 1.5%، “وعندما يكون لديك معدل نمو على المستوى العالمي يبلغ حوالي واحد ونصف بالمئة، فهذا يعني أنك في حالة ركود شديد وخطير للغاية”.

في السطور التالية بعض ملامح العاصفة التي تواجه الاقتصاد العالمي في 2023.

الركود يطرق أبواب أوروبا وأمريكا بالفعل

في الولايات المتحدة رفع مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي أسعار الفائدة للمرة الرابعة، وبمعدل ثلاثة أرباع الدرجة المئوية.

لكن الرئيس الأمريكي جو بايدن ينفى مواجهة بلاده أي ركود، باعتبار أن معدل التوظيف لا يزال عند 3.6%.

لكن موقع بي بي سي نقل عن أحد الخبراء قوله: “أعتقد أننا بالفعل في حالة ركود. كما تعلمون، فإن تعريف الركود هو ربعان متتاليان من نمو الناتج المحلي الإجمالي السلبي. وبالتالي، ليس بالضرورة أمراً فظيعاً أن يكون الأمر مجرد انكماش معتدل في نمو الناتج المحلي الإجمالي ولن يستمر طويلاً”.

وفي أوروبا يرى خبراء أن إعلان موسكو قطع الغاز هذا الشتاء عن ألمانيا قد يدفع الأخيرة إلى ركود، وقد يؤدي إلى ارتفاع الأسعار للمستهلكين الذين يعانون أصلاً من ارتفاع أسعار الغذاء والطاقة، بينما تشير التوقعات إلى تراجع الناتج المحلي الإجمالي في ألمانيا في الربع الثالث من العام.

في بريطانيا، قد يصل التضخم إلى 15% هذا الشتاء، ويلمح بنك إنجلترا إلى أنه يفكر في رفع أسعار الفائدة بشكل حاد لتهدئة التضخم.

اليورو يسقط ببطء.. وشرق أوروبا أقرب للخطر

الركود العالمي قادم، والأوضاع الاقتصادية تزداد سوءاً كلما اتجهت شرقاً في أوروبا.

تتعرض أوروبا للتداعيات الاقتصادية للحرب بين روسيا وأوكرانيا أكثر من الاقتصادات العالمية الكبرى الأخرى، ذلك أنها اعتمدت لسنوات على روسيا كمورد رئيسي للنفط والغاز.

أضافت الحرب أعباءً مضاعفة على اقتصاد العالم بفعل ارتفاع أسعار الطاقة والطعام، لكنها حرمت أوروبا من الطاقة الرخيصة، فضلاً عن الارتفاع الكبير في التضخم وارتفاع معدلات الديون.

فما الذي تخبرنا به المؤشرات الاقتصادية الحالية عن الوضع الراهن للاقتصاد الأوروبي؟

الباحث الاقتصادي روبين بروكس،  كبير الاقتصاديين في المعهد الدولي للتمويل، نشر سلسلة تغريدات على موقع “تويتر”، تحدث فيها عن مؤشرات الخطر، كما تحدث عن تدهور الأوضاع الاقتصادية في أوروبا، وعن سقوط عملة اليورو تحت عتبة الدولار للمرة الثانية في أقل من شهرين، وعن عجز تجاري غير مسبوق في منطقة اليورو.

وكتب عن الصناعة الألمانية التي فقدت الطاقة الروسية الرخيصة، وبالتالي ميزة التنافسية، وعن كل هذه الديون التي تجعل البنك المركزي الأوروبي عاجزاً عن تحركات حاسمة للخروج من الأزمة.

كل هذه المؤشرات تعني أن الأوضاع الاقتصادية في أوروبا سوف تزداد سوءاً بعد الارتفاع الحاد في أسعار الطاقة.

وأضاف بروكس أن “الشيء اللافت للنظر في اليورو ليس أنه يسقط بل إنه يسقط ببطء شديد”.

