وكالات
استشاط الرئيس السابق، دونالد ترامب، غضباً، وطالب بإلغاء الدستور الأمريكي بسبب “سرقة الانتخابات”، فماذا حدث؟ ولماذا يريد ترامب إسقاط النظام؟ وما علاقة تويتر وجو بايدن بالقصة هذه المرة؟
مزاعم ترامب بشأن “تزوير الانتخابات” لصالح منافسه جو بايدن، الرئيس الأمريكي الحالي، ليست جديدة بطبيعة الحال، فهو يرددها ويصر عليها منذ خسارته في نوفمبر/تشرين الثاني 2020، ونتج عن ذلك الرفض والتشكيك في نزاهة النظام الانتخابي في الولايات المتحدة سعي بعض أنصار السابق لمنع التصديق على النتائج عن طريق اقتحام الكونغرس يوم 6 يناير/كانون الثاني.
جرت في نهر السياسة في واشنطن مياه كثيرة، وقرر ترامب الترشح للانتخابات الرئاسية المقبلة 2024، فما الذي استجد وجعل الرئيس السابق ينفجر غضباً بهذه الطريقة ويطالب بإلغاء العمل بالدستور الأمريكي ذاته؟
تويتر تحت قيادة إيلون ماسك
بدأت القصة هذه المرة قبل أيام عندما بدأ إيلون ماسك، أغنى رجل في العالم والمالك الجديد لشركة تويتر، في نشر مراسلات داخلية خاصة بتويتر تتعلق بكيفية التعامل مع قصة لابتوب خاص بهانتر بايدن، نجل الرئيس جو بايدن، ترجع إلى فترة الحملة الانتخابية لانتخابات 2020.
كانت صحيفة نيويورك بوست الأمريكية قد نشرت قصة اللابتوب الخاص بنجل بايدن قبل أسابيع من موعد الانتخابات الرئاسية، حيث نشرت مراسلات وصوراً وأموراً أخرى رسمت صورة عامة عن الحياة الشخصية الفوضوية لأصغر أبناء جو بايدن، إضافة إلى مراسلات تتعلق بصفقات تجارية.
في ذلك الوقت كان ترامب قد تعرض لإجراءات العزل في الكونغرس في المرة الأولى، فالرئيس السابق تعرض لمحاولات العزل مرتين، فيما عُرف وقتها إعلامياً بوصف “أوكرانيا-جيت/ فضيحة أوكرانيا”، وقصتها باختصار أن ترامب طلب من الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي فتح تحقيق في معاملات هانتر بايدن في أوكرانيا، رابطاً استجابة زيلينسكي بالمساعدات الأمريكية لأوكرانيا.
يرى ترامب أن هانتر بايدن استفاد من منصب والده جو بايدن، الذي كان نائباً للرئيس الأسبق باراك أوباما لفترتين رئاسيتين من 2008 حتى 2016، لتحقيق أرباح مالية وعقد صفقات مشبوهة في أوكرانيا والصين أيضاً.
ثم ظهرت قصة اللابتوب الخاص بهانتر بايدن، الذي كان قد تركه في سيارته لدى إصلاحها أو تمت سرقته من السيارة (بحسب ما يردده المعسكر الجمهوري الداعم لترامب أو المعسكر الديمقراطي المساند لبايدن)، وأراد ترامب استغلالها خلال الحملة الانتخابية، لكن أغلب الصحف ووسائل الإعلام الأمريكية اعتبرتها أموراً شخصية لا تستحق التغطية.
في ذلك الوقت، اتخذ تويتر قراراً بحظر القصة بسبب سياسة الشركة بشأن المواد المسروقة والمقرصنة، ثم وقعت أحداث اقتحام الكونغرس يوم 6 يناير/كانون الثاني 2021 وقرر تويتر حظر حساب ترامب نفسه، كما فعلت باقي منصات التواصل الاجتماعي الكبرى.
