وكالات
فاز الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، الأحد، في الانتخابات الرئاسية في البلاد، وأظهر مرونته في ظل الظروف الصعبة ضد كتلة المعارضة مع تمديد حكمه إلى عقد ثالث.
وأظهرت النتائج الرسمية فوز أردوغان بنسبة 52.1٪ من الأصوات، بينما حصل زعيم المعارضة كمال كيليتشدار أوغلو على 47.9٪.
على الرغم من الزلزال المميت وانخفاض قيمة العملة المحلية، أظهر انتصار أردوغان مرة أخرى متانة الزعيم، والتي يقول المحللون إنها متجذرة ليس فقط في الطرق التي عزز بها سلطته على مر السنين، وإنما تظهر أيضًا الولاء الدائم لداعميه الأساسيين.
وقال جان أجون، الباحث في مؤسسة البحوث السياسية والاقتصادية والاجتماعية (SETA)، وهي مؤسسة فكرية موالية للحكومة في أنقرة: “بالنظر إلى ما مر عليه على مدى 20 عامًا في السلطة، يعد هذا إنجازًا مهمًا، إنه يشير أيضًا إلى فشل كتلة المعارضة.”
المعارضة تحذر من “الأيام الصعبة المقبلة”
عندما أظهرت النتائج الأولية أن أردوغان في المقدمة، بدأ الزعيم بالفعل الاحتفال بانتصاره في حين حذر كيليتشدار أوغلو من “الأيام الصعبة المقبلة”.
يقول المحللون إن هامش فوز أردوغان قد يكون عاملاً حاسمًا في كيفية اختياره للمضي قدمًا.
قال سونر تشابتاي، الزميل الأول في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، إن الزعيم “لم يفز بأغلبية ساحقة ولا بهامش ضيق”، والذي سوف يعني على الأرجح العمل كالمعتاد على حد قوله.
وأضاف أن هذا يعني في السياق التركي، أنه من المرجح أن يضاعف أردوغان سياساته الاقتصادية غير التقليدية والقمع المستمر للمعارضة، خاصة أنه سيتطلع لاستعادة شعبيته في اسطنبول وأنقرة، وهما مدينتان حاسمتان خسرهما أمام المعارضة.
يتوقع مراد سومر، أستاذ العلوم السياسية في جامعة كوتش في اسطنبول، نهجًا متشددًا من جانب أردوغان تجاه المعارضة ومنتقديه.
قال سومر لشبكة CNN: “من المرجح أن يواصل (أردوغان) سياساته الاقتصادية غير التقليدية لأن هذه في الواقع تخدم مصالحه، لكن سيتعين عليه دمجها مع بعض الإجراءات التقليدية لحل أزمة العملة.”
كان الرئيس التركي قد أطلق على نفسه في السابق اسم “عدو أسعار الفائدة”، وهو ما يراه سببا التضخم.
انخفضت الليرة التركية إلى أدنى مستوياتها القياسية الأحد، حين أعلن أردوغان فوزه، مسجلةً 20.05 مقابل الدولار، بالقرب من أدنى مستوى قياسي لها عند 20.06 الجمعة، حسبما ذكرت رويترز.
كما حذر سومر من عواقب فوز أردوغان، قائلاً إنه قد يشجع القادة الآخرين في جميع أنحاء العالم الذين يقوضون الديمقراطية.
وقال: “إن القائد الأوتوقراطي الشعبوي الذي كسر كل حكم وعرف ديمقراطي خلال حملته قد انتصر، والمعارضة التي اتحدت لإعادة بناء الديمقراطية قد خسرت”.
أعرب كورهان كوجاك، أستاذ مساعد في العلوم السياسية في جامعة نيويورك أبوظبي في الإمارات العربية المتحدة، عن قلقه من تحركات أردوغان بعد الانتخابات.
وقال كوجاك لشبكة CNN: “أوضح أردوغان لأكثر من عشر سنوات، أنه ينظر إلى الديمقراطية من منظور الأغلبية: أولئك الذين لا ينتمون -في رأيه- للأغلبية “الخيرة” “لا يحق لهم القول ولا الاعتبار””.
وأعرب آخرون ممن كانوا في طليعة حملات القمع السياسية التي يشنها أردوغان عن قلقهم.
أعربت جيلان اكتشا، وهي عضو في البرلمان في ديار بكر عن حزب اليسار الأخضر، في حديثها لشبكة CNN قبل ظهور نتائج الانتخابات عن خوفها على حزبها إذا فاز أردوغان.
