وكالات
انتقادات حادة يتعرّض لها إيلون ماسك مؤخراً في الدول الغربية وحلفائها، بعدما كان يُنظر له كبطل الغرب المغوار الذي ساعد الأوكرانيين أمام الغزاة الروس، ولكن طرحه بعض الأفكار الجريئة لحل أزمتي أوكرانيا وتايوان، بل حتى بعض مواقفه إزاء الاحتجاجات الإيرانية، جعل الغرب ينقلب عليه.
ووصل الأمر إلى صحيفة The New York Times الأمريكية، حيث اعتبرت أن إيلون ماسك تحول في الآونة الأخيرة إلى عامل جديد من عوامل الفوضى على مسرح السياسة العالمية، حسب تعبيرها.
فصحيح أن كثيراً من أصحاب الشركات والمليارديرات يحبون التغريد بآرائهم عن الشؤون العالمية، فمن الصعب أن يقترب أي منهم من تأثير ماسك وقدرته على التسبب في المتاعب، فهو يخوض أحياناً في أمور حتى بعد أن يُنصح بألا يفعل، وقد خلّف وراءه بالفعل فوضى كثيرة، حسب تعبيرها.
اتهامات تُوجَّه إلى إيلون ماسك أنه يحابي الصين بسبب مصالحه التجارية
إيلون ماسك، ملياردير أمريكي يبلغ من العمر 51 عاماً يحتل صدارة قائمة أثرياء العالم، ويتخطى صافي ثروته حالياً 217.4 مليار دولار، ويمتلك ويدير بشكل مباشر أكبر شركة لإنتاج السيارات الكهربائية، وهي تسلا، كما يمتلك ويدير شركة سبيس إكس للفضاء، والتي تعتبر أكبر الشركات التي سهلت السفر للفضاء، وجعله مربحاً للغاية، إضافة إلى إنتاج وتشغيل عشرات الآلاف من الأقمار الصناعية، كما أنه استحوذ مؤخراً على موقع تويتر بعد صفقة مثيرة للجدل.
ويخشى منتقدو إيلون ماسك – وهم كُثُر- من صعوبة الفصل بين آرائه ومصالحه التجارية، خاصة فيما يتعلق بشركة تسلا، التي تعتمد على الصين اعتماداً كبيراً، حسب الصحيفة الأمريكية.
بعدما كان بطل حرب أوكرانيا المغوار تعرّض لهجوم شديد من رئيسها
وفي بعض الحالات، كان لماسك فضلٌ كبير على المصالح الغربية. فقد وفر شبكة ستارلينك لأوكرانيا مطلع هذا العام وموّل على الأقل جزءاً من خدماتها ومستلزماتها، وجهّز المدنيين والجنود الأوكرانيين بوسائل اتصال حيوية في هذه الحرب الدائرة مع روسيا.
على أن ماسك اقترح أواخر الشهر الماضي خطة سلام للحرب في أوكرانيا تعتمد على السماح لروسيا بضم جزء من الأراضي الأوكرانية، وبدا فيها منحازاً للكرملين.
مقترح ماسك الخاص بحل أزمة أوكرانيا تكون من عدة نقاط؛ منها الاعتراف رسمياً بشبه جزيرة القرم، التي استولت عليها موسكو عام 2014، على أنها روسية، وضمان إمدادات المياه للقرم، وأن تظل أوكرانيا محايدة.
كما اقترح ماسك إجراء انتخابات تحت إشراف الأمم المتحدة في لوغانسك ودونيتسك وخيرسون وزاباروجيا، المدن الأربع التي أجرت فيها موسكو الاستفتاءات وأعلن بوتين ضمها رسمياً، الجمعة، 30 سبتمبر/أيلول الماضي.
وكتب ماسك في تغريداته قائلاً: “سترحل روسيا إذا كانت هذه هي إرادة الشعب”، طالباً من مستخدمي تويتر التصويت بـ”نعم” أو “لا” على الخطة، وخلال أقل من 24 ساعة، هي المدى الزمني لاستفتاء ماسك، شارك أكثر من مليونين و157 ألف شخص برأيهم، وافق أكثر من 58% منهم على خطة ماسك، بينما رفضها نحو 41%.
وأضاف ماسك نقطة أخرى لمقترحه في تغريدة بقوله: “لنجرب هذا بعد ذلك: يجب أن يقرر الأشخاص الذين يعيشون في دونباس وشبه جزيرة القرم بإرادتهم ما إذا كانتا جزءاً من روسيا أم أوكرانيا”، قائلاً إنه لا يهتم إذا كان اقتراحه لا يحظى بشعبية، وأنه يهتم “بموت ملايين الأشخاص دون داعٍ من أجل نتيجة مماثلة بشكل أساسي”.
