وكالات

في ليلة من ليالي شهر يوليو سنة 2012، خرج الإعلامي السوري فيصل القاسم، المذيع بقناة الجزيرة، ليقول أن اللواء عمر سليمان تم اغتياله في سوريا، بعد أن استطاع الجيش السوري الحر اختراق مبنى الأمن القومي ليفجره، ذلك المبنى الذي شهد اجتماع لقادة المخابرات العربية والإسرائيلية لمناقشة كيفية إنقاذ نظام بشار الأسد في ظل ثورات الربيع العربي.

وهنا ساد الجدل بعد إعلان خبر مقتل أخطر مدير للمخابرات المصرية ونائب ئيس جمهورية مصر العربية، قُتل في سوريا، في وقت كانت فيه سوريا أشبه بالجحيم إثر حروب الجماعات المسلحة ومحاولات إسقاط حكم بشار الأسد، ومحاولة تكوين جيش جديد تحت اسم “الجيش السوري الحر” ليجارب الجيش الوطني السوري.

وهنا تظهر العديد من الأسئلة تبدأ بالسؤال عن أسباب ذهاب اللواء عمر سليمان إلى سوريا أصلا؟، كيف اجتمع سليمان مع مديري المخابرات العربية والإسرائيلية وهو في هذا الوقت لم يكن مديرًا للمخابرات المصرية؟، حيث كان اللواء مراد موافي مديرا للمخابرات المصرية آنذاك، وإذا كان تم اغتياله بالفعل في سوريا فلماذا قامت مصر وقتها بالإعلان عن وفاته داخل مستشفى كليفلاند في الولايات المتحدة الأمريكية إثر إصابته بمرض السرطان؟، وإذا أخفت الأدارة المصرية الحقيقة بشأن مقتله لماذا لم تُكذب مستشفى كليفلاند وقتها وفاة عمر سليمان وأصدرت بيانا بمقتله في سوريا؟

وإذا كان قد توفي بالفعل في مستشفى كليفلاند لماذا كانت وفاته في نفس وقت الانفجار؟ فهي صدفة غربية!

لماذا عمر سليمان؟!

بمراجعة الأيام الأخيرة في حياة اللواء عمر سليمان نكتشف نقطة مهمة جدًا، تبين ترتيب مراكز القوى في مصر خلال هذا الوقت وكل الأوقات بشكل عام، فعمر سليمان كان القيادي الوحيد في نظام مبارك الذي لم يوجه إليه أي اتهام جنائي أو رسمي في أي جريمة، فهو الرجل الوحيد الذي لم تتم محاكمته، كذلك لم يتعرض إليه أحد بالسؤال عند خروجه من الأراضي المصرية سواء خلال سفره إلى الإمارات وألمانيا ولندن وأمريكا دون الإطلاع على أوراقه، رغم أنه كان في هذا الوقت ليس لديه أي نفوذ رسمي على أرض الواقع.

ونجد أنه في نفس التوقيت الذي أعلن فيه اللواء عمر سليمان عن ترشحه لمنصب رئيس الجمهورية كان يقوم بإجراء أشعة على الصدر تحت إشراف أستاذ أشعة الصدر بمستشفى وادي النيل التابعة للمخابرات المصرية، وأكدت نتيجة الأشعة آنذاك أن سليمان مُصاب بمرض “الميذوسليوما” وهو ورم خبيث يصيب الغشاء البلوري المحيط بالرئة، وبمجرد علم سليمان قرر الانسحاب من انتخابات الرئاسة المصرية رغم الدعم الدولي لترشحه بدءً من السعودية.

ولكن الثابت أن اللواء عمر سليمان قد تم استبعاده من الانتخابات لعدم استطاعته جمع التوكيلات من 15 محافظة، وهو ما يتنافى مع المنطق، فقد استطاع الفنان سعد الصغير آنذاك من جميع التوكيلات، فكيف لم يستطع سليمان فعل ذلك؟

تتمثل الإجابة في محاولته لتوفير غطاء مناسب يسمح له بالانسحاب من الانتخابات دون اضطراره للإعلان عن إصابته بالمرض الخبيث.

مستشفى كليفلاند

بدء سليمان رحلة علاجه من ألمانيا، وبسبب مرضه كانت تتجمع المياه على الرئة، ما اضطرهم للقيام بعملية بذل حتى يستطيع التنفس بصورة طبيعية، لكن مع الفحص اكتشفوا إصابته بمرض “الداء النشواني” وهو مرض خطير جدًا حيث يسمح بتراكم البروتين في خلايا الجسم، وهو ما يدمر الجهاز المناعي ويعتبر كل أجهزة الجسم الحيوية مجرد أعداء يجب التخلص منهم، فيدمر القلب والرئة والكُلى وباقي الأعضاء.