تصريحات ترامب أثارت رد فعل عنيفاً من البيت الأبيض بطبيعة الحال، إذ قال المتحدث باسم البيت الأبيض أندرو بايتس إن تصريحات ترامب كانت بمثابة “لعنة على روح أمتنا”، وأضاف بايتس في بيان أنه: “لا يمكنك أن تحب أمريكا فقط عندما تفوز. ينبغي إدانة تصريحات ترامب عالمياً”، في إشارة إلى كبار قادة الحزب الجمهوري.
كما تحدى آخرون من كبار الحزب الديمقراطي الجمهوريين، ومعهم أيضاً الجمهوري إريك سوالويل، الذي تساءل: كيف يمكن لأعضاء الحزب الاستمرار بالإشارة إلى أنفسهم بأنهم “محافظون على الدستور”، إن لم يقوموا بإدانة تصريحات ترامب؟!
وقال زعيم الديمقراطيين في مجلس الشيوخ تشاك شومر في تغريدة: “الأسبوع الماضي كان يتناول العشاء مع معادين للسامية. والآن يدعو إلى إنهاء الديمقراطية الدستورية في أمريكا”.
وإشارة شومر هنا بشأن مأدبة عشاء في مقر إقامة ترامب بفلوريدا حضرها نيك فوينتيس، وهو من المؤمنين بتفوق العِرق الأبيض وينكر وقوع محرقة اليهود، وأضاف شومر أن ترامب “خارج عن السيطرة ويشكل خطراً على ديمقراطيتنا. يجب على الجميع إدانة هذا الهجوم على ديمقراطيتنا”، بحسب تقرير لموقع فرانس برس.
لكن اللافت هنا هو أن نائب الرئيس السابق مايك بنس امتنع عن إدانة تصريحات ترامب بشأن إلغاء الدستور، مع أنه سبق أن نأى بنفسه عن الرئيس السابق منذ اقتحام الكونغرس، ووصف أنصار ترامب بنس بأنه “خائن”، لعدم تدخله لوقف التصديق على نتائج الانتخابات وقتها.
وقال بنس إن “المرشحين الذين يركزون على الماضي، لا سيما الذين يركزون على التشكيك في الانتخابات الأخيرة، لم يحالفهم الأداء الجيد في انتخابات منتصف الولاية الشهر الماضي”.
أما جون بولتون، مستشار الأمن القومي السابق لترامب، فقد أدان تصريحات الرئيس السابق، وقال في تغريدة: “يجب على جميع المحافظين الحقيقيين معارضة حملته لانتخابات 2024 الرئاسية”.
ما تأثير “غضبة ترامب” على الوضع الداخلي؟
لا شك أن تصريحات ترامب بشأن تزوير الانتخابات وإصراره عليها ستكون لها تداعيات متعددة خلال هذه الفترة، التي يستعد فيها الطامحون لدخول السباق الانتخابي المقبل لتحسس الأجواء والوقوف على فرص أبرز المرشحين، سواء بايدن في المعسكر الديمقراطي أو ترامب في المعسكر الجمهوري.
فالرئيس السابق يواجه مقاومة من البعض داخل الحزب الجمهوري وهناك طامحون آخرون للفوز بدعم الحزب لترشحهم في الانتخابات المقبلة، مثل حاكم فلوريدا رون ديسانتيس، الذي يحظى بشعبية كبيرة لا تقل عن شعبية ترامب وقدرة على جمع الأموال لحملته الانتخابية تضاهي قدرة الرئيس السابق أيضاً.
وهناك كذلك مايك بنس نفسه، الذي لمَّح مراراً إلى نيته السعي للفوز بدعم الحزب الجمهوري، وكذلك مايك بومبيو وزير الخارجية في إدارة ترامب، الذي أعلن بالفعل نيته التقدم بأوراق ترشحه للحزب. كان هذا أحد أبرز أسباب إعلان ترامب تقديم أوراقه رسمياً للترشح للرئاسة قبل أيام، إذ أراد استباق جميع الطامحين لخلافته كمرشح للحزب الجمهوري وزعيم له.
