وكالات:
لم يُصبح بعيدًا بين الحين والآخر أن نستيقظ على خبر اغتيال الرئيس الأوكراني، فولوديمير زيلنسكي، أو الاجتياح الكامل للقوات الروسية داخل أوكرانيا، ولكي نفهم من أين أتت تلك الاحتمالات، وجب علينا الرجوع ليوم 3 مايو الماضي، حيث تفاجأ العالم بانتشار أخبار عن محاولة اغتيال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين من خلال استخدام طائرتين بدون طيار قادمة من أوكرانيا، لتؤكد الرئاسة الروسية أنها كانت محاولة لاغتيال بوتين.
ولكن لتحليل الموقف يجب طرح عدد من الأسئلة:
- ماذا يحدث إذا تم اغتيال بوتين بالفعل؛ هل ستنتهي الحرب؟
- ماذا يحدث إذا فشلت محاولة اغتيال بوتين؛ هل روسيا ستسامح الجاني؟
- ماذا يحدث لو كانت محاولة الاغتيا مجرد فيلم روسي حتى يستطيع بوتين الحصول على سبب دولي يتيح له اجتياح أوكرانيا؟
نبدأ بالطائرات المُتسببة في الانفجار؛ فوفقًا للخبراء العسكريين فإن المسافة بين أقرب نقطة حدودية تفصل أوكرانيا عن مبنى الكرملين هي منطقة “سومي” والتي تبعد مسافتها عن الكرملين 600 كم، وهي مسافة من المستحيل لطائرة بدون طيار أن تتخطاها، فكيف تفعلها تلك الطائرات الصغيرة التي ظهرت في فيديو تفجير الكرملين.
وهنا نستنتج احتمال أن يكون هناك من قام بإرسال الطائرة من محيط مبنى الكرملين، أو حتى بالقرب من الساحة الحمراء المحيطة بالكرملين، وهو الأمر الغير منطقي أيضًا نظرًا للانتشار المكثف لعناصر الأمن الروسي بالساحة استعدادًا للاحتفال بيوم النصر، والذي يحضره بوتين في 9 مايو، وهو الاحتفال السنوي بالانتصار على ألمانيا خلال الحرب العالمية الثانية، وعلى الرغم من حدوث الهجوم فجرًا وقت كانت الساحة الحمراء فارغة وكذلك محيط الكرملين، ولكن من البديهمي امتلاء الساحة الحمراء بالكاميرات.
وبالتالي يتجلى هنا سؤال؛ من يستطيع القيام بذلك دون أن تراه المخابرات الروسية إلا إذا كان الجاني أحدهم؟!
من زاوية أخرى؛ بعد نشر فيديو الهجوم لوحظ أن التصوير كان بشكل علوي فقط لقبة الكرملين دون أن تظهر الساحة، فهل تستخدم روسيا كاميرات المراقبة لتأمين القبة فقط دون تأمين ومراقبة الشوارع المحيطة مثلا؟
يقول الخبراء أيضًا أن الطائرات كانت صغيرة الحجم، إضافة إلى ضعف الموجة الانفجارية الناتجة عن الانفجار، والتي لم تؤثر على العلم بأي قطع ولا على ساري العلم بأي خدش أو كسر، ما يدل على الضعف الشديد للموجة الانفجارية.
وهنا يُطرح سؤال جديد؛ هل يُعقل أن تقوم مخابرات بحجم مخابرات حلف الناتو أو المخابرات الأمريكية أو حتى الأوكرانية أن بالتفكير باغتيال بوتين باستخدام طائرات ضعيفة للغاية مثل تلك التي تم تصويرها؟
أليس من المنطقي أكثر أن يقوم المخطط لاغتيال بوتين باغتياله خلال الاحتفال بعيد النصر من خلال استهدافه بالطائرات على سبيل المثال، وهو الوضع الأكثر سهولة لإصابته.
مع كل تلك المعطيات، يتجلى بوضوح أن قصة “محاولة اغتيال بوتين” قد تكون مجرد فيلم لأحد المُستفيدين، ليظهر سيناريوهين؛
يُشير السيناريو الأول إلى أن الحدث عبارة عن فيلم روسي، حيث قرر بوتين اغتيال نظيره الأوكراني زيلينسكي، ويسعى للبحث عن مبرر دولي يساعده على القيام بذلك.
أما السيناريو الثاني؛ فيتمثل في أن المخابرات الأمريكية قد تكون وراء الحادث، في محاولة منها للتخلص من زيلنسكي، ولكن دون الخوض في الأمر، لتكتفي فقط بإرسال صورة عكسية للجانب الروسي يجعل بوتين يفكر في الانتقام، وفي أضعف الأحوال ستنجح القوات الأمريكية في كسر هيبة الرئيس الروسي.
الأسباب الأمريكية
حتى الوقت الراهن استطاعت أمريكا الاستفادة من زيلنسكي واستغلاله، من خلال استفزاز بوتين واستدراجه إلى الحرب والنزاع مع أوكرانيا.
كما استطاعت الولايات المتحدة من خلال تلك الخطوة إجبار فنلندا على الانضمام لحلف الناتو.
ولكن في سياق مختلف، تفاجئت الولايات المتحدة من عدم تأثر روسيا من عقوباتها الاقتصادية التي قامت بفرضها عليها من جراء الحرب من أوكرانيا، بل على العكس من ذلك فقد نجحت روسيا منذ بداية الحرب في إجراء الكثير من الاتفاقيات الاقتصادية التي لم تحدث من قبل.
ومع اقتراب الانتخابات الأمريكية، وظهور الرئيس السابق دونالد ترامب الذي يترشح لولاية ثانية، وتصريحاته المتكررة بعزمه إنهاء الحرب الروسية الأوكرانية بمجرد فوزه، ومع نجاح أمريكا في الوصول إلى أهدافهما، لم يعد أمام الإدارة الأمريكية سبيل إلا محاولتها إنهاء الحرب، ولكن دون ظهور مباشر على الساحة.
ولكن مع إصرار زيلنسكي على دعم الولايات المتحدة الأمريكية وحلف الناتو حتى يستطيع هزيمة روسيا واسترجاع كافة الأراضي التي تم الاستيلاء عليها، ليُشكل زيلنسكي عبئًا عليهم لابد من التخلص منه، ولكن أيضًا دون ظهور مباشر على الساحة.
وهو ما يمكن أن يتحقق عبر طريقتين؛ إما إجبار زيلنسكي على التنحي، وهو ما يُعتبر نصرًا لبوتين لا تحبذه أمريكا، أو من خلال ترتيب محاولة انقلاب داخل صفوف الجيش الأوكراني، وهو ما سيخدم بوتين أيضًا، أو أن يقوموا بتسهيل اغتياله لبوتين، وهو الأمر الذي سييسر لهم اختيار قائد جديد للجيش الأوكراني موالي لهم، وكذلك وضع بوتين في مواجهة جريمة يُعاقب عليه القانون الدولي.
والغريب في الأمر أن بوتين بالتأكيد على علم ودراية بكل تلك الخطط؛ بدليل ظهور بوتين بعد يومين من الانفجار ليُصرّح بأن “روسيا على علم بأن أوكرانيا أضعف كثيرًا من تنفيذ هذا الهجوم. وأن أمريكا من قامت بالتخطيط له. ولكن ليس معنى ذلك أن أوكرانيا بريئة مما حدث، فالجميع سيدفع الثمن”.
ولذلك يُصبح من المنتظر أن يكون رد بوتين ثقيلا ليسمع عنه العالم أجمع، كما كانت محاولة اغتياله.