بقلم: حافظ الميرازي

كعادته، حين يدرك الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب أنه سيخسر وأن القانون لم يعد في صالحه، يتخلى عنه مناديًا على أنصاره للخروج للتظاهر، على أمل عرقلة سير العدالة وتعطيل القواعد الدستورية.

فعلها ترامب، قبل هذه المرة، في السادس من يناير/كانون الثاني 2021 أي قبل أسبوعين من الموعد الدستوري الذي سيسلم فيه السلطة للفائز في انتخابات الرئاسة جو بايدن. دعا ترامب كل أنصاره يومها للتجمع في واشنطن وخطب فيهم ليتوجهوا بعدها إلى مبنى الكونجرس ويقتحمونه، لمنع التصديق على نتائج الانتخابات.

هذا ما تنظره حاليًا محكمة بالعاصمة واشنطن، وإذا ثبت انه المحرض بالفعل على تعطيل عمل الكونجرس وقواعد الدستور، في أحداث أدت إلى قتلى ومصابين وترويع من كانوا داخل الكونجرس، فسيدخل الرجل السجن بعد أن انتهت حصانته الرئاسية.

كما تنظر محكمة أخرى في أتلانتا بولاية جورجيا ما إذا كانت ستتهمه رسميًا بالتحايل والابتزاز لتغيير نتيجة انتخابات الولاية، بالاتصال بمسؤولي الولاية للتأثير عليهم حتى يجدوا بضعة آلاف من الأصوات ترجح كفته في جورجيا على منافسه المتقدم.

ترامب وشبح السجن في نيويورك

مع بداية هذا الأسبوع، كتب ترامب يستغيث مرة أخرى بأنصاره ويدعوهم للتظاهر والاحتجاج بدعوى أن المدعي المحلي بدائرة مانهاتن في نيويورك سيوجه اتهامات له بعد أيام وسيقبضون عليه، وقال إنه قضاء “مسيس وحزبي” ويتعقبه باعتباره مرشحًا رئاسيًا.

ورغم مرور موعد الثلاثاء الذي حدده ترامب لاتهامهم له دون أحداث، كما روج بنفسه دون دليل مستنفرًا اتباعه، فإن مسؤولي الأمن في نيويورك وواشنطن، زادوا الإجراءات الأمنية تحسبًا لأي أحداث شغب مثلما حدث في الكونجرس. خصوصًا أن الاتهام الرسمي ضد ترامب قادم لا محالة، بغض النظر عما إذا كان سيُتهم بجنحة أو جناية، وهل سيتطلب الأمر أكثر من إهانته بتسليم نفسه أولًا كمتهم لأخذ بصماته وصوره “فيش وتشبيه” قبل عودته لمنزله في انتظار المحاكمة!

التهمة المنتظرة فيها جانب أخلاقي لم يهتم به ترامب، واكتفى بالتكذيب في حملته الانتخابية السابقة التي فاز فيها بالرئاسة، وجانب آخر قانوني يمكن أن يكون خطيرًا، بتهمة تزوير أوراق شركة والتلاعب بأموال معفية من الضرائب باعتبارها تكاليف محاماة في حملة انتخابية، بينما استُخدمت هذه الأموال في مقايضة لشراء صمت ممثلة أفلام جنس اسمها استورمي دانييلز حتى لا تحكي في سنة انتخاباته 2016 عن العلاقة الجنسية التي تمت بينهما قبل عشر سنوات، حين كان عمرها 27 سنة وعمره 60، وكانت زوجته الحالية وضعت لتوها ابنها الوحيد منه.

أما القضية الجديدة فهي أن كوهين هو الذي دفع مبلغ 130 ألف دولار لعشيقة ترامب العابرة مقابل التوقيع على عقد بعدم الإفصاح

الشاهد الرئيسي للادعاء في القضية كان محامي ترامب ومخلِّص تعاملاته الخفية، واسمه مايكل كوهين. أنهى كوهين سنة ونصفًا من الحبس المنزلي كعقوبة مخففة للغاية في صفقة مع الادعاء بولاية نيويورك، مقابل الاعتراف بالتحايل الضريبي والتلاعب بالأموال في قضيتين ضد شركتين لدونالد ترامب في نيويورك.

