بقلم: هشام المغربي

1995

Guangzhou – هي أكبر مدينة في جنوب الصين وهي من المدن التي لها تاريخ هام في طريق الحرير القديم، تبعد عن هونج كونج مسافة 180 كيلومتر تقريباً.

لم أفكر يوماً في زيارة الصين ولم تكن أبداً في دائرة اهتمامي لا على مستوى العمل ولا على المستوى الترفيهي كسائر بلاد الدنيا التي غالباً ما أتوق للسفر إليها.

ماحدث أن هاتفني أحد أصدقائي القاهريين قائلاً: إيه رأيك تسافر الصين معايا؟

قلت له ضاحكاً: لا … الصين ليست على أولوية اهتماماتي ولا أحب الشعوب (الصفراء) كما يطلقون عليهم في هذه المنطقة من العالم .

قال: ثق في اختياراتي لن تندم…. أولاً ستكون رحلة عمل وليست رحلة ترفيهية كما تعتقد، ورغم ذلك أعدك أن تشهد في هذه الرحلة ما لم تشهده في رحلة قبلها.

اتفقنا على موعد بالإسكندرية ليشرح لي تفاصيل هذا العرض المقدم من إحدى الشركات السياحية، وكان مما ذكره عن هذه الرحلة أننا سنزور واحداً من أهم معارض العالم، يعرض به كل ما تصنعه الصين وتقدمه لشعوب الدنيا في مختلف القارات.

يقام المعرض على مدى أسبوع كامل في أرض المعارض الصينية بجوانزو وهي عبارة عن مجموعة من الأبنية الكبيرة ذات الأدوار المتعددة وعلى مساحة أرض تبلغ عدة أفدنة يقام هذا الحدث الكبير مرتين كل عام في الربيع والخريف من كل عام.

يأتي إلى هذا المعرض الآلاف من السائحين والزوار ورجال الأعمال والمستوردين من كافة بقاع الأرض، حيث يتم التعارف والتلاقي مع أصحاب المصانع مباشرة داخل أجنحة المعرض.

جاء لي صديقي بعرض للسفر والإقامة الكاملة لمدة أسبوع كان من الصعب أن أرفضه، قبلت فكرة السفر واتفقنا على الموعد وكافة التفاصيل الأخرى.

كان برنامج رحلة الطيران كالآتي:

السفر من القاهرة إلى دبي في الذهاب والتوقف بها لمدة خمس ساعات يمكن لنا أن نخرج لنمضي بعض الوقت في مدينة دبي وكانت شركة الطيران قد حجزت لنا حجرة بأحد الفنادق القريبة من المطار للنوم أو الراحة بالفندق على أن نعود قبل موعد الإقلاع بساعة إلى المطار ثانية، ثم نتوقف في جزيرة هونج كونج لمدة 10 ساعات تقريباً في رحلة استطلاعية عن هذه المدينة الجميلة وكان ذلك (قبل أن تتركها المملكة المتحدة للصين بعد انتهاء عقد الإيجار البالغ 99 سنة الذي سينتهي نهاية عام 1997).

أما في العودة فسوف تهبط بنا الطائرة في مدينة المنامة عاصمة البحرين لنمضي بها ليلة ونصف يوم ثم نغادر بعدها إلى القاهرة مباشرة.

لم أكن أعرف من الصينيين سوى شخصين الأول هو كونفوشيوس الفيلسوف والمصلح الاجتماعي الشهير الذي يعتبره البعض نبياً وآخرين حول العالم يؤمنون به وتعتبر تعاليمه ديناً لهم.

كنت قد قرأت بعض أقواله التي ما زلت أذكرها وهي بالغة الحكمة ومنها قوله:

(كنت أحسد من لديه حذاء فاخر إلى أن رأيت رجلاً بلا قدمين )

وقول آخر ( لا يهم كم تسير ببطء ما دمت لا تتوقف )

لم يقل الرجل يوماً أنه نبي ولم يتطرق في كتاباته إلى العبادات أو الأديان أو السماوات أو الإله ، كانت كل حياته وكتاباته عن السلوك الاجتماعي للبشر ورقة التعامل مع الآخرين وحب الخير للجميع إلى آخر هذه المعاني السامية، ورغم ذلك وجد من يؤمن به لدرجة العبادة وأصبح له أتباع ومريدين حول العالم، هذا هو الإنسان عبر العصور تهفو روحه إلى التعلق بشيء، مثلهم في ذلك مثل البهائيين والبوذيين والزراديشتيين وغيرهم.