تراجع مستمر في مؤشرات البورصة وتفاقم الديون

ومن المؤشرات التي يأخذها في الاعتبار المستثمرون وشركات الأبحاث والاستشارات التراجع المستمر في مؤشرات الأسواق المالية، وهو ما يميز الفترات التي تسبق كل ركود اقتصادي منذ سبعينيات القرن الماضي حتى الآن.

هناك أيضاً مؤشرات مهمة تعوّد الاقتصاديون على رصدها قبيل الدخول في الركود، مثل تفاقم حجم الديون في الاقتصاد، والمغالاة في قيمة الأصول نتيجة التيسير النقدي الهائل، وضخ تريليونات الدولارات من قبل السلطات في فترة أزمة وباء كورونا.

ويصبح المستثمرون أكثر قلقاً، حين تعاني مؤشرات البورصات العالمية على نحو كبير، كما يحدث منذ بدايات 2022.

وقال الملياردير ستانلي دروكنميلر: “قضيتنا المركزية هي هبوط صعب بحلول نهاية عام 2023، سوف أذهل إذا لم يحدث الركود في العام 2023”.

حتى المسؤولون عن الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي اعترفوا بوجود خطر متزايد بحدوث انكماش اقتصادي.

موجة التضخم تلتهم القدرة الشرائية

يترك التضخم آثاره السلبية فوراً على الشرائح الأدنى دخلاً، ففي إنجلترا بدأ أكثر من ثلث الأشخاص في تقليل مشترياتهم من الأغذية والضروريات للحد من تكاليف المعيشة، حسب استطلاع في ربيع 2022، إنهم يستغنون عما ليس ضرورياً، ويقللون استهلاك السلع الضرورية مثل الغاز والكهرباء.

وشهدت الدول التسع عشرة التي تستخدم عملة اليورو ارتفاعاً سنوياً في أسعار المستهلك بمعدل 9.1% سنوياً في أغسطس/آب 2022، وهو أعلى بكثير من هدف البنك المركزي الأوروبي البالغ 2%، والذي يعتبر الأفضل بالنسبة للاقتصاد.

والاقتصاد العالمي يتحول الآن من الانكماش إلى الركود باستخدام الناتج المحلي الإجمالي بالسعر الحالي للدولار، يمثل الاقتصاد الأمريكي وحده 24% من إجمالي اقتصاد العالم لعام 2021.

ويمثل اقتصاد الصين 18.5%، والاتحاد الأوروبي 17.7%، وبالتالي تمثل هذه الاقتصادات الثلاثة 60% من الاقتصاد العالمي.

وفي عام 2021 حقق الاقتصاد العالمي معدل نمو جيداً جداً بالنظر إلى معدل الانكماش السيئ المحقق في عام 2020، لكن ما الذي حصل في الأشهر الستة من عام 2022؟

في الربع الأول من العام الحالي عاد الاقتصاد إلى الانكماش بنسبة 1.5%، ثم كانت بيانات الربع الثاني أسوأ مما سبقها بانكماش نسبته 1.6% أيضاً، وهذا قد يعني أن الاقتصاد قد دخل بالفعل في مرحلة الركود.

فقد كان الركود سابقاً معرفاً بتحقيق انخفاض في الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي لربعين متتالين، ولكن السلطات الأمريكية المختصة غيرت هذا التعريف لاحقاً، ويجب علينا انتظار إعلانها الرسمي عما إذا كان الوضع الحالي كافياً لوصفه بالركود أم لا، لكن قطعاً فإن بيانات الربعين الماضيين تؤشر إلى إمكانية حصول الركود، أو أنه بدأ بالفعل.

في السطور الأولى من توقعات صندوق النقد للاقتصاد العالمي، والصادرة في صيف 2022، نقرأ:

ها هو النشاط يتباطأ في أكبر ثلاثة اقتصادات في العالم، مع تداعيات مهمة على الآفاق العالمية.

التضخم باعث كبير على القلق.

الاقتصاد العالمي، الذي لا يزال مفتقراً إلى التوازن من جراء الجائحة والغزو الروسي لأوكرانيا، يواجه آفاقاً قاتمة وضبابية، إلا أن المنطقة العربية بعيداً عن “الضربات المباشرة” للأزمة.

