وكالات
مع تعثر الهجوم الروسي على أوكرانيا في تحقيق انتصار كاسح، وتحول القتال إلى حرب استنزاف، بدأت إيران في إمداد روسيا بطائرات مسيرة، وهو ما كشفه للمرة الأولى مستشار الأمن القومي الأمريكي جيك سوليفان في يوليو/تموز 2022، ثم ظهرت تلك الطائرات في ساحة القتال للمرة الأولى في سبتمبر/أيلول الماضي، مما دفع كييف لسحب أوراق اعتماد السفير الإيراني.
وفي نوفمبر/تشرين الأول 2023، ناقش سكرتير الأمن القومي الروسي نيكولاي باتروشيف مع الأمين العام للمجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني علي شمخاني، خلال اجتماعهما في طهران، نقل صواريخ باليستية قصيرة المدى إلى روسيا لتعويض النقص في مخزونها الصاروخي.
في المقابل؛ طلبت إيران من روسيا مساعدتها في الحصول على مواد نووية إضافية لتسريع وتيرة مشروعها النووي، كما طلبت إمدادها بأسلحة متقدمة؛ مثل طائرات سوخوي 35، ومنظومة الدفاع الجوي S-400.
روسيا وإيران.. تنسيق سياسي وعسكري متصاعد
يواكب هذا التعاون العسكري زيارات متبادلة رفيعة المستوى، وتنسيق أكبر في المواقف السياسية، وهو ما برز خلال العام الماضي عبر زيارة الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي لموسكو في يناير/كانون ثاني، وزيارة بوتين لطهران في يوليو/تموز الماضي، ولقائه مع المرشد علي خامنئي الذي أعرب عن دعمه للموقف الروسي تجاه الغرب وحرب أوكرانيا.
تكشف تلك التطورات عن قفزة في مسار العلاقات الإيرانية الروسية تتموضع خلالها طهران في مربع موسكو ضد الغرب، وتمضي أكثر في سياسة التوجه نحو الشرق، نظراً لصعوبة وقوفها بشكل أحادي في مواجهة الضغوط الغربية، وفي ظل تلك المستجدات يتناول موقع أسباب المتخصص بالتحليلات السياسية والاستراتيجية، آفاق التعاون الإيراني الروسي، ومدى إمكانية تحوله إلى شراكة استراتيجية بين البلدين.
ما دوافع التعاون بين روسيا وإيران؟
تُعد إيران في المنظور الروسي لاعباً محورياً وفاعلاً أساسياً في ملفات الشرق الأوسط وجنوب القوقاز وبحر قزوين وأسيا الوسطى، وهي ملفات حيوية لموسكو، كما تمتلك طهران بموقعها الجغرافي الاستراتيجي أحد أكبر الاحتياطات العالمية من الغاز بنحو 18%، وتتحكم نسبياً في حركة الملاحة بمضيق هرمز الذي تمر عبره نحو 40% من إمدادات النفط عالمياً، كما لدى طهران مشروع إقليمي يصطدم مع مصالح الغرب وبالأخص الولايات المتحدة، وهو ما يصب في صالح روسيا.
في المقابل، يرى المنظرون الإيرانيون أن بلدهم عانى عبر تاريخه من مأزق جيوسياسي يتجلى في لعنة الجغرافيا وضعف قدرته على الدفاع عن حدوده الشاسعة التي تآكلت بمرور الوقت، وافتقادها إلى حليف استراتيجي من القوى العظمى؛ مما تركه فريسة لخصومه، وولّد شعوراً دائماً بانعدام الأمن، وذلك بعكس إسرائيل وتركيا على سبيل المثال، اللتين استندت عقيدتهما الخاصة بالأمن القومي إلى التحالف الاستراتيجي مع الولايات المتحدة للأولى، ومع حلف الناتو للثانية.
وقد عزز الانسحاب الأمريكي في عهد ترامب خلال عام 2018 من الاتفاق النووي عدم ثقة إيران في الغرب، ودفعها لترسيخ علاقاتها مع الشرق وبالأخص الصين وروسيا بهدف الخروج من العزلة الدولية، وتنمية حركة التجارة، والحصول على أسلحة وتكنولوجيا متطورة، فضلاً عن تعزيز العلاقة بعضوين دائمين في مجلس الأمن يمكن أن يستخدما حق النقض لعرقلة فرض عقوبات جديدة على إيران.