أما الآخر فهو الروائي الصيني الشهير مو يان وقد شبهه بعض النقاد بأنه وليم فوكنر الشرق أو جابرييل جارسيا ماكيز الصين وذلك لأنه قد برع في مزج الواقعية مع الخيال وهذا النوع من الأدب قد برع فيه أديب مصر الكبير الراحل (أستاذي) الدكتور يوسف عز الدين عيسى.

قرأت لمو يان رواية واحدة هي الذرة الرفيعة الحمراء ترجمة د. حسانين فهمي حسين، وقد نال مو يان جائزة نوبل بعد ذلك بسنوات طويلة تقديراً لدوره في الأدب الصيني والعالمي.

وهكذا صارت الرحلة… توقفت بنا الطائرة في مدينة دبي التي يعيش بها اثنين من أعز أصدقائي (زوج وزوجته) كنت قد تحدثت إليهما قبل سفري واتفقنا أن نلتقي في الفندق الذي سنقيم به لعدة ساعات قبل العودة للمطار مجدداً لمواصلة الرحلة.

في الفندق حضرا إليّ الصديقين العزيزين وقد أصرا أن يصحباني في رحلة سريعة بسيارتهما لمشاهدة معالم دبي ثم الذهاب إلى منزلهما العامر المطل مباشرة على خور دبي للراحة لبعض الوقت.

بعد ذلك دعوني إلى العشاء في مطعم يعد من أفخر مطاعم دبي ورغم اعتذاري عن العشاء لضيق الوقت حيث لم يكن متاحاً أمامنا إلا ربما أقل من ساعتين ثم العودة إلى الفندق واستقلال الأتوبيس السياحي الذي سيتوجه بنا إلى المطار إلا أن إصرارهم على تلبية دعوتهم كان أقوى من قدرتي على الرفض.

في الطائرة المتجهة إلى جزيرة هونج كونج لم أستطع النوم ربما لفرق التوقيت أو لكثرة التفكير فيما هو آت، بعد عدة ساعات أعلن قائد الطائرة عن قرب وصولنا إلى مدينة هونج كونج….

هبطت بنا الطائرة في مطار هونج كونج و يعد مطارها من أصعب مطارات العالم من حيث الهبوط ويتطلب طياراً على درجة عالية جداً من الخبرة والكفاءة ذلك أن الممر المخصص للهبوط ضيق للغاية وإذا لم يكن طياراً ماهراً فسيجد نفسه والركاب قد هبطوا في البحر!

كما علمت أن الأرض اليابسة في هذه الجزيرة باهظة الثمن وذلك لندرتها حيث تحيط بها المياه من كل جانب طبعاً كونها جزيرة مما دفعهم إلى البناء في البحر.

عندما خرجنا لمشاهدة المدينة لم يكن لدينا أي برنامج أو تحضير مسبق للسياحة في هذه الجزيرة وتركنا أنفسنا بلا قيود أو ارتباطات لنرى ما ستفسر عنه تلك التجربة

بدأنا الجولة الحرة هذه بالصعود إلى إحدى المراكب الصغيرة الراسية بالقرب من طريق المطار كانت الساعة الواحدة ظهراً بتوقيتهم ولم نكن نعرف أن هناك رحلات بحرية… تركنا الصدفة تقودنا في تلك الجولة الحرة بالمدينة، ما حدث أن وجدنا أحد الأشخاص يجذبنا من ملابسنا كما يحدث هنا بمصر مع السائحين في خان الخليلي أو في منطقة الأهرامات وغيرها من الأماكن السياحية ويتحدث بلغة إنجليزية سليمة وان كانت باللهجة الصينية وما فهمناه أنه يعرض علينا رحلة بحرية حول الجزيرة قد تستغرق ساعتين وفي نهايتها يتم تقديم وجبة غداء وهي اختيار ما بين الأسماك أو اللحوم حسب رغبتنا مقابل مبلغ 50 دولار أمريكي.