كان حزب الشعوب الديمقراطي يكافح من أجل البقاء قبل فترة طويلة من فوز أردوغان الأحد.
قالت اكتشا إنه من المحتمل جدًا إذا فاز أردوغان أنه سيعزز حملته على حزب الشعوب الديمقراطي والمجتمع الكردي.
لم يتضح بعد كيف سيتعامل أردوغان مع المعارضة لكن أجون قال إن “أردوغان كان دائمًا زعيمًا براغماتيًا، ولم يكن مدفوعًا بالانتقام.”
وأضاف أنه من المرجح أن يركز الرجل القوي على الاقتصاد، لكن المعركة ضد ما وصفه بالإرهاب “قد تشتد”.
استقطاب عميق
يقول المحللون إن نتائج الانتخابات عبر الجولتين تظهر الاستقطاب المتزايد في البلاد.
قال جود كينج، محاضر واستاذ مساعد بالجامعة الأمريكية في واشنطن: “لقد شهدت تركيا برمتها استقطابا عميقا على مدار الـ40 عامًا الماضية على الأقل أو نحو ذلك، وبشكل متزايد. لن يفكر المتطرفون العلمانيون في حياتهم أبدًا بالتصويت لأردوغان، أكثر مما سيصوت المناهضون للعلمانية للحزب العلماني”.
وبينما يشعر العديد من منتقدي أردوغان بالظلم، رأى آخرون أنه لا يوجد خيار قابل للتطبيق إلى جانب الرئيس.
قال كينج إن أردوغان قد اكتسب على مر السنين ولاء المحافظين في البلاد، خاصة في الأيام الأولى لحكمه.
وقال إن قاعدة داعميه متنوعة، مضيفًا أنها متعاطفة بشكل عام مع الدين، لكنها تتراوح أيديولوجيًا من القوميين إلى أولئك الذين يعارضون العلمانية.
كان العديد من أنصار أردوغان سعداء بإنجازاته المبكرة، لا سيما تلك التي أعطت الحقوق والحريات الدينية للأغلبية المسلمة في البلاد.
تبنت تركيا التي ورثها أردوغان في 2003 أشكالا من العلمانية أشد صرامة من معظم الدول الغربية. تم تقليص دور الدين في الأماكن العامة، مع حظر الحجاب الإسلامي للمرأة في الجامعات والمؤسسات الحكومية والبرلمان. وبالتالي، كان على النساء الملتزمات دينياً اللواتي يسعين للحصول على تعليم عالٍ إما التخلي عن الحجاب أو الذهاب إلى الخارج للالتحاق بالجامعة.
رفع أردوغان هذه القيود تدريجياً عند توليه السلطة. في حين أنه لم يتحد العلمانية المكرسة دستوريًا في البلاد، إلا أن الدين بدأ يلعب دورًا أكبر في العلن، فضلاً عن خطابه.
كان يُنظر إلى تحركاته نحو القبول الرسمي للدين على أنها استعادة لكرامة المحافظين في تركيا وأكسبته قاعدة دعم كبيرة ومتشددة.
وقال كينج إنه حتى أولئك الذين لم يروا جاذبية أردوغان في البداية، “أصبحوا يقدرونه” بحيث فاز بالولاء بعد “سنوات وسنوات من تقديم كل هذه الخدمات”.
قد تكون نتائج الانتخابات أيضًا بمثابة ضربة للحلفاء الغربيين الذين كانوا يأملون في أن تشهد فترة ما بعد أردوغان عودة تركيا إلى حلفائها التقليديين في الغرب، خاصة وسط صداقة الرئيس (أردوغان) مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
قال كينج إنه على الرغم من خلافاته مع الغرب، فإن تحركات أردوغان في السياسة الخارجية الأخيرة ربما قد أعطت تركيا نوعًا من الاستقلال يقدره العديد من أنصاره: “بالنسبة لهؤلاء الناخبين، فهم يشعرون أن هناك اعترافًا ببلدهم، والذي تأخر لفترة طويلة جدًا ولا يبدو أنه سيكون قابلاً للتحقيق، وأردوغان هو الرجل الذي أوصلهم لذلك”.
وقال جاغابتاي إن سياسة أردوغان الخارجية من غير المرجح أن تتغير. وأضاف أنه من المرجح أن تستمر سياسته الخارجية المعتمدة، حيث يضع روسيا والولايات المتحدة ضد بعضهما البعض للحصول على ما يريد.