أجزم أننى لست خبيراً إستراتيجياً حيث أن هذا التوصيف لا أرحب به كثيراً نظراً لأن الإعلام أطلقه على كل شخص يقوم بعمل مداخلات فى الفضائيات فى الموضوعات السياسية والعسكرية مع كل الإحترام الشديد لكل من يدلى بدلوه فى هذه الموضوعات، كما أجزم أننى لست خبيراً إقتصادياً متخصصاً فى تحليل الإوضاع الإقتصادية المحلية والإقليمية والدولية وهذا شرف لا أستحقه ، إلا أننى أجزم وبكل قوة أننى مواطن مصرى عادى يعشق تراب بلده العظيم حتى النخاع ويفتخر بإنتمائه إلى دولة ذات حضارة سبعة آلاف سنة وعاش فيها أياماً صعبة وأياماً طيبة وهذه هى سنة الحياة .
الملاحظة الأولى : أن مصر مثلها مثل أية دولة فى العالم يمكن أن تتعرض إلى أزمات سياسية أو إقتصادية أو أمنية أو غيرها من الأزمات وهذا يعد أمراً طبيعياً فى حياة الدول، إلا أن التاريخ القديم والحديث يؤكد على أن مصر تغلبت بل وقهرت كافة الصعاب والأزمات التى تعرضت لها، وهنا أشير إلى مثالين معاصرين فقط المثال الأول وهو حرب 73 المجيدة التى أعادت الكرامة العربية وأدت إلى تحرير سيناء كلها من الإحتلال الإسرائيلى عقب مرور ست سنوات فقط على نكسة 67، والمثال الثانى النجاح فى القضاء على الإرهاب الذى عانت منه مصر منذ عام 2011 ولعدة سنوات وهو أيضاً إنجاز غير مسبوق حيث لم يكن يتسنى لأى منا أن يعيش بسلام فى دولة كانت تشهد عمليات إرهابية متتالية، ولابد أن أذكر فى هذا المجال أن تكلفة مكافحة الإرهاب فى سنوات قليلة كلفت مصر أكثر من 400 مليار جنيه بالإضافة إلى آلاف الشهداء والمصابين .
الملاحظة الثانية : أن مصر بدأت منذ ثمان سنوات مرحلة جديدة تماماً من تحديث الدولة وتنفيذ مشروع تنمية ونهضة شاملة متكاملة فى جميع المجالات، ولايمكن لأحد أن ينكر الإنجازات التى تحققت لاسيما وأنها شملت جميع أنحاء الدولة من شمالها إلى جنوبها ومن شرقها إلى غربها وهو ما إستدعى تدبير نفقات كبيرة من أجل التحرك بنجاح فى هذا المسار التنموى الذى كان لابد منه ولابد أيضاً من إستكماله حتى تعود مصر إلى المكانة التى تستحقها .
الملاحظة الثالثة : أن لدينا بفضل الله قيادة سياسية وطنية تعمل ليل نهار وتسابق الزمن وتتحرك داخلياً وخارجياً وتحظى بإحترام العالم وتؤمن تماماً أن ظهيرها الرئيسى هو الشعب المصرى العظيم ولا تترك مناسبة إلا وتؤكد خلالها أن المواطن هو من تحمل فاتورة الإصلاح الإقتصادى وأن مسار التنمية مهما تكلف من نفقات سوف يصب فى النهاية فى صالح المواطن والوطن، ولابد لى أن أشير هنا إلى أن القيادة السياسية ركزت بقوة على مشروع التنمية وكانت واعية تماماً لعدم التورط فى أية عمليات أو مغامرات عسكرية كان يمكن أن تدخل البلاد فى دوامة لن تخرج منها .
الملاحظة الرابعة : أن الأوضاع التى مر بها العالم خلال العامين الماضيين سواء جائحة كورونا أو الحرب الروسية/ الأوكرانية كان لها العديد من التأثيرات السلبية على مستوى العالم كله ولم تنجو منها الدول الكبرى المتقدمة وتعانى منها حتى يومنا هذا ومن بينها ألمانيا وبريطانيا وفرنسا، وبالتالى فمن الطبيعى أن تتأثر مصر بهذه الأحداث ولاسيما فى الجانب الإقتصادى الذى نعتمد فى جزء كبير منه على العالم الخارجى، وهنا أود أن أؤكد على أن مصر لم تكن هى المسئولة عن هذه الأحداث بل كانت واحدة من الدول التى يمكن توصيفها – مجازاً – بأنها كانت أحد ضحايا هذه الأحداث .
