وكالات:
أعلن رئيس مجلس النواب بدء محاكمة برلمانية بحق الرئيس جو بايدن تهدف إلى عزله من منصبه بسبب مزاعم “فساد” و”استغلال السلطة”، فما احتمالات نجاح الجمهوريين في مسعاهم بحق الرئيس الديمقراطي؟
كيفين مكارثي، رئيس مجلس النواب الأمريكي، أعلن عن الخطوة مساء الثلاثاء 12 سبتمبر، بينما ردَّ البيت الأبيض معتبراً أنها “أسوأ حالات السياسة المتطرفة”، وهو ما يزيد مزيداً من الوقود على نيران الانقسام السياسي المستعرة في واشنطن منذ سنوات.
بماذا يتهم الجمهوريون الرئيس بايدن؟
يوجه الجمهوريون إلى الرئيس الديمقراطي جو بايدن اتهامات بالفساد وسوء استغلال السلطة ترجع إلى فترة توليه منصب نائب الرئيس الأسبق باراك أوباما لفترتين متتاليتين (2008-2016)، وفي القلب من تلك الاتهامات يأتي هانتر بايدن، نجل الرئيس.
يزعم الجمهوريون أن بايدن الأب استغلَّ سلطته كنائب للرئيس لتمكين نجله من الحصول على مناصب في شركات أجنبية، في أوكرانيا والصين ودول أخرى، جنى من خلالها الابن عشرات الملايين من الدولارات دون وجه حق. كما يزعمون أن بايدن الأب نفسه كوَّن ثروته من خلال الطريق نفسه.
وقال مكارثي للصحفيين: “أوجه لجان مجلس النواب بفتح تحقيق رسمي لمساءلة الرئيس جو بايدن.. سنذهب إلى حيث تأخذنا الأدلة”، مضيفاً أن المشرِّعين (الجمهوريين) في عدة لجان سيبدأون في جمع الأدلة على ارتكاب مخالفات مالية محتملة.
النائب الجمهوري، سكوت بيري، قال لصحفية تساءلت إذا ما كانت هناك أدلة فعلية تثبت تلك المزاعم: “هذا (محاكمة بايدن البرلمانية بهدف عزله) ليس انتقاماً سياسياً. لدينا الحسابات البنكية. يمكن أن تري يا سيدتي أن المنازل التي تمتلكها أسرة بايدن لا يمكن أن يكون قد تم شراؤها من خلال رواتب عضو في الكونغرس أو مجلس الشيوخ (يقصد جو بايدن قبل أن يصبح نائباً للرئيس ثم رئيساً لاحقاً)”.
وأضاف بيري، بحسب Foxnews: “تفهمين أيضاً أنه ليس من العادي بالنسبة لأفراد العائلة (عائلة بايدن) أن يتلقوا ملايين الدولارات من مصالح وشركات خارج البلاد. هذه كلها أمور ليست عادية ولا طبيعية. ليس من الطبيعي امتلاك 20 شركة وهمية. هذه ليست أموراً عادية وهي لا تعكس فقط فساداً مستشرياً بل تعكس أيضاً وجود عمليات غسيل أموال إذا لم يكن إساءة استغلال النفوذ السياسي في أبشع صوره”.
شريك تجاري سابق لنجل بايدن كان قد قال خلال جلسة استماع بمجلس النواب، إن هانتر بايدن باع “وَهْم” التقرب من السلطة عندما كان والده نائباً للرئيس، وفقاً لنص صدر في الشهر الماضي.
والمؤكد أن بدء الجمهوريين، الذين يتمتعون بأغلبية ضئيلة في مجلس النواب، إجراءات محاكمة الرئيس بايدن بهدف عزله من منصبه تمثل فصلاً جديداً من فصول الاستقطاب الحاد الذي تعاني منه أروقة السياسة في واشنطن خلال السنوات القليلة الماضية، وبالتحديد منذ تولي الجمهوري دونالد ترامب الرئاسة خلال الفترة من 2016-2020 وما نتج عن تلك السنوات الأربع من انقسام غير مسبوق في تاريخ أمريكا الحديث.
