بقلم: هشام المغربي

لم تكن الطائرة المتجهة إلى لوس انجلوس ممتلئة بالركاب كما كنت أتوقع قبل صعود الطائرة، كان هناك العديد من الأماكن الشاغرة، تركت مقعدي بجوار رفقاء الرحلة وجلست خلفهم في مقعد خالي بجوار النافذة.

بدأعرض فيلم اسباني مترجم إلى الإنجليزية، بعد بدايته بخمس دقائق كنت قد غبت تماماً عن الواقع وغفوت في نوم عميق فلم أذق طعم النوم منذ اليوم السابق على مغادرة مدريد، بعد قرابة أربع ساعات من النوم المتواصل أيقظتني المضيفة الإسبانية الحسناء لتناول وجبة أخرى غير التي قدموها في بداية الرحلة واعتذرت عنها لحاجتي الملحة إلى النوم، كانت الساعة تقريباً حول الثانية بعد الظهر، بعد قرابة خمس ساعات طيران والرحلة لم تصل بعد إلى منتصفها، حيث المسافة من مدريد إلى لوس انجلوس تصل إلى ثلاثة عشرة ساعة طيران.

بعد دقائق من توزيع وجبة العشاء أعلن الكابتن عن ضرورة ربط الأحزمة فوراً وكانت المضيفة واقفة أمامنا لتمليء لنا أكواب القهوة والمشروبات وإذا بالطائرة تعلو وتهبط في حركة سريعة مباغتة وكأنها ستهوى بنا ! وانقلبت أكواب القهوة والشاي فوق ملابسنا وبعثرت بعض الأمتعة الشخصية التي يضعها الركاب تحت مقاعدهم كحقائب يد السيدات وغيرها، وسمعنا صراخ النساء والأطفال يعلو وبكاء البعض منهن تزايد، هرعت المضيفة نحو مقعدها في وسط الطائرة وربطت حزام المقعد وهكذا فعلنا جميعاً، ظلت الطائرة تهتز بعنف شديد للغاية لتعلو وتهبط كورقة في مهب ريح عاتية بينما أصوات صراخ النساء والأطفال تتعالى من كل مكان داخل الطائرة، كانت لحظات من الرعب الحقيقي قاربنا فيها على موت محقق، وأصوات الرجال تدعو الجميع للهدوء وسمعنا بعض آيات من الإنجيل والقرآن تتردد عبر الأصوات الصاخبة والدعاء بلغات عدة يتردد على ألسنة الركاب والعرق يتصبب من الجميع من هول اللحظة، استمر ذلك لدقيقتين تقريباً مرا كأنهما الدهر.

أعلن الكابتن بعدها فك الأحزمة، وأن ما حدث هو نتيجة مطبات هوائية قوية عادة ماتحدث عبر المحيط ولكنها ربما الأعنف هذه المرة، ولكن في كل الأحوال ليس هناك أي شيء يدعو للقلق!

بعد أن تسرب الدم من أوردتنا وكدنا نموت رعباً، بدأ الهدوء يسري في أرجاء الطائرة بعد لحظات من الهرج والصريخ وعادت الأمور إلى حيث بدأت، وأطفأت كل الأنوار وبدأ في عرض فيلم جديد وكان فيلماً كوميدياً لشارلي شابلن وأثناء عرض الفيلم مرت المضيفة بعربة جديدة عليها بعض المرطبات والساندوتشات الباردة وأكياس مضغوطة من الفول سوداني، وما أن شاهدها أحد المصريين تدفع العربة أمامها حتى رفع يديه واختبأ تحت المقعد وردد الشهادة مازحاً في إشارة لما حدث للطائرة وقت توزيع المشروبات، ضحكت المضيفة بصوت مسموع وأمسكت يده وأخرجته من تحت المقعد أن لا تقلق، وضحكنا جميعاً معها .

مر الوقت بطيئاً حتى أعلن قائد الطائرة أننا قد اقتربنا من الهبوط بسلام إلى لوس انجلوس وطلب إعادة ربط الأحزمة استعداداً للهبوط .

تنفسنا الصعداء واستمر الهبوط قرابة 25 دقيقة تقريباً، هبطنا من الطائرة بسلامة الله، و وقفنا أمام ضابط الجوازات الذي طلب استكمال بعض البيانات في بطاقة الدخول ثم وضع خاتم الدخول على الجوازات ومدون بها فترة الإقامة المسموحة لنا وكانت ستة أشهر كاملة داخل بلاد العم سام تنتهي في 10 فبراير 1990 .