الملاحظة الخامسة : أن الدولة المصرية لم تقف موقف المتفرج أو المراقب فى مواجهة هذه الأزمات ولكنها تحركت بقدر إستطاعتها وبشكل متسارع من أجل الحد من السلبيات المترتبة عليها من خلال تكثيف برامج الحماية الإجتماعية بكافة جوانبها سواء قامت بها الدولة بشكل رئيسى أو بمساعدة من التحالف الوطنى للعمل الأهلى التنموى أو من القطاع الخاص، ومن الضرورة أن أشير هنا إلى نجاح الدولة بإمتياز فى مواجهة جائحة كورونا وأرجو أن يكون هذا النجاح نموذجاً فى كيفية مواجهة الأزمات .
الملاحظة السادسة : أن لجوء مصر إلى الإقتراض من صندوق النقد الدولى لم يكن الخيار الأسهل للدولة المصرية ولكن كانت هناك ضرورة للسير فى هذا المجال من أجل دعم الإقتصاد وتنفيذ مشروع التنمية وإكتساب ثقة المجتمع الدولى والمستثمرين وتوجيه رسالة دولية للعالم أن مصر دولة مستقرة إقتصادياً، وفى هذا المجال من المهم التأكيد على أن مصر لم تتأخر يوماً عن الوفاء بإلتزاماتها وتسديد الديون فى توقيتاتها المحددة وهو الأمر الذى دفع الصندوق إلى التجاوب مع المتطلبات المصرية، ويجب ألا يغيب عن بالنا أن هناك دولاً كثيرة على مستوى العالم تقترض من الصندوق وبعضها أفضل إقتصادياً من مصر، كما أن مصر تعد أحد الدول المساهمة فى هذا الصندوق منذ إنشائه فى منتصف الأربعينيات وتتعامل معه منذ ثمانينات القرن الماضى .
الملاحظة السابعة : أنه من الطبيعى أن تكون هناك بعض المطالب من صندوق النقد الدولى من أجل التأكد من أن برامج الإصلاح الإقتصادى وبرامج الحماية الإجتماعية تسير فى مصرعلى قدم وساق، وأن يضمن الصندوق فى نفس الوقت قدرة الدولة المصرية على تسديد الديون وهو أمر طبيعى يتم مع جميع الدول التى تقترض منه، وهنا من المهم الإشارة إلى أن البيان الذى نشره الصندوق منذ عدة أيام أكد أن الإقتصاد المصرى سوف يشهد تحسناً ملحوظاً خلال الفترة المقبلة خاصة بالنسبة لإنخفاض معدل التضخم وزيادة معدلات التنمية .
الملاحظة الثامنة : أن مصر تحاول وتعمل وتجتهد بقدر الإمكان حتى تجد بعض الحلول من أجل أن تدعم إقتصادها سواء من خلال إكتشافات الغاز وأن تكون مركزاً إقليمياً للطاقة وزيادة صادراتها من الغاز، بالإضافة إلى محاولة دعم الصناعات الوطنية والصادرات بهدف توفير العملة الصعبة التى تدفعها الدولة لإستيراد العديد من السلع الأساسية .
الملاحظة التاسعة : أن الحكومة المصرية إدراكاً منها لطبيعة الأزمة الحالية أصدرت منذ يومين مجموعة من القرارات الهامة لترشيد الإنفاق العام من بينها بل وأبرزها تأجيل تنفيذ أية مشروعات لم يتم البدء فيها وتم رصد قيمة دولارية لها وكذا تأجيل الصرف على أية إحتياجات لا تحمل طبيعة الضرورة القصوى، وفى التقدير أن تكون هناك قرارات أخرى يمكن أن تتخذ فى هذا الشأن إذا ما إستدعت الضرورة ذلك .
الملاحظة العاشرة : أننا لايمكن أن نتحدث عن الدولة المصرية المستقرة فى إقليم مضطرب مثل منطقة الشرق الأوسط دون أن يكون لدينا جيش قوى مزود بأحدث الأسلحة وقادر على حماية الأمن القومى المصرى فى كل وقت فى الداخل والخارج وهو الأمر الذى نجحت القيادة السياسية فى إنجازه وأصبح الجيش المصرى مصنفاً فى ترتيب متقدم على مستوى العالم .
إذن نحن حالياً أمام أزمة شديدة الوضوح وذات أضلاع ثلاثة الضلع الأول يتمثل فى تلك الأزمات العالمية التى شهدناها مؤخراً ولازالت مرشحة للتصاعد فى المرحلة المقبلة، والضلع الثانى الدولة المصرية والجهود المضنية التى تبذلها من أجل مواجهة هذه الأزمات حتى وإن كانت غير كافية تماماً، أما الضلع الثالث فهو المواطن المصرى وتأثير هذه الأزمة على محاولاته لتوفير إحتياجاته الأساسية، وهنا أؤكد أن الدولة المصرية لم ولن تتهرب من مسئولياتها المنوطة بها وتفعل كل ما بوسعها لإرضاء المواطن فى ظل ظروف إستثنائية صعبة للغاية .