حيث خفَّض صندوق النقد توقعاته لنمو منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا خلال العامين الحالي والمقبل، بمستوى أقل من النسبة التي خفض فيها توقعاته لنمو الاقتصاد العالمي.

كما خفض الصندوق توقعاته لنمو الاقتصاد العالمي بنحو 0.4% العام الجاري لتصبح إلى 3.2%،ولكنه خفض توقعاته لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بنحو 0.2% لتصل إلى 4.9%.

من الواضح أن هناك اتجاهين مختلفين بشكلٍ أوسع بين الدول العربية المصدّرة للنفط، لاسيما الخليجية منها، والدول المستوردة للنفط.

مصر كانت من أكثر دول المنطقة تأثراً بالصدمات الخارجية، لاسيما الأزمة الروسية-الأوكرانية، نتيجة علاقتها السياحية والتجارية بالبلدين، فضلاً عن تأثرها كسوق ناشئة بتراجع تدفقات رؤوس الأموال.

التحدي أمام مصر هو تخفيف مستوى التضخم الذي فاق 12%، وتحريك أسعار الفائدة لدرء مخاطر التضخم على الاقتصاد، مع منح القطاع الخاص دوراً أكبر، كما طلب صندوق النقد.

لكن مصر ربما تدفع مبالغ باهظة لتمويل عجز متوقع قدره 30 مليار دولار في ميزانية السنة المالية الحالية، إلى جانب التزامات نحو الدين الخارجي تتراوح بين 25 مليار دولار و30 ملياراً على مدى السنوات الثلاث المقبلة.

وخصصت السعودية مبلغ 5.3 مليار دولار، لمواجهة تداعيات ارتفاع الأسعار في المملكة العربية السعودية، يذهب نحو نصفها كمساعدات نقدية للمستفيدين من قانون الضمان الاجتماعي، وبرنامج حساب المواطن، وبرنامج دعم صغار مربي الماشية. والباقي لزيادة المخزونات الاستراتيجية من المواد الأساسية والتأكد من توفرها.

العالم العربي في مواجهة عاصفة التضخم

في العالم العربي، لم تتخذ إلا بعض الدول الخليجية إجراءات للحد من تأثير التضخم على مواطنيها.

ويرى محللون أن الحكومات العربية خارج منطقة الخليج لم تتخذ إجراءات ملموسة للتخفيف من انعكاسات التضخم على مواطنيها، بدليل أن أياً منها لم تتخذ قرارات مماثلة لتلك التي اتخذتها بريطانيا مثلاً فيما يتعلق بالمساعدة في سداد فواتير الطاقة.

يضاف إلى ذلك أن ظاهرة التضخم في المنطقة غير مؤقتة، بل مألوفة.

وبالتالي فإن التدابير التي تتخذها الحكومات لمحاربة التضخم الراهن، مثل زيادة الدعم ورفع الرواتب ووضع قيود على معدلات رفع الإيجارات هي تدابير غير مجدية.

بل قد تزيد هذه الإجراءات من الطلب الاستهلاكي والخدمات؛ مما سيؤدي بالنتيجة إلى رفع معدلات التضخم بطريقة غير مباشرة.

وكل الحكومات العربية تحارب على جبهتين؛ من ناحية ضبط التضخم، ومن ناحية أخرى تطويق آثاره الاجتماعية تحسباً لأي اضطراب أمني واجتماعي في منطقة تعيش معظم دولها حالة عدم استقرار منذ اندلاع الثورات والصراعات الأهلية في 2011.

أسباب “عربية” للقلق من الركود المحتمل

لأنها تحارب على جبهتين، ضبط التضخم وتحجيم آثاره، فإن الحكومات العربية تضع في أولوياتها الحفاظ على الاستقرار السياسي، فالاستقرار السياسي والاجتماعي يشترط توافر السلع الأساسية بأسعار في متناول الأغلبية.

ماذا تفعل حكومات الدول العربية الأقل دخلاً مع ارتفاع أسعار الطاقة والغذاء؟

شركة الأبحاث الاقتصادية Ned Davis Research أصدرت نتائج استطلاع عن احتمالات الركود العالمي.

