رؤية – وكالات – مركز الدراسات
مع اقتراب الذكرى العشرين لهجمات الحادي عشر من سبتمبر/أيلول، يُعَد صعود الكثير من المسلمين الأمريكيين إلى مواقع السلطة والتأثير -في واشنطن وفي مجالس الولايات التشريعية، على الشاشات الكبيرة والصغيرة، وفي ملاعب الرياضة ومكاتب الأخبار- تطوراً قِلَّة فقط من الأمريكيين كان يمكن أن تتوقع حدوثه قبل عقدين من الزمن، بمَن فيهم المسلمون أنفسهم.
فعقب هجمات 11 سبتمبر مباشرةً، التي شنَّها تنظيم القاعدة، خَلقت جرائم الكراهية ضد المسلمين التي تفجَّرت، وما تبعها من “حرب على الإرهاب” لاقتلاع جذور الجهاديين أجواءً من التمييز والخوف والتعصب، التي أحاطت أتباع المسلمين في البلاد واستمرت لسنوات، على حد وصف أحد مراكز الأبحاث. ثم حين بدا أنَّ تصاعد المشاعر المناهضة للمسلمين في الولايات المتحدة ينحسر، انتُخِبَ دونالد ترامب رئيساً في عام 2016، وفق أجندة معادية صراحةً للمسلمين، وأدَّى ذلك إلى تسارع هذه المشاعر مجدداً.
كيف وصل المسلمون الأمريكيون إلى هنا؟
تقول مجلة Newsweek الأمريكية، التي نشرت تقريراً مطولاً عن تصاعد النفوذ السياسي والثقافي للمسلمين الأمريكيين خلال عقدين من الزمن، إن عام 2021 عام مثير للإعجاب بالنسبة للمسلمين الأمريكيين حتى الآن. إذ أكَّد مجلس الشيوخ الأمريكي، الذي هو معقل للانسداد والجمود الحزبي، بأغلبية ساحقة، أول مسلمين يتوليان منصبي قاض بمحكمة فيدرالية ورئيسة مفوضية التجارة الفيدرالية.
وشهدت المجالس التشريعية في خمس ولايات أداء أول أعضاء مسلمين اليمين بها. ومن المقرر أن تشهد ثلاث من ضواحي مدينة ديترويت هذا الخريف انتخاب أول عمداء مسلمين لها، وعيَّن فريق كرة القدم الأمريكية “نيو يورك جيتس” روبرت صالح ليكون أول مدير فني مسلم لأي فريق رياضي أمريكي محترف.
وبثَّت شبكة CBS الأمريكية عرض “The United States of AI” الشهير، وهو أول عرض لكوميديا الموقف (سيتكوم) يتولى دور الشخصية الرئيسية فيه شخص مسلم. وأصبح ريز أحمد، نجم فيلم “The Sound of Metal”، أول مسلم يُرشَّح للحصول على جائزة الأوسكار لأفضل ممثل.
يقول الخبراء إنَّ الخبرة الناتجة عن بلوغ مرحلة الرشد في بيئة ما بعد الحادي عشر من سبتمبر/أيلول هي ما جذبت جيلاً جديداً من المسلمين إلى النشاط السياسي، وحفَّزتهم على استخدام أصواتهم في الساحات السياسية والثقافية لفضح زيف المعلومات المضللة.
ربما، لكنَّ اتجاه البيانات -كما تقول المجلة الأمريكية، يشي بأنَّ الإجابة ليست بهذه البساطة، ولا تزال المشاعر المعادية للمسلمين عاملاً مهماً بعد 20 عاماً من هجمات الحادي عشر من سبتمبر/أيلول. إذ تُظهِر إحصاءات مكتب التحقيقات الفيدرالي الأمريكي (FBI) على سبيل المثال أنَّ جرائم الكراهية المعادية للمسلمين تحل في المرتبة الثانية بعد الحوادث المعادية للسامية فقط. وفي استطلاع رأي لمركز غالوب، قال ثلث الأمريكيين، ونسبة 62% من الجمهوريين، إنَّهم لن يصوتوا أبداً لمرشح مسلم في انتخابات الرئاسة، وهي أقل نسبة دعم لأتباع أي دين في الاستطلاع.