أولًا: الموقف من الغرب والعقوبات الدولية
تنظر إيران وروسيا للغرب نظرة متقاربة؛ حيث يرى “بوتين” أن الغرب لم يأخذ روسيا على محمل الجد عقب انهيار الاتحاد السوفييتي، ولم يحترم مصالحها، فوسع حلف الناتو شرقاً حتى أوشك على ضم أوكرانيا وجورجيا لصفوفه، كما وقف خلف الثورات الملونة في الجوار الروسي، ولم يحترم روسيا كقوة عظمى تحمل ثقافة أرثوذكسية محافظة، وترفض المنظومة الليبرالية الغربية وبالأخص في شقيها القيمي والثقافي.
بينما ترى إيران أنها وريثة حضارة فارسية عريقة، وتواجه تهديدات غربية تستهدف وجودها وهويتها عبر فرض عقوبات اقتصادية مشددة عليها، واستثارة الأقليات العرقية داخل أراضيها مما يهدد وحدتها، وصولاً إلى دعم المعارضة الإيرانية بهدف تغيير النظام الحاكم، فضلاً عن فرض القيم الثقافية الغربية كقيم عالمية، مما يهدد بتفكيك القوة الإيرانية الثقافية التي تجذب أتباع المذهب الشيعي حول العالم.
كذلك تعرضت إيران للعزل منذ عدة سنوات عن النظام المالي والمصرفي الدولي “نظام سويفت” بسبب العقوبات الدولية والأمريكية، وهو ما يؤثر على الوضع الاقتصادي والاجتماعي للمواطنين، وينعكس على تنامي المشاكل الداخلية وحالة السخط المجتمعي، ما يهدد استقرار وبقاء النظام الحاكم ذاته، وهو نفس السيناريو الذي بدأت موسكو تتعرض له إثر العقوبات الغربية المفروضة عليها عقب شنها الحرب على أوكرانيا.
وهذا ما يدفع البلدين لتعزيز التعاون الاقتصادي والتجاري بينهما لمواجهة تداعيات العقوبات المفروضة عليهما، والعمل على تطوير آليات بديلة غير خاضعة للهيمنة الغربية، وهو أمر تهتم به الصين أيضاً.
ثانياً: الرؤية الروسية والإيرانية تجاه الملف الأفغاني
تتشارك موسكو وطهران الرؤية تجاه الملف الأفغاني؛ إذ تتخوفان من تداعيات انفراد طالبان بالسيطرة على الحكم.
فبالرغم أن موسكو لا تملك حدوداً مباشرة مع أفغانستان إلا أنها تخشى من انبعاث صحوة دينية تدفع باتجاه تنامي قوة الجماعات الإسلامية المسلحة في شمال القوقاز وآسيا الوسطى انطلاقاً من أفغانستان، ولذا تتشارك مع إيران وآخرين العمل ضمن المقر الرئيسي لمكافحة الإرهاب التابع لمنظمة شنغهاي والخاص بتبادل المعلومات عن الجهات التي تمثل تهديداً لأمن المنطقة، كما تحتفظ بقوات روسية تحرس الحدود الطاجيكية الأفغانية.
من جهتها، تتوجس إيران من أن تعزز الجماعات السنية البلوشية قواعدها الخلفية في أفغانستان للعمل داخل بلوشستان بإيران، فضلاً عن تمدد نشاط داعش للعمل داخل إيران، وهو ما ظهرت دلائل عليه في الهجوم على زوار ضريح “شاه جِراغ” في مدينة شيراز بمحافظة فارس في 26 أكتوبر/تشرين أول 2022، مما أسفر عن مقتل 14 شخصاً وإصابة العشرات، فضلاً عن الهجمات المتواصلة ضد تجمعات الشيعة الهزارة في أفغانستان.
وبالمقابل، تملك إيران عدة أدوات في الملف الأفغاني من أبرزها استضافتها لأبرز قادة المعارضة لطالبان مثل إسماعيل خان، ووجود ما يزيد على مليون ونصف المليون لاجئ أفغاني على أراضيها، فضلاً عن علاقاتها الوثيقة مع القادة الأفغان من ذوي الأصول الطاجيكية والأوزبكية منذ أن كانت تقدم لهم دعماً عسكرياً برعاية روسية خلال حقبة الحكم الأولى لطالبان (1996-2001).