الرئيس السابق ترامب كان قد تعرض لمحاكمة العزل مرتين، الأولى عرفت باسم “أوكرانيا-غيت” أو فضيحة أوكرانيا، والثانية بسبب أحداث اقتحام أنصاره لمبنى الكونغرس يوم 6 يناير/كانون الثاني 2021 لمنع تصديق الكونغرس على فوز جو بايدن بالرئاسة بسبب مزاعم ترامب بأن الانتخابات سرقت وأنه كان الفائز بها رغم عدم وجود أدلة تدعم تلك المزاعم.
الآن يقول الديمقراطيون إن تحرك الجمهوريين لمحاكمة بايدن برلمانياً بهدف عزله ليست إلا “انتقاماً سياسياً” لما تعرض له ترامب، خصوصاً أن المعطيات الحالية تشير إلى أن ترامب على الأرجح سيفوز بدعم الحزب الجمهوري لخوض السباق الانتخابي العام المقبل وبايدن هو المرشح الديمقراطي الأبرز، أي أنهما قد يتواجهان مرة أخرى في نوفمبر/تشرين الثاني 2024.
كيف يرد الديمقراطيون؟
قال البيت الأبيض إنه لا يوجد أساس لإجراء تحقيق أو محاكمة للرئيس بينما سخر بايدن نفسه من الجمهوريين بشأن موضوع المساءلة المحتمل بهدف العزل. إذ قال متحدث البيت الأبيض لشؤون المراقبة والتحقيقات إيان سامز، إن “الجمهوريين بمجلس النواب يجرون تحقيقات ضد الرئيس بايدن منذ 9 أشهر، ولم يعثروا على أي دليل على ارتكاب أي مخالفات”.
وأضاف سامز في منشور على منصة “إكس” أن رئيس المجلس مكارثي “تعهد (سابقاً) بإجراء تصويت لفتح أي قضية عزل، لكنه الآن يتخبط لأنه لا يحظى بالدعم”، في إشارة إلى اتخاذ مكارثي قرار البدء في تحقيقات عزل بايدن دون تصويت من أعضاء المجلس. ووصف متحدث البيت الأبيض الدعوة لعزل بايدن بأنها “سياسة متطرفة في أسوأ حالاتها”.
شبكة CNN التي تدعم بايدن والديمقراطيين نشرت تحليلاً عنوانه “مساءلة العزل الأكثر توقعاً في التاريخ الأمريكي”، رصدت فيه كيف أن إطلاق مساءلة/ محاكمة برلمانية بهدف عزل الرئيس يفترض أن تكون زلزالاً سياسياً في تاريخ البلاد، لكن إعلان مكارثي بدا وكأنه “مجرد نتيجة حتمية متوقعة للأمراض التي تعاني منها السياسة الأمريكية حالياً”، وليس زلزالاً دستورياً.
فقد أعلن مكارثي نفسه أن إطلاق إجراءات مساءلة بايدن هي “الخطوة المنطقية التالية” في ظل مزاعم الجمهوريين بوجود فساد مستشرٍ، رغم عدم وجود أي أدلة تدعم تلك المزاعم. وبحسب تحليل الشبكة الأمريكية، تعتبر الخطوة منطقية بالفعل لكنها خطوة سياسية أكثر منها “مساءلة قائمة على وجود أدلة”.
المقصود هنا هو أن الديمقراطيين يبدون متأكدين تماماً من أن مساءلة بايدن ليست سوى تحرك “يائس” من جانب الجمهوريين هدفه الانتقام لتعرض دونالد ترامب للمساءلة مرتين خلال فترته الرئاسية الوحيدة حتى الآن، وهو الرئيس الأمريكي الوحيد الذي تعرض لهذا الموقف.
فقد شعر كثيرون في حزب مكارثي بالغضب عندما قام مجلس النواب، الذي كان يسيطر عليه الديمقراطيون آنذاك، بإجراء مساءلة للرئيس الجمهوري دونالد ترامب مرتين، على الرغم من تبرئته في المرتين في مجلس الشيوخ. وقال بعض المشرعين من الجناح اليميني الجمهوري إنهم سيحاولون عزل مكارثي من منصب زعيم مجلس النواب إذا لم يمض قدماً في مساعي مساءلة بايدن.
