نتابع في موقع رؤية، بعرض سلسلة من المقالات القصيرة، الغنية والمفيدة، تتصدى لظاهرة تفشي الأخطاء اللغوية، وهي أخطاء كثيرة ومتكررة، تكاد تطرد يومياً فيما يسمع ويقرأ، والكل يعلم خطورة الكلمة ووقعها في النفوس، ودورها في تقويم اللسان أو إفساده ، فكان والحالة هذه، أن تسلم حتى يسلم اللسان، وأن يساهم الموقع، في توعية لغوية ـ إن صح التعبير ـ حتى تنسجم لغة الإعلام مع جهود المدرسة، إذ الكل يعلم أنّ المدرسة لم تعد وحدها مصدر المعرفة، وأنّ وسائل أخرى كثيرة مما يعرف بمصادر المعرفة قد زاحمتها، بل استأثرت بمكانتها… وما هذه السلسلة من المقالات التي سننشرها اتباعاً، إلا محاولة متواضعة، ومجرد تنبيه إلى الأخطار المحدقة بلغتنا.

كلمات فصيحة في العامية:

ليس صحيحاً ما يشاع أن العامية لغة والفصيحة لغة، فبينهما من صلات القربى ما لا يغفل، فالفصحى والعامية تمثلان مستويين من مستويات الخطاب، ويمكن إرجاع أكثر المفردات الدارجة على ألسنة العامة إلى أصولها العربية الفصيحة. فالقلب أو التخفيف أو التضعيف هو الذي يلحق الكلمة حتى تتحول من فصيحة إلى أخرى عامية، وليس كل كلام العامة حوشياً ينفر منه الذوق الأدبي، ويأباه الحس الفني، بل إن فيه كلاماً فصيحاً، ظن الناس أنه عامي لكثرة دورانه على الألسنة، وجاوزه الذوق العام لطول الإلف والعادة ولكنه يظل فصيحاً على الرغم من الحلة الشعبية التي يرتديها.

من تلك الألفاظ:

الطقطقة: يقولون في الكلام فقرات ظهري تطقطق أو إن الأرض الخشبية تطقطق وهو يسير عليها، وهي فصيحة.

فلفظة طقّة هي حكاية صوت الحجر أو الحافر، والطقطقة فعلة مثل الدقدقة، معناها صوت أو كثر صوته أو تفرقع وهي تكرار طق.

العتب على النظر: عبارة يقولها الناس حين يعتذرون عن عدم رؤية الشيء، والأصل صحيح فالعتب هو النقص والفساد، وهو أيضا الشدة والأمر الكريه وكأنهم يقولون: عفوا فالنقص بالبصر.

العَتمة يقولون: جاء في العتَمة ولم أره في العتمة (وينطقه العامة بتسكين التاء) وهي فصيحة، فعتمة الليل ظلام أوله بعد زوال نور الشفق.

عجزنا وعجزت يقال: عجّزت المرأة أي صارت عجوزاً، والعجوز هو الهرم للمذكر والمؤنث، وعجّزت تستعمل في الكلام وتجتنب في الكلام الفصيح أو في الكتابة مع أنها فصيحة.

خرّيج: يقولون هو خرّيج كلية كذا ونتحاشاها في الفصيح ونقول خرّيج (بكسر الخاء) مع أن كلتيهما فصيحتان.

البياع: يتحاشى الناس استعمال كلمة البياع في الفصيح ويستعملون كلمة البائع مع أن الكلمتين فصيحتان.

البير: تسهيل البئر وهي فصيحة، فالعرب أبدلوا الهمزة لغير علة للتخفيف.

بطّن الثوب وأبطنه: جعل له بطانة وهي فصيحة، والبطانة هي ما يبطن به الثوب وهي خلاف ظهارته. قال تعالى: (بطائنها من استبرق).

الأنف: يقولون فلان أنف يعنون أنه متكبر أو متعال، وهي فصيحة، والأصل أنف منه أنفا وأنفة معناها استنكف واستكبر.

الطيب: يقولون فلان رجل طيب، وهي عربية فصيحة، فالطيب من الناس من تخلى عن الرذائل وتحلى بالفضائل.

وطيب: تستعمل للتصديق على الكلام أو لوصله أو لاستحسان بعضه أو للتهكم من بعضه وهي عربية فصيحة، ومعناها كلام طيب، وطاب الشيء طيباً وطيبة أي جاد وحسن.

الرمرمة: يقولون فلان رمرام وأكله رمرمة، يعنون أنه يقبل على الأكل بلا تمييز أو مراعاة لنوعيته وهي فصيحة، فرمرم الرجل: أكل ما سقط من طعام ولم يتوقّ قدره، وفي حديث الهرة (حبستها فلا أطعمتها ولا أرسلتها ترمرم من خشاش الأرض).

طهارة المولود: نتحاشى عبارة طهّر المولود ونستعمل بدلا منها ختنه ختاناً، لكن العبارة الأولى فصيحة صحيحة شأنها شأن الأخرى.

يتبع…

 

بقلم: مصطفى قطبي

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

Exit mobile version