وكالات
أعلنت الحكومة البرازيلية يوم الأربعاء 29 مارس/آذار 2023، عن اتفاق مع الصين حول إجراء العمليات التجارية البينية بعملاتهما المحلية والتوقف عن استخدام الدولار كعملة وسيطة بين الصين والبرازيل (تجاوزت قيمة هذه العمليات 150.5 مليار دولار العام الماضي).
وفي سياق متصل رحبت الصين بالمقترح الذي قدمته ماليزيا في منتدى “بوآو” الآسيوي في نهاية مارس/آذار، والذي يستهدف تقليل اعتماد الدول الآسيوية على الدولار أو صندوق النقد الدولي عبر تشكيل صندوق نقد آسيوي.
التحليل: اتفاق الصين والبرازيل خطوة لتقويض هيمنة الدولار
تأتي خطوة إجراء العمليات التجارية بين الصين والبرازيل بعملاتهما المحلية في سياق مساعي بكين المستمرة لإضعاف هيمنة الولايات المتحدة على النظام المالي الدولي، من خلال الحد من استخدام الدولار كعملة احتياط عالمية، وتحفيز استخدام اليوان الصيني في تعاملات بكين التجارية البينية مع الدول الأخرى.
وتشير إلى أن عودة “لولا دا سيلفا” لرئاسة البرازيل توفر فرصة للصين لتعزيز معاملاتها التجارية في أمريكا اللاتينية، والتي بلغت 450 مليار دولار في عام 2021، كثاني أكبر شريك تجاري في المنطقة بعد الولايات المتحدة.
تعد أسواق النفط العالمية واحدة من ساحات هيمنة الدولار الأمريكي، حيث تتم 80% من مبيعات النفط العالمية بالدولار، وتستند الصين إلى موقعها، كأكبر مستورد للنفط عالميًا، لتحفيز مصدري النفط الرئيسيين، مثل السعودية، على قبول مدفوعاتها باليوان، وهي خطوة تستهدف تقويض هيمنة الدولار على أسواق النفط والسعي نحو تأسيس نظام نقدي دولي “متعدد الأقطاب“.
ومع ذلك؛ فإن حضور اليوان الصيني في تجارة النفط العالمية مازال محدودا؛ فبالنظر إلى الشهور الثلاثة الأخيرة من عام 2022، بلغ متوسط أحجام تداول عقود النفط اليومية الآجلة في بورصة شنغهاي للطاقة (INE) ما يعادل 333 مليون برميل، بينما بلغ متوسط عقود خام برنت وغرب تكساس الوسيط (WTI) المتداولة يومياً في بورصة شيكاغو نحو 6 مليارات برميل. وإذا فرضنا أن الصين ستدفع ثمن جميع وارداتها النفطية باليوان فلن تستطيع تدويل عملتها في أسواق الطاقة دون أن تقنع الأطراف الثالثة بالتداول بالعملة الصينية أيضاً، وهو أمر غير مرجح قريبا.
بالإضافة لذلك؛ تُظهر مقارنة حجم العملتين في الاحتياطات العالمية التفوق الكبير لصالح الدولار؛ فبينما انخفضت حصة الدولار من الاحتياطيات العالمية من 72% في عام 1999 إلى 59%، نتيجة تبني البنوك المركزية سياسة تنويع صناديق الاستثمار الخاصة بها، فإن بيانات صندوق النقد الدولي تظهر أن حصة اليوان من احتياطيات النقد الأجنبي العالمية تمثل حوالي 2.7% فقط من إجمالي الاحتياطيات بنهاية العام الماضي، علاوة على ذلك؛ فإن حوالي نصف القروض عبر الحدود والديون الدولية مقومة بالدولار، وأكثر من 80% من التداول اليومي في العملات الأجنبية يتضمن الدولار.
لكنّ الصين لا تبدو مستسلمة في مواجهة هيمنة الدولار؛ حيث تراهن على حجم اقتصادها الهائل، وعلى تنامي نفوذها التجاري في آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية استنادا لقاعدتها التصديرية الواسعة، فضلا عن تمدد مبادرة الحزام والطريق والتي تحولت إلى شبكة ضخمة عالمية من المشاريع، تمنح الصين نفوذا جيوسياسيا في آسيا وأفريقيا بصورة خاصة. وكنتيجة لذلك؛ قفز اليوان ليصبح خامس أكثر العملات تداولًا في العالم، حيث شارك في 7٪ من جميع التداولات في عام 2022، صعودا من 4٪ قبل ثلاث سنوات، بحسب مسح يجريه “بنك التسويات الدولية” في بازل كل ثلاث سنوات.
كما توفر التطورات الجيوسياسية فرصا لتسريع وتيرة الجهود الصينية؛ حيث حل اليوان محل الدولار كأكثر عملة تداولًا في روسيا بعد عام من الحرب في أوكرانيا، حيث دفعت العقوبات الشاملة التي استهدفت النظام المالي الروسي وزارة المالية الروسية والشركات الروسية إلى تحويل غالبية معاملات التجارة الخارجية من الدولار واليورو إلى اليوان، وأعيد هيكلة صندوق الثروة الوطنية للاحتفاظ بـ 60% من أصوله باليوان، كما تسببت العقوبات الغربية في إعادة توجيه معظم صادرات النفط الروسية إلى الأسواق الهندية والصينية، وارتفعت مبيعات النفط الروسية للهند أكثر من عشرين ضعفاً العام الماضي، وتمت غالبية هذه المبيعات بعملات غير الدولار.