وكالات – مركز رؤية نيوز للدراسات والتحليلات
نشرت الصحف العالمية تسريبات تُكشف أن الأمير محمد بن سلمان، ولي العهد السعودي، اجتمع بشكل مفاجئ مع مجموعة من الصحفيين ليكشف أن “الإمارات قد طعنته في ظهره” بحسب قوله.
ولم تتوقف التسريبات عند هذا الحد، حيث كشفت الصحف العالمية عن تسريبات أخرى لنية الأمير السعودي بمحُاصرة الإمارات بنفس السلاح والطريقة التي حاصر بها قطر من قبل، لتستمر التسريبات في الظهور وتكشف أن الإمارات قد أبلغت الإدارة الأمريكية بعزمها الانفصال عن منظمة أوبك، والتي تشترك فيها أكبر الدول المُصدرة للنفط في العالم.
وللأسف كان هذا التسريب هو الأخطر بين التسريبات السابقة، نظرًا لتأثيره على سعر برميل النفط في البورصات العالمية، حتى صرحت دولة الإمارات فيما بعد بأنها “مستمرة في منظمة أوبك”، فقط حتى تستطيع السيطرة على سعر النفط الذي تأثر نتيجة هذا الخبر.
تشهد العلاقات بين السعودية والإمارات اختلافات عديدة على مستوى الكثير من الملفات، والتي تأتي على رأسها ملف اليمن، فبعد تحالفهم من أجل التصدي للحوثيين، المدعومة من إيران، أصبح الأمر الآن كالمواجهة بين كل منهما داخل اليمن، لدرجة تصل لتغيير الهدف الأساسي من حرب اليمن ليتحول من التصدي لجماعة الحوثيين، إلى تقسيم اليمن بين جماعات مسلحة، فتم تقسيم اليمن إلى الشمال الذي تُسيطر عليه جماعة الحوثيين، والجنوب الذي تسيطر عليه جماعات مُقاتلة تدعمها الإمارات.
طعنة اليمن
كان الهدف الأساسي لحرب السعودية في اليمن، بمساندة الإمارات، هو القضاء على الحوثيين وحرمان إيران من التواجد العسكري في اليمن، باعتبار إيران الداعم الرئيسي للحوثيين، لكن مع استمرار الحرب وفشل قوات التحالف في هزيمة الحوثيين بشكل نهائي، استشعرت الإمارات أن تواجدها العسكري في اليمن أصبح أكثر ضررًا لها، خاصة بعد استهداف الحوثيين لمناطق داخل الأراضي الإماراتية، حيث تم تنفيذ هجمات ضد 4 ناقلات نفط في ميناء الفُجيرة، إضافة إلى هجوم جوي بطائرات بدون طيار استهدفت مطار أبوظبي الدولي.
ونظرًا لأهداف دولة الإمارات الاستراتيجية التي تتمثل بشكل أساسي في جذب السياحة، فقررت سحب قواتها من داخل الأراضي اليمنية حتى لتبتعد عن مواجهة الحوثيين ومضارها.
وبالرغم من كون خطوة الانسحاب قد تكون أثرت نسبيًا على علاقتها مع السعودية، إلا أن هناك موقف آخر افتعلته الإمارات قد يكون أثّر على تلك العلاقة، وذلك عندما انسحبت من اليمن تاركة قواتها المُخابراتية هناك، حيث تستهدف الإمارات الموانئ اليمنية كي تستطيع تأمين الخط الملاحي الذي يُخدم موانيها وتجارتها.
فقامت الإمارات بدعم قوات الحزام الأمني “الدعم والإسناد”، والتي تسيطر على جنوب اليمن بأكمله، وهنا لم تستطع السعودية التزام الصمت لسببين؛
الأول: فإذا تم تقسيم اليمن لجنوب وشمال، وسيطرت الإمارات على الجنوب سيظل الشمال تحت سيطرة الحوثيين، الذين قامت الحرب للتصدي إليهم، وبالتالي فلن تكون السعودية قد فشلت في القضاء على الحوثيين فقط، بل خسرت اليمن بأكملها من خلال تقسيمها بين شمال وجنوب بعد سيطرة مجموعة من الجماعات المسلحة عليها.
ثانيًا: السعودية تُخطط لبناء خط أنابيب للنفط يبدأ من السعودية ويمر من اليمن ليصل إلى ميناء بحري يقع في مدينة المكلا التي تطل على بحر العرب، ولكن المشكلة أن الميناء يقع جنوب اليمن الذي تسطير عليه جماعات مدعومة من دولة الإمارات، ما يعني أن وجود الإمارات بجنوب اليمن يهدد تشغيل خط أنابيب النفط الذي تُخطط السعودية لتشغيله.
ولم تكتفي الإمارات بكل هذه الخطوات بل قامت باستقبال وزير الدفاع اليمني، المدعوم بالفعل من الحكومة السعودية، ووقعت معه اتفاقية أمنية تسمح للإمارات باستخدام المياة الإقليمية المُطلة على السواحل اليمنية، إضافة إلى تأمين حق التواجد والتحرك على الأراضي اليمنية.