وبمجرد اكتشاف المرض أخبرت المستشفى الألمانية اللواء سليمان أنهم لن يستطيعوا علاج المرض، وأن المكان الوحيد الذي يوفر علاجه هو مستشفى كليفلاند بالولايات المتحدة الأمريكية، ليرفض عمر سليمان السفر إلى أمريكا، نظرًا لعلمه الجيد بأنه على خلاف مع المخابرات الأمريكية، خاصة بعد أن اعترض محاولاتهم لتوطين 750 ألف فلسطيني في سيناء، قبل ثورة يناير بـ6 أشهر فقط، وهو الأمر الذي رفضه مبارك محذرًا السلطات الإسرائيلية بعد فتح الموضوع مرة أخرى محذرًا التطرق له بفتح الحرب بين البلدين من جديد.

ولم تيأس إسرائيل من الخطة، واستكرت في المحاولات مع اللواء عمر سليمان، لكنهم اكتشفوا فيما بعد أن موقفه مثل موقف الرئيس مبارك تماما، ولذلك رفض اللجوء إلى الجانب الأمريكي مع تدهور حالته المرضية.

ولكن مع سوء الحالة أكثر فأكثر، وبعد خسارة نحو 15 كيلوغرام من وززنه اضطر للذهاب إلى الولايات المتحدة لاستكمال علاجه، وبدأت الاتصالات مع الجانب الأمريكي، والتي فرضت شرطًا يتمثل في السفر للعلاج من الإمارات ودون علم أي أحد بسفره إلى أمريكا، وهو ما وافق عليه سليمان.

وبمجرد وصوله يوم 16 يوليو عام 2012، دخل المستشفى تحت رقم طبي 70834723 وتحت منسؤولية الطبيب راندال سي ستارينج، وبمجرد الدخول قام الكادر الطبي بأخذ 16 عينة طبية من جسده لتحليها، تمثلت في مسحة حيوية من الرئة والطحال والكبد والأمعاء، بالإضافة إلى عينتين دم وعينة بول وبراز وخصلة من الشعر، ومسحة بيولوجية من الجلد، وعينة أخرى من المريء والبلعوم، وعينة مركزة من النخاع الشوكي والدم.

ويفرض القانون الأمريكي على كافة المستشفيات بالاحتفاظ بكافة بيانات المريض وتحاليله وعيانته الطبية لمدة 10 سنوات في الأرشيف الحيوي، حتى يتم الرجوع لها في حال أي بلاغ ضد الكوادر الطبية، ولكن ما حدث هنا كان مختلفا، فنجد أن ما حدث مع سليمان كان مخالفًا للقانون الأمريكي.

فبمجرد وفاته اختفت كافة عيناته وتقاريره الطبية من مستشفى كليفلاند، والتي تم تسليمها إلى المخابرات الأمريكية، وهيئة الأمن القومي الأمريكي والمباحث الفيدرالية، وبالتي لا يعتبر هذا خرق للقوانين، وهو ما رفضت الإفصاح عنه المخابرات الأمريكية باعتباره أسرار أمريكية نظرًا لكون عمر سليمان مدير مخابرات سابق، ومن المنتظر الإفصاح عن أخبار وفاته وبياناتها بعد 50 عامًا بموجب القانون الأمريكي، وبالفعل تم تحديد يوم 19 يوليو لعام 2062 للإفراج عن ملف اللواء عمر سليمان الطبي.

بلاغ للنائب العام

وقامت صحيفة روزاليوسف المصرية بنشر هذه المعلومات بتاريخ 3 أغسطس 2012.

ليظهر السيد محمد فريد زكريا، عضو سابق بمجلس الشورى المصري ورئيس حزب أحرار الثورة والصديق المقرب من اللواء، ليقدم بلاغ رسمي للنائب العام يتهم فيه المخابرات الأمريكية باغتيال عمر سليمان، وذلك بناءًا على حديثه مع اللواء بعد استدعاء اللواء له بمستشفي وادي النيل، ليبيح له ببعض المعلومات ليُعلنها في حال تعرض سليمان إلى أي حادث، موضحًا أن اختياره بالتحديد كان بسبب عدم معرفة المخابرات الأمريكية عن علاقته مع اللواء سليمان.

وتمثلت تلك المعلومات التي قدمها زكريا في البلاغ، في استطاعة المخابرات الأمريكية بإصابة اللواء عمر سليمان بأشعة متطورة جدًا تقوم بالقضاء على كافة أجهزة الجسم، وذلك لرفضه مخططهم بتوطين 750 ألف فلسطيني في سيناء، بل وتهديد سليمان بفتح الصندوق الأسود في وسائل الإعلام المصرية.