المسلمون الأمريكيون.. هُوية تشكَّلت في وقت شدة
حين وقعت هجمات القاعدة قبل 20 عاماً، كان تكوين المجتمع المسلم في الولايات المتحدة مختلفاً بكثير عما هو اليوم: كان أصغر بكثير، وأكثر شيخوخة ومُحافَظة، وأقل تنظيماً، وكان يتألَّف من عدد أكبر من الأمريكيين السود، وعدد أقل بكثير من المهاجرين الجدد.
فوفقاً لرابطة محفوظات بيانات الدين الأمريكية، كان قرابة مليون مسلم يعيشون في الولايات المتحدة عام 2001، في مقابل 3.5 مليون مؤخراً. كان المسملون كمجموعة يُشكِّلون كتلة تصويتية صلبة للجمهوريين، وكانت جماعة المهاجرين بشكل عام تنجذب لرسائل الحزب الجمهوري عن الاعتماد على الذات والحكومة الصغيرة والسياسات الاجتماعية المحافظة، بشأن قضايا مثل الإجهاض وحقوق المثليين جنسياً. ووفقاً لمجلس العلاقات الأمريكية الإسلامية (كير)، نال جورج بوش الابن 72% من أصوات المسلمين عام 2000. تراجع هذا الدعم بعد الحادي عشر من سبتمبر/أيلول، ودعم 7% فقط بوش في مواجهته عام 2004 مع المرشح الديمقراطي جون كيري.
لم يكن الانتماء الحزبي هو الشيء الوحيد الذي تغيَّر بين المسلمين في الولايات المتحدة في سنوات ما بعد الحادي عشر من سبتمبر/أيلول. فتقول نيلوفار حائري، مديرة الدراسات الإسلامية بقسم العلوم الإنسانية في جامعة جونز هوبكنز الأمريكية، إنَّ المسلمين قبل الهجمات نادراً ما كانوا ينظرون إلى أنفسهم كجماعة واحدة يربطها دين واحد بقدر ما كانوا مجموعة مختلفة من المجموعات الإثنية المتمايزة (إيرانيين، عراقيين، سوريين، باكستانيين، مصريين وغيرهم الكثير) التي تحافظ على وتدافع عن نفسها.
كانت الكتلة الأخرى الكبيرة من المسلمين في البلاد هي الأمريكيين السود، الذين اعتبروا إسلام مالكوم إكس، والملاكم محمد علي ديناً وهُوية استُخدِمَت للدفاع عن الفقراء والمُهمَّشين.
ثم جاء رد الفعل السلبي القوي بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر/أيلول، والذي اتسم بموجة من الاعتداءات الجسدية واللفظية ضد المسلمين وضد أي شخص كان “يبدو” مسلماً. فوفقاً لمكتب التحقيقات الفيدرالي، أُبلِغَ عن 28 جريمة كراهية معادية للمسلمين في عام 2000، ثُمَّ قفز الرقم في عام 2001 إلى قرابة 500 جريمة. ومع أنَّ إدارة الرئيس آنذاك جورج بوش حثَّت في بادئ الأمر الناس على ألّا يصبوا جام غضبهم على الأمريكيين المسلمين، واصلت إدارته بعد ذلك مراقبة المساجد والمنظمات الطلابية الجامعية للمسلمين، بحثاً عن الإرهابيين، وغزت العراق في 2003. وأصدر الكثير من القادة الدينيين المسيحيين خلال هذه الفترة تصريحات قاسية معادية للمسلمين كذلك.
التكاتف داخل المجتمع المسلم الأمريكي
يقول كيث أليسون، الذي أصبح في عام 2007 أول أمريكي مسلم يؤدي اليمين عضواً في الكونغرس، لمجلة Newsweek الأمريكية: “كان كل هم الجمهوريين لفترة من الوقت هو حظر الشريعة، التي لا توجد في أي مكان في أمريكا بحسب علمي. ومن ناحية أخرى، يتَّبع كل مسلم (الشريعة) يومياً، فحين أصلي هذه شريعة، وحين أصوم رمضان هذه شريعة، وحين لا آكل لحم الخنزير هذه شريعة، وهؤلاء هم الذين يقولون إنَّهم يدافعون عن الحرية الدينية”.