ما فرص تأثير “العزل” على إعادة انتخاب بايدن؟
يمكن القول إنه لا توجد فرص حقيقية أمام الجمهوريين للمضي قدماً في إجراءات مساءلة جو بايدن، وربما حتى لا تصل الأمور إلى حد التصويت في مجلس النواب الذي يترأسه كيفين مكارثي، وحتى إذا ما حدث ذلك، فإن مجلس الشيوخ الذي يتمتع فيه الديمقراطيون بأغلبية طفيفة سينهي الأمور ويفشل محاولات الجمهوريين.
إذ تنص إجراءات مساءلة أو محاكمة الرئيس (أو أي مسؤول عام في الإدارة) بهدف العزل من المنصب، على أن يحظى الإجراء بأغلبية ولو بسيطة في مجلس النواب حتى تنتقل الأمور إلى مجلس الشيوخ. لكن حتى تتم إدانة الرئيس تمهيداً لعزله من المنصب، لابد أن يوافق ثلثا أعضاء مجلس الشيوخ على قرار الإدانة، وهو أمر مستبعد تماماً في ظل الأغلبية التي يتمتع بها الديمقراطيون.
لكن المساءلة في حد ذاتها ستزيد من الانقسام الحاد الذي تعيشه واشنطن والولايات المتحدة عموماً، والتي من المتوقع أن تزداد حدتها أكثر خلال عام الانتخابات، خصوصاً أن هانتر بايدن يخضع حالياً للتحقيق من جانب محقق خاص عينته وزارة العدل وهو ديفيد وايس، الذي يتهمه الجمهوريون بالتساهل مع نجل الرئيس.
المؤكد هو أن ترامب سيكون الرابح الأكبر من مساءلة بايدن في الكونغرس، فرغم أن الرئيس السابق يواجه 4 قضايا متهم فيها بـ91 تهمة جنائية، إلا أن تعرض خصمه اللدود للمساءلة في مجلس النواب بتهم “الفساد” و”سوء استغلال السلطة” سيعطيه الفرصة للتأكيد على أنه (ترامب) كان على حق في اتهاماته لبايدن ونجله منذ البداية.
النقطة الأخرى التي قد يستفيد منها الجمهوريون هي أن وسائل الإعلام الكبرى في أمريكا، والمعروف عنها الميل نحو الديمقراطيين، ستكون مضطرة إلى تغطية تلك المساءلة، التي يتوقع أن يتم بثها على الهواء، وهو ما يقدم منصة للتيار الأكثر تطرفاً داخل أروقة الحزب الجمهوري ليطلق اتهاماته ومزاعمه بشأن فساد عائلة بايدن، حتى وإن لم يتمكنوا من تقديم أدلة دامغة تثبت تلك الادعاءات، ففي نهاية المطاف، نحن بصدد محاكمة سياسية وليست محاكمة جنائية.
وعندما أطلق دونالد ترامب حملة شرسة ضد هانتر بايدن متهماً إياه بـ”استغلال نفوذ والده نائب الرئيس”، كانت “سمعة” الرئيس السابق تحت الأضواء وقتها، وكان التركيز منصباً على “الرئيس ترامب” وتصرفاته وتصريحاته المنفلتة وبالتالي حظيت عائلة بايدن بالتعاطف، أما الآن فالأمور تبدو مختلفة تماماً.
ثم توالت الاتهامات التي تلاحق بايدن الصغير لتتسع الدائرة وينضم إليها بايدن الكبير عندما كان نائباً للرئيس، وخصوصاً بعد فشل الاتفاق الذي وقَّعه هانتر مع وزارة العدل للإقرار بالذنب في قضايا تتعلق بالتهرب الضريبي وحيازة سلاح ناري دون ترخيص؛ مما أدى إلى تعيين وايس كمحقق خاص في مخالفات أو اتهامات موجهة إلى بايدن، ومنها ما كشف عنه “مبلغون” في إدارة الضرائب على الدخل.
نعم، لن تنجح خطوة الجمهوريين في “عزل” بايدن من منصب الرئيس، لكن المؤكد أن المساءلة في حد ذاتها ستمثل فصلاً جديداً من فصول الانقسام المرير في السياسة الأمريكية، ولا يمكن لأحد توقع كيف قد تنتهي الأمور.