وختم ماسك تغريداته بالقول إن “روسيا لديها أكثر من 3 أضعاف سكان أوكرانيا، لذا فإن النصر لأوكرانيا غير مرجح في حرب شاملة. إذا كنت تهتم بشعب أوكرانيا، فاطلب السلام”.
وأثارت الفكرة غضب كثيرين، وهاجم الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي وكبار مساعديه خطة ماسك هجوماً شديداً.
وهذا الشهر، أثار ماسك انزعاج أوكرانيا مرة أخرى، حين قال إنه لا يستطيع الاستمرار في تمويل خدمة ستارلينك التي وفرها للبلاد، وبدا أنه هو من يتحمل عبء النفقات. على أنه في حقيقة الأمر، دفعت الولايات المتحدة وبريطانيا وبولندا لسبيس إكس جزءاً من تكلفة ستارلينك، وفقاً لوثيقة تحدد النفقات اطلعت عليها صحيفة New York Times.
يقول دميتري ألبيروفيتش، أحد مؤسسي مركز أبحاث Silverado Policy Accelerator في واشنطن: “عليه أن يقرر إن كانت ستارلينك خدمة تجارية توفر أحياناً تقنية طارئة لعملائها أو خدمة تعتمد بشكل كبير على المصالح الجيوسياسية لمديرها، وبالتالي لا يمكن أن يثق بها الزبائن الذين تراودهم مخاوف متعلقة بالأمن القومي”.
وبالطبع، فإن منتقدي ماسك لا يحاولون تفسير لماذا هو مطالب وشركته بأن يدفع تكلفة هذه الخدمة أو جزء منها، بينما شركة الأسلحة الأمريكية، تجني مليارات من أموال دافعي الضرائب الأمريكيين من الأسلحة التي ترسلها واشنطن لأوكرانيا.
ماسك يعرض مساعدة واشنطن على اختراق حجب الإنترنت في إيران
وبعد أن انتهى من استعراض خطته في أوكرانيا، خاض ماسك أيضاً في الاضطرابات الدائرة في إيران.
فمع انتشار الاحتجاجات على مستوى البلاد وقطع السلطات لخدمة الإنترنت، بدا وكأنه يهب للنجدة. وكتب في رسالة على تويتر: “تفعيل ستارلينك”، بعد أن رفعت الحكومة الأمريكية بعض العقوبات التي حدت من قدرة شركات التكنولوجيا الأمريكية على العمل في إيران، حتى تتمكن من مساعدة المحتجين.
وعرضت ستارلينك توفير خدمتها لتجاوز الحصار الذي تفرضه الحكومة على اتصالات الإنترنت الأرضية في إيران.
لكن ماسك لم يوضح المعدات المطلوبة لتشغيل ستارلينك، والوقت الذي تحتاجه، ولماذا تجعل قيود الحكومة الإيرانية من المستحيل تقريباً تقديم الخدمة على نطاق واسع داخل إيران.
متسللون تابعون للحكومة يحاولون استغلال ستارلينك لرصد المحتجين
وصحيح أن شبكة ستارلينك لا تزال غير متاحة في إيران، بدأ متسللون، يُعتقد أن لديهم صلات بالحكومة، حملة تصيد، ونشروا رسائل على الشبكات الاجتماعية بروابط تزعم أنها توفر المرور إلى شبكة ستارلينك، وفقاً لأمير رشيدي، خبير الحقوق الرقمية الإيراني، وهذه الروابط في واقع الأمر كانت عبارة عن برامج ضارة تلتهم المعلومات من هواتف المستخدمين، وفقاً لرشيدي، الذي حلل 5 إصدارات على الأقل من هذه البرامج الضارة.
وقال رشيدي إن جزءاً محدوداً من إنترنت ستارلينك أصبح متاحاً الآن في إيران بمعدات مهربة عبر حدودها. وهذا يثير مخاوف أخرى من أن تتمكن السلطات من تحديد البيانات المرسلة؛ لأن إشارات الأقمار الصناعية يمكن تتبعها للوصول إلى أفراد على الأرض.
وأشاد الرشيدي، الذي فر من البلاد عام 2009، بماسك لمحاولته المساعدة، لكنه قال إن تكتيكاته “غير مسؤولة بالمرة”.
وقال: “كل ما فعله أنه ظهر فجأة ليقول أنا هنا وأصنع معروفاً دون أن يفهم العواقب”.
ولكن موقفه من تايوان والصين الأكثر إثارة للجدلو، وتدخل ماسك أيضاً في أكثر بقعة جيوسياسية حساسة في العالم؛ تايوان.
إذ تشكل التوترات بين الصين وتايوان مخاطر كبيرة على إمبراطورية أعمال ماسك. فتسلا تدير منشأة تصنيع في شنغهاي تنتج ما يصل إلى 50% من سيارات الشركة الجديدة. وتشدد حكومة بكين قبضتها على الشركات الغربية في البلاد، ويخشى مراقبون من تأثير اعتماد تسلا على الصين على مواقف ماسك السياسية.
