صحيفة الجارديان – وكالات:
يريد الرئيس الأمريكي السابق، دونالد ترامب، أن يبدو في هيئة الضحية عند المثول أمام المحكمة، في حال متابعته بقضية دفع أموال للممثلة الإباحية ستورمي دانيلز من أجل التكتم على علاقته بها، وقال لمستشاريه إنه يريد الذهاب إلى المحكمة مقيَّد اليدين إذا استُدعي للمثول أمامها.
صحيفة الجارديان البريطانية كشفت الأربعاء، 22 مارس 2023، أن ترامب قال لمقربيه إنه إذا اضطر للذهاب إلى قاعة المحكمة وتسليم نفسه للسلطات لأخذ بصماته وصورة الاشتباه الجنائية، فإنه قد يستخدم كل ذلك لتحويل الأمر إلى “عرض كبير” يخدم مصالحه، وفق ما كشفته مصادر مقربة من الرئيس السابق.
كما أضافت الصحيفة أنه يبدو أن حِرص دونالد ترامب المتزايد على الظهور مقيَّد اليدين عند مثوله أمام المحكمة يَصدُر عن دوافع مختلفة، منها التعبير عن تحديه لما يراه محاكمةً ظالمة له، واستثارة مناصريه ضمن حملة الترشح لانتخابات 2024 الرئاسية.
لكن المصادر أشارت إلى أن أبرز محرك لديه لفعل ذلك هو قلقه الشديد من أن اختصاصه بترتيبات معينة – من قبيل المثول أمام المحكمة عن طريق الفيديو أو انتقاله خفيةً إليها – قد يجعله يبدو ضعيفاً أو عاجزاً عن مواجهة ما يتعرض له.
تشير تلك التسريبات إلى بعضٍ من مخاوف دونالد ترامب ودوافع قلقه، في وقت يبدو فيه أن هيئة المحلفين، التي ستنعقد الأربعاء 22 مارس، ستعود للنظر في لائحة اتهامه بالقضية.
كان فريق ترامب القانوني قد مال إلى عدم ذهابه إلى المحكمة بنفسه، وأوصوا بالسماح له بتسليم نفسه إلى السلطات الأسبوع المقبل، وتحديد موعد للمثول أمام المحكمة عن بُعد، حتى إنهم استشهدوا بتقارير من قوات الخدمة السرية (المكلفة بحماية الرؤساء الأمريكيين) بشأن مخاوف أمنية محتملة.
لكن دونالد ترامب رفض هذا الرأي، وأخبر مقربين منه هذا الأسبوع بأنه لا يكترث حتى لو وصل الأمر إلى إطلاق النار عليه، لأن ذلك لو حدث فسيجعله “شهيداً” في أعين الناس. وقالت المصادر إنه يرى أنه لو أصيب بالرصاص فإنه سيصبح أقرب إلى الفوز بالرئاسة في انتخابات عام 2024.
دونالد ترامب قد لا يكون جاداً
مع ذلك، زعمت المصادر أن المقربين من ترامب غير متيقنين بشأن ما إذا كان جاداً في رغبة التعرض لتقييد يديه والانتقال مكبلاً إلى المحكمة، لكنهم يرون أن هذه الرغبة المفترضة قد يُحبطها المدعي العام، ألفين براغ، إذا قرر عدم تقييد الرئيس السابق، ورفض السماح بسيره مكبلاً أمام الكاميرات.
لا يعرف مستشارو ترامب أيضاً ما إذا كان يدرك حقاً فداحة المشكلات القانونية التي قد يتعرض لها إذا ثبتت لائحة الاتهام، لأنه بدا لهم منفصلاً في بعض الأحيان عن الأحداث الأخيرة بشأن التحقيق.
حيث قالت المصادر إن ترامب لم يناقش القضية عموماً في آخر الأيام إلا أثناء استراحته بين وجبتي الغداء والعشاء في منتجع مارالاغو، وخلال جولاته المعتادة للعب الجولف.
واستقر دونالد ترامب في النهاية على بعض الخطط للتعامل مع القضية، وبدا أكثر تركيزاً على الظهور في صورة من يتحدى الادعاء علناً، وأنه لا يكترث بما يتعرض له من اتهامات قد ينتهي التحقيق فيها إلى إدانته بارتكاب جريمة جنائية.
فيما لا تزال الاتهامات التي سيُوجهها المدعي العام لترامب غير واضحة بعد، لكن بعض أعضاء فريقه القانوني يرجحون أن تكون تهمته الأساسية هي تزوير السجلات التجارية، إلى جانب الاحتيال الضريبي.
