خاص: رؤية نيوز
ازداد التوتر في الآونة الأخيرة داخل ولاية تكساس الأمريكية، لدرجة جعلت حاكم الولاية يتجه بعيدًا عن إعلان التمرد على الرئيس الأمريكي، جو بايدن، وحكم المحكمة العليا الأمريكية، حيث وصل التوتر إلى مرحلة أثارت قلق الكثير من مسؤولي الإدارة الأمريكية، تمثلت في تلميح حاكم الولاية باحتمالية انشقاق الحرس الوطني الخاص بالولاية عن الجيش الأمريكي بأكمله.
وهو ما وصفه البعض داخل أروقة الكونجرس الأمريكي، من مساندي الرئيس الديمقراطي، بايدن، بأنه “تمرد”.
ولم يترك مُساندي الرئيس السابق، دونالد ترامب، الفرصة في بث النيران بالهشيم، فأعلن الحزب الجمهوري دعم كافة الإجراءات التي يُقرها حاكم ولاية تكساس حتى وإن كانت ضد رغبة الرئيس الأمريكي.
وفي الوقت الذي يرى فيه البعض أن هذه القرارات مخالفة لقرارات المحكمة العليا الأمريكية، يرى البعض الآخر أن هذه القرارات تم اتخاذها وفقًا للقانون والدستور.
هذا الخلاف أظهر على الساحة اقتراحات مُقدّمة للرئيس الأمريكي، من قِبل مُسانديه، بإرسال الجيش الأمريكي لولاية تكساس بغرض التصرف مع حاكم الولاية، وكذلك للسيطرة على قوات الحرس الوطني التي تهدد بالتمرد.
لماذا تكساس؟!
تضارب التوترات والصراعات بين حاكم الولاية والإدارة الأمريكية، تطرح على الساحة العديد من الأسئلة تتمثل في سبب التمرد في ولاية تكساس الأمريكية؟، وما الذي جعّل حاكم الولاية يتمرد على الرئيس الأمريكي؟، وهل فعلا انشق الحرس الوطني بالولاية عن الجيش الأمريكي، ولماذا ولاية تكساس بالتحديد؟!
يُعزي البعض السبب في ذلك لأن تكساس لم تكن ولاية أمريكية بالأساس، حيث احتلتها من المكسيك بقوة السلاح، وهو الأمر الذي ترك في نفوس الكثير من مواطني الولاية إحساسًا بالقهر والحاجة إلى الانتقام.
وهو الأمر الذي ظهر جلسًا في عدد من الحوادث، كان أبرزها في عام 2022 عندما تفاجئ الجميع بشاب مكسيكي يهجم على مدرسة في ولاية تكساس، مُستهدفًا أطفال داخل المدرسة، ولكن لم تبدي الشرطة أي اهتمام بالتدخل لوقف إطلاق النار، ليستمر إطلاق النار ويُسفر عن مقتل 19 تلميذ من الأولاد والبنات ومُعلمين، مع استمرار رفض الشرطة التدخل لإيقاف ضرب النار بحُجة سعيها لحماية عناصرها الشرطية.
وبعد مرور ساعة ومع انتهاء خزنة السلاح التي يحملها الشاب، تدخلت الشرطة لاقتحام المدرسة وتحرير الأطفال والقبض على الشاب المكسيكي.
وبتوجيه أسئلة للضباط آنذاك، أشاروا إلى أن قائدهم هو من أمرهم بهذا بغرض الحفاظ على حياتهم بانتظار نفاذ خزينة السلاح التي يحملها ضابط الشرطة.
أدت هذه الحادثة في نهاية الأمر إلى إلقاء اللوم على “الهجرة غير الشرعية وقانون حيازة السلاح” والتي سمحت بدخول كثيرين إلى البلاد ومنحهم الإقامة والجنسية، ومع توفير بيع السلاح لهم، ازداد حجم جرائم العنف بالبلاد.
الهجرة غير الشرعية
وبالفعل بمجرد تولي دونالد ترامب الحكم سعى للوقوف ضد الهجرة غير الشرعية القادمة من المكسيك، لدرجة أنه خصص 25 مليار دولار من ميزانية الجيش الأمريكي لبناء سور عازل بين أمريكا والمكسيك.
وهو الأمر الذي عارضه أتباع الديمقراطي جو بايدن، ما ألجأ ترامب لإعلان حالة الطوارئ التي تسمح له بتمرير قراراته دون الرجوع للكونجرس، وبالفعل حصل على 25 مليار دولار تمت صرفها على السور الحدودية.
إضافة إلى إصداره قانونًا يسمح لضباط الهجرة بترحيل أي مُهاجر غير شرعي حتى قبل تقديمه على طلب الهجرة.