ثالثاً: رفض توسع الناتو
ترفض موسكو وطهران توسع حلف الناتو شرقاً، فروسيا اعتبرت أن طلب كييف الانضمام للناتو يمثل تهديداً مباشراً لأمنها القومي، وكان هذا أحد دوافع شنها الحرب على أوكرانيا، بينما تتخوف إيران من امتداد الناتو إلى جورجيا وحدود أذربيجان في جنوب القوقاز؛ مما سيضيف جبهة تطويق جديدة إلى جبهة الخليج الذي تعتزم واشنطن بناء منظومة دفاع صاروخي متكامل به، وجبهة أفغانستان تحت حكم طالبان.
رابعا: الموقف من ثورات الربيع والثورة السورية
تشابه موقف إيران وروسيا من ثورات الربيع العربي، حيث نظرا لها باعتبارها مؤامرات غربية تهدف لإعادة تشكيل المنطقة بشكل يضعف نفوذهما ويسعى لطرد موسكو من شرق البحر المتوسط وإيران من الشام، وهو ما أشعله تدخل الناتو في ليبيا لدعم الثوار ضد القذافي المقرب من روسيا، ومطالبة واشنطن وحلفائها الأوربيين لبشار الأسد بالرحيل.
ويمكن القول بأن الملف السوري هو الذي دفع طهران وموسكو للعمل معاً بشكل وثيق غير مسبوق خلال العقود الثلاثة الأخيرة، ثم جاءت حرب أوكرانيا لترفع العلاقات الثنائية من المستوى الإقليمي إلى المستوى العالمي، ولكن؛ هل يعني هذا أن إيران وروسيا يسيران على طريق بناء شراكة استراتيجية؟
لكن لماذا يعتبر التقارب الروسي الإيراني تقارباً تكتيكياً وليس استراتيجياً؟
يقول موقع أسباب إنه توجد عدة سمات تحدد مدى وجود شراكة استراتيجية بين بلدين، من أبرزها: عدم وجود قضايا خلافية خطيرة بينهما، ووجود درجة مرتفعة من الثقة المتبادلة، واحترام كل طرف لمصالح الآخر، والتنسيق الوثيق في رسم السياسات الخارجية، ووجود تعاون اقتصادي واسع، ومشاركة قيم مشتركة بين نظامي الحكم، ووجود علاقة عميقة وطويلة الأمد لا تتأثر بتغير القادة.
وعند تطبيق تلك المعايير على العلاقات الإيرانية الروسية سنجد أن العديد منها غير متحقق؛ فلكل منهما مصالحه وسياساته المستقلة، وتصوره المختلف للتهديدات، وقيمه الخاصة التي ينبثق منها نظامه السياسي والاجتماعي، فضلاً عن رصيد ممتد من الصراع التاريخي بين الإمبراطوريتين الفارسية والروسية عبر قرون، وهو ما خلف نفوراً شعبياً متبادلاً محملاً بصراعات الماضي والاختلافات الدينية والثقافية والحضارية بين الشعبين.
وتشير المؤشرات التالية إلى معوقات تطور العلاقة بين إيران وروسيا إلى مرحلة الشراكة الاستراتيجية:
أولا: رصيد تاريخي من الخلافات وعدم الثقة
احتلت روسيا أجزاء من شمال إيران في أربعينات القرن المنصرم، ودعمت العراق في حربه ضد إيران (1980-1988)، واتفقت سراً مع واشنطن في عام 1995 عبر رئيس الوزراء الروسي فيكتور تشيرنوميردين على تجميد التعاون العسكري والتقني الروسي مع طهران، وهو ما استمر إلى عام 2000، وكذلك دعمت موسكو في عهد فلاديمير بوتين نحو 6 مرات فرض مجلس الأمن لعقوبات على إيران بخصوص الملف النووي، كما فرضت روسيا في عهد ميدفيديف حظر أسلحة كامل على إيران تماشياً مع الموقف الدولي، فيما توجد خلافات بين البلدين في ملف ترسيم حدود بحر قزوين.
ثانياً: تعارض العلاقات مع دول الخليج
تحرص روسيا على تعزيز وتطوير العلاقات مع دول مجلس التعاون الخليجي وفي مقدمتها السعودية، بينما في المقابل تتصادم المصالح الإيرانية مع المصالح الخليجية، وسيؤثر التحالف الاستراتيجي بين إيران وروسيا حال حدوثه على علاقات موسكو مع دول الخليج، وهو ما سيضر المصالح الروسية في ملفات عديدة مثل ملف إدارة سوق النفط والذي تنسق فيه مع الرياض عبر أوبك بلاس، فضلاً عن حرمان موسكو من استثمارات دول الخليج الثرية.