كما لفتت المصادر إلى أن دونالد ترامب مهتم بتسخير مسألة الاتهام في خدمة حملته الرئاسية، ويراهن على استغلالها لاستثارة غضب قاعدة مناصريه، وإجبار مسؤولي الحزب الجمهوري على الدفاع عنه، في وجه المحاكمة الموصوفة بأنها ذات دوافع سياسية.
أما القضية الجديدة فهي أن كوهين هو الذي دفع مبلغ 130 ألف دولار لعشيقة ترامب العابرة مقابل التوقيع على عقد بعدم الإفصاح عن تفاصيل العلاقة لأقل من سنة، وكانت خلال تقديم ترامب لأحد برامجه التليفزيونية، وكانت ضيفة بإحدى الحلقات.
مسألة أن ترامب دفع لها عن طريق محاميه لتسكت ليس مخالفًا للقانون، كما أنه أنكر أنه أقام علاقة معها أثناء حملته الانتخابية السابقة، لكن ما فعله كوهين هو مضاعفة المبلغ، وأرسل به فواتير شهرية كأتعاب محاماة، تم استخدام أموال حملة انتخابية غير مدفوعة الضرائب لتسديدها، وبعلم ترامب وبتسجيلات صوتية معه قدمها كوهين للادعاء!
كما أظهرت التحقيقات أن ترامب دفع مبلغًا مماثلًا عن طريق محاميه كوهين، الذي انقلب عليه، لامرأة أخرى، اسمها كارين ماكدوجال، كانت فتاة غلاف لمجلة الصور العارية الأمريكية بلاي بوي. وتم التحايل على سكوتها بدفع مبلغ مضاعف لمجلة فنية اشترت القصة حصريًا من كارين عن علاقتها بترامب، مقابل ألا تفصح عنها لأحد!
الجانب الأخلاقي الذي لم يهتم به كثيرون في حملة ترامب الناجحة والسابقة، ربما غطى عليه أنه كان ضد هيلاري كلينتون، التي سبق لزوجها الرئيس الأسبق بيل كلينتون الخوض في وحل آخر بفضيحته وهو في الرئاسة مع المتدربة مونيكا لوينسكي.
لكن هذه المرة، سارع منافسه المتوقع على ترشيح الحزب الجمهوري للرئاسة المقبلة رون ديسانتيس بالتلميح لهذا التدني بقوله إنه غير مستعد للتعليق على قصة ممثلة جنس أسكتوها بالمال، ولم يتأخر حاكم فلوريدا رغم ذلك شأن باقي الجمهوريين، عن اتهام المدعي المحلي في نيويورك بتسييس القضية بناءً على انتماءات حزبية.
موقف المحكمة الدستورية من الحصانة
لو حُكم على ترامب في واحدة من أربع قضايا ضده، بدءًا بقضية نيويورك الحالية، فلن يبقى حرًا أو بصحيفة بيضاء للترشح في انتخابات العام المقبل، وربما لتوقعه خطورة موقفه القانوني في تلك القضايا، بعد زوال حصانته الرئاسية، سارع منذ العام الماضي، وقبل أي مرشح آخر، بإعلان نيته الترشح للرئاسة، حتى يتهم كل محكمة أو ادعاء، سواء على المستوى الفيدرالي بالدولة أو المحلي بالولاية، أنه اتهام مسيس ومدفوع حزبيًا.
لكن حتى وهو رئيس للولايات المتحدة، لم يتمكن ترامب بكل حصانته من حجب أوراق تقاريره الضريبية من الوصول للمحققين في مخالفات شركاته، وهي السجلات التي تستند إليها الآن قضية نيويورك.
فقد لجأ محامو ترامب وهو في الرئاسة إلى عرض الأمر على المحكمة الدستورية لتمنع الاطلاع على إقراراته الضريبية أمام محققي المحاكم المحلية باعتباره رئيسًا، لكن المحكمة بأغلبية سبعة قضاة مقابل اثنين، رفضت طلب محاميّ ترامب. وكتب رئيس المحكمة العليا جون روبرتس يقول:
“منذ مئتي سنة، حكم قضاة عظام في محكمتنا هذه بأنه لا يوجد مواطن، ولو كان حتى رئيسًا للجمهورية، من يحسب نفسه أعلى من الالتزام بالواجب المشترك بتقديم أي أدلة تتطلبها العدالة في إجراءات جنائية”.
كان من بين القضاة الذين رجحوا الغالبية وحرموا ترامب وهو في البيت الأبيض من حصانة أوراقه المحلية، ثلاثة اختارهم ترامب نفسه للمنصب باعتبارهم محافظين. لكن منصبهم مدى الحياة زادهم صلابة في الوقوف مع قواعد دستورية ومؤسسات يحاول ترامب تقويضها، دون جدوى!