كما أن ترامب يواجه سيلاً من التحقيقات، سواء الجنائية أو المدنية، بسبب أحداث اقتحام الكونغرس والتهرب الضريبي واتهامات بالتحرش الجنسي وأخرى بالسب والقذف والقائمة طويلة، وبالتالي يرى كثير من المحللين أن إعلانه المبكر السعي للترشح للرئاسة يهدف إلى تصعيب مهمة ملاحقيه في وزارة العدل، لأنه يصور ذلك على أنه “اضطهاد سياسي”.
وفي هذا السياق، من غير المرجح أصلاً أن يتراجع ترامب عن تصريحاته بشأن إلغاء الدستور أو حتى محاولة تفسيرها بصورة أكثر هدوءاً، وربما يحدث العكس خلال الفترة القادمة، في ظل نية ماسك المعلنة الكشف عن مزيد من تفاصيل قصة لابتوب هانتر بايدن. فترامب يعتبر أن حظر نشر تلك التفاصيل قبل الانتخابات الماضية كان عنصراً من عناصر مؤامرة كبرى حاكتها الدولة العميقة، باتفاق بين الليبراليين وشركات التكنولوجيا الكبرى، بغرض “سرقة فوزه المحسوم في تلك الانتخابات”.
لكن النقطة الأكثر أهمية في هذا الصراع تتعلق بأن ترامب لا يهتم كثيراً، إن اهتم من الأساس، برأي أو تصريحات كبار السياسيين بشكل عام، ديمقراطيين كانوا أو جمهوريين، فالرجل يستهدف قاعدته الانتخابية، التي ترى فيه مقاتلاً شرساً ضد الدولة العميقة وتغول الساسة في واشنطن على حريات الأمريكيين ومعتقداتهم وأرزاقهم.
إذ يتبنى ترامب خطاباً شعبوياً مغلفاً بصبغة دينية مسيحية ونظرة عنصرية تضع الرجل الأبيض في مرتبة أعلى من الآخرين جميعاً، ويجد هذا الخطاب أذناً مصغية لدى عشرات الملايين من الشباب والرجال البيض المعادين للأقليات والمهاجرين، وهكذا فاز ترامب بالرئاسة (عام 2016) رغم أن جميع استطلاعات الرأي كانت تعطي التقدم لمنافسته هيلاري كلينتون.
فمن الدعم المطلق لحرية حيازة الأسلحة النارية، رغم حوادث إطلاق النار العشوائي اليومية، إلى التشكيك في إجراءات العزل لمكافحة فيروس كورونا إلى رفض الهجرة والمهاجرين وغيرها من السياسات الشعبوية، يجد ترامب دعماً مستمراً من عشرات الملايين من الأمريكيين البيض المسلحين، الذين يؤمنون بمزاعم “سرقة الانتخابات” وغير المستعدين لتكرار ذلك مرة أخرى.
بمعنى أنه إذا ترشح ترامب فعلاً وخسر الانتخابات مرة ثانية، فقد تواجه أمريكا أحداثاً أكثر فوضوية وعنفاً ودموية من أحداث اقتحام الكونغرس، بل وقد تصل الأمور إلى ما هو أخطر، بحسب تحذيرات وزارة الأمن الداخلي الأمريكية نفسها.
فقد حذَّر وزير الأمن الداخلي، أليخاندرو مايوركاس، من خطورة الانقسام السياسي في بلاده، وأن ذلك قد يؤدي إلى خروج الأمور عن السيطرة، مما يشير إلى وجود احتمال بأن الولايات المتحدة قد تواجه احتمالات “حرب أهلية”.
تحذيرات أليخاندرو مايوركاس، مساء الأربعاء 30 نوفمبر/تشرين الثاني، تزامنت مع إصدار وزارته نشرة دورية خاصة بالإرهاب الداخلي، هي السابعة منذ يناير/كانون الثاني 2021، خلصت إلى أن “الولايات المتحدة تواصل مواجهة بيئة تهديد خطيرة”، وأن “التوترات السياسية المرتفعة” في البلاد “يمكن أن تسهم” في احتشاد الأفراد للقيام بأعمال عنف.