التقطنا ثلاث عربات للحقائب وكانت العربة تؤجر بدولار أمريكي واحد ! وكان هذا أول مطار يصادفنا في تلك الرحلة متعددة المطارات يتقاضى مبالغ نقدية لاستخدام العربات .

كانت صديقتنا المرافقة لنا في رحلة لوس انجلوس والتي سأطلق عليها إسم مستعار هو ( سها ) قد دبرت لنا كل شيء في هذه الرحلة بدءً من قدوم أصدقائها إلينا في المطار ليصطحبونا معهم إلى منزل والدتهم المهاجرة إلى الولايات المتحدة منذ سنوات طويلة والتي سأرمز لها بالسيدة بالسيدة ( أ )، حتى البحث معنا على فندق مناسب قريبا منهم نقضي به عدة أسابيع، حيث كانت والدة سها صديقة صاحبة المنزل المقربة وكانت لها فضل رعاية سها منذ طفولتها قبل وفاة زوجها و هجرتها بعد ذلك إلى الولايات المتحدة الأمريكية .

كان من المقدر أن نمكث في هذا البيت ليلة واحدة فقط، لننتقل بعد ذلك إلى ما نجده منسباً من الفنادق القريبة منهم، ولكن ما حدث أن رفضت صاحبة البيت ( أ ) بشكل قاطع أن نتركها ونبحث عن فندق قريب وأقسمت أننا لن نزعجها وأن البيت يسع لنا جميعاً وأنها قد أعدت كل شيء لتلك الزيارة بل ستسعد بوجودنا معها .

وزعنا أنفسنا على سيارتين أتى بهما الأصدقاء واتجهوا بنا إلى منزل السيدة الفاضلة والدتهم لنقضي لديها هذه الليلة .

لم تكن الوالدة( أ ) قد عادت من عملها بعد , أدخلونا إلى البيت الأنيق وكان عبارة عن صالة استقبال كبيرة مفتوحة على حجرة الطعام ومنها إلى المطبخ وغرفة نوم واحدة مغلقة وبجوارها الحمام , المنزل أنيق في منطقة سانتا مونيكا بمدينة لوس انجلوس يطل على الشارع الرئيسي والمنزل عبارة عن دور علوي واحد مصنوع بالكامل من الخشب كسائر بيوت لوس انجلوس .

لم يطل انتظارنا كثيراً فسرعان ما جاءت سيدة البيت السيدة ( أ ) واستقبلتنا بترحاب شديد وكأنها تعرفنا منذ سنوات أذاب هذا الاستقبال الحار كل الثلوج التي عادة ما تتكثف في مثل تلك المواقف, ثم دلفت إلى المطبخ وعادت بعد قليل وفي يدها أكواب الشاي وقطع من الحلوى قائلة :

دي حاجة كده تصبيره لحد م أحضر العشاء يا أولاد ما تشبعوش قوي سيبوا مكان للعشاء….

وضحكنا وتبادلنا أطراف الحديث مع أولادها الذين سأرمز لهم بالرموز الآتية الأبن الأكبر (هن) وصديقته( بيري) والأبن الأوسط (س ) وزوجته ( ج ) أما أصغر الأبناء الذي تعذر حضوره وحضر إلينا متأخراً في نفس الليلة فهو ( م ) وزوجته (ن )

هنا كانت صديقتنا (سها ) قد بدأ عليها الإعياء الشديد واعتذرت من مضيفتنا لحاجتها الشديدة للنوم.

حاولت أنا النوم دون جدوى بدأت أعراض ما يسمى (بالجيت لاج ) أو اضطربات أوقات النوم تظهر علىّ، قررت أن أخرج للتجول في منطقة قريبة من البيت لتمضية بعض الوقت ثم العودة على موعد العشاء .

في الطريق وجدت سيدة أمريكية تجلس على الرصيف, كان الشارع تقريباً خالياً من المارة, كان مظهرها الأرستوقراطي ملفتاً، كانت في منتصف العمر تقريباً جالسة بجوار سيارتها المرسيدس الجديدة وتضع نظارة طبية فوق وجهها وتقلب في كاتالوج السيارة ويبدو عليها القلق الشديد عندما اقتربت أكثر استوقفتني قائلة: هل تعرف كيف أبحث في هذا الكاتالوج ؟

سألتها ماذا في سيارتها يستدعي ذلك، فأشارت إلى الإطار الأمامي للسيارة الذي كان مساوياً للأرض بلا هواء تقريباً ! قائلة : تركتها أقل من ساعة لموعد هام وعندما أتيت وجدتها على هذا النحو .