يقول يوسف شهود، أستاذ العلوم السياسية بجامعة كريستوفر نيوبورت الأمريكية، إنَّ كل هذا أذكى الخوف بين الأمريكيين المسلمين من وقوع عمليات انتقام غير مبرّرة، وساعد في تكوين جيل من النشطاء الشباب الذين يفوزون الآن بالمناصب الانتخابية، بدءاً من مجلس المدينة وحتى الكونغرس. فبحلول عام 2007 وجدت دراسة أجرتها إحدى جامعات نيويورك أنَّ 84% من الأمريكيين المسلمين في سن 12 إلى 18 عاماً قالوا إنَّهم تعرَّضوا لعمل واحد على الأقل من أعمال التمييز ضد المسلمين في العام السابق. وفي عام 2009، وجدت دراسة لجامعة أديلفي الأمريكية أنَّ أكثر من 82% من المسلمين في الولايات المتحدة أفادوا بأنَّهم يشعرون بعدم الأمان.
تقول حائري إنَّ الأمريكيين المسلمين واجهوا خيارين: الابتسام وتحمُّل الأمر، أو التكاتف معاً والرد. وتضيف: “إنَّ واحداً من أهم التغييرات التي حدثت في الجاليات المسلمة المختلفة بعد الحادي عشر من سبتمبر/أيلول، هي أنَّ المسلمين الذين لم يكونوا متدينين ولم يكونوا يُعرِّفون أنفسهم بكونهم مسلمين قبل الحادي عشر من سبتمبر/أيلول بدأوا فجأة يُعامَلون باعتبارهم مسلمين، سواء أرادوا ذلك أم لا، وطُرِحَت عليهم أسئلة عن الإسلام. فامتلأت الجاليات الإسلامية بمسلمين باتوا يُعرِّفون أنفسهم وفق هذا الأساس”.
في الوقت نفسه، ذُهِلَ الأمريكيون المسلمون الأكثر تديُّناً، لاسيما أولئك الذين فروا من أنظمة استبدادية واقتصادات فاشلة، من التشكيكات في وطنيتهم. يقول نهاد عوض، المؤسس المشارك والمدير التنفيذي لمجلس العلاقات الأمريكية الإسلامية: “اضطررنا لإعادة تعريف أنفسنا والتصدي للظلم من بلدنا، من حكومتنا، من وسائل الإعلام، من الثقافة الشعبية. شعرنا بالألم الذي شعره الجميع حيال الحادي عشر من سبتمبر/أيلول، بل كان الألم أكبر مما شعر به الكثيرون لأنَّه تم لومنا على ما جرى، على أمر لم يكن لنا علاقة به”.
يقول النائب الديمقراطي عن ولاية إنديانا أندريه كارسون، الذي أصبح في عام 2008 ثاني مسلم مُنتَخب في الكونغرس، إنَّ الشدائد أدَّت إلى التحام مجموعة واسعة من الجنسيات ضمن تحالف ضرورة. يقول كارسون، وهو شخص أسود البشرة: “مهَّد مجتمع الأمريكيين الأفارقة الأصلي هذا الدور قبل عقود، لكنَّ الحادي عشر من سبتمبر/أيلول سمح لمجتمع المسلمين المهاجرين برؤية أنَّ مجتمع الأمريكيين الأفارقة المسلمين كان مُحِقَّاً طوال الوقت في انتقاد أوجه انعدام العدالة الاجتماعية، وانتقاد تجاوز الحكومة في ما يتعلَّق بانتهاكات الحريات المدنية والتجسس على مواطنين أمريكيين أشقاء”.
ارتفع عدد المهاجرين المسلمين الذين استقبلتهم الولايات المتحدة في الفترة بين عامي 2002 و2016 بنسبة 627%- من نحو 6 آلاف سنوياً إلى نحو 40 ألفاً- وهو ما أدَّى، إلى جانب معدل المواليد الأعلى لدى أي مجموعة دينية، إلى زيادة شديدة في عدد المسلمين. توقف التدفق منذ ذلك الحين، بعدما قلَّصت إدارة ترامب عدد اللاجئين الذين تستقبلهم الولايات المتحدة إلى أدنى رقم على الإطلاق والذي بلغ وفقاً لبيانات وزارة الخارجية الأمريكية أقل من 12 ألفاً في المجمل، جُلّهم كانوا مسيحيين.