وافقنا على العرض ودفعنا المبلغ المتفق عليه وبدأت الرحلة وكان قائد المركب هو المرشد السياحي أيضاً وأخذ يشرح الأماكن وتاريخها الحديث والقديم والحق يقال كانت جولة رائعة وقبل العودة إلى المرسى قاموا بتقديم وجبة الأسماك التي طلبناها والمضحك أن الوجبة كانت عبارة عن ثلاث محارات صغيرة تشبه (الجندوفلي الاسكندراني ولكنها نيئة ) وقطعة ليمون وبعض الأوراق الخضراء من نبات لم نعرف كونهه، سألنا أحد العاملين على المركب إذا كانت هذه هي الوجبة المتفق عليها أم أنها فاتحة للشهية فقط وسوف يقدم بعدها الوجبة الأساسية من الأسماك؟

فكانت الإجابة نعم هذه هي الوجبة ولا شيء بعدها! ولكن هناك مشروبات بالطلب لمن يرغب ليست مشمولة في السعر المدفوع!

قال صديقي هذه أول المقالب في تلك الرحلة علها تكون الأخيرة وضحكنا جميعاً على وجبة الأسماك وقال رفيق الرحلة الثالث: ترى كيف كانت ستكون وجبة اللحوم؟ لابد أنها بعض الدهون والغضاريف وضحكنا جميعاَ.

عدنا إلى المرسى ثانية ، وبدأنا البحث عن سيارة أجرة لتنقلنا إلى أحد الأسواق الشهيرة بوسط الجزيرة كما نصحنا بذلك أحد الأشخاص ، كانت هذه السوق تماثل تماماً سوق شارع النصر بالمنشية لدينا بالإسكندرية ولولا شكل الصينيين لتخيلت أنني لم أغادر الإسكندرية قط.

البضائع المختلفة تفترش الأرصفة من الأجهزة الكهروبائية إلى أسماك الرنجة والأنشوجة والمعلبات بأنواعها مروراً بالمفروشات والأثاث والأجهزة الإليكترونية أيضاً ولم يكن الهاتف المحمول قد انتشر بعد، فكانت أجهزة البيدجر والوكي توكي واللاسلكي هي الأكثر انتشاراً في ذلك الوقت.

استغرقت جولتنا في هذه السوق أكثر من ثلاث ساعات كاملة ولم يتبقى لدينا سوى سويعات قليلة للعودة إلى المطار مجدداً لنلحق بطائرتنا المتجهة إلى جوانزو.

الطائرة ستقطع المسافة إلى جوانزو في ساعة ونصف تقريباً ، ورغم الإرهاق الشديد إلا أن الوقت المتاح أمامنا لا يسمح بالنوم .

في السابعة أو الثامنة مساءً هبطت بنا الطائرة في مطار جوانزو، المطار قديم جداً ,متواضع للغاية، مصابيح الإضاءة خافته وبعضها لا يعمل أو مطفأ، النظافة أيضاً لم تكن أفضل حالياً، بصفة عامة لم يكن المطار على المستوى الذي توقعته أبداً.

استقلينا سيارة أجرة إلى الفندق، لا أحد هنا يتحدث الإنجليزية لا بين المارة ولا سائق التاكسي ولا غيره ولولا أن اسم وعنوان الفندق مكتوبة لدينا بالصينية في (البروشور) الموجود معنا لكانت ستصبح ورطة كبيرة! على العكس تماماً من هونج كونج حيث يتحدث الجميع الإنجليزية جيداً والسبب معروف بالتأكيد حيث عاشوا مع الإنجليز ما يقرب من المائة وخمسين عاماً.

صعدنا إلى غرفنا لنضع أمتعتنا ثم هبطنا ثانية للسؤال عن العشاء فكانت الإجابة أنهم انتهوا من تقديم العشاء منذ أكثر من ساعة ولا توجد وجبات الآن!

موظف المكتب الأمامي بالفندق هو الوحيد الذي يتحدث الإنجليزية ولذا كان هو الملاذ لنا… رشح لنا أحد المطاعم القريبة التي تقدم وجبات عشاء حتى ساعة متأخرة من الليل.