وبالتالى ففى ظل هذه الظروف لابد لى أن أشير إلى مجموعة من المتطلبات الرئيسية التى قد يكون من المناسب النظر فيها خلال المرحلة المقبلة من أجل تحجيم هذه التأثيرات المتصاعدة وذلك على النحو التالى : –
على مستوى الدولة
ضرورة مواصلة برامج الحماية الإجتماعية وزيادتها مهما تكلفت من نفقات حتى يتم توفير الإحتياجات الأساسية للمواطن بأقل الأسعار الممكنة أو حتى بصورة مجانية للفئات الأكثر إحتياجاً، وأعتقد أن الدولة ومؤسساتها قادرة على الوصول إلى كافة الأسر المصرية فى كل أنحاء مصر، ويمكن فى هذا المجال الإستعانة بالتحالف الوطنى للعمل الأهلى التنموى ومشروع حياة كريمة وكبار رجال الأعمال الذين أطالبهم بدور أكبر فى هذا الشأن .
أهمية قيام الدولة من فترة لأخرى بتوضيح كافة الأوضاع التى تمر بها حتى يكون المواطن المصرى على بينة مما يحدث ويصبح مطمئناً على حاضره ومستقبله وحتى يكون أيضاً على إستعداد لتحمل الصعاب، ولايجب أن ننسى هنا أن المواطن المصرى كان سبباً رئيسياً فى النجاح فى مواجهة الإرهاب وأيضاً فى تحمل آثار برامج الإصلاح الإقتصادى، ومن المؤكد أن المواطن المصرى سوف يدعم كل جهود ومطالب الدولة مادامت الأمور واضحة بالنسبة له، وسوف يكون ذلك تحصيناً له فى مواجهة الفضائيات الخارجية الهدامة والشائعات التى لا تنتهى، كما أن ذلك سوف يساهم فى مد جسور الثقة بين الدولة والمواطن وحتى لا يتشكك فى أى قرار تتخذه الدولة حتى لو كان فى مصلحته دون أن يحاول معرفة الحقيقة .
إمكانية القيام بعملية مراجعة للأولويات كل فترة حتى يمكن التحرك فى المجالات الأكثر أهمية وحيوية التى تحظى بالفعل بإهتمامات الدولة وخاصة فى مجال توطين الصناعة وجذب الإستثمارات الخارجية ودعم الإنتاج، وهنا لابد أن أشير إلى أن قرارات الحكومة الأخيرة بترشيد الإنفاق العام تسير فى هذا الإتجاه الصحيح، حيث أن الدولة يجب أن تكون هى القدوة للمواطن وأن يشعر أنها دائماً قريبه من همومه .
ضرورة قيام الجهات الرقابية المسئولة بتنفيذ كافة الإجراءات الحازمة والحاسمة من أجل ضبط الأسعار فى الأسواق حتى لو كانت إجراءات متشددة أو إستثنائية، فليس من المنطق أن تترك الدولة نفسها أو تترك المواطن فريسة لجشع بعض التجار الذين أعتبرهم خارجين عن القانون بل وأنهم ينتمون إلى تلك الجماعات التى تريد تخريب الدولة، كما يجب أن يطبق عليهم القانون بكل قوة وحسم.
يجب على الدولة ألا تترك المواطن فى مهب رياح متطلبات سوق العرض والطلب لأن الدولة تمثل فى النهاية الغطاء الآمن للمواطن، وأنا على يقين بأن الدولة سوف تتدخل فى كل توقيت تراه ضرورياً لهذا التدخل .
أهمية الإسراع خلال أقرب وقت ممكن فى بدء جلسات الحوار الوطنى الذى أنهى كل الإجراءات التنظيمية المتعلقة بترتيبات إنعقاده، مع الأخذ فى الإعتبار أن هذا الحوار سوف يبحث ضمن محاوره الثلاثة كافة القضايا الإقتصادية التى تهم الدولة والمواطن وقد تكون هناك بعض الأفكار المطروحة فى هذا الصدد التى قد تستفيد بها الدولة بل ويمكن أن تقوم بتنفيذها مادامت تصب فى الصالح العام .
على مستوى المواطن المصرى
أهمية أن يعلم المواطن المصرى أن الدولة تمر بأزمة إقتصادية أطاحت بإقتصاديات دول أوروبية متقدمة، وأن الدولة تحاول قدر إستطاعتها أن تتعامل بشكل إيجابى مع هذه الأزمة ولم تقصر يوماً فى أداء مسئوليتها .