بات المسلمون ظاهرين ومرئيين في الحياة اليومية خلال هذه الفترة بسبب المكان الذي يعيشون فيه الآن: الضواحي. فوفقاً لتقرير صدر في يوليو/تموز الماضي عن معهد السياسة الاجتماعية والتفاهم، يوجد الآن نحو نصف المساجد في مناطق الضواحي خارج المدن الكبرى، بزيادة عن نسبة 38% عام 2010. وفي الوقت نفسه، ارتفع العدد الفعلي للمساجد منذ عام 2000 بصورة كبيرة بأكثر من الضعف، من 1209 مساجد إلى 2769 مسجداً.
وبحلول وقت انتخاب ترامب، كان المجتمع الأمريكي المسلم أكبر وأجرأ وموحَّداً في عدم استعداده للانحناء. يقول مذيع شبكة MSNBC علي فيلشي، والذي يُعتَقَد أنَّه أول مسلم يدير برنامجاً إخبارياً على شبكة أمريكية مدفوعة: “أمرٌ ما يجري الآن. يبدو وكأن هناك ازدهاراً للمسلمين في كافة الصناعات ومختلف المنصات”.
الانخراط بالحياة السياسية والترشح للمناصب العليا
يمثل منحى حياة “صدف جعفر” خارطة طريق مفيدة لما حدث للمسلمين في الحياة السياسية الأمريكية على مدار العقدين الماضيين، لا سيما مؤخراً.
إذ خططت صاحبة الـ38 عاماً، والتي وُلِدَت في مدينة شيكاغو لمهاجرين من باكستان والهند، أن تصبح دبلوماسية أمريكية، وتدرَّبت في وزارة الخارجية ولدى قوات مشاة البحرية (المارينز). لكنَّها ابتُليَت بالمشاعر المعادية للمسلمين والمتصاعدة في أرجاء الولايات المتحدة، وبدَّلت مجال تركيزها في عام 2007، فالتحقت بجامعة هارفارد لإعداد دكتوراه في الفلسفة تركز على الثقافات الإسلامية في جنوب آسيا. وكان هدفها هو “فهم المجتمعات المسلمة بصورة أفضل حتى يمكنني تدريس المجتمعات المسلمة بتعقيدها”.
أصبحت في عام 2017 أستاذة بجامعة برنستون وأثار انتخاب دونالد ترامب قلقاً بالغاً لديها؛ لدرجة أنَّها قررت خوض غمار السياسة من خلال الترشح لمقعد في لجنة بلدية مونتغمري. وتقول صدف: “قال لي والديّ: (ألا يجب أن نتجنَّب الأنظار وألا نجذب الانتباه لأنفسنا الآن؟) لكنَّني شعرتُ بأنَّنا إذا لم ندافع عن حقوقنا الآن، فمَن ذا الذي يقول إنَّنا سنحصل حتى على حقوقنا لاحقاً”.
فازت صدف بالمقعد، ورُقِّيَت إلى عمدة في عام 2019 لتكون أول سيدة مسلمة تتولى منصب العمدة في البلاد. وفازت في يونيو/حزيران الماضي بترشيح الحزب الديمقراطي لمقعد في الجمعية العامة لولاية نيوجيرسي، وإذا ما فازت هذا الخريف، ستصبح أول مسلمة (وأول أمريكية آسيوية) في المجلس التشريعي للولاية المعروفة بولاية الحدائق.
وإذا ما فازت صدف، فإنَّها ستسير بذلك على درب النجاحات التي تحققت في انتخابات عام 2020 بوصول أول المشرعين المسلمين إلى مجالس الكونغرس في ولايات ديلاوير وأوكلاهوما وكولورادو وفلوريدا وويسكونسن، وأول مسلمتين يُعاد ترشيحهما للكونغرس، إلهان عمر ورشيدة طليب. وهناك سابقات أخرى من المرجح أن تحلَّ هذا الخريف أيضاً، فأكثر مَن حصل على أصوات في الانتخابات التمهيدية لمناصب عمدة ضواحي ديربورن وديربورن هايتس وهامترامك في مدينة ديترويت خلال شهر أغسطس/آب الماضي- وهي مناطق بها عدد كبير من المسلمين- كلهم مسلمون.
