وكالات

تنامت مؤخرا مؤشرات حول مدى نجاح الحكومة الإسرائيلية (المتماسكة أيديولوجيا نسبيا) في الاستمرار في السلطة وعدم حدوث انشقاقات أو اللجوء لحل نفسها والذهاب إلى انتخابات مبكرة. إذ تزايدت حوادث دالة على تباعد في وجهات النظر بين وزير الأمن العام ورئيس حكومته (على سبيل المثال)، ثم ظهرت مرة أخرى في الأزمة بين وزير الأمن أيضا ووزير المالية بسبب التخصيص المالي لبنود الميزانية المقترحة لعامي 2023 – 2024. هل يمكن أن تشهد إسرائيل انتخابات عامة مبكرة قريبا؟

أولا: التطورات السياسية

هناك مجموعة من الظواهر السياسية التي طرأت على المشهد السياسي في إسرائيل في الآونة الأخيرة، يمكن توضحيها فيما يلي:

  1. استطلاعات الرأي وتدهور موقف نتانياهو

تُواجه حكومة نتانياهو بأحزابها المحسوبة على التيارين القومي والديني المتطرف أزمة سياسية بسبب تدهور موقفهم في نتائج استطلاعات الرأي الدورية، ويبدو أن شن عملية عسكرية “الدرع والسهم” على قطاع غزة لم تحسن موقف نتانياهو إلا مؤقتا، ولم يُزيده سوى بمقعدين اثنين فقط (كما هو موضع في جدول الاستطلاعات).

الصورة 1: يُقصد بالحرب هي عملية “الدرع والسهم” (9 مايو إلى 11 مايو)

في نهاية المطاف، تمكن معسكر المعارضة الذي يجمع أحزاب: معسكر الدولة (بيني جانتس)، هناك مستقبل (يائير لابيد)، ويسرائيل بيتينو، والعمل، وميريتس، بالإضافة إلى احتمال انضمام نفتالي بينيت مرة أخرى إلى الحياة السياسية من خلال حزب “اليمين الجديد” وهو ما يعني أن المعارضة ستتمكن من تجميع 74 مقعدا، وفي حال عدم انضمام بينيت فستحصل المعارضة على 67 مقعدا.

يُلاحظ أن السبب الرئيسي في تدهور موقف الائتلاف الحكومي الحالي هو مشروع الإصلاح القضائي الذي قدمته في بداية العام الجاري، ولم يُعني المجتمع الإسرائيلي حتى الآن الاعتبارات الأمنية التي صدّرتها الحكومة للواجهة في ظل سعيهم للحفاظ على الاعتبارات السياسية القيمية (الديموقراطية).

  1. توتر مكتوم داخل الحكومة

تكررت حالات الخلاف بين بن جفير ونتانياهو في أكثر من مشهد، كان أهمها هو امتناع بن جفير عن حضور المجلس الأمني المصغر لدراسة فرص شن عملية عسكرية على قطاع غزة. كما لوّح بن جفير مهددا بالاستقالة من الحكومة في حال لم يوافق نتانياهو على إصدار قرار عسكري ضد الفصائل الفلسطينية في غزة. وهو ما يرجح التقدير القائل بأن عملية “الدرع والسهم” كانت تِبعا لحسابات سياسية مُقدمة على الاعتبارات الأمنية.

يرجع سبب تكرار التوتر بين بن جفير ورئيس حكومته إلى تفضيل الأخير إرجاء بعض المشاريع السياسية المهمة لـ “بن جفير” مثل: تمويل مشروع إنشاء الحرس الوطني، الفصل في مشروع الإصلاح القضائي، والمخصصات المالية في الموازنة.

لا يعني التوتر بين الطرفين هو رفض نتانياهو لمطالب بن جفير المشروعة أيديلوجيا لدى رئيس الحكومة وزعيم حزب الليكود، بل تعني أن الطرفين لا يتوافقا على الأجندة الزمنية لتطبيق تلك المشروعات.

  1. توتر مكتوم بين جناحي الحكومة “القومي” و”الديني

تتبدى بعض المؤشرات الطفيفة حول نشوب شبه خلاف أيديولوجي بين الجناح القومي المتطرف (بالتحديد عوتسماه يهوديت) المؤتلف في الحكومة الحالية والجناح الديني المتطرف (أي حزبي شاس ويهودات هاتوراة).

تنعكس هذه الظاهرة في الخلاف القائم بين وزير المالية “سموتريتش” ووزير الأمن العام “بن جفير” حول عدم تخصيص مقدرات مالية كافية لوزارة النقب والجليل. ويرجع الأمر في أحد أسبابه هو أن الأحزاب الدينية المتشددة مثل شاس ويهودات هاتوراة، ترغب في إعادة توطين المستوطنين في النقب والجليل لصالح تياراتها الارثوذكسية؛ كونهم يشخصون أزمتهم في تراجع الفتوى الارثوذكسية، وانتهاك الشريعة اليهودية في عدد كبير من المستوطنات خاصة في الضفة الغربية، لصالح التيار القومي المتطرف. وهو ما دفع الأحزاب الدينية إلى توجيه الاستيطان الأرثوذكسي إلى منطقتين جديدتين مثل النقب والجليل.