قام مشكوراً بكتابة عدة كروت باللغة الصينية واحد به اسم الفندق والعنوان وآخر به اسم المطعم والعنوان وكارت به عنوان المعرض الذي سنتوجه له صباحاً وهكذا ثم كتبنا نحن على خلفية الكروت باللغة العربية ما يخص كل كارت لنعرف الفرق بينهم.

كان المطعم مزدحماً جداً وبالكاد أوجدوا لنا طاولة لثلاثة أشخاص.

تعودت على ارتياد المطاعم الصينية بالإسكندرية وكنت من المحبين للأكل الصيني جداً، وكذا أصدقائي أيضاً، فمنينا أنفسنا بوجبة صينية شهية فما بالك ونحن هنا في المنبع يعني( الأكل الصيني على أصوله زي ما بيقول الكتاب)

وجدنا صعوبة في التحدث مع النادل حتى جاء إلينا أحد رواد المطعم من المتحدثين بالإنجليزية وقام بشرح ما طلبناه للنادل الذي انفرجت أساريره وابتسم سعيدا بتلبية ما طلبناه

بعد قليل جاء ومعه الطلبات وجدنا ضمن ما طلبنا شيئاً يشبه اللحم لونه أحمر قاني مقطع قطعاً صغيرة للغاية ووضع بعناية فوق أطباق النودلز وقد غطاه تماماً فلم يظهر من الطبق شيئاً سواه!

قبل البدء في تناول أي شيء طلبنا أن يفسر لنا أحد ماهية هذا الشيء الأحمر القاني

وبعد وقت ليس بالقليل جاء من يشرح لنا أن المطعم إمعاناً في الكرم وبما أننا أجانب ونزورهم للمرة الأولى قرر إضافة هذا الشيء هدية من المطعم لنا

وبعد البحث والسؤال عن هذا الشيء إذ به قطع من لحم الكلاب المذبوحة حالاً!

صحت بصوت عال كلاب !!

لا أعرف ما حدث بعدها فقد تركنا طاولتنا بما عليها فوراً وقمنا قومة رجل واحد ! وعلامات التقزز والاشمئزاز تبدو واضحة على ملامحنا وأخذنا طريقنا للخروج وبينما كنا نمر بين الطاولات كانت الموائد حولنا تقدم الصراصير المشوية على طريقة الشيش طاووق بالأسياخ الخشبية وكذلك الخنافس السوداء بنفس الطريقة وبعض أنواع من الديدان الكبيرة وهكذا… قبل انصرافنا كان الباب المؤدي للشارع يطل على المطبخ الكبير الذي يتم إعداد الوجبات به ومن خلال الواجهات الزجاجية الكبيرة شاهدنا مجموعة من الكلاب المذبوحة معلقة بطريقة تعليق الخراف! سيتخيل القارئ أني أمزح أو أبالغ ولكن أقسم لكم هذا ما حدث.

قال صديقي (هذا هو الأكل الصيني على أصوله زي ما بيقول الكتاب مش دا كلامك) ضحكنا واتجهنا للعودة للفندق.

في الفندق بعد عودتنا كان التعب والجوع قد نالا منا قسطاً وافراً، اقترح أحد الأصدقاء أن نذهب للنوم وقال آخر الجعان لاينام اقترحت عليهم أن نسأل الفندق عن أكلات محددة ليس هناك مجال للعبث بها مثل زيتون وبيض دجاج مسلوق واشترطنا أن يكون بيض دجاج حتى لا يأتوا لنا ببيض تماسيح أو ثعابين مثلاً أو غير ذلك ومربة فواكه محددة كالبرتقال أو المشمش مثلاً

أكدوا لنا أن كل ما ذكرت موجود ولكن لا يمكنهم تقديمه الآن والساعة قد جاوزت منتصف الليل، ولكن سوف تقدم لنا صباحاً في وجبة الإفطار بدءً من السادسة صباحاً وعلينا خير وتمنوا لنا أحلام سعيدة….

صعدنا إلى الغرف نجر أقدامنا من التعب والجوع حتى الصباح.