وعموماً، ترشَّح رقم قياسي بلغ 170 مترشحاً مسلماً في 28 ولاية عام 2020، بزيادة عن رقم 57 في عام 2018، فاز منهم 62. وأظهرت استطلاعات رأي الخارجين من مراكز الاقتراع أنَّ أكثر من مليون مسلم قد صوتوا العام الماضي، وهو رقم قياسي أيضاً.
يقول وائل الزيات، المدير التنفيذي لمنظمة Emgage، وهي منظمة تروج للمشاركة المدنية بين مجتمعات الأمريكيين المسلمين: “حين فاز ترامب، كانت تلك صيحة إيقاظ للمجتمع (المسلم)”.
ومن اللافت أيضاً أنَّ كل أولئك الفائزين تقريباً من جيل الألفية، باستثناء طليب (45 عاماً)، التي تكبر المجموعة بقليل. ويفيد معظم أولئك السياسيين المسلمين بكونهم هدفاً لبعض المشاعر المعادية للمسلمين خلال ترشحهم.
إذ تبلغ النائبة بمجلس نواب ولاية ديلاوير مدينة ويلسون أنتون من العمر 27 عاماً، وقد هزمت النائب الديمقراطي الذي شغل المنصب طوال 20 عاماً لتصبح أول شخص مسلم في المجلس. وتقول: “كانوا يطرقون بابي ويقولون أموراً مثل: (عودي إلى بلادك)”.
لم تكن مدينة هي المرشحة المسلمة الوحيدة التي استخدم خصومها دينها كأساس للتشكيك في مؤهلاتها للمنصب. ففي يونيو/حزيران الماضي، أرسلت النائبة الجمهورية عن ولاية جورجيا، مارجوري تايلور غرين، رسائل بريد إلكتروني لجمع التبرعات هاجمت فيها إلهان عمر باعتبارها “عضوة داعمة للإرهاب في (الفرقة الجهادية)”، في إشارة إلى مجموعة من النواب الديمقراطيين التقدميين الذين يُعرَفون باسم “الفرقة – Squad”. وسأل مدير إحدى المناظرات سام رسول، أول مسلم يترشح لمنصب نائب حاكم ولاية جورجيا، في مايو/أيار الماضي ما إن كان بإمكانه طمأنة الناخبين بأنَّه “سيمثلهم جميعاً، بصرف النظر عن الدين أو المعتقد”.
وفي كل حالة من هذه الحالات التي وقعت مؤخراً انضم طيفٌ واسع من المجموعات الدينية والأيديولوجية المختلفة للمسلمين رفضاً للطريقة التي يُعامَل بها المرشحين.
تأثير متنام للمجتمع المسلم في أمريكا
يقول يوسف شهود إنَّ وجود المزيد من المسلمين في أروقة السلطة غيَّر مجرى بعض المحادثات. فعلى سبيل المثال، حين شنت إسرائيل حرباً على الفلسطينيين بقطاع غزة في مايو/أيار الماضي، عبَّر العديد من القادة الديمقراطيين في واشنطن عن القلق بشأن رد فعل إسرائيل العدواني ومحنة الفلسطينيين. ويقول إنَّ هذا يعود جزئياً إلى نشاط إلهان عمر ورشيدة طليب.
تقول حائري إنَّ الكثيرين داخل المجتمع الإسلامي الأمريكي بالفعل يعتبرون عضوتيّ الكونغرس رائدتين مُلهِمَتين.
يُعَد كل المسلمين المنتخبين في المجالس التشريعية بالولايات تقريباً- وكل المسلمين الأربعة الذين انتُخِبوا في الكونغرس الأمريكي حتى الآن- ديمقراطيين تقدميين. ووجدت دراسة أعدَّها مجلس العلاقات الأمريكية الإسلامية في فبراير/شباط 2020 أنَّ 39% من المسلمين الديمقراطيين كانوا يؤيدون السيناتور عن ولاية فيرمونت بيرني ساندرز، وهو اشتراكي ديمقراطي، في انتخابات الرئاسة عام 2016 مقابل 27% أيدوا بايدن.
