محمد المِنشاوي:
منذ إعلانه دخول الانتخابات الرئاسية لعام 2026 والفوز بها، نجح دونالد ترامب في إحداث ثورة بالمعايير السياسية الأميركية، ونجح في إثارة حماس ملايين المواطنين ودفعهم للمشاركة السياسية بصورة غير مسبوقة. وبعد هزيمته في انتخابات 2020 وخروجه من البيت الأبيض، لم تتأثر الترامبية، كحركة وظاهرة معقدة، ولا تبدو أنها في سبيلها للتواري حتى بعد ملاحقة ترامب القضائية والتي وصلت حتى الآن، لاتهاميين جنائيين قد يتركانه سجينا. اتهامات من ولاية نيويورك في قضية مخالفات تمويل انتخابي، واتهامات فدرالية بخصوص مخالفات تتعلق بوثائق سرية.
وعلى الرغم من الملاحقات القانونية التي لم تنته بعد، إذ أن هناك تحقيقين جاريين على مسارات مستقلة، الأول حول محاولة ترامب التدخل لتغير نتائج انتخابات ولاية جورجيا عام 2020، والثانية تتعلق بدوره في عملية اقتحام أنصاره مبنى الكابيتول في محاولة لوقف التصديق على نتائج الانتخابات الرئاسية، يؤكد ترامب أن الاتهامات الموجة ضده لن تجبره على الانسحاب من الانتخابات، وأنه مستمر في السباق حتى النهاية.
وما يتعرض له ترامب من اتهامات جنائية كفيل بإسقاط أي مرشح تقليدي، وكفيل بأن يبعد عنه دعم الملايين من الناخبين، خاصة مع بدء إرهاصات الحملة الانتخابية لعام 2024.ترامب سيبقى زعيما للترامبية سواء سُجن أو لم يُسجن، وسواء انتصر في انتخابات 2024 أو لم ينتصر. ولن يتخلص الجمهوريون من عبء ترامب إلا بوفاته
لكن العكس حصل مع ترامب، حيث زادت التبرعات المالية لحملته الانتخابية، في وقت وسع فيه الفارق مع أقرب منافسيه المهتمين بالترشح على بطاقة الحزب الجمهوري.
ويعتقد الكاتب جيف غرينفيلد أنه بالنظر إلى تاريخ ترامب ذي “الأرواح السبع”، لن يكون مفاجئا إذا رأى نفسه ينتقل من القسم على قول الحقيقة في قاعة المحكمة أمام القاضي وهيئة المحلفين، إلى القسم على تنفيذ الدستور عند تنصيبه أمام مبنى الكابيتول رئيسا جديد للولايات المتحدة.
وتظهر استطلاعات الرأي المختلفة تقدم ترامب، وبنسب كبيرة، على كل منافسيه الجمهوريين، وعلى رأسهم حاكم ولاية فلوريدا رون ديسانتيس. كذلك تعتقد أغلبية الناخبين الجمهوريين أن كل الاتهامات ضد ترامب ما هي إلا عملية تسيس كبيرة لا تهدف لتحقيق أي عدالة، بل تستهدف القضاء سياسيا على ترامب.
وقبل 8 سنوات مثّل ترامب تيار التغيير، الذي جاء مغردا من خارج دهاليز السياسة الأميركية مدركا أن بلاده والعالم يمران بلحظات استثنائية لا يجوز معها اتباع أساليب تقليدية سواء في الحملة الرئاسية أو في طريقة الحكم.
