وكالات
ماذا سيحصل لو انهارت منصة تويتر بعد الفوضى التي أحدثها الملياردير الأمريكي والمالك الجديد للمنصة إيلون ماسك؟ بداية لا شك أنه سيكون لتدمير تويتر كارثة جيوسياسية ليس فقط للولايات المتحدة ولكن أيضاً للعالم الديمقراطي.. كيف ذلك؟
ما الذي سنخسره إذا فقدنا تويتر؟
تقول مجلة foreign policy الأمريكية إن الحسابات الإخبارية اليومية الأمريكية خلال تغطيتها لتراجع تويتر واحتمال زواله، كانت تعطي انطباعا بأن الأيام الأولى الكارثية لإيلون ماسك بصفته مالك شركة التواصل الاجتماعي هي قصة أمريكية إلى حد كبير، لكن في الواقع، فإن تأثير هذه الأزمة عالمي وليس مقصوراً على الولايات المتحدة.
وهيمن ماسك على العناوين الرئيسية بعد استطلاع آراء متابعيه على تويتر لتحديد ما إذا كان ينبغي السماح للرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب بالعودة إلى المنصة، وهذا أمر ليس مستغرباً على ماسك بالنظر إلى أفكاره وسياساته المثيرة للجدل، وبالإضافة إلى ترامب أعاد ماسك العديد من الحسابات المحظورة سابقاً بسبب أفكارها الراديكالية، سواء في الولايات المتحدة أو خارجها.
وبالنسبة للحالة التي يمر بها تويتر الآن، يرى بعض المعلقين الأمريكيين أن المنصة “ليست كنزاً وطنياً”. لكن بحسب هوارد فرينش، الكاتب في فورين بوليسي وأستاذ الصحافة بجامعة كولومبيا، هناك العديد من الأسباب التي تدعو إلى الحداد على المشهد الجاري، فمع كل أوجه القصور فيه، كان تويتر مساهماً قوياً في وصول المعلومات وإضفاء الطابع الديمقراطي على تدفق المعلومات على مدار سنوات طويلة لجيل بأكمله.
ويقول فرينش: منذ جيل مضى، عندما بدأت عملي كصحفي في أوائل الثمانينيات، كانت الأخبار في بلدي، الولايات المتحدة، يهيمن عليها تماماً عدد صغير من الشركات، بدءاً بما يسمى بالصحف الوطنية مثل نيويورك تايمز، وول ستريت ستريت جورنال، وواشنطن بوست، وحصل معظم الأمريكيين على أخبارهم من ثلاث شبكات تلفزيونية وطنية هي: CBS وNBC وABC.
في تلك الحقبة، كان للولايات المتحدة مشهد إعلامي محلي أكثر حيوية بكثير، مع منافسة قوية بين الصحف الورقية اليومية حتى في المدن المتوسطة الحجم، اختفى معظم هؤلاء أو تراجع حضورهم بواسطة الإنترنت. ولكن بالنسبة لأخبار العالم، فقد اعتمدت الصحف المحلية القوية مالياً بشكل كبير على العروض المجمعة للصحف القومية الثلاث الكبرى.
ويضيف فرينش أنه عمل خلال مسيرته المهنية في كل قارة، وعلى الرغم من صعوبة إصدار بيان شامل يغطي صناعة الأخبار على مستوى العالم، إلا أنه بالنسبة للأشخاص في العديد من البلدان – وربما معظمها – كان النظام الغذائي الإخباري في هذا الوقت مؤرقاً بكثير مما هو عليه في الولايات المتحدة وغالباً ما تهيمن عليه المنشورات الحكومية الرسمية والمذيعون التابعون لتلفزيون الدولة.
