مقالات
أخر الأخبار

تأثير المهاجرين واللاجئين على نمو الابتكار والنجاح في الولايات المتحدة – سيد فودة

بقلم: سيد فودة

في عمق الرواية الأمريكية، تبرز قصص المهاجرين، وبالأخص اللاجئين الهاربين من مخالب الحروب، كشواهد قوية على الإسهام البالغ الذي قدموه في نحت رؤى الابتكار والريادة التي تفاخر بها الولايات المتحدة اليوم.

اللاجئون، الذين وصلوا إلى أرض الحرية والفرص بحثًا عن الأمان وحياة أفضل، لم يكتفوا بالبقاء على هامش المجتمع بل سعوا بكل ما أوتوا من قوة ليكونوا جزءًا لا يتجزأ من نسيجه الاجتماعي والاقتصادي.

دراسة نشرت عام 2018 بواسطة المؤسسة الوطنية للسياسة الأمريكية تكشف عن حقيقة ملهمة؛ فأكثر من نصف الشركات الأمريكية التي تجاوزت قيمتها المليار دولار، المعروفة باسم “شركات اليونيكورن”، كانت ثمرة جهود مهاجرين. هذا الإنجاز ليس مجرد رقم يُضاف إلى سجل الإنجازات، بل هو دليل على الدور العميق الذي يلعبه المهاجرون في دفع عجلة التقدم الاقتصادي الأمريكي.

من بين هذه النماذج المشرقة، تبرز الجالية العربية الأمريكية بقوة. يُقدَّر عددهم بحوالي 3.5 مليون نسمة، وهم يمثلون قصة نجاح تستحق الرواية. يحمل هؤلاء الأفراد في طياتهم قصص عزيمة وإصرار، حيث يتميزون بنسبة عالية من التحصيل العلمي ومشاركة فاعلة في مختلف قطاعات العمل، سواء في القطاع الخاص أو الحكومي. هذا النجاح والتأثير لا يعكس فقط قدرة المهاجرين على الاندماج في المجتمع الأمريكي، بل يُظهر أيضًا كيف يمكنهم المساهمة بشكل ملموس وإيجابي في تطور وازدهار هذا المجتمع.

تمتد جذور هذا النجاح إلى الرغبة الجامحة في تجاوز الصعاب وكتابة قصص نجاح جديدة في بلد يُعتبر بمثابة أرض الفرص. الجالية العربية الأمريكية، مع غيرها من المجتمعات المهاجرة، تؤكد على أن الحلم الأمريكي لا يزال حيًا، متجددًا بأحلام وطموحات كل من يطأ هذه الأرض بحثًا عن مستقبل أفضل. هذه القصص الملهمة تشكل جزءًا لا يتجزأ من النسيج الوطني الأمريكي، مُبرهنةً على أن النجاح لا يعرف حدودًا وأن الابتكار والتميز هما ثمرة العمل الدؤوب والعزيمة الصلبة.

من جانب آخر، تسلط قصة “أنيسة إبراهيم”، التي فرت من الصومال مع أسرتها في عام 1992، الضوء على الرحلة الشاقة للاجئين نحو تحقيق الذات في الولايات المتحدة. فقد وجدت “أنيسة” وعائلتها انفسهم مضطرين للفرار من الصراع الدامي في الصومال، لتجد الأمان في مخيمات اللاجئين بكينيا. ومن هناك، انطلقت في رحلة بدأت في سن الخامسة نحو مستقبل لم تكن تتخيله، لتستقر أخيرًا في الولايات المتحدة الأمريكية. اليوم، تتصدر أنيسة قصص النجاح كطبيبة ومديرة لمركز طبي، نفس المكان الذي شهد علاجها عندما وصلت لأول مرة إلى أمريكا.

أنيسة، التي تبلغ من العمر الآن 32 عامًا، تشارك قصتها الملهمة، من الفرار من الحرب إلى العيش ضمن ظروف صعبة في مخيمات اللاجئين، حيث الفقر، سوء التغذية، وانتشار الأمراض. إلا أن هذا المسار الصعب لم يكن إلا بداية رحلتها نحو تحقيق الذات. بعد الانتقال إلى الولايات المتحدة، واجهت هي وأسرتها تحديات جديدة، لكن الفرصة للعلاج والرعاية في مركز هاربورفيو الطبي بسياتل كانت نقطة تحول في حياتها.

أنيسة لم تكن لتعلم أن طفولتها المحفوفة بالمخاطر ستقودها إلى تحقيق إنجازات مهنية رائعة في مجال الطب بالولايات المتحدة. منذ لحظتها الأولى داخل المركز الطبي كلاجئة، رأت في الطب حلمًا يمكن تحقيقه. بدعم من طبيبتها ومنارة أملها، الدكتورة إلينور جراهام، شقت طريقها بنجاح في هذا المجال، لتصبح لاحقًا طبيبة ومديرة للمركز الطبي نفسه الذي عالجها وهي طفلة.

الطريق لم يكن ممهدًا بالورود لأنيسة، فكونها لاجئة صومالية ترتدي الحجاب جعلها تواجه تحديات وعقبات عدة. لكن بفضل إصرارها ودعم عائلتها، تمكنت من تجاوز هذه التحديات وإثبات قدرتها على النجاح والتأثير. اليوم، تسعى أنيسة لتكون مصدر إلهام للاجئين الآخرين، مؤكدة على أن الفرص الممنوحة لهم يمكن أن تنتج عنها إنجازات استثنائية.

تتطلع أنيسة لتحطيم الصور النمطية المرتبطة باللاجئين ومحاربة الخطاب السلبي الموجه ضدهم. من خلال مسيرتها الملهمة وعملها الدؤوب، تؤمن بأن كل لاجئ يمتلك القدرة على النجاح والإسهام الإيجابي في مجتمعه الجديد، إذا ما أُتيحت له الفرصة الكافية لذلك.

وبشكل عام فان إسهامات المهاجرين تتجاوز الجوانب الاقتصادية والمهنية لتشمل تحطيم الصور النمطية والتغلب على التحديات الثقافية والاجتماعية. قصص مثل قصة أنيسة تلهم الأجيال الجديدة من المهاجرين بأن النجاح ممكن بغض النظر عن البدايات المتواضعة أو العقبات الصعبة.

في هذا السياق، تبرز دور منظمات المجتمع المدني المهتمين بشؤن اللاجئين في دعم المهاجرين واللاجئين نفسيًا واجتماعيًا، وتمكينهم ليصبحوا أعضاء فعالين ومنتجين في المجتمع الأمريكي.

ومن خلال تقديم برامج التأهيل النفسي والمهني، تعمل المؤسسات المعنية على مساعدة المهاجرين لتجاوز الآثار النفسية للحروب والنزاعات وتزويدهم بالمهارات اللازمة لبناء مستقبل مستقر ومزدهر في بلدهم الجديد.

إن الدور الذي يلعبه المهاجرون في الولايات المتحدة يتعدى كونهم مجرد رقم في إحصائيات النجاح الاقتصادي، ليشمل إثراء النسيج الثقافي والاجتماعي للبلاد. من خلال استقبال المهاجرين واللاجئين وتقديم الدعم والفرص لهم، تستمر الولايات المتحدة في تعزيز مكانتها كأرض الفرص والأمل، حيث يمكن للجميع المساهمة والنجاح.

الوسوم

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

إغلاق