كما قد يؤدي مثل هذا التحالف إلى استثارة المجتمعات المسلمة داخل روسيا وفي جوارها في حال النظر له على أنه تحالف أرثوذكسي شيعي يستهدف العالم السني.
ثالثاً: تناقض العلاقات مع “إسرائيل” والخلاف حول مستقبل سوريا
في حين تقيم روسيا علاقات جيدة مع إسرائيل، فإن إيران تناصبها العداء، وبالتالي فإن أي دعم روسي بعتاد عسكري متطور لإيران سيؤثر على علاقاتها مع تل أبيب، وهو احتراز دفع موسكو سابقاً بعد لقاء بين “ميدفيدف” و”أوباما” في عام 2010 إلى تجميد صفقة بيع منظومة S300 إلى طهران لعدة سنوات مما ولّد شكاً لدى إيران تجاه جدوى الاعتماد على موسكو كحليف موثوق.
في المقابل، تحرص “إسرائيل” على بقاء العلاقات موسكو؛ إذ رفضت تل أبيب تزويد أوكرانيا بعتاد عسكري ألحت في طلبه مثل منظومة القبة الحديدية الخاصة بالدفاع الصاروخي، وذلك رغم الضغوط الكبيرة التي يمارسها الرئيس الأوكراني اليهودي الديانة “فولوديمير زيلنسكي”؛ ولذا تحرص موسكو على عدم توتر علاقتها مع تل أبيب.
كذلك تختلف رؤية إيران وروسيا الاستراتيجية لمستقبل سوريا؛ فبينما يدعم كل منهما نظام بشار الأسد، تميل موسكو إلى دولة علمانية تحافظ على المصالح الروسية بسوريا، والتي لا ترتبط بالضرورة ببقاء شخص بشار الأسد، في ظل وجود قواعدها البحرية والجوية في سوريا، والتي تكفل لها حرية الحركة في البحر الأبيض المتوسط وتهديد أوروبا من سواحلها الجنوبية.
ينما تعتبر طهران أن بقاء الأسد في السلطة ضروري للحفاظ على سيطرتها على الطريق البري الواصل من إيران إلى لبنان عبر العراق وسوريا، وتعزيز ما تطلق عليه محور المقاومة، أي أنها لا تقبل إلا بسوريا متماهية أيديولوجياً مع طهران كي تظل حلقة وصل جوهرية في هذا المحور، وإلا سيتعرض نفوذ إيران في الشرق الأوسط للتهديد.
ينعكس الخلاف بين البلدين في الملف السوري على سماح روسيا لإسرائيل باستهداف التواجد الإيراني بسوريا دون أي تدخل من منظومات الدفاع الجوي الروسية، بل وبتنسيق كامل بين لجنة الاتصال العسكرية الروسية الإسرائيلية المعنية بالشأن السوري.
وضمن هذا السياق نجد أن تل أبيب قتلت في مارس/آذار الماضي العقيدين بالحرس الثوري إحسان كربلائي ومرتضى نجاد في قصف قرب دمشق، ثم قتلت في أغسطس/آب العميد بالحرس الثوري “أبو الفضل عليجاني” خلال عمله كمستشار عسكري في سوريا، فيما تواصل غاراتها بشكل مكثف على قوافل إيرانية ومواقع لتخزين وتطوير الصواريخ الدقيقة داخل سوريا، بينما استجابت روسيا للمطالب الإسرائيلية بإبعاد الإيرانيين عن المناطق الجنوبية المتاخمة للجولان.
رابعا: التنافس الروسي الإيراني في ملف الطاقة
تتنافس إيران وروسيا في قطاع الطاقة، وبالتحديد تصدير النفط والغاز، فيما تستغل الشركات الروسية والصينية العقوبات الدولية على إيران، لإجبار طهران على قبول المقايضة بسلع منخفضة الجودة، وهو ما أدى إلى وجود تحفز شعبي تجاه موسكو وبكين باعتبارهما يستغلان موقف إيران التفاوضي الضعيف.