التغيير الذي أحدثه تويتر بالنسبة للصحفيين ووسائل الإعلام
لكن بعد مطلع الألفية، ساعدت وسائل التواصل الاجتماعي بشكل عام، وربما تويتر على وجه الخصوص، في إزاحة نظام المعلومات القديم، من خلال توسيع نطاق الحصول على المعلومات بشكل كبير وسريع، بالإضافة إلى إتاحة الوصول لكل من اللاعبين الأصغر في اقتصاد المعلومات والأفراد، ومثل أي شيء مهم للغاية، لم يأتِ هذا بدون مشاكل وعيوب، لكن هناك حاجة إلى قول الكثير حول ما دمره ماسك.
وعلقت صحيفة نيويورك تايمز على المشاكل التي يعاني منها تويتر من الداخل، بأنه إذا لم تكن تنبؤات الزوال النهائي لتويتر سابقة لأوانها تماماً، فسوف نجد أنه من الصعب جداً القيام بما نفعله كصحفيين لهم اهتمامات بعيدة المدى وليست محلية فقط، وهذا يعني مواكبة المعلومات في كل ركن من أركان إفريقيا، في شمال شرق آسيا، في دوائر التاريخ الأكاديمي في الولايات المتحدة، في صناعة النشر، وفي العديد من المجالات الأخرى.
وبالإضافة إلى مدى وصوله، أتاح تويتر للصحفيين تنظيم مصادرهم من خلال متابعة الأشخاص المؤثرين والمثيرين للاهتمام بشكل موثوق، والموثوقين نسبياً في جودة المعلومات التي يشاركونها من كل بقعة حول العالم.
يقول هوارد فرينش إنه حاول مؤخراً البحث عن بدائل لتويتر أو تجربة بعضها مثل Post.News. ولكن مهما بدا البعض من هذه التجارب واعداً، فسيكون من الصعب أو على الأرجح، من المستحيل إعادة بناء بعض السنوات من الاستخدام الدقيق لتويتر التي بنتها له كصحفي، ولملايين آخرين.
“كارثة جيوسياسية لأمريكا والعالم الديمقراطي”
في الوقت نفسه، لا تقتصر الأزمة على ذلك، فيضيف فرينش أن تدمير تويتر سيكون كارثة جيوسياسية ليس فقط للولايات المتحدة ولكن أيضاً للعالم الديمقراطي بشكل عام، بفهمه الضحل لحرية التعبير، يبدو أن هذه المخاطر لا يدركها إيلون ماسك.
حيث سيقوض انهيار تويتر الديمقراطية حول العالم ويعزز الاستبدادية. فمثلاً ردت الصين على تويتر وغيره من وسائل التواصل الاجتماعي بالسماح فقط بالمحادثات الصارمة حول الموضوعات المصرح بها (أو على الأقل غير المحظورة) على منصات مثل Weibo، قد يبدو استبداد ماسك لحرية التعبير عكس ذلك، لكنه في الواقع يمثل تخلياً عن المسؤولية باسم أيديولوجيته الشخصية.
وصحيح أن تويتر سمح منذ فترة طويلة بمستوى معين من المعلومات المضللة على نظامه الأساسي، وأنه في بعض الدوائر كان هناك دائماً الكثير من الصراخ والتزييف والقبح. لكن الشركة أنفقت قدراً كبيراً من الجهد للحفاظ على الأشياء ضمن الحدود وفرض المعايير.
ومن خلال السماح لأي شيء تقريباً بالظهور على تويتر، بغض النظر عن مدى ضرره أو عدم صحته أو عدم مسؤوليته أو حتى كراهيته، ومن خلال تدمير الثقة والأمان بالمنصة، فإن ماسك يدمر حرية التعبير باسم حفظها، وستكون رؤيته هزيمة حقيقية لحرية التعبير.
وإذا استمرت الأمور على هذا الطريق، فسننتهي في وضع تكون فيه الدول الديمقراطية قد أثبتت أنها غير قادرة مثل الدول الاستبدادية في توفير منصات حرة وغير مقيدة وكذلك مشاركة المعلومات بشكل حر على الصعيد العالمي.