وبالنسبة لكثير من الأمريكيين، يتحدّى هذا التحالف الصور النمطية البالية بشأن المسلمين باعتبارهم محافظين متشددين اجتماعياً لن يدعموا مرشحاً يهودياً مؤيداً لحق الإجهاض وداعماً لمجتمع الميم (ذوي الميول الجنسية المثلية ومزدوجي الميول الجنسية والمتحولين جنسياً).
لكنَّ نهج إلهان عمر ورشيدة طليب مزعج وإشكالي لبعض المسلمين المحافظين سياسياً، الذين يرفضون ما يقولون إنَّها رسالة ضمنية بأنَّ المسلمين هم ضحايا تمييز يحظون بمعاملة سيئة. فيقول عمر قدرات (40 عاماً) من ولاية كاليفورنيا، والذي أصبح في عام 2018 أول مسلم يفور بترشيح الحزب الجمهوري لمقعد في الكونغرس (وخسر بفارق 23% من الأصوات): “تجربة الأمريكيين المسلمين تجربة إيجابية للغاية. الكثير منا يرفضون سردية الضحية. هل لدينا مشكلات؟ بالطبع. لكن سيكون من المأساوي أن يؤمن أي شاب أمريكي مسلم بأنَّ كل ما يرقى إليه هو كونه ضحية لهذا البلد العظيم”.
يدافع قدرات والمسلم المحافظ البارز زهدي جاسر، وهو موسيقيّ من مدينة فينيكس الأمريكية عيَّنه السيناتور الجمهوري ميتش ماكونيل في اللجنة الأمريكية للحرية الدينية الدولية عام 2012، عن سياسات ترامب ويشيدان به لتوسطه في المعاهدات بين إسرائيل والبحرين والإمارات. ويقول جاسر: “لستُ محرجاً من ديني. لكنَّني أتفهم عقلية بلد تعرَّض للهجوم. هذه الجراح لا تزال عميقة جداً”. وهناك جمهور لهذه الرؤية، إذ زاد ترامب حصته من الناخبين المسلمين بصورة متواضعة عام 2020 لتصل إلى 17% مقارنةً بـ13% عام 2016 بحسب مجلس العلاقات الأمريكية الإسلامية.
يقول أستاذ العلوم السياسية شهود: “هناك قيم وأولويات معينة متداخلة بين المسلمين والجمهوريين. المشكلة فقط أنَّ هناك شعوراً بأنَّه لا مكان للمسلمين داخل الحزب الجمهوري”.
يرى جاسر أنَّ الحزب الجمهوري ليس معادياً للمسلمين مثلما يعتقد التقدميون، ويستشهد بتأكيد تعيين لينا خان لرئاسة لجنة التجارة الفيدرالية والقاضي زاهد قريشي في القضاء الفيدرالي في وقتٍ سابق من الصيف وبدعم كبير من الحزبين. لكنَّ عوض يعارض مستشهداً بمعارضة الجمهوريين لمسلمين آخرين اختارهم بايدن لمناصب في الإدارة، مثل ريما دودين لمنصب نائبة مكتب الشؤون التشريعية بالبيت الأبيض.
التلفزيون والسينما.. تصاعد التأثير الثقافي للمجتمع المسلم في أمريكا
لا تتعلق لحظة الصعود التي يشهدها المسلمون في الولايات المتحدة بالإنجازات السياسية فقط. فالثقافة الشعبية أيضاً تشهد زيادة كبيرة في تمثيل المسلمين، وكلا هذين الاتجاهين يعززان بعضهما البعض. فالأفلام والتلفزيون توفر ألفة تساعد في تعزيز القبول، ما يسمح للكثير من الأمريكيين غير المسلمين الذين لا يعرفون شخصياً أيَّاً من ممارسات الإسلام برؤية الشخصيات المسلمة مُحَاكة في نسيج الحياة اليومية.
تقول أريج ميقاتي من مؤسسة “Pillars Fund”، وهي مؤسسة خيرية إسلامية ستقدم العام المقبل منحاً بقيمة 25 ألف دولار لعشرة روائيين مسلمين للتلفزيون أو السينما: “إنَّها فرصة رائعة لخلق تعاطف أكبر وظلم أقل تجاه المسلمين بعيداً عن الشاشة”.