أما القضية الجديدة فهي أن كوهين هو الذي دفع مبلغ 130 ألف دولار لعشيقة ترامب العابرة مقابل التوقيع على عقد بعدم الإفصاح عن تفاصيل العلاقة لأقل من سنة، وكانت خلال تقديم ترامب لأحد برامجه التليفزيونية، وكانت ضيفة بإحدى الحلقات.

مسألة أن ترامب دفع لها عن طريق محاميه لتسكت ليس مخالفًا للقانون. كما أنه أنكر أنه أقام علاقة معها أثناء حملته الانتخابية السابقة. لكن ما فعله كوهين هو مضاعفة المبلغ، وأرسل به فواتير شهرية كأتعاب محاماة، تم استخدام أموال حملة انتخابية غير مدفوعة الضرائب لتسديدها، وبعلم ترامب وبتسجيلات صوتية معه قدمها كوهين للادعاء!

كما أظهرت التحقيقات أن ترامب دفع مبلغًا مماثلًا عن طريق محاميه كوهين، الذي انقلب عليه، لامرأة أخرى، اسمها كارين ماكدوجال، كانت فتاة غلاف لمجلة الصور العارية الأمريكية بلاي بوي. وتم التحايل على سكوتها بدفع مبلغ مضاعف لمجلة فنية اشترت القصة حصريًا من كارين عن علاقتها بترامب، مقابل ألا تفصح عنها لأحد!

الجانب الأخلاقي الذي لم يهتم به كثيرون في حملة ترامب الناجحة والسابقة، ربما غطى عليه أنه كان ضد هيلاري كلينتون، التي سبق لزوجها الرئيس الأسبق بيل كلينتون الخوض في وحل آخر بفضيحته وهو في الرئاسة مع المتدربة مونيكا لوينسكي.

لكن هذه المرة، سارع منافسه المتوقع على ترشيح الحزب الجمهوري للرئاسة المقبلة رون ديسانتيس بالتلميح لهذا التدني بقوله إنه غير مستعد للتعليق على قصة ممثلة جنس أسكتوها بالمال. ولم يتأخر حاكم فلوريدا رغم ذلك شأن باقي الجمهوريين، عن اتهام المدعي المحلي في نيويورك بتسييس القضية بناءً على انتماءات حزبية.

موقف المحكمة الدستورية من الحصانة

لو حُكم على ترامب في واحدة من أربع قضايا ضده، بدءًا بقضية نيويورك الحالية، فلن يبقى حرًا أو بصحيفة بيضاء للترشح في انتخابات العام المقبل. وربما لتوقعه خطورة موقفه القانوني في تلك القضايا، بعد زوال حصانته الرئاسية، سارع منذ العام الماضي، وقبل أي مرشح آخر، بإعلان نيته الترشح للرئاسة، حتى يتهم كل محكمة أو ادعاء، سواء على المستوى الفيدرالي بالدولة أو المحلي بالولاية، أنه اتهام مسيس ومدفوع حزبيًا.

لكن حتى وهو رئيس للولايات المتحدة، لم يتمكن ترامب بكل حصانته من حجب أوراق تقاريره الضريبية من الوصول للمحققين في مخالفات شركاته، وهي السجلات التي تستند إليها الآن قضية نيويورك.

فقد لجأ محامو ترامب وهو في الرئاسة إلى عرض الأمر على المحكمة الدستورية لتمنع الاطلاع على إقراراته الضريبية أمام محققي المحاكم المحلية باعتباره رئيسًا، لكن المحكمة بأغلبية سبعة قضاة مقابل اثنين، رفضت طلب محاميّ ترامب. وكتب رئيس المحكمة العليا جون روبرتس يقول:

“منذ مئتي سنة، حكم قضاة عظام في محكمتنا هذه بأنه لا يوجد مواطن، ولو كان حتى رئيسًا للجمهورية، من يحسب نفسه أعلى من الالتزام بالواجب المشترك بتقديم أي أدلة تتطلبها العدالة في إجراءات جنائية”.

كان من بين القضاة الذين رجحوا الغالبية وحرموا ترامب وهو في البيت الأبيض من حصانة أوراقه المحلية، ثلاثة اختارهم ترامب نفسه للمنصب باعتبارهم محافظين. لكن منصبهم مدى الحياة زادهم صلابة في الوقوف مع قواعد دستورية ومؤسسات يحاول ترامب تقويضها، دون جدوى!

 

منقول عن موقع المنصة

 

 

 

 

 

 

 

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

Exit mobile version