ولكن عندما تولى الرئيس الأمريكي، جو بايدن، الحكم سعى فقط لتغيير كل قرارات ترامب، ليغفل بايدن في هذه اللحظة أن 50% من الولايات الأمريكية، بمعدل 25 ولاية أمريكية، يحكمها أعضاء بالحزب الجمهوري الموالي لدونالد ترامب، وهو الأمر الذي بدأ ترامب بالفعل في استخدامه خلال حملته الانتخابية لانتخابات الرئاسة في 2024.
إشعال فتيل التمرد الداخلي بولاية ذات أهمية
وبتزامن أحداث ولاية تكساس مع استعدادات بايدن للرئاسة الأمريكية في نوفمبر 2024، فقد يؤدي ذلك إلى إشعال فتيل التمرد الداخلي بما يؤثر على إضعاف أصواته الانتخابية.
ويعود الاهتمام بولاية تكساس لسببين؛ الأول أن الولاية يجمعها حدود كاملة مع المكسيك وهو ما يُشكل خط تماس مباشر مع المهاجرين غير الشرعيين، أما السبب الثاني والأخطر فيتمثل في الأهمية الاستراتيجة والاقتصادية للولاية.
وتعتبر تكساس محط اهتمام الكثير من دول العالم بما في ذلك دول أوروبا وروسيا والصين، كما لديها أيضًا أهمية في طريق التجارة العالمية، فتمثل ولاية تكساس ثاني أكبر وأقوى اقتصاد بين جميع الولايات الأمريكية، كما تمتلك وحدها ناتج محلي يبلغ 2.4 تريليون دولار، وهو ما يمثل 9% من الناتج المحلي للولايات المتحدة، كما يفوق ناتجها المحلي ما يحققه عدد من الدول مثل كندا (2 تريليون ومليار دولار) وكوريا الجنوبية (تريليون و600 مليون دولار)، كما أن الناتج المحلي لولاية تكساس يفوق الناتج المحلي للمسكيك، كما أنها ثامن أقوى اقتصاد في العالم.
وتعود القوة الاقتصادية لولاية تكساس إلى كلٍ من النفط والغاز، حيث تضم الولاية أكبر حقل نفط وغاز على وجه الأرض “حقل بريميان”، والذي تخطى انتاجه عام 2019 انتاج حقل الغوار السعودي، وهو حوض كامل يضم ألف حقل نفط وغاز.
كذلك تمثل ولاية تكساس ككل 43% من إنتاج النفط الأمريكي، و25% من إنتاج الغاز الطبيعي الأمريكي، كما أنها توفر 20% من الكهرباء التي يحتاجها الشعب الأمريكي من الرياح والطاقة الشمسية، لذلك تعتبر تكساس ضربة في مقتل للاقتصاد والإدارة الأمريكية.
كما أن تكساس تعتبر مقتل لجميع دول أوروبا، نظرًا لأن تكساس حاليًا أهم مصدر للغاز الطبيعي لأوروبا بعد قطع بوتين للغاز الروسي، حيث تغطي الولايات المتحدة حاليًا كافة احتياجات أوروبا من غاز تكساس.
وبالتالي لعب اختيار تكساس دورًا حاسمًا في مساعدة الحزب الجمهوري لممارسة الضغط على الرئيس الأمريكي جو بايدن وحزبه الديمقراطي.
ليُعلن الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، مؤخرًا، أحقية باقي الولايات الأمريكية بإرسال قواتها لمُساندة قوات ولاية تكساس في مواجهة الهجرة غير الشرعية، إلا أن توقيت تلك الدعوة خطير للغاية بسبب تزامنه مع دعوة عدد من أعضاء الحزب الديمقراطي بإرسال قوات من الجيش الأمريكي لمواجهة قوات الحرس الوطني بتكساس، وهو الأمر الذي قد ينتهي بحربٍ أهلية بين كلا من القوتين (قوات الولايات الداعمة لترامب أمام قوات الجيش الأمريكي ككل).
وفي باطن الأمر قد يرى البعض أن ترامب قد لجأ إلى تهديد الحزب الديمقراطي بالحرب الأهلية بهدف الفوز فقط في انتخابات الرئاسة الأمريكية المُقررة في نوفمبر 2024، وهو ما يُشبه موقفه السابق الذي سمح فيه لأنصاره باقتحام مبنى الكونجرس فقط للفوز في الانتخابات الرئاسية 2020، وهو الأمر الذي يُبرز ضعف وهشاشة النظام الأمريكي.
فهل ستستطيع ولاية تكساس فرض كلمتها على بايدن وقرار المحكمة العليا الأمريكية، أم سيتدخل الجيش الأمريكي بالفعل ويفرض كلمة جو بايدن على حاكم ولاية تكساس؟!.