ضحكت وقلت لها اغلقي هذا الكاتلوج الأمر أبسط من ذلك بكثير، نظرت إلي نظرة متوجسة حائرة …

طلبت منها بثقة، أن تفتح شنطة السيارة, ووجدت بها مفتاح حل الإطارات وآلة رفع السيارة المسماة ( الكريك ) والإطار الإحتياطي فأخرجتهما وأكملت تغيير الإطار وهي تنظر إليّ كمخترع أو خبير عالمي في علوم الفضاء وبعد أن انتهيت نظرت إليّ شاكرة ثم قالت لابد أن لديك نفس موديل السيارة وأنك مررت بتلك التجربة من قبل واضح جداً من تناولك السريع للأمر أنك على دراية كافية بذلك، ابتسمت وقلت لها نعم هو كذلك بالضبط، لم تعرف تلك السيدة أن ما قمت به يقوم به صبي صغير نطلق عليه في مصر( بليه) ربما لا يفك الخط أو لا يعرف الألف من كوز الدرة.

سألتني كم لابد أن أدفع لك الآن ؟ فتعالت ضحكتي قائلاً أنا لم أفعل شيء يستحق , هذا أمر بسيط للغاية …

سألتني من أي بلد أنت ؟ وعندما عرفت مصري انفرجت أساريها مبتهجة قائلة زيارة مصر ظل حلماً بالنسبة لي لسنوات عديدة، اعدك أن أحقق هذا الحلم وأزور مصر قريباً أصبح لي فيها الآن صديق أعرفه .

طلبت أن توصلني إلى أي وجهة أتوجه إليها فاعتذرت وتركتها وهي ممتنة أن أوقعها قدرها في خبير سيارات مثلي !

بعد عودتي للمنزل وبعد العشاء حاولت جاهدا أن أخلد للنوم دون أي جدوى ووجدت صديقي كذلك لم يغفل له جفن أدرنا التليفزيون وكان 52 قناة فقط غير عدد لا محدود من قنوات الكابل ذات الاشتراك الشهري جلسنا نقلب في القنوات حتى طلع علينا النهار .

بعد قليل قامت السيدة ( أ ) من نومها وكان يوم السبت العطلة الأسبوعية قائلة :

صباح الخير يا ولاد ياترى نمتوا كويس ؟

ضحكنا وقولنا في صوت واحد احنا لسه مانمناش !

بعد لحظات قدم إلينا (س) وزوجته (ج ) الذين يقيمان في ذات الشارع على مقربة من والدتهما وقد قررا أن يأتيا ليتناولا طعام الإفطار معنا كونه يوم عطلة لكليهما.

كان الإفطار مصرياً مائة بالمائة أصر (س) على إعداد طبق فول مدمس على الطريقة الإسكندراني وأعدت السيدة ( أ ) طبق فلافل مقلية بيتي وأنواع مختلفة من الجبن والبيض المسلوق والمفاجأة عيش مصري بالردة .

كان إفطاراً شهياً للغاية بعد الإفطار جلسنا نتحاور في أمور عديدة ثم جاء خال الأولاد شقيق السيدة ( أ ) السيد ( مو ) ليسلم علينا بعد أن عرف من شقيقته أننا بمنزلها …

في العقد السادس من عمره طويل قوي البنية أسمر اللون له شعر فاحم السواد حتى تظنه هندياً, زائغ العينين، خفيف الظل إلى درجة لا يترك موقف إلا ويعلق عليه تعليقاً يجعلنا ننفجر من الضحك دون أن يقصد فعل ذلك .

أبدينا رغبتنا في إيجار سيارة وذهبنا إلى أحد صالات الإيجار كان إيجار سيارة لليوم الواحد 25 دولار لسيارة حديثة موديل 1989 كاملة الكماليات من ماركة فورد

كان من مزايا التعاقد أننا نستطيع ترك السيارة في أي مكتب للشركة وفي أي ولاية ليس بالضرورة أن نعيدها من حيث استلمناها .