ومن بين أولئك الذين يساعدون في دفع هذا المستوى الجديد من الظهور الثقافي رامي يوسف، الذي فاز بجائزة “غولدن غلوب” وجائزة “بيبودي” في عام 2020 عن مسلسل “Ramy”، وهو مسلسل درامي عن شخص أمريكي مسلم من الجيل الأول وينتمي لجيل الألفية، يخوض صراعاً داخلياً حول دينه. وكان ضمن طاقم العمل في الموسم الثاني ماهر شالا علي، أول ممثل مسلم يحصل على جائزة أوسكار. ومن المقرر أن تبث منصة Disney+ هذا الخريف مسلسل “Ms. Marvel” الذي يقدم أول بطلة خارقة مسلمة. وهناك مسلسلات سابقة وحالية مثل Patriot Act ويظهر فيه حسن منهاج وUnited States of AI، وهو سيتكوم حول أحد قدامى المحاربين الأمريكيين الذي يساعد مترجمه الأفغاني على الانتقال إلى أوهايو.
وتقول صدفة، عمدة بلدية مونتغمري، إنَّها لاحظت أيضاً ظهوراً أكبر للمسلمين في عروض الأطفال مثل “Sesame Street” (عالم سمسم) و”Peg Plus Cat”، ويمتد الأمر إلى الصف الأول الذي تحضره ابنتها، حيث قرأ المعلم هذا الربيع كتاباً عن شهر رمضان للتلاميذ.
ويقول بعض الممثلين والمشاهير المسلمين إنَّهم يحاولون التحدث علناً عن دينهم وهويتهم الثقافية حين يُطلَب منهم ذلك، أو حين لا يُطلَب. فيروي المعلق الرياضي عدنان فيرك، حين كان لا يزال يعمل في شبكة ESPN عام 2016، أنَّه طُلِبَ منه المساعدة في التعليق على التغطية بعد وفاة محمد علي. ويقول: “اتصل بي أحد منتجينا وقال: (لا نعرف أي شيء عن الجنائز الإسلامية. هل يمكنك تولي الأمر؟)… كانت تلك لحظة رائعة”.
يقول فيلشي من شبكة MSNBC إنَّه يحاول عمداً استضافة ضيوف وخبراء مسلمين ومن المجموعات المهمشة الأخرى للحديث عن موضوعات لا علاقة لها بهويتهم. ويقول: “إنَّه أبسط شيء يمكن عمله في العالم لكسر الحواجز”.
مع ذلك، يشير الخبراء من داخل وخارج المجتمع الإسلامي الأمريكي إلى أنَّ الأعداد والتمثيل لا يزالون بعيدين عن التمثيل العادل. فوجدت دراسة لكلية أنينبيرغ الأمريكية للإعلام في يونيو/حزيران الماضي أنَّه من بين 200 فيلم عالمي شهير في الفترة بين 2017 إلى 2019، كانت نسبة 1.1% فقط من الشخصيات ذات الأدوار المتحدثة في الولايات المتحدة و1.6% إجمالاً كانوا مسلمين، ولا يزالون يُصوَّرون نمطياً بصورة متكررة باعتبارهم دخلاء أو عوامل تهديد أو خاضعين، خصوصاً للشخصيات البيضاء.
طريق طويل أمامنا
إنَّ المكاسب حقيقية وتظهر أكثر فأكثر وباتت أكثر بروزاً، لكنَّها لا تزال في الوقت الراهن على الأقل متواضعة نسبياً، ويخشى النشطاء المسلمون من أنَّه من السهل جداً أن تتعرَّض لخطر المحو.
وهم يشيرون مثلاً إلى أنَّه لم يسبق أن تولى مسلم عضوية مجلس الشيوخ، أو انتُخِبَ في منصب حاكم إحدى الولايات، أو عُيِّن في منصب وزاري. ويمكن أن يؤدي هجوم إرهابي كبير آخر يضم متطرفين مسلمين أو نجاح ترامب في العودة إلى البيت الأبيض أو انتخاب مرشح بنفس العقلية إلى إفساد الرأي العام أو خلق أخطار جديدة. لكنَّ التقدم حتى الآن جعل القادة المسلمين متفائلين بحذر ويتوقون للمزيد.