في صباح اليوم التالي وبعد طلب الإفطار المنتظر الذي قضينا الليل نحلم به وجدناه عبارة عن قطعة صغيرة من الجبن وثلاث زيتونات وعبوة صغيرة من مربى البرتقال (مثل التي تقدم على الطائرات) وقطعتين صغيرتين من الخبز (التوست) ولم نجد أثراً للبيض ولا غيره …. لم يكن لدينا وقتاً كافياً لأي حوار أو مجادلة مع أي أحد بالفندق، كان يجب أن نسرع لنلحق بأول أيام المعرض وكان هناك ما يشبه السيمينار عن أحد المنتجات الصينية ستقدمه إحدى الشركات فسارعنا الخطى لنلحق به في الموعد.

أثناء تجوالي بأجنحة المعرض تعرفت على أحد الأمريكان وكان ممثلاً لشركة أمريكية قد اعتاد المجيء إلى (جوانزو) وغيرها من المدن الصينية لمتابعة إنتاج شركته التي تقوم بتصنيع منتجاتها في الصين، كنت كمن وجد في هذا الأمريكي طوق نجاة!

بعد التعارف والحديث لفترة عن شركتينا بادرته بالسؤال ضاحكاً أين تأكل هنا في جوانزو؟

ضحك كثيراً قبل أن يجيب أعرف ما قد حدث معكم أو أكاد أتخيل كونها أول زيارة لكم تقصد مآساة المطاعم الصينية! أليس كذلك؟

ضحكت وقلت له لقد وفرت عليّ شرح ما حدث معنا بالأمس

قال يا سيدي سأترك لك الآن عنوان مطعم أمريكي شهير هو ( هارد روك كافيه ) صاحب المطعم والشيف وجميع العاملين تقريباً من الأمريكان الذين يعيشون هنا وكل ما يقدم من وجبات ليس له أي علاقة بوجع البطن الصيني الذي شاهدته بالأمس .

شكرته على أن نلتقي في المطعم مساء نفس اليوم ، وذهبت أنقل البشرى لرفقاء الرحلة ، أخيراً سنجد ما نأكله وكان الهارد روك كافيه هو الملتقى اليومي لنا ولكثير من الأجانب الزائرين من مختلف الجنسيات.

في أحد الأيام ونحن نسير في اتجاه أحد المتاجر وجدنا أحد فروع سلسلة ماكدونالدز الشهيرة أمامنا ويقف أمامه طوابير طويلة جداً من الصينيين انتظاراً لدورهم لنيل ساندويتش برجر أو وجبة كومبو، حيث سبقته شهرته إلى بلادهم وكان حدثاً هاماً لهم، وعرفنا أن الحكومة الصينية قد دخلت شراكة مع أحد رجال الأعمال الصينيين لتسمح له بفتح عدد كبير جداً من الفروع في جمهورية الصين وصل وقتها إلى سبعمائة فرع .

دورات المياه العمومية في جوانزو غاية في القذارة بصورة لا يمكن تخيلها والزحام عليها كبير جداً لا ينصح الغرباء بارتيادها ويفضل المطاعم والفنادق وغيرها من أماكن عامة.

من وسائل المواصلات الشهيرة بجوانزو بجانب التاكسي يوجد أيضاً عربات صغيرة بثلاث عجلات تشبه (التوك توك) بلا سقف وبلا أبواب سعرها أرخص من التاكسي بالـتأكيد وقد حدث أن استقلينا أحدها يوماً على سبيل التجربة وقدمنا للسائق أحد الكروت المكتوبة بالصينية ليصل بنا إلى الفندق وإذا به يقرأ الكارت ثم ينظر إلينا ويسأل بالصينية عن أشياء لم نفهمها فهو يتعامل معنا على أننا خرس لا نتكلم ولكن نسمع فقط فهو لا يدرك أننا قدمنا له الكارت لعدم معرفتنا بالصينية فقط وبالتالي فلن نفهم ما يقوله لنا، فالبعض منهم متوسطي الذكاء بشكل ملفت للنظر .

في أحد الأيام قدم إلينا شخص وعرف نفسه بأنه صاحب مركز مساج وأنه يدعونا لعمل جلسة مساج بخصم 50% كونها المرة الأولى وهو على ثقة أننا سنصبح من زبائنه الدائمين بعد ذلك، راقت الفكرة لصديقي وألح عليّ أن نجرب قلت له بالعربية وماذا إذا كان نصاب أو لص مثلاً قال لي لن نخسر شيئاً ليس معنا الآن ما نخسره، فقد اعتدنا على ترك كل متعلقاتنا ونقودنا داخل خزينة مغلقة بغرفة كل منا ولا نخرج إلا بأقل القليل ، وكان أن ذهبنا معه….