وفي المحصلة؛ فإن وجود علاقات سياسية قوية أو تعاون عسكري أو مواقف متطابقة بين البلدين بشأن بعض القضايا الدولية أو بروز تنسيق في بعض ملفات السياسة الخارجية لا يمكن تصنيفه ضمن بند الشراكة الاستراتيجية نظراً لغياب التخطيط المشترك للتعامل مع التحديات، وإنما يمكن إدراجه ضمن الشراكة الحذرة، والتعاون الثنائي.
وسبق أن لخّص “نعمت الله إزادي” آخر سفير لإيران لدى الاتحاد السوفييتي وأول سفير لدى روسيا، طبيعة العلاقة بين البلدين قائلاً: “لا يمكن أن تكون لدينا علاقات استراتيجية، ففي بعض المناطق أهدافنا متضاربة، ومع ذلك يمكن أن نبني علاقات جيدة على أعلى مستوى”.
ما آفاق مستقبل العلاقات الروسية الإيرانية؟
تفسر المقاربات القائمة على مواجهة التهديدات المشتركة تطور العلاقات الإيرانية الروسية رغم العوامل التاريخية وأوجه الخلافات بين البلدين، وفي ظل التهديدات المشتركة يتوقع أن يزداد التعاون بين البلدين بما يخدم مصالح كل منهما، ومن ثم فإن التطور الحالي الذي مازال يتخذ طابعاً تكتيكياً ليس من المستبعد أن يتطور إلى مستويات استراتيجية.
حيث تستهدف طهران من تعزيز العمل مع موسكو التغلب على القيود والتهديدات التي تعيق عملها كقوة إقليمية في الشرق الأوسط وجنوب القوقاز وأسيا الوسطى، بينما تحتاج موسكو إلى شركاء إقليميين أقوياء للتغلب على الحصار الذي يسعى الغرب لفرضه عليها، كما يشترك الطرفان في السعي لبناء نظام دولي متعدد الأقطاب وتغيير النظام الدولي الحالي الذي ينظران إليه كأداة يوظفها الغرب لتحقيق مصالحه وفرض قيمه.
وأصبحت الحرب في أوكرانيا والمواجهة مع الغرب معركة وجودية، تحشد لها موسكو جل مواردها، وهو ما دفعها إلى سحب بعض قواتها وعتادها من الأراضي السورية وتوجيهه نحو أوكرانيا، ذلك الوضع قد يعزز من التنسيق الروسي والإيراني في سوريا، بحيث تملأ القوات الموالية لإيران فراغ الانسحاب الروسي، وقد حدث ذلك بالفعل بشكل محدود حتى الآن في مستودعات مهين الاستراتيجية شرق حمص التي تقع على خط الإمداد بين إيران وحزب الله اللبناني مروراً بالعراق، فضلاً عن تعزيز التواجد الإيراني في الحسكة والمناطق القريبة من سيطرة المليشيات الكردية في شرق سوريا بهدف الضغط على القوات الأمريكية ودفعها للانسحاب من سوريا.
أخيراً، يتوقع أن يساهم انضمام إيران مؤخراً لمنظمة شنغهاي للتعاون، في تعزيز التكامل الإقليمي بين الدول الأعضاء، مما يقدم لطهران وموسكو منصة للعلاقات التجارية والاقتصادية تمكنهما من الالتفاف على العقوبات الغربية المفروضة عليهما، ويعضد توجههما المشترك لاستخدام العملات الوطنية في المعاملات التجارية البينية بدلاً من الدولار.
وكذلك يمكن لإيران أن تساعد روسيا في الالتفاف على العقوبات الغربية عبر خبرتها في هذا الملف، فالمستوى المتقدم من العلاقات الاقتصادية والتجارية يعزز الثقة ويسهل التفاهم المتبادل بين البلدين على الرغم من الحواجز الأيديولوجية.
ورغم ما سبق، ففي حال الوصول لتفاهم روسي مع الغرب بخصوص أوكرانيا، أو تفاهم بين إيران والغرب في الملف النووي، سينعكس هذا سلباً على تطور العلاقات بين البلدين؛ إذ سيوظف كل منهما علاقته مع الآخر كورقة للمساومة مع الغرب، وهو نهج سبق أن اتبعه كلاهما خلال مراحل الانفراج بينهما وبين الدول الغربية، فالعلاقات بين البلدين لا تستند إلى رؤية استراتيجية متكاملة وتعاون مؤسسي ثنائي واتفاقيات وترتيبات محددة، إنما هو أمر لحظي يرتبط عادة بالمصالح الذاتية لكل منهما، وطبيعة علاقات كل منهما بالغرب.