أدارت مفتاح مذياع السيارة على موجة عشوائية، سمعت فيروز تصدح بأغنيتها الشهيرة بنت الشلبية عيونها لوزية، راحت تهمس بكلمات الأغنية، أيام على البال بتعن وتروح، وتتمايل مع اللحن الخلاب للرحابنة، وهي تسير بسيارتها على شاطئ البحر، عندما شاهدت سيارة تمرق مسرعة كالريح تضربه وتطيح به على الرصيف، توقفت فجأة في منتصف الشارع بين السيارات، أخذت تجري لتلحق به، تركت متعلقاتها الشخصية في سيارتها وعبرت الشارع ذو الحارات الخمس، بينما آلات تنبيه السيارات من حولها تعوي من كل جانب وأخرج أحدهم رأسه من نافذه سيارته وانهال عليها بالسباب واللعنات ومرق من بين السيارات المسرعة، لم تبالي بذلك فلم تسمع سوى أنين الجرو، وصرخاته الواهنة، وجدت إحدى ساقيه مكسورة وبها جرح غائر وهو بعد جرو صغير، أخذته وعادت إلى سيارتها فلم تجد حقيبة يدها التي تركتها!

في العيادة قام الطبيب بعمل جبيرة من الجبس وكتب لها بعض الأدوية الهامة التي يجب أن يتناولها، بعد أن عرف ما قامت به رفض الطبيب أن يأخذ أي أتعاب مردداً هذا أقل ما يجب أن أقدمه …..

سارعت بالقول أسميته… شلبي … لم تعرف لم قفز هذا الاسم على خاطرها ربما كلمات أغنية فيروز دفعتها لا شعورياً لاختيار هذا الاسم؟

الطبيب ضاحكاً اسم لطيف … لا تترددي في الاتصال بيّ إذا ما احتاج شلبي إلى شيء.

شكرته وانصرفت عائدة إلى المنزل، في السيارة، كانت نظرات الجرو الصغير بجوارها مزيج من الامتنان والتوسل أن لا تتركه فريسة للضباع الحديدية الجائعة التى تهوى على الطريق، ربتت على رأسه أن لا تقلق ستبقى معي حتى يشتد عودك.

في منزلها داومت على رعايته حتى تعافى، بعد عدة أسابيع استرد قوته وعاد قادرا على السير وحده.

وضعته في الحديقة الخلفية القريبة من منزلها، كانت تذهب إليه في ذهابها وإيابها كل يوم تحضر له الطعام وتضع له الماء، تلهو معه للحظات كانت بالنسبة لشلبي أجمل لحظات عمره الصغير.

في الحديقة ترافق شلبي مع صديق آخر له يكبره بعدة أشهر هو(عنتر)، فأصبحا لا يفترقان يذهبان معاً ويجيئان معاً، كانا هما حراسها الشخصيين، ضد كل من تسول له نفسه أن يلحق بها أي أذى، كانا يحيطونها جيئة وذهاباً ، ولا يتركاها حتى تصل إلى بيتها في سلام.

ظلا هكذا حتى جاءها من يطرق على الباب طرقات متعجلة قلقة كانت الساعة تشير إلى الثالثة بعد ظهر ذلك اليوم الحار من أيام الربيع .

عندما فتحت الباب وجدت أمامها حارس العقار المجاور لمنزلها يلهث ويعتذر في ذات الوقت على قدومه بهذا الشكل المتعجل، وكان الارتباك والخوف يسيطر على ملامحه…

نظرت إليه فزعه ماذا حدث؟

هناك من أطلق الرصاص على شلبي وهو الآن غارق في دمائه ولا نعرف كيف ننقله إلى أقرب طبيب.

صرخت ولم تدري بنفسها إلا وهي تعدو على الدرج بملابس البيت والفزع يملىء عينيها، أخذت تركض إلى الحديقة والحارس يركض خلفها لاهثاً، كانت تسابق الزمن لإنقاذ شلبي.

عندما وصلت أزاحت الواقفين حوله وجلست بجواره على أرض الحديقة تتفحصه نظر إليها بعيون حزينة متوسلة ، ربتت عليه ، ثم حملته ودمه يسيل على الأرض وعلى ملابسها أسرعت بنقله في سيارتها الواقفة على مقربة من الحديقة إلى أقرب طبيب متاح في ذلك الوقت.

في الطريق إلى العيادة هاتفت الطبيب وقصت عليه ما حدث لشلبي لم تعرف من روع المفاجأة كيف حدث ذلك ولا من الجاني ولا الأسباب التي دفعته لذلك؟ إنقاذ شلبي يأتي أولاً ثم نفرغ بعد ذلك لهذه الإجابات.

عند وصولهم إلى العيادة كان الطبيب قد أعد كل شيء، وضعه على جهاز الأشعة وعلق له بعض المحاليل، كانت الإصابة عبارة عن رصاصتين واحدة أصابت رأسه بين العينين وأدت إلى نزيف في المخ والرصاصة الثانية في جسده وقد أصابت الكبد، وأدت إلى نزيف داخلي حاد، كانت حالته حرجة للغاية مغمض العينين وأنفاسه متقطعة، مع محاولات إنقاذه المستحيلة لفظ أنفاسه الأخيرة ، فتح عينيه ناظراً إليها نظرة الوداع الأخيرة قبل أن يرحل.

وقف الطبيب يواسيها ولا يعرف ماذا يقول …. نزلت تسحب قدميها سحباً والألم يعتصرها ,على باب العيادة وجدت صديق عمره (عنتر) ينتظر خروجها ومعها شلبي، نظر إليها وعينيه تسأل ماذا حدث لشلبي؟ أين هو الآن؟ ربتت عليه ودموعها تملىء وجهها وسارت نحو الحديقة تستعلم ماحدث؟ نزل خلفها يجتر آلامه ودموعه تسيل وأنين صرخاته المكتومة التى يصدرها كانت مسموعة لدرجة استرعت سمع السائرين في الشارع فظنوا أنه مريض أو يتألم من شيء ما ؟

قال شاهد عيان وجدنا سيارة شرطة ينزل منها أحد الضباط ويتجه صوب شلبي ويطلق عليه رصاصتين من مسدسه الميري ويعود إلى السيارة يستقلها ويهوي بها وسط ذهول كل من بالحديقة .

لم يعرف على وجه الدقة لم حدث ذلك؟ ولا هي الدوافع؟ وماذا اقترف شلبي ليلقى هذا المصير ؟

تلطخت الحديقة بدماء شلبي التي لم تجف ، وجراحه هي جراح كل من شاهد مقتله ولم يقوى على فعل شيء .

عندما ذهبت إلى قسم الشرطة لتحرر محضراً بما حدث ,علمت هناك أن القانون لا يدين قاتل مجهول ؟ ولا يحرر محضر ضد مجهول الهوية!

خرجت من القسم بخيبة أمل كبيرة، سارت بين الناس ساهمة ونظرات شلبي الأخيرة في مخيلتها لم تفارقها بينما يأتي صوت فيروز من بعيد بنت الشلبية عيونها لوزية، كسر الخواطر يا ولفي ما هان عليا.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

Exit mobile version