رويترز – وكالات
نشرت صحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية تقريراً حول قصة الصعود السريع لرجل الأعمال المصري، وائل حنا، المتهم بتقديم الرشوة للسيناتور الأمريكي البارز بوب مينينديز، لاسيما أنه تحول من رجل مثقل بالديون إلى رجل أعمال في سنوات قليلة، كما رصدت الدعاوى القضائية التي رُفعت ضده.
وأشار تقرير الصحيفة إلى أنه قبل خمس سنوات فقط، كان وائل حنا، البالغ من العمر 40عاماً، يعاني من فشل سلسلة صفقات تجارية في نيوجيرسي، بعد أن حاول إنشاء موقف للشاحنات، ومطعم إيطالي، وخدمة “ليموزين”، وشركات أخرى دون أن يحقق نجاحاً.
بعد ذلك، بدأت صديقته بمواعدة السيناتور بوب مينينديز من نيوجيرسي، وهو أحد أقوى الديموقراطيين في مجلس الشيوخ الأمريكي، وسرعان ما قدّم حنا، رئيس لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ، إلى دائرة متنامية من المسؤولين المصريين.
وبحسب الصحيفة، فقد اتخذت حظوظ وائل حنا منعطفاً ملحوظاً، فقد حصل على عقد احتكار للتصديق على جميع الأطعمة “الحلال” التي يتم استيرادها إلى مصر.
وقال ممثلو الادعاء، وفقاً للصحيفة، إنه حصل على ما يكفي من المال لرشوة مينينديز بسبائك الذهب وكميات كبيرة من النقود.
ويواجه حنا ومينينديز وآخرون تهماً، في ما وصفه المدعون بأنه مخطط فساد واسع النطاق، وهو المخطط الذي يهدد بوضع حد لخمسة عقود من وجود السيناتور في السياسة الأمريكية، حيث اتهم ممثلو الادعاء مينينديز، العضو الديمقراطي البارز في لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ، بتلقي رشى مقابل المساعدة في حماية وصول مصر إلى مليارات الدولارات من المساعدات الأمريكية.
وأضافت الصحيفة: “لكن هذه الادعاءات، إذا كانت صحيحة، تثير أيضاً سؤالاً ملحاً حول حنا: هل كان عميلاً للحكومة المصرية طوال الوقت، أم مجرد انتهازي محظوظ وقع في موقع نفوذ دولي؟”.
ويحقق مكتب التحقيقات الفيدرالي “إف بي آي” في هذا السؤال بالذات، لكن الفحص الذي قالت “نيويورك تايمز” إنها أجرته لمئات الصفحات من ملفات المحكمة والسجلات التجارية والمقابلات مع ما يقرب من اثني عشر شخصاً عرفوا حنا أو تعاملوا معه، قدّم نظرة ثاقبة عن المسار الذي سلكه خلال بدايته الوعرة وصعوده السريع، على حد وصف الصحيفة.
وقالت الصحيفة إنه في غضون بضع سنوات، تحوّل من رجل أعمال مثقل بالديون لا يستطيع حتى دفع فاتورة غرفة الطوارئ بقيمة 2000 دولار، إلى وسيط قوة دولي يتفاخر بمجموعته من ساعات رولكس أمام دبلوماسيين في القاهرة.
رحلة صعود “حنا”
ووفقاً لـ”نيويورك تايمز”، كان حنا يبلغ من العمر 22 عاماً عندما وصل إلى أمريكا عبر نظام قرعة التأشيرة في العام 2006، بعد سنوات قليلة من وفاة والده، وبدأ العمل في شركة تنظيف والتحق بفصول تعلم اللغة الإنجليزية.
أعقب ذلك، ظهور نشاط تجاري، حيث أنشأ شركة للنقل بالشاحنات تسمى “Elmanhry LLC”، وهي الأولى في قائمة طويلة من الشركات التي ظهرت تحت اسمه.
كما أشارت الصحيفة إلى أنه اشترى منزلاً في بايون بولاية نيوجيرسي مقابل 450 ألف دولار من بائع كان يرتاد نفس الكنيسة المصرية التي كان يرتادها، ويبدو أنه اشترى المنزل دون دفعة أولى، وحصل على رهن عقاري مقابل سعر الشراء الكامل، حسبما تظهر سجلات العقارات.
وانتقل حنا إلى تجارة السيارات الفاخرة، بحلول العام 2011، وتقدم بعرض لرجل أعمال صيني، تفاوض من خلاله مع وكلاء “بورشه” و”مرسيدس بنز” في نيوجيرسي لشراء سيارات جديدة نيابة عن رجل الأعمال، الذي سيبيعها بعد ذلك لعملاء في الصين، ووفقاً لسجلات المحكمة، بحث الاثنان التفاصيل على عشاء في مطعم للمأكولات البحرية في فلاشينغ، كوينز.