ولم يتم التحقيق في بلاغ زكريا بشكل رسمي نظرًا لعدم تقديمه أي أدلة تثبت صحة كلامه، فكان الكلام مرسل.

كيف كان سليمان بطلا لقصة سوريا

بدء الإعلامي السوري فيصل القاسم على قناة الجزيرة، عندما أعلن في تغريدة على موقع تويتر بأن اللواء عمر سليمان كان ضمن ما ماتوا في حادث تفجير مبنى الأمن السوري، وهو الخبر الذي يحمل في طياته معلومات صحيحة ومعلومات خاطئة.

تتمثل المعلومات الصحيحة في أن الجيش السوري الحر استطاع بالفعل تفجير مبنى الأمن القومي السوري بمن كانوا فيه، وهم مبدئيًا وزير الدفاع ووزير الداخية وقاصف شوكت نائب رئيس وزير الدفاع السوري وصهر الرئيس السوري بشار الأسد وهشان بختيار، رئيس المخابرات السورية، واللواء حسن تركماني، رئيس خلية إدارة الأزمة، وبالفعل ماتت هذه الشخصيات في الانفجار، ولا يستطيع أحد التشكيك في ذلك.

أما من تسبب الإعلان عن موتهم في حالة من الجدل؛ بن عويل شامير، رئيس جهاز المعلومات الخارجية بالشاباك الإسرائيلي، نظرًا لأن إسرائيل أعنت موته في فيينا بعد الانفجار بيوم واحد، أما الشخصية الثانية فكان هاكان فيدان، مساعد رئيس الاستخبارات التركية آنذاك، وهذا الشخص بالتحديد لا يزال حيًا حتى الآن حيث تولى منصب وزير الخارجية منذ فترة.

وهنا يمكن الربط بين قصة كل من بن عويل شامير واللواء عمر سليمان، حيث تم الإبلاغ عن وفاة كل منهما في نفس وقت الانفجار ولكن في بلدان مختلفة، ليستمر احتمال موتهم بالانفجار على الساحة مع احتمالية إخفاء دولهم لتلك الأخبار.

ولكن في حالة اللواء عمر سليمان كانت تحركات الرحلة الطبية لسليمان، وتاريخ دخوله أمريكا للعلاج، كلها معلومات تؤكد صحة وفاته إثر السرطان، بالإضافة إلى تصريحات قادة الجيش السوري الحر الذين قاموا بأعمال التفجير، ففي حوار للعقل المدبر للتفجير مع جريدة اليوم السعودية أكد عدم وجود عمر سليمان ضمن قائمة قتلى التفجير، كذلك رياض الأسعد، قائد الجيش السوري الحر، والذي قال في تصريحات لجرية الخبر الجزائرية نفى خبر وجود عمر سليمان ضمن الضحايا.

ومن جانبه أوضح بسام الدعدع، المستشار السياسي للجيش السوري الحر في تصريحات لوكالة أنباء الأناضول، أن إقحام اسم عمر سليمان ضمن الضحايا محاولة من المخابرات السورية للتشويش عن نجاح العملية والتشويش عن عدم قدرة الجيش السوري الوطني على حماية قياداتهم العسكرية.

ولكن يتبقى أهم سؤال في هذه الرواية ليتمثل في ما هو سبب إخفاء الولايات المتحدة للعينات الـ 16 الخاصة بعمر سليمان وعدم تسليمها للسلطات المصرية؟

الخلاصة

لم يكن اللواء عمر سليمان ضمن قائمة من قُتلوا في حادث تفجير مبنى الأمن الوطني السوري، ولكن لجأت القوات السورية إلى نشر هذا الخبر حفظًا لماء وجهها، حيث لم تستطع توفير الحمياة الكافية لقياداتها الذين اجتمعوا في البمنى آنذاك.

وكانت إصابة سليمان بمرض السرطان وأمراض مناعية أخرى سبب انسحابه من الانتخابات المصرية الرئاسية في ذلك الوقت، وهي ما أدت فيما بعد إلى وفاته في مستشفى كليفلاند بالولايات المتحدة، وهو ما تم تسجيله ويمكن التأكد منه من ملفه بالمشفى الشهير، ولكن يُشكّل إخفاء بيانات اللواء سليمان ورفض المخابرات الأمريكية تسليمها للسلطات المصرية علامة استفهام كبرى يجب الوقوف عندها والبحث فيها.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

Exit mobile version