وهذا الشهر، أكد ماسك أنه يواجه ضغوطاً من بكين، حين أخبر صحيفة Financial Times أن الحكومة الصينية اعترضت على توفيره خدمة إنترنت ستارلينك في أوكرانيا. وقال إن بكين طلبت تأكيدات بأنه لن يوفر هذه الخدمة في الصين.
ثم عرض طريقة لتخفيف التوترات: تسليم جزء من تايوان لسيطرة الصين.
جاء اقتراحه بشأن تايوان خلال مقابلة له مع صحيفة Financial Times البريطانية، قال فيها: “اقتراحي يتعلق بتحديد منطقة إدارية خاصة لتايوان، وهذا أمر مستساغ بشكل معقول، وربما لن ينال رضا الجميع”.
ونقلت الصحيفة عن أغنى رجل في العالم قوله: “من الممكن، وأعتقد أنه من المحتمل في واقع الأمر، أن يكون لديهم ترتيب أكثر تساهلاً من (المطبق في) هونغ كونغ”، مضيفاً أنه يعتقد أن اندلاع صراع بشأن تايوان أمر حتمي، محذراً من تأثيره المحتمل، ليس فقط على “تسلا”، لكن أيضاً على شركة “أبل” وعلى الاقتصاد على نحو أوسع نطاقاً؛ً إذ تمتلك تسلا واحداً من أكبر مصانعها في مدينة شنغهاي الصينية، كما يتم تجميع أغلب إنتاج شركة أبل في الصين أيضاً.
ولم يلبث هذا التصريح، الذي يخالف سياسة الولايات المتحدة وحلفائها، أن أثار انتقادات من ساسة تايوان، حسب الصحيفة الأمريكية.
وفي مقابلة هاتفية مع صحيفة The New York Times، طالب تشاو تيان لين، عضو الحزب الديمقراطي التقدمي ولجنة الشؤون الخارجية والدفاع بالهيئة التشريعية التايوانية، ماسك بالتراجع عن تصريحه. وقال: “وإذا لم يفعل، فأنصح لا تايوان فقط، ولكن جميع الدول الديمقراطية الليبرالية بمقاطعة تسلا ومنتجاتها”.
كما انتقد السفير التايواني أغنى رجل في العالم، قائلاً إن الحرية “ليست للبيع”.
في المقابل، رحّبت الصين أيضاً باقتراح ماسك الخاص بتايوان؛ إذ أثنى سفير الصين لدى الولايات المتحدة على ماسك.
ويشير البعض إلى أنه في حالة اندلاع حرب بين الجانبين، فالتايوانيون، مثل الأوكرانيين، قد يطلبون من ماسك توفير وسيلة طارئة للاتصال بالإنترنت من خلال الأقمار الصناعية. ولكن بالنظر إلى الموقف العام لماسك من هذه المشكلة وعلاقاته مع الصين، فقد لا يكون إنترنت ستارلينك خياراً قابلاً للتطبيق.
بالطبع، فإن الصحيفة الأمريكية وغيرها من وسائل الإعلام الغربية، لم تركز كثيراً أن ماسك رغم أنه مثله مثل كثير من قادة الغرب، مؤمن بتفوق الغرب، وضرورة فرض قيمه، ولكنه في بعض الأحيان، يتراجع قليلاً للخلف، سواء بسبب مصالحه التجارية بالفعل، أو لأن الغرب أحياناً يتمادى في المواجهة، بشكل يهدد الجميع، بمن فيهم حلفاء الغرب.
فعدم الوصول لتسوية في أوكرانيا، يهدد بحرب نووية، أو على الأقل سوف يزيد من ضحايا أوكرانيا، مع ملاحظة فارق القوة الهائل بين كييف وموسكو، كما قال ماسك.
وفي حالة تايوان، فإن الغرب ولاسيما الولايات المتحدة التي تشجع تايوان على الانفصال تعترف بسياسة الصين الواحدة (والتي كانت تعترف بها تايوان نفسها)، والجميع يعلم أن تشجيع تايوان على السياسات الانفصالية مع استمرار صعود الصين اقتصادياً وعسكرياً، يعني أنه قد يأتي يوم يزداد فارق القوة بين الجانبين، بطريقة سوف تؤدي إلى أنه يمكن للصين ابتلاع تايوان دون أن يستطيع الغرب أن يفعل شيئاً، وهو أن الأفضل التوصل لأسس حل في الوقت الحالي، حيث مازالت بكين غير قادرة على تنفيذ خطتها، قبل أن يضعف الموقف التفاوضي لتايوان ورعاتها الغربيين.
بعيداً عن آرائه ومصالحه التجارية سينحاز ماسك واقعياً لما تريده الولايات المتحدة، والتي يبدو أنها تسعى لتصعيد بلا تهدئة مع كل خصومها من الصين لروسيا مروراً بإيران.