79% من الاقتصاديين الذين شملهم الاستطلاع توقعوا أن يؤدي ارتفاع الأسعار إلى اضطرابات اجتماعية في البلدان منخفضة الدخل، مقارنة بنسبة 20% في الاقتصادات ذات الدخل الأعلى.

هناك قنبلة أخرى موقوتة في بعض بلاد العرب، حيث تضاعفت أعداد العاطلين عن العمل في المنطقة العربية بسبب كورونا.

قبل الجائحة سجلت البلاد العربية أكثر من 14 مليون شخص يعانون من البطالة عام 2019، ثم خسرت المنطقة العربية حوالي 15 مليون وظيفة في الربع الأخير فقط من عام 2020 بسبب تفشي الجائحة، ويبدو أن هذا الرقم آخذ في الصعود بسبب استمرار الحرب الروسية الأوكرانية.

السيناريوهات: لقد تكاثفت الغيوم على هذه الآفاق

تعاقب الأحداث الدرامية الكبيرة على سطح الكوكب غيرت آراء الاقتصاديين وتوقعاتهم كثيراً.

في يناير/كانون الثاني 2022، كان الخبراء يتوقعون حصول الركود بنسبة 18% فقط، ولكنهم أصبحوا يتوقعون الركود بنسبة 49% في يوليو/تموز 2022 حسب استطلاع لصحيفة Wall Street Journal.

تقول الصحيفة إن الاقتصاديين عادة ما يخطئون في تفاؤلهم بقدرة الاقتصاد على خلق وظائف جديدة قبل حصول انكماش، وإن معدل استمرار الركود في العقود السبعة الماضية كان أكثر بقليل من 10 أشهر.

فكم من الوقت يستمر الركود الوشيك؟

يتوقع صندوق النقد الدولي وحسب التجارب التاريخية السابقة، أن هذه الطفرة التضخمية الخارجة عن السيطرة لن تستمر لأكثر من عامين.

ومعظم توقعات الاقتصاديين والمؤسسات المعنية تتحدث عن “ركود معتدل”، أقل أثراً من الأزمة المالية العالمية لعام 2008، ولكن الوضع السياسي للعالم اليوم أكثر سوءاً بكثير من عام 2008، ولا توجد ضمانات من توترات جيوسياسية هنا أو هناك تزيد من تعقيد الصورة، وتدفع بالاقتصاد العالمي إلى غياهب الظنون والاحتمالات.

اتساع نطاق الحرب في أوكرانيا على سبيل المثال كفيل بدفع بالأزمة الاقتصادية للتفاقم أكثر وأكثر.

هكذا تبدو كل المؤشرات الحالية غير مطمئنة، واسألوا جنرالات الحروب وشبكات نهب الأموال والأنظمة المتخصصة في سرقة ثروات شعوبها.

في صياغة أقرب للشعر، يكتب بيير-أوليفييه غورينشا، المستشار الاقتصادي في صندوق النقد الدولي عن المعضلة، وعن الأفق الوحيد الذي يحمل بصيصاَ من الأمل والنور، رغم أن الأمر يبدو حالماً: التعاون بين بلدان العالم هو المخرج الوحيد من الأزمة الوشيكة.

لقد تكاثفت الغيوم التي تخيم على الآفاق بدرجة كبيرة منذ ربيع 2022، وقد يتأرجح العالم في وقت قريب على شفا ركود عالمي، بعد عامين فقط من آخر ركود، وقتها سيكون التعاون على أساس متعدد الأطراف عاملاً أساسياً في كثير من المجالات، من التحول المناخي والتأهب للجائحة إلى الأمن الغذائي والمديونية الحرجة.

وفي خضم هذا التحدي الجسيم والكفاح الدؤوب لمواجهته، يظل تعزيز التعاون أفضل وسيلة لتحسين الآفاق الاقتصادية وتخفيف مخاطر التشتت الجغرافي الاقتصادي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

Exit mobile version