  1. استمرار الاحتجاج

يستمر الإسرائيليون في النزول إلى الشوارع احتجاجا على بوادر فشل الحوار الوطني الذي يرعاه رئيس إسرائيل بين الحكومة والمعارضة، وعدم الوصول إلى توافق جَوهَري في الأمر حتى الآن، إذ يصر نتانياهو على عدم إلغاء المشروع والموافقة على مجرد تأجيل سن القانون.

كما أن هناك استمرارا لظاهرة الإضراب الجزئي بين النقابات المهنية الإسرائيلية، خاصة نقابة المعلمين، يصل الأمر إلى تقصير مدد الحصص الدراسية وإلغاء بعضها.

ثانيا: المعالجة السياسية من قبل الحكومة

تبنى نتانياهو حزمة من التكتيكات السياسية لمعالجة الظواهر السابق ذكرها، يمكن توضيح هذه المعالجات على النحو التالي:

  1. فض النزاع بين الأحزاب الدينية والأحزاب القومية المتطرفة

فضّل نتانياهو فض المنازعة بين بن جفير وسموتريتش في مسألة تمويل وزارة النقب والجليل، بأن قرّر رئيس الحكومة منح بن جفير 250 مليون شيكل كمخصص مالي لوزارة الأمن العام ولم يمنحها لبن جفير كمخصص مالي لوزارة النقب والجليل. وهو ما يعني أن الأزمة لم تكن تمويلية بقدر ما كانت أيديولوجية، وكان فض النزاع لصالح الأحزاب الدينية التي طالبت بالفعل بزيادة مخصصاتها المالية لتمويل مشروع الاستيطان الديني (وليس القومي) في المناطق الجديدة مثل النقب.

  1. السعي للتطبيع مع دولة جديدة

انضمت البحرين مؤخرا للوساطة في ملف التطبيع الابراهيمي بين السعودية وإسرائيل، ويبدو أنها جاءت بتنسيق مشترك بين وزير الخارجية البحريني ونظيره الإسرائيلي مؤخرا.

تسمح الأجهزة الأمنية في إسرائيل بتكثيف نشر الأخبار المتعلقة باحتمالات التطبيع مع السعودية يدل على أن نتانياهو يسعى لتوظيف الحالة كهدف سياسي يخدم حكومته المتطرفة، والمساومة بين التطبيع في مقابل وقف السياسات المتطرفة في الضفة الغربية.

  1. أمننة المشهد السياسي

يحرص نتانياهو على تخفيض حدة الأزمة السياسية في الشارع الإسرائيلي بتأجيج مشهد أمني في وسط هذه الحالة، مما يثير الضمير الأمني في الذهنية الإسرائيلية. انعكس ذلك في العملية العسكرية الإسرائيلية الأخيرة في غزة من 9 مايو إلى 11 مايو، انعكست على نتائج استطلاعات الرأي بالفعل وتفوق معسكر نتانياهو مرة أخرى، مستغلا ذلك في سرعة تمرير مشروع الموازنة العامة لعدم الدخول في سيناريو حدوث انشقاق بين أحزاب الائتلاف، قد تذهب بإسرائيل إلى انتخابات مبكرة.

ولكن بعد تدهور الموقف مرة أخرى كما هو موضح في الصورة (1)، يحاول نتانياهو استعادة التكتيك بإثارة الموقف مع حزب الله في جنوب لبنان، في محاولة منه لتأجيج الضمير الأمني لدى الإسرائيليين، وفي محاولة لبعث رسالة إلى المجتمع الإسرائيلي مفادها أن عدم استقرار إسرائيل سياسيا سيعرضها لخطر اندلاع حرب متعددة الجبهات ضدها مما يهدد وجودها، وهو ما نجح فيه في محاولة لاستفزاز الفصائل الفلسطينية في غزة من هذا الشهر (مايو 2023).

  1. احتكار قرار الحرب

قدمت الولايات المتحدة عبر وزير الدفاع الأمريكي، وقائد القيادة المركزية “سنتكوم” للجيش الأمريكي، لوزير الدفاع الإسرائيلي ورئيس الأركان العامة للجيش الإسرائيلي، مبادرة تنسيق مشترك (لتنسيق الخطط وسيناريوهات الحرب مع إيران) ورغم الموافقة المبدئية من قبل المؤسسة العسكرية الإسرائيلية إلا أن رئيس الحكومة “نتانياهو” لا زال يماطل بالموافقة النهائية على المقترح الأمريكي؛ بداع: “أنها قد تقيد حرية الحركة الإسرائيلية ضد إيران”. رغم نفي الولايات المتحدة للادعاء الإسرائيلي، إلا أن الحكومة لم ترد بالموافقة حتى الآن.

ويعود السبب إلى أن نتانياهو يسعى لاحتكار قرار الحرب بكل صورها في الإقليم خاصة ضد إيران ووكلائها، حتى ولو كانت تحت اعتبارات سياسية بحتة، وليس أمنية فقط. في محاولة منه لهندسة المزاج الإسرائيلي وجره نحو الضمير الأمني كما سبق ذكره في النقاط السابقة.