كان من أسباب استئجار السيارة هي رغبتنا السفر إلى لاس فيجاس وهو ما حدث بعد ذلك.

قبل التوجه إلى المنزل نصحنا مرافقنا ( م ) أن نتوقف في كافيه له إطلالة على مياه المحيط ومن مزايا هذا المكان انك تدفع حساب مشروب واحد فقط وتستطيع أن تشرب ما شئت من مشروبات بعد ذلك مجاناً مرتين, ثلاثة أو أكثر كما يحلو لك ! فكانت تلك تجربة مثيرة لم نعرفها في مصر !

أكثر ما لفتني هنا في امريكا هو الأحجام …. حجم أي شيء يتميز بالضخامة أكواب المشروبات عملاقة, حجم الآيس كريم كذلك غير تقليدي, وكذلك بعض أنواع الفواكه كالموز مثلاً ,الأصبع يزن بلا أي مبالغة نصف باوند على الأقل وهكذا …

تطرق ( م ) إلى محاولته السابقة لزيارة مصر , فذهب إلى السفارة المصرية في سان فرانسيسكو حيث أراد استخراج جواز سفر مصري في مبنى السفارة المصرية بولاية سان فرانسيسكو الذي هو عبارةعن قصر قديم اشتراه الملك فاروق وآلت ملكيته بعد ذلك للحكومة المصرية.

أول ما صادفه هناك كان سخرية موظف السفارة من فكرة رغبته في السفر إلى مصر قائلاً :

تروح مصر تعمل إيه بس ؟ إحنا هنا بنفكر في طريقة نحصل من خلالها على الباسبور الأمريكي اللي معاك ده ومش عارف قيمته !

فرد ( م ) ليه بس أنا ماقولتش مش عارف قيمته ولا حاجه أنا بس عايز أزور مصر ماشفتهاش من وأنا طفل في المدرسة ليس أكثر ثم أكمل :

ياريت تقولي الأوراق المطلوبة كلها وهل ممكن أرسلها لكم بالبريد حيث أقيم في لوس أنجلوس توفيراً للوقت ؟

فرد عليه بجفاء : الأوراق كلها مكتوبة أمامك بعد أن تحضرها بنفسك للتوقيع أمامنا، ستعطى موعد لاستلام الجواز .

قام بتجهيز كل ما طلب منه وسافر مرة أخرى للسفارة وترك لهم الأوراق ووقع أمامهم على النماذج المعدة لذلك وعاد إلى لوس أنجلوس معتقداً أنه قد أنهى كل شيء.

بعد عدة أيام وجد مظروفاً بالبريد الخاص به يعيد إليه كل الأوراق المقدمه منه ومعها خطاب مكتوب به نأسف لأن أوراقك غير مستوفاة نرجو إستيفاء كل الأوراق المطلوبة وإعادتها لنا مرة أخرى باليد ! أطاح بالمظروف بعيداً وأطاح معه بفكرة زيارة مصر .

لم يكن الوحيد الذي قص لنا عن معاناة بشكل أو بآخر من موظفي السفارة المصرية هناك .

فضلاً عن بعض الشكاوي من المعاملة في مطار القاهرة للمصريين العائدين لزيارة مصر أو لإقامة مؤقته أو غير ذلك .

عدنا إلى المنزل فوجدنا صديقتنا ( سها ) تصرخ من آلام مبرحة ودرجة حرارتها مرتفعة جداً وكانت قد وصلت إلى حد ضرب الحائط بكفيها والبكاء والصريخ قمنا بالإتصال بالإسعاف فحضرت في دقائق وقاموا بنقلها إلى مستشفى سانتا مونيكا المركزي وهو أ قرب المستشفيات إلى المنزل.

بعد حوار قصير مع موظف الاستقبال لم يدم سوى دقيقة واحدة دخلت إلى غرفة الكشف ومنها إلى غرفة عمليات الجراحات السريعة وكانت معها السيدتان ( ج ) و( ن)

خرجن علينا بعد حوالي نصف ساعة ونحن في غرفة الانتظار، وقفنا نستقبلهم وبصوت واحد :

عملتي إيه ؟

أبداً ثقب صغير في طبلة الإذن اليسرى استدعى تدخل جراحي عاجل وذلك بوضع قطعة صغيرة من البلاستيك مكان الثقب ستذوب تلقائياً خلال عدة أيام بعد أن يلتأم الثقب .

