بقلم: سيد فودة

في غزة، حيث تُرسم كل يوم قصص الصراع والنضال، يعيش الأطفال واقعًا مليئًا بالتحديات والآلام، مع التصعيد العنيف الأخير الذي بدأ بعد السابع من أكتوبر 2023، تحولت حياة الأطفال إلى سلسلة من التجارب المؤلمة.

حيث مزقت الأسر، وأُزهقت الأرواح البريئة، وعُرضت البنى التحتية الأساسية لأضرار جسيمة، مما أدى إلى تدمير المدارس والمرافق الصحية وتشريد العديد من العائلات.

ونجد قبل تصاعد العنف، كان العديد من أطفال غزة بالفعل بحاجة ماسة إلى الدعم في مواجهة الصدمات المرتبطة بالنزاع. والآن، أصبحت الحاجة ماسة وعاجلة أكثر من أي وقت مضى لتوفير اقل متاع الحياة كالطعام والشراب والمسكن والأمن ، كما انهم في حاجة ماسة الي الخدمات الصحية والدعم النفسي والاجتماعي.

ونجد أن الوضع الإنساني يتفاقم بسبب تدهور البنية التحتية للمياه والكهرباء، مما يعني أن الآلاف من الأطفال بحاجة ماسة إلى مساعدات من المجتمع الدولي بشكل عاجل.

ووسط زخم الأحداث العالمية والنزاعات المستمرة، وجدت نفسي في موقع يتيح لي الفرصة للتأثير الإيجابي على الوعي العالمي، كوني شخص ذو أصول مصرية على دراية كبيرة بالأوضاع في الشرق الأوسط، ورئيس لمنظمة مجتمع مدني تهتم بضحايا الحروب والنزاعات، فخبراتي الشخصية والمهنية قد سمحت لي بأن أكون جزءًا فعالاً من المنظومة التعليمية في الولايات المتحدة الأمريكية.

كما أن مشاركتي في دورات الأمم المتحدة بجنيف قد عززت فهمي لتعقيدات الأوضاع الإنسانية على مستوى العالم ، وأكدت لي أهمية توعية الأجيال القادمة، ولهذا أقود دعوة لإنشاء وتنفيذ برامج توعوية متنوعة في الولايات المتحدة الامريكية ؛ لتثقيف الأطفال حول الأوضاع في الشرق الأوسط وغيرها من مناطق النزاع، وهذه البرامج لا تهدف فقط إلى تزويد الأطفال بالمعلومات، بل تسعى أيضًا لتعزيز الوعي الثقافي، والإنساني، وتطوير قدرتهم على التعاطف، والفهم.

نأمل من خلال هذه البرامج بناء جسور من التفاهم والتضامن بين الأطفال في الولايات المتحدة وأقرانهم في مناطق الصراع، مما يساعد في توسيع آفاقهم وتنمية وعيهم العالمي، فإن توعية الأطفال بالتحديات التي يواجهها أطفال غزة وغيرها من المناطق يُعد خطوة أساسية نحو تنمية جيل واعٍ ومسؤول يتمتع بالقدرة على التأثير الإيجابي نحو قضايا المستقبل.

وأسوة بعملي في المنظومة التعليمية بالولايات المتحدة الأمريكية، أدركت الفجوة الكبيرة في الوعي بين الأطفال الأمريكيين وأقرانهم في غزة ومناطق النزاع ، فان الأطفال في الولايات المتحدة يتمتعون بفرص تعليمية غنية ورفاهية الحياة، بينما يكافح أطفال غزة يوميًا من أجل البقاء والحصول على التعليم في ظروف قاسية، إن توعية الأطفال والطلاب الأمريكيين بالواقع المرير الذي يعيشه أطفال غزة لا تهدف فقط إلى تعزيز الوعي، بل تعمل على تنمية قدرتهم على التعاطف وتقدير الفرص التي يملكونها.

وقد لاحظت أن معظم الطلاب لا يملكون فهمًا عميقًا للتحديات والظروف التي تواجه الأطفال في مناطق أخرى من العالم، ولا سيما في دول الشرق الأوسط وأفريقيا وغيرها من الدول التي تعاني من الحروب والنزاعات والمشاكل الاقتصادية الطاحنة ، وهذا الجهل لا ينبع من نقص في الذكاء أو القدرة على التعلم، بل يعود جزئيًا إلى نظام تعليمي يركز بشكل كبير على الشأن المحلي دون إعطاء الاهتمام الكافي للتعريف بالقضايا العالمية.

من هنا تأتي أهمية توسيع نطاق التعليم ليشمل المزيد من الوعي بالواقع العالمي.

فيجب أن نهتم بتزويد الطلاب بالمعرفة حول الظروف المعيشية، والتحديات التعليمية، والفرص المتفاوتة في مختلف أنحاء الكرة الأرضية، فإن فهمهم لهذه القضايا يساعدهم ليس فقط على تقدير الفرص التي يملكونها، بل أيضًا على تطوير رؤية أشمل لمسؤولياتهم كمواطنين في مجتمع عالمي.

يعد دورنا كمربين وناشطين في المجتمع المدني يتجاوز تزويد الأطفال بالمعرفة التقليدية ، فنحن نسعى لإعداد جيل واعٍ ومتفهم للقضايا العالمية ، وقادر على التعامل بإنصاف وعدل مع القضايا الدولية ، وهذا النوع من التعليم يمكن أن يكون له تأثير بعيد المدى، ليس فقط على الأفراد ولكن أيضًا على العالم أجمع.

من الأهمية بمكان أن نعلم الأطفال الأمريكيين أن هناك أطفالًا في أجزاء أخرى من العالم يواجهون تحديات جمة وعقبات صعبة للوصول إلى التعليم. وإن توعيتهم بتلك التحديات والفروقات ليست فقط إضافة معرفية، بل هي خطوة أساسية نحو تنمية الإحساس بالمسؤولية العالمية والتعاطف. هذا الإدراك يمكن أن يؤثر على كيفية تقديرهم للفرص المتاحة لهم وكيفية استخدامها ليصبحوا مواطنين صالحين وفاعلين.

ومن الخطوات الأساسية نحو تنمية الإحساس بالمسؤولية العالمية و التعاطف لدي الأطفال الأمريكيين نوجههم إلى إدراك العقبات الجمة التي تواجه العالم الأخر وكذلك التحديات و الفروقات وهي مهارات لا تكتسب من خلال التعليم النظامي؛ وذلك لتغيير نظرتهم وتقديرهم للفرص المتاحة لهم وكيفية استخدامها ليصبحوا مواطنين صالحين وفاعلين.

في مؤسسة بيكسولوجي للسلام والتنمية لاتقتصر مهمتنا على توفير الدعم للفئات المهمشة فحسب ، بل تمتد إلى تعزيز الوعي والتفهم العالمي لدى الأجيال القادمة ، من خلال برامج تبادل الخبرات، والنشاطات التعليمية التفاعلية، ومشاريع التواصل الثقافي، كما نعمل على تنمية جيل واعٍ قادر على تقدير الفرص ومستعد لمواجهة التحديات العالمية.

في نهاية المطاف، رسالتنا تعليم الأطفال كي يصبحوا مواطنين عالميين اي تمكينهم من بناء مستقبل أكثر عدالة وتفهمًا للجميع، إنها مسؤوليتنا المشتركة لنضمن أن الأطفال في كل مكان لديهم الفرصة لاستغلال إمكانياتهم الكاملة والمساهمة بشكل إيجابي في بناء مجتمعاتهم.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

Exit mobile version