ثالثا: تقييم التكتيكات الإسرائيلية

يدور السؤال الآن: هل يمكن أن ينجح نتانياهو في معالجته السياسية للظواهر السابق ذكرها؟، يمكن تقييم هذه السياسات على النحو التالي:

  1. استمرار الضغط الأمريكي

يبدو أن الولايات المتحدة تدرك هشاشة معادلة الأمن القومي الإسرائيلية؛ لا سيما بعد موجة التطبيع بين المحور السني والمحور الشيعي. وقد يستمر الضغط الأمريكي على إسرائيل لضمان حفظ المعادلة الأمنية في المنطقة وعدم الانجرار إلى حرب قد تنشب لدواع سياسية فقط.

يمكن ربط التحرك المتواصل من إسرائيل (الذي تم إعلانه في 22 مايو في مؤتمر هرتسليا) لتمرير صفقة بيع منظومة آرو-3 إلى ألمانيا، على أنها موافقة إسرائيلية مرحلية لتسليم أسلحة استراتيجية ووصولها إلى أوكرانيا (كان مطلبا أمريكيا)؛ يمكن الاستدلال على ذلك أنه من الملاحظ أن ألمانيا تكثف نقل منظومات دفاع جوي إلى أوكرانيا في حربها أمام روسيا.

يمكن ان تجد إسرائيل نفسها في مأزق استراتيجي ضخم وهو التنازل عن حرية العمل العسكري في سوريا بسبب الرضوخ للطلبات الأمريكية، لأنه في حالة استمرار الرفض الإسرائيلي فستستمر واشنطن في تقييد إسرائيل بنفسها.

يمكن استخلاص أن الولايات المتحدة تسحب من إسرائيل حق التوظيف السياسي لأمنها القومي في معادلة الأمن الإقليمي، مما يُفسد على نتانياهو هندسة المزاج الإسرائيلي بإثارة الضمير الأمني.

  1. الضغوط الاقتصادية

واجهت إسرائيل أزمة التصنيف الائتماني غير الإيجابي لاقتصادها من قبل وكالات التصنيف العالمية، مما أثر على استقرار السوق وتدفق الاستثمارات إلى إسرائيل.

من الملاحظ أن المخصصات المالية الممنوحة لبنود البنية التحتية، والنقل والمواصلات، وحتى الابتكار التكنولوجي بدت ضعيفة مقارنة بالميزانيات السابقة؛ مما ينذر بتباطؤ الاستثمارات الحكومية في هذه المجالات، وقد يعرقل الاقتصاد الإسرائيلي نوعا ما في المستقبل المنظور. تجدر الإشارة إلى أن ضعف المخصصات للقطاعات السابق ذكرها يرجع إلى زيادة المخصصات للنشاطات الدينية في إسرائيل.

قد يفسر ذلك موافقة إسرائيل على التفاهم المبدئي مع قبرص بتسييل الغاز الإسرائيلي في المصانع القبرصية (المخطط لها مستقبلا)، وأن تتحول إسرائيل إلى مجرد مورد بسيط للطاقة، وليس مورد استراتيجي.

  1. مناورات حزب الله

انخرط حزب الله في محاولة ردعية منه أمام المناورات العسكرية الإسرائيلية المتكررة قبال حدوده اللبنانية، عبر إجراء مناورة عسكرية تحاكي غزو أراضي إسرائيلية. استغلت الحكومة الإسرائيلية الأحداث عبر تصدير المشهد الأمني المتأزم مع الجبهة الشمالية.

قد تبدأ رواية سياسية في الظهور في الأيام القادمة، بأن أي فوضى سياسية إسرائيلية قد تدفع الأطراف المعادية لشن حرب على إسرائيل.

  1. موازنة بين القومي والديني في الحكومة الإسرائيلية

نجح نتانياهو في إقناع بن جفير بالاكتفاء بـ 250 مليون شيكل لوزارة الأمن القومي، وغض النظر عن وزارة النقب والجليل مؤقتا. إذ يمكن لـ “بن جفير” توجيه هذه الزيادة إلى تمويل مشروع الحرس الوطني. في المقابل سيشرع نتانياهو في زيادة تمويل النشاطات الدينية، وبهذا ينجح رئيس الحكومة في عقد اتزان أيديولوجي وتمويلي بين الجناح الديني والجناح القومي.

تجدر الإشارة إلى الحكومة الإسرائيلية وافقت على تخصيص 8% زيادة في التمويل المقدم لوزارة الدفاع الإسرائيلية.

ختاما، يمكن القول إن هناك تقييم إيجابي نوعا ما للتكتيكات المستخدمة من قبل حكومة نتانياهو في معالجة الظواهر السياسية السلبية السابق ذكرها، ولكنها لن تقو على الاستمرار كثيرا في سد الثغرات التي قد تتسع خاصة بين الجناح القومي المتطرف والجناح الديني المتشدد في الائتلاف الحالي.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

Exit mobile version