وتابعت الصحيفة: “لكن بعد أن قامت شركة رجل الأعمال (بوستو نيويورك) بإرسال 3.6 مليون دولار إلى حنا وشركائه، لم يقدموا سوى سيارات بقيمة 2.9 مليون دولار فقط، وفقاً لأقوال أدلى بها رجل الأعمال في دعوى قضائية رفعت في عام 2012”.
وفازت شركة “بوستو نيويورك” بحكم ضد حنا وشركائه بسبب فقدان 705 آلاف دولار، لكن حنا لم يمثل أمام المحكمة ولم يدفع ما كان مستحقاً عليه، حسبما تظهر السجلات.
دعاوى قضائية وشيكات بدون رصيد
وسرعان ما بدأت المشاكل القانونية التي يواجهها حنا تتفاقم بحسب نيويورك تايمز، لافتة إلى أن سجلات المحكمة أظهرت أنه تم اتهامه في دعاوى قضائية بكتابة شيكات دون رصيد، من بين أمور أخرى، مما أدى في النهاية إلى تحصيل ما لا يقل عن 890 ألف دولار من الأحكام.
في عام 2014، اتُهم حنا بالقيادة وهو في حالة سكر بعد أن قال ضباط الشرطة إنهم وجدوه فاقداً للوعي في مقعد السائق بسيارة متوقفة في أوراديل بولاية نيوجيرسي، وعندما نُقل إلى المستشفى، قالت الشرطة إنه هددهم عدة مرات، بحسب ما نشرته الشرطة المحلية.
ووفقاً للصحيفة، فقد قدم المحامي الذي مثله في المحكمة، آندي أصلانيان، حنا، في نهاية المطاف إلى شبكة متشابكة من الأصدقاء وشركاء العمل التي من شأنها أن تؤدي إلى توجيه لائحة الاتهام ضد مينينديز.
وفي المقابلات، قال أصلانيان إنه أخذ حنا تحت جناحه بعد أن علم أنه كان بمفرده في البلاد، وفي مرحلة ما، شارك أصلانيان مساحة مكتبه معه، وأمضيا بعض وجبات العشاء معاً في العطلة. قال أصلانيان عن حنا: “لقد اعتبرته ابني الأول”.
وفي ذلك الوقت، كان لدى أصلانيان سبب للقلق؛ حيث رفع أحد المستشفيات دعوى قضائية ضد حنا في عام 2017 مطالباً بآلاف الدولارات من الفواتير الطبية غير المدفوعة. وقد فاتته سنوات من دفع أقساط الرهن العقاري والضرائب، وفقاً لسجلات المحكمة، ما أدى في النهاية إلى خسارة منزله في بايون بسبب حبس الرهن في عام 2018.
علاقات وطيدة بمصر
وعلى الرغم من معاناته المالية في الولايات المتحدة، بدا أن حنا كان على علاقة وثيقة بالحكومة في مصر.
وأوصى حنا بأصلانيان لوظيفة تمثيل مصر في نزاع عام 2016 حول مبنى -كان المقصود منه أن يكون مقراً لممثلي الجيش المصري وعائلاتهم- في إيست روثرفورد، نيوجيرسي، حسبما قال المحامي لصحيفة The Record، وهي صحيفة في مقاطعة بيرغن.
وفي نوفمبر 2017، أنشأ أصلانيان وحنا شركة تسمى “IS EG Halal”، وكان غرضها التصديق على أن اللحوم حلال، أو تم إعدادها وفقاً للشريعة الإسلامية، وقام دعيبس بتقديم الدعم المالي للمشروع.
وبعد مرور ثلاثة أشهر، بحسب لائحة الاتهام، بدأت صديقتهما نادين بمواعدة مينينديز، حيث أشارت الصحيفة إلى أنّ شخصاً يدعى دوغلاس أنطون التقى حنا لأول مرة في عام 2017 من خلال السيدة مينينديز، التي كانت تواعد أنطون في ذلك الوقت، ويتذكر أنطون أنها قدمت حنا باعتباره أحد أقرباء “شخص رفيع المستوى في الحكومة المصرية”.
وقال أنطون إنه لم يكن متأكداً تماماً مما يفعله حنا في عمله، بخلاف أنه “كان بمثابة نوع من الاتصال مع مصر”.
وقالت “نيويورك تايمز” إنه خلف الكواليس، ووفقاً للمدّعين العامين، كان حنا يرسل رسائل نصية مباشرة إلى المسؤولين العسكريين والحكوميين المصريين، مضيفة: “طوال العام 2018، كان حنا مشغولاً بإعداد اجتماعات لتعريفهم بمينينديز”.
وجاء في لائحة الاتهام أن السيناتور بدأ في استخدام منصبه لتحقيق مصالح مصر، بما في ذلك
عن طريق كتابة رسالة خفية لمسؤول مصري كان يحاول إقناع أعضاء آخرين في مجلس الشيوخ الأمريكي بالإفراج عن 300 مليون دولار من المساعدات العسكرية لمصر.