رجح الطبيب أن ماحدث ربما كان لمستوى الضغط بالطائرة لم تتحمله طبلة إذنها الضعيفة فكان هذا الثقب.

كان واضحاً أنها لاتزال تحت تأثير المخدر, الذي سيزول اثره بعد أقل من ساعة كما أخبرها الطبيب.

قالت (ج ) و (ن ) المطلوب الآن شراء هذه الأدوية التي كتبها الطبيب .

عندما توقفنا أمام إحدى الصيدليات لفتني أن بها أشياء لاعلاقة لها بالدواء مثل ثلاجة مشروبات تعمل بالعملة المعدنية كالموجودة بالمطارات وأيس كريم وجاتوهات وكيك وحلوى وصابون وشامبو وأدوات مكياج وغير ذلك ولم أجد أرفف عليها عبوات الدواء كما اعتدت أن أراها هنا في مصر!

حيث يقوم الصيدلي بتعبئة عبوة صغيرة وفقاً لما هو مكتوب أمامه في روشتة الطبيب من حاويات كبيرة لديه تعمل بالكمبيوتر، ثم يطبع إسم المريض وعنوانه والجرعة اليومية من الدواء على ملصق ويثبته فوق العبوة البلاستيكية الصغيرة .

كان ثمن نوعين فقط من الأدوية ( مضاد حيوي ومسكن آلام ) 85 دولار أي ما يساوي 240 جنية مصري … هذا الدواء قيمته في مصر لا تتجاوز 20 جنية على الأكثر! وعمار يا مصر.

عند عودتنا إلى المنزل وجدنا بعض جيران مضيفتنا السيدة ( أ ) قد بدأوا يتوافدوا للسؤال عن سها بعدما علموا بما حدث لها بعد مشاهدتهم سيارة الإسعاف تنقلها أمامهم، كانت الساعة تقريباً تقترب من الواحدة والنصف ظهراً جلسنا أنا وصديقي معهم وبعد دقائق معدودة كان صوت شخيرنا معاً يتعالى مما دفعهم لحملنا ووضعنا على الآسرة لننام ولم نشعر بأي شيء بعد ذلك حتى صباح اليوم التالي فقد كنا حرفياً غائبين عن الوعي !

في صباح اليوم التالي قررنا أن نسافر بالسيارة إلى لاس فيجاس لقضاء ليلتين في هذه المدينة التي لا تعرف ليلها من صباحها .

عرفنا من الأصدقاء ( س ) و( م ) أي طريق سريع علينا أن نأخذه وقد دونته في ورقه معي وقاد صديقي السيارة وكنت أنا مساعداً له في قراءة عناوين الطرق ومقارنتها بما لدي من أسماء وأرقام

ملحوظة : ( في ذلك الوقت لم يكن اختراع ( الجي بي إس ) قد عرف بعد ) .

تقع مدينة لاس فيجاس في ولاية نيفادا وتعني بالإسبانية المروج – ولم يغير الاحتلال الأمريكي أي اسم لأي ولاية أو ميدان أو شارع كون ذلك تاريخ لايجب محوه أو تزويره وهذا موضوع ليس هنا مجال سياقه – نعود إلى لاس فيجاس هي مدينة اقيمت في قلب الصحراء ليس بها أي شيء يدعو أو يشجع على زيارتها ودرجة الحرارة بها مرتفعة جداً في فصل الصيف وتعد من أشد المناطق حرارة في العالم, ولذا كان التفكير في جعلها مزاراً هاما وينشأ بها من المغريات ما يجعلها مقصداً عالمياً أقيم بها ما يعرف بالستريب وهو طريق طويل يمتد لعدة كيلو مترات وعلى جانبيه شيدت افضل وأفخر فنادق العالم والمفاجأة أن أسعار أفخر فندق الخمس نجوم أقل من سعر غرفة متواضعة في فندق نجمتين في أي ولاية أخرى !

كان السبب الأهم في السفر إلى لاس فيجاس هو زيارة أحد المصريين المقيمين هناك والذي تواصلت معه قبل سفري بناء على توصية من الطبيب المعالج لوالدي الدكتور( ناجي علواني ) رحمه الله وأخبرني قبل السفر أن لديه دواء حديث لم يصل مصر بعد لعلاج مرض تصلب شرايين المخ الذي يعاني منه والدي .