دخل ثلاثتنا إلى قاعة كبيرة بها عدة غرف لتغيير الملابس وقد أعطوا كل منا شورت جديد في كيس مغلق من البلاستيك ليرتديه بعد أن يخلع ملابسه.

بعد دقائق دخلت ثلاث فتيات رحبوا بنا ودعونا ليدخل كل منا إلى غرفة صغيرة مع إحداهن، علت ضحكاتنا وقلت لإحداهن نعم (بتهرجي أكيد ) ؟ هل أنت من ستقوم بعمل المساج؟

صاح في صديقي مازحاً اتركها اعمل معروف ماتطفشهاش (ههههههههههههه)

لم تفهم شيئاً مما قلت، ابتسمت واستمرت في السير أمامي، وكذا فعلت الفتاتين ,كان بالنسبة لي هو المساج الأول في حياتي فلم أجرب هذه التجربة من قبل، والحق يقال كانت من المهارة ما جعلنا بعد انتهاء الجلسة نشعر براحة جسمانية شديدة أزالت عنا كل إرهاق الرحلة حتى الآن.

ثم سألنا عن الشخص الذي أتي بنا إلى هنا فلم نجده وعلمنا أن دوره ينتهي عند إحضار الزبائن إلى المركز ثم يذهب بنفسه ليأتي بزبائن جدد وهكذا!

في الفندق بعد العودة من المعرض مساءً سمعت طرقات على باب غرفتي نظرت من العين السحرية فوجدت ثلاث أشخاص ممن قابلتهم صباحاً بالمعرض من أصحاب المصانع قد حضروا إليّ في الغرفة!

أدخلتهم وأنا مرتاب بعض الشيء عن سبب وجودهم بالفندق وسبب طرقهم باب غرفتي!

أخرج كلاً منهم من حقيبة كبيرة جداً يحملها معه بعض عينات البضائع التي شاهدتها صباحاً بالمعرض راجياً أن اقبل هذه العينات حتى أتذكر بضاعتهم عند طلب الأوردر واستأذنوا في الانصراف سريعا حيث يجب أن يقموا بتوزيع كل ما بهذه الحقائب على زوار المعرض اليوم.

تذكرت أن كل من قابلتهم من أصحاب المصانع كان يطلب اسم الفندق ورقم الغرفة التي أنزل بها يدون هذه البيانات في كراسة معه، لم أكن أعرف سبباً لذلك، فلم يحدث هذا لي من قبل في أي دولة بالعالم، هذا هو التسويق الصيني للبضائع وفلسفة التسويق التي تختلف كثيراً عن طرق التسويق الأوروبية وهذه لن يتسع المجال هنا لشرحها.

انتهت أيام الرحلة سريعاً وجاء موعد السفر وكانت طائرتنا ستتوجه إلى المنامة أولاً لنمضي ليلة ونصف نهار قبل الطيران مجدداً إلى القاهرة كما ذكرت في بداية مقالي وللبحرين قصة طريفة سألخصها فيما يلي:

انتقلنا من مطار المنامة إلى الفندق في أتوبيس خاص يتبع الفندق أو ما يطلق عليه Shuttle Bus.

عندما عرف موظف المكتب الأمامي للفندق أننا مصريون رحب بنا لأنه مصري من المنصورة ويعمل هنا في البحرين منذ عدة سنوات تنقل خلالها للعمل في عدة فنادق وكان آخرها هذا الفندق الفاخر ذو النجوم الخمس.

قام بتسكيننا في غرف مميزة وإطلالات رائعة ونصحنا بنصيحة غريبة استرعت انتباهي قائلاً

( النهارده الخميس والفندق بعد ساعة أو أكثر قليلاً سيمتلىء عن آخره بالأخوة السعوديين حيث يأتون كل خميس لتمضية الويك إند هنا في البحرين ويغادروا غداً الجمعة بعد الظهر ولذلك أنصحكم بالنزول فوراً للعشاء