كما أضافت أن جهود حنا جاءت في الوقت الذي كان فيه المسؤولون المصريون يضغطون بقوة على أعضاء الكونغرس لرفع القيود المفروضة على المساعدات، والتي فرضها المشرعون رداً على سجل الحكومة السيئ في مجال حقوق الإنسان.
واعتبر المسؤولون في القاهرة القيود بمثابة إهانة لدولة كانت شريكة للولايات المتحدة في مكافحة الإرهاب والتجارة والأمن الإقليمي لسنوات.
الحصول على شهادات “حلال”
وأشارت إلى أنه في دعوى قضائية في عام 2020، أوضح حنا أنه حصل على الموافقة؛ لأن الحكومة المصرية أرادت انتزاع سلطة إصدار شهادات حلال من جماعة الإخوان المسلمين، لحرمانها من الموارد المالية.
وقبل تأمين الاحتكار، قال إنه كانت لديه شركة أخرى كانت تشحن بالفعل البضائع إلى مصر نيابة عن الحكومة، وكانت تتلقى طلبات العطاءات من مكتب وزارة الدفاع المصرية في واشنطن، وقال إنه بصدد إنشاء شركة أخرى تتولى شحن كل ما يبيعه الجيش الأمريكي إلى مصر.
واتهم المدعون في وقت لاحق السيناتور مينينديز باستدعاء مسؤول رفيع المستوى في وزارة الزراعة الأمريكية لوقف تدخل وزارته في أعمال الاستيراد الخاصة بحنا، والتي أدت إلى رفع أسعار موردي اللحوم في جميع أنحاء العالم. في السابق، كان يتم إجراء عملية التصديق في الولايات المتحدة من خلال عدد قليل من الشركات.
وبعد الاحتكار، كان حنا يعيش حياة مرفهة، ويقع المقر الرئيسي للشركة في إيدغووتر، نيوجيرسي، أسفل الشارع الذي تتواجد فيه شقة حنا الفاخرة الجديدة المطلة على نهر هدسون، في مبنى تملكه عائلة دعيبس.
في السياق، قالت الصحيفة أيضاً إن الرجل الذي فقد منزله للتو بسبب الرهن العقاري أصبح لديه الآن ما يكفي من المال لمساعدة أصدقائه في سداد قروضهم العقارية. وفي يوليو 2019، قال ممثلو الادعاء إن حنا استخدم شركته الحلال لدفع حوالي 23000 دولار نيابة عن السيدة مينينديز لرهن عقاري يعود إليها، أثناء إجراءات حبس الرهن الخاصة بها.
ولكن سرعان ما اكتشف مكتب التحقيقات الفيدرالي ذلك، وفي نوفمبر 2019، قام عملاء فيدراليون بتفتيش منزل حنا ومكتبه، وصادروا الأجهزة الإلكترونية والأوراق ودفاتر الملاحظات وألبوم الصور وحتى سيجارة ذهبية.
وخلال التفتيش، استجوب العملاء الفيدراليون حنا بشأن اتصالاته في مصر، بما في ذلك مع أحد موظفي السفارة، حسبما قال حنا في دعوى قضائية. وقال إن عائلته بأكملها تعيش في مصر.
آلاف الرسائل النصية
وقال ممثلو الادعاء في وقت لاحق إن العملاء الفيدراليين اكتشفوا أيضاً أن الهاتف المحمول الخاص بحنا يحتوي على آلاف الرسائل النصية مع السيدة مينينديز.
وبعد بضعة أشهر، مع عدم وجود أي اتهامات جنائية في الأفق، طلب حنا من المدعين العامين التراجع.
وكان من بين الأشياء المضبوطة سلسلة اشتراها في إيطاليا، وساعتا رولكس قال إنها هدايا، وزوج من الأقراط قال إنه صممه لوالدته وتبلغ قيمته حوالي 15 ألف دولار.
وكتب في دعوى قضائية: “لا أفهم لماذا ستأخذ الحكومة مجوهراتي، التي أود أن أرتديها”. ولم يكن من الواضح ما إذا كان قد استعاد مجوهراته.
وبحلول عام 2020، قال المسؤولون الفيدراليون إن شركة الحلال التي يملكها حنا أصبحت في الأساس كياناً حكومياً مصرياً، وفازت باحتكار موسع للتحكم في عملية إصدار الشهادات لجميع الأطعمة والمشروبات التي يتم شحنها إلى مصر من أي مكان في العالم.
ومع ازدهار أعماله، قال ممثلو الادعاء، إن حنا خصص وقتاً للتأكد من استرضاء السيدة مينينديز، وفي يونيو 2021، اشترى 22 سبيكة ذهبية بأرقام تسلسلية فريدة، تبلغ قيمتها الإجمالية حوالي 40 ألف دولار، وفقاً للمدعين العامين، وقال ممثلو الادعاء إن عملاء فيدراليين عثروا في وقت لاحق على اثنتين من سبائك الذهب في منزل مينينديز.