قبل مغادرتنا لوس انجلوس قمنا بالحجز تليفونياً بأحد الفنادق المعروفة في لاس فيجاس.

الفندق على ( الستريب) وسمي بذلك كونه خط طويل يصل طوله إلى حوالي ستة كيلومترات و بسبب كثرة عدد الفنادق المقامة على جانبيه وبها أهم عشرة فنادق في العالم وربما أفخرها أيضاً, الفندق أسمه فلامنجو وهو أحد فنادق سلسة هيلتون الشهيرة.

لم نصدق أن الإقامة والوجبات في هذا الفندق الفاخر لقاء 60 دولار أمريكي في الليلة للغرفة الواحدة!

عرفنا بعد ذلك أن بعض الفنادق تقدم وجبات مجانية وبعضها يقيم موائد مفتوحة بسعر رمزي لا يتجاوز 10 دولار تأكل ما شئت من البوفيه الذي يشمل اللحوم والأسماك والخضروات والفواكه والحلويات بكميات كبيرة جداً كل هذا مقابل هذا السعر الزهيد .

كل تلك العروض والإغراءات مقابل ( اللعب) لعب القمار بكافة أنواعه بالتأكيد الفندق لايجبر أحداً على اللعب ولكن إذا زلت قدمك ودخلت صالات القمار فلن تخرج منها إلا بعد أن تفقد مبلغاً وفيراً من الدولارات فحتماً ستخسر مهما كانت أرباحك في البداية, المحصلة النهائية هي الخسارة هذه تجربة كل من سولت له نفسه دخول تلك الصالات.

صالات القمار مغطاه بالكامل بالستائر الثقيلة العازلة للضوء حيث لاتعرف النهار من الليل وأنت داخلها وهذا مقصود حيث يدير اليهود أغلب الصالات هناك باحترافية بالغة كل شيء مدروس بعناية .

ماكينات العملات المعدنية منتشرة داخل كافة أروقة الفندق وليس بالصالات فقط حتى في دورات المياه فستجد ماكينة تعمل بالعملات ( الفيش ) التي عليك أن تستبدلها من إدارة الفندق أولاً عند وصولك .

لا تسمع في الفنادق مهما كان مكان تواجدك سوى أصوات العملات المعدنية المنهمرة من الماكينات ليل نهار وأي كان مكان تواجدك حتى في قاعات الطعام والحمامات كما ذكرت.

وأنت واقف أمام الماكينة أو إذا كنت جالساً على الروليت أو لاعباً للكارت فمشروباتك مجانية على نفقة الفندق حيث تمر عليك نادلة بملابس خاصة تشبه ملابس البحر ( المايوه ) تختلف الألوان من فندق إلى آخر ولكنهم جميعاً بتلك الملابس وتحمل على يدها صينية كبيرة وعليها أنواع مختلفة من المشروبات العادية والكحولية تقدمها لك بابتسامة عريضة متنمنية لك حظاً سعيداً في اللعب.

في الصالات تختلط الأصوات بين صراخ الرابحين وبين سخط ولعنات الخاسرين وكلاهما لديه الدافع لمعاودة اللعب سواء لتعويض الخسارة أو للمزيد من جني الأرباح ولكن ما يحدث في الواقع هو خسارة كل الأطراف لكل ما معهم .

وقفت خلف أحد لاعبي الكارت لعبة ( بلاك جاك ) بعد أن استرعى انتباهي تزاحم النادلات حوله يتزاحمن لتنال أي منهن شرف إعطاءه مشروب مما تحمل في يدها وكان يقذف لأي فتاة تعطية مشروب بفيشة من فئة العشرة آلاف دولار صائحاً بلهجة خليجية واضحة (هادي إليك وجهك خير علي اليوم) ويقهقه بصوت عال سعيداً بتزاحمهن عليه , بعد أن لعبت الخمر برأسه فلا يعرف ماذا يفعل على وجه التحديد ! كان يضع أمامه رصة فيش كبيرة من هذه الفئة ورصة أخرى أصغر من فئة الخمسين ألف دولار وبحسبة بسيطة لما أمامه تكتشف أن ما يقامر به يتجاوز المليون دولار على طاولة واحدة !

كانت هذه لاس فيجاس و عدنا بعدها إلى لوس انجلوس لليومين نستعد بعدهما للمغادرة بالطائرة إلى هاواي

إلى اللقاء في هاواي

 

 

 

 

 

 

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

Exit mobile version