ضرورة أن يظل المواطن واثقاً فى قيادته السياسية وداعماً لها ويؤمن أنها لا تألوا جهداً فى دفع الدولة إلى الأمام من خلال منظومة عمل متكاملة، وفى هذا الشأن فإن المواطن المصرى يعلم مدى وطنية الرئيس عبد الفتاح السيسى والتضحيات التى قدمها والجهود التى يبذلها سيادته، ولذا فإن آمال وطموحات ومطالب هذا المواطن سوف تظل مرتبطة إرتباطاً وثيقاً وفى كل وقت بشخص السيد/ الرئيس .
أهمية أن يؤمن المواطن أنه العنصر الرئيسى فى إستقرار الدولة وأن أية مظاهر توتر سوف تنهى كافة الإنجازات التى تحققت مؤخراً وتعيد الدولة إلى فترة سوداء عانى منها الجميع وسوف تكون وبالاً على حاضر ومستقبل الدولة كلها، كما أنه على المواطن أن يعلم أنه هو الظهير الرئيسى لقيادته السياسية التى تثق فيه وتراهن دائماً على وطنيته وصموده .
أهمية أن يبحث المواطن بكافة الوسائل المشروعة عن كيفية تدبير إحتياجاته الأساسية وأن يطالب الدولة بتوفيرها وهذا حق أصيل له دون أن يغضب منه أحد، ولكن فى نفس الوقت يجب على المواطن أن ينظر إلى الصورة بشكل متكامل ومدى ما تحقق من إنجازات حتى يكون تقييمه للأمور من كافة الجوانب وليس جانباً واحداً .
على مستوى الإعلام
ضرورة أن يكون الإعلام جزءاً من الحل وليس جزءاً من المشكلة ويجب أن يكون عاملاً مساعداً للدولة وليس عبئاً عليها حيث أن مهمته الرئيسية تتمثل فى جانب التوعية وشرح الأمور على حقيقتها دون تهويل أو تهوين، ويجب أن يبتعد عن بث جوانب التشاؤم والحديث عن الصورة السوداء للمستقبل .
أهمية أن يكتسب الإعلام ثقة المواطن من خلال تحليه بالشفافية والمصداقة فليس أمام المواطن سوى تلك البرامج الحوارية التى يرغب فى أن يتفهم منها طبيعة الأوضاع التى تمر بها بلاده، ويجب على الإعلام أن يعى أن المواطن المصرى إذا ما عزف عن متابعة قنواته المصرية سوف يتجه إلى قنوات أخرى من المؤكد أنها لن تهتم بأن توضح له الحقيقة كاملة أو أن تقدم له الحقيقة مشوهة ومغرضة .
أهمية إبتعاد الإعلام عن تناول الموضوعات التى يمكن أن تثير الرأى العام خاصة فى مثل هذه الظروف التى تتطلب أكبر قدر من الإستقرار الداخلى مثل مهاجمة بعض الرموز الدينية أو الخوض فى مسائل دينية دون علم وليس لها أى تأثير سوى إثارة الشارع الذى يلقى المسئولية فى النهاية على الدولة، كما أن الإعلام الرياضى المنتشر فى العديد من القنوات يجب أن يغير من توجهاته الحالية التى أعتبرها نوعاً من التحريض وتزيد من معدل التعصب الأعمى .
على مستوى الأحزاب
ضرورة أن يكون للأحزاب السياسية والقوى الوطنية دوراً فى التخفيف من حدة هذه الأزمة، ومع التقدير للتحركات والأنشطة التى تقوم بها هذه الأحزاب إلا أن المطلوب أن يكون دورها أكثر فاعلية حتى يشعر بها المواطن عن قرب وبشكل دائم وليس بشكل موسمى أو مؤقت .
الخلاصة
وفى ضوء كل ماسبق فإننى أتحدث عن عن أزمة إستثنائية مؤقتة تمر بها مصرنا الغالية والعزيزة والأبية وعلينا ألا نحولها إلى كارثة أو أن لها صفة الديمومة أو أنها نهاية العالم، ومن المؤكد أننا سوف نعبر بإذن الله هذه الأزمة بسلام ونجاح ولكن بشرط تضافر كافة الجهود التى تقوم بها الدولة ومؤسساتها ومواطنيها وقيام الجميع بأداء مسئولياته على أكمل وجه وكل على قدر إمكانياته، وسوف تظل هامة وقامة مصر التى يحفظها الله عز وجل مرفوعة بكل شموخ وعزة وكرامة ولن تنحنى إلا لله وحده، وفى النهاية فإن فالحضارة المصرية العريقة والدولة المصرية العظيمة كانت ولازالت وستظل بوتقة خير ينهل منها الجميع كما نهل منها من قبل .