ومثلت طبيعة شخصية ترامب، ولازالت، عنصرا جاذبا لملايين الناخبين ممن اعتراهم القلق على ما يرونه تغييرا سكانيا مقصودا خلال نصف القرن الأخير، والذي جاء نتاجا لهجرة ما يقرب من 60 مليون شخص من دول أميركا الوسطى الكاثوليكية بالأساس وآسيا غير المسيحية، لجعل أميركا ومجتمعها أكثر تنوعا واختلافا عما ألفه الكثير من الأميركيين. كذلك جذب خطاب “الملياردير ترامب” الطبقة العاملة الأميركية لجنبه، إذ أنه لمس أوتارا حساسة فيما يتعلق بتأثير العولمة عليهم وعلى مصانعهم التي تم إغلاقها في العديد من الولايات لحساب نقل خطوط الإنتاج إلى الصين حيث العمالة الرخيصة. وهاجم ترامب قبل وبعد وصوله للبيت الأبيض النخبة السياسة الأميركية، الجمهورية منها والديمقراطية، وهو ما لقى ترحيا كبيرا من الكثيرين في وقت تقل فيه ثقة الشعب الأميركي تجاه سياسييه من الحزبين.
واستغل ترامب (غير المتدين) إيمان التيار المسيحي المحافظ الواسع المؤيد لسياسته الاجتماعية المتشددة، وكرر أن هناك صحوة دينية داخلية يصاحبها دعوات لدور متنام للدين “المسيحي” في المجتمع، وهو ما يمثل انعكاسا أو صدى لأفكار فريق كبير من الأميركيين، الذين يقطن أغلبهم المناطق الريفية أو الجنوب، وضواحي الولايات المحافظة.
“أميركا أولا” و”لنجعل أميركا عظيمة مرة أخرى” و”ضرورة بناء أسوار وحواجز لمنع الهجرة” كلها شعارات لم يخترعها ترامب، بل هي موجودة، ولم تختف منذ تأسيس الدولة الأميركية، لكن ترامب منحها معنى معاصرا يلمس مشاعر ملايين الأميركيين، ولن تختفي حال هزيمة ترامب.
وكان أكثر نجاح لترامب يتمثل في تحصين نفسه ضد كل السقطات الأخلاقية والقيمية التي من شأن كل منها أن تُنهي الحياة السياسة لأي سياسي تقليدي، لم يتفوه ترامب حتى اللحظة بكلمه “آسف” أو “لم أكن أقصد ذلك”، وكان كل ما ذكره كفيلا بإسقاط أي مرشح تقليدي.
وأتصور أن ترامب سيخوض انتخابات 2024 سواء فاز ببطاقة الحزب الجمهوري أو لم يفز بها، حيث سيترشح مستقلا إذا خسر الانتخابات التمهيدية للحزب.
وقد تنتهي محاكمات ترامب بدخوله السجن، إلا أن ذلك لن يوقف حق ترامب الدستوري في الترشح، وربما الفوز بفترة حكم جديدة، يخرج على إثرها من السجن لمباشرة مهامه الرئاسية من البيت الأبيض.
ويؤكد كل خبراء القانون الدستوري الأميركي عدم وجود ما يمنع ترشح ترامب لانتخابات 2024، حتى لو تمت إدانته، أو حتى لو كان يقضي عقوبة السجن.
ولا يمنع دستور الولايات المتحدة المجرمين المدانين من متابعة أو شغل مناصب منتخبة، بما في ذلك الرئاسة. ومع ذلك، فإن التعديل الدستوري رقم 14 مكّن الكونغرس من تمرير القوانين التي تمنع الأفراد الذين شاركوا في تمرد ضد البلاد من شغل مناصب، على الرغم من أن البعض قال إن هناك مجالا لترامب لمحاربة هذا الاحتمال، إضافة لاستحالة موافقة مجلس النواب ذي الأغلبية الجمهورية على مثل هذا الاقتراح.
ومن هنا أخطأ عدد من الساسة الجمهوريين في حساباتهم ممن انتظروا خروج ترامب من المشهد السياسي الأميركي عقب انتخابات 2020 كي يبدؤوا خطوات البحث عن زعامة تيار ترامبي وجد ليبقى. ويخطئ كذلك من يتصور من زعامات الجمهوريين أن القضاء سيوقف ترامب، ويخرجه من الحياة السياسية.
ترامب سيبقى زعيما للترامبية سواء سُجن أو لم يُسجن، وسواء انتصر في انتخابات 2024 أو لم ينتصر. ولن يتخلص الجمهوريون من عبء ترامب إلا بوفاته.