ووسط كل هذه الأحداث ترى الإمارات أنها بهذه الطريقة تحاول فقط تأمين مصالحها، ولكن كان للسعودية رأي آخر، حيث اعتبر الأمير محمد بن سلمان ما حدث هو أول طعنة في الظهر يتلقاها من الجانب الإماراتي.
طعنة “الأوبك”
أما الطعنة الثانية فكانت داخل أروقة منظمة أوبك، أو ما يُعرف بـ”ملف إنتاج النفط”، فبكون السعودية والإمارات أحد أهم الدول المُنتجة للنفط المُشاركة في المنظمة، وهي المنظمة المسؤولة عن تحديد مستويات إنتاج النفط، وبما إن السعودية أكبر مُصدّر نفط في العالم تكاد تكون المتحكم الأول والأخير داخل المنظمة.
وبعد حرب روسيا مع أوكرانيا وقفت السعودية مع الجانب الروسي، نظرًا لأن الأمير السعودي لم ينسى أن الرئيس الأمريكي وصفه في حملته الانتخابية بالقاتل وقام باتهامه بقتل الصحفي جمال خاشقجي، مُهددًا أكر من مرة بأنه سيعزل السعودية عن المجتمع الدولي طالما كانت تحت حكم الأمير محمد بن سلمان.
بينما كان الوحيد الذي وقف بجانب بن سلمان آنذاك هو الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وبعد قيام الحرب ساند ين سلمان بوتين، واتفقا على تخفيض إنتاج النفط للضغط على أوروبا وأمريكا، وهو الأمر الذي لم يكن في صالح الإمارات التي تعتمد على إنتاج النفط في الكثير من مشروعاتها واستثماراتها، وبالتالي تطمح لرفع الإنتاج وليس تقليله، وهو الأمر الذي رفضته السعودية.
وكان أمام الإمارات أحد الحلّين إما التحدي المُباشر للسعودية والقيام برفع الإنتاج، أو الاستسلام للقرار السعودي وتنفيذ الشيخ محمد بن زايد، 62 عام، لقرارات الأمير محمد بن سلمان، 37 عام، حتى ولو على حساب مصلحة الإمارات.
ليختار الشيخ محمد بن زايد رفع الإنتاج لأكثر من 4 مليون برميل يوميًا، بل وأعلنت الإمارات أنها سترفع الإنتاج لأكثر من 5 مليون برميل يوميًا، على الرغم من أقصى حد للإنتاج تسمح به قوانين منظمة الأوبك فقط ثلاث براميل يوميًا.
وهو الأمر الذي أدى إلى توتر العلاقات الإماراتية السعودية بشكلٍ مباشر، بعد تجاهل الإمارات لقرارات السعودية، فقامت السعودية بمُقاطعة الإمارات “هاتفيًا” لمدة تصل إلى نحو 6 شهور، ومع شعور الإمارات بتفاقم الضغوط السعودية عليها أبلغت الإدارة الأمريكية بعزمها الانسحاب من منظمة الأوبك في حال استمر الوضع على ما هو عليه، كي تصبح حرة التصرف في إنتاج النفط دون أي قيود أو ضوبط، وهو الأمر الذي يعني أن الإمارات يمكن أن تكون صاحبة تحديد أسعار النفط في البورصات العالمية وفقًا للإنتاج، وهو الأمر الذي أثار حفيظة السعودية، نظرًا لأن أسواق النفط في حد ذاتها تعتبر أهم كارت سياسي بين الدول وبعضها البعض.
فالنفط كان الهدف الأساسي خلف تراجع الرئيس الأمريكي، جو بايدن، في موقفه تجاه الأمير محمد بن سلمان ، وهو الأمر الذي جعله يذهب في زيارة للملكة بهدف إقناع بن سلمان بزيادة إنتاج النفط، لكنه عاد خالي الوفاض بعد رفض الأمير محمد بن سلمان.
وهو ما يُعتبر سببًا إضافيًا لغضب الأمير محمد بن سلمان من الشبخ محمد بن زايد، ليُصبح هذا الموقف هو الطعنة الثانية في ظهر الأمير محمد بن سلمان.
رد الفعل السعودي
تمثلت ردود السعودية على مواقف الإمارات تجاهها، في محاولة الأمير محمد بن سلمان بضرب الإمارات في أكثر ما تُشتهر به وهو “جذب الاستثمارات العالمية”، فباعتبارها دولة جاذبة للاستثمارات فلا تقوم بفرض الضرائب وتوفر مناطق حرة وتقوم بتوفير البُنى التحتية على أعلى المستويات ولا تعتمد نظام الكفالة ولا يوجد قيود على حجم الاستثمارات، فكانت هذه أهم الأسباب التي جعلت دبي واحدة من أهم المدن الجاذبة للاستثمارات حول العالم.
وهنا أصدر الأمير محمد بن سلمان قرارًا بإلزام الشركات العالمية التي تبتغي السوق السعودي بفتح مقرات إقليمية لها داخل الأراضي السعودية حتى تستطيع الإستفادة من السوق السعودي، وإلا فلن يتم التعامل مع المستهلك السعودي، ولدعم قراره أصدر قرارات أخرى بإعفاء الشركات العالمية الراغبة في الاستثمار في السوق السعودي من الضرائب لمدة 50 عام بشرط تشغيل الشركات بموظفين سعوديين لمدة لا تقل عن 10 سنوات.
وهو الأمر الذي أدى إلى استجابة 24 شركة عالمية بتوقيع اتفاقيات لنقل مقرّاتها من الإمارات إلى مدينة الرياض، ولكن للأسف كان هذا العدد أقل مما تريده المملكة، خاصة وأن منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا تضم مقرات إقليمية لما لا يقل عن 350 شركة عالمية، وبالتالي لم تؤتي تلك الخطوة بالضغط على الإمارات ثمارها، ولم تُحقق المرجو منها.
ولذلك قررت السعودية منع استيراد أي منتجات تم تصنيعها في المناطق الحرة، وهو ما ينعكس سلبًا على الإمارات، نظرًا لامتلاكها 24 منطقة حرة، وبالتالي خسرت هذه المناطق السوق السعودي، وهو الأمر الذي قد يؤثر بالسلب على مكانة الإمارات كمركز تجاري إقليمي هام بالمنطقة.
أما الرد السعودي الثالث فكان في اهتمام المملكة العربية السعودية بشراء الأندية واللاعبين الأوروبيين، وهو الأمر الذي كانت تنهجه كل من قطر والإمارات في سبيل امتلاك القوى الناعمة (دعايا غير مباشرة في محاولة لجذب السياحة الأوروبية للخليج)، فقامت السعودية عام 2021 بشراء نادي نيو كاسيل الإنجليزي ورونالدو ونيمار، وتتفاوض مع ميسي ومحمد صلاح، لدرجة أن أحد المُذيعين السعوديين علّق قائلا “السعودية تمتلك أقوى ديربي في المنطقة”.
ثم أعلنت السعودية أنها بصدد بناء أكبر منطقة لوجيسيتية في ميناء جدة، بهدف الاستفادة من الموقع السعودي الذي يقع بين 3 قارات، موضحة أن تلك المنطقة لن تكون الأخيرة بعد التخطيط لامتلاك 30 منطقة لوجيستية بحلول عام 2030، كي تُصبح السعودية أقوى مركز لتقديم الخدمات اللوجيسيتة لحركة التجارة البحرية بين الثلاث قارات، وبالتالي تتضح منافسة السعودية بشكلٍ مباشر لأكثر مجال تشتهر به الإمارات، والذي يتمثل في سوق الخدمات اللوجيسيتية والموانئ خدمة السفن التجارية.
وبالتالي يتضح عزم المملكة العربية السعودية بالعمل في أي مجال تتميز به دولة الإمارات، وهو ما يؤكد ما نشرته الصحف العالمية بتهديد اللأمير محمد بن سلمان بحصار الإمارات كما فرض حصاره على قطر فيما مضى.
محاولات الصُلح
حاولت دولة الإمارات نفسها السعي في الصلح بإرسالها الشيخ طحنون بن زايد نائب حاكم إمارة أبوظبي والأخ الأصغر لرئيس الإمارات للملكة العربية السعودية، ولكن المُفاجئة أن الأمير محمد بن سلمان رفض اللقاء به 6 مرات، حتى لجأت الإمارات للإدارة الأمريكية كي تتوسط عند بن سلمان، وبالفعل تم اللقاء والذي انتهى بتهدئة الأوضاع بين البلدين.
ولكن بمجرد الانتهاء من المُقابلة استمر الحال على ما هو عليه، فكيف سيكون الحال، هل ستقف الإمارات بشكل مباشر أمام السعودية، أما سيؤدي تدخل طرف ثالث لتهدئة الأوضاع فيما بينهما، وهو سؤال بدون إجابة حتى اللحظة الراهنة.
ولكن من المعلوم أنه لولا اتحاد السعودية والإمارات في عام 2011 لتمكنت ثورات الربيع العربي من الإطاحة بدول الخليج واحدة تلو الأخرى، فكلا الدولتين استطاعتا حماية شعوب كاملة من الانهيار مثل الشعب المصري، وفقًا لتصريحات الرئيس الأمريكي السابق، باراك أوباما، والذي أعلن في مذكراته الشخصية أن الشيخ محمد بن زايد قال له بشكل مباشر أن “الإمارات لن تسمح بانهيار الدولة المصرية وأن المساس بمصر وشعبها سينتج عنه إعادة تقييم للعلاقات بين أمريكا والإمارات”، وهو ما يعني أن الخلاف بين الإمارات والسعودية لن يصب في مصلحة أي دولة، خاصة باعتبارهم أكبر وأهم مُصدري النفط في العالم.
ليطرح السؤال نفسه، في حال استمر الخلاف بينهما من سيخسر بشكلٍ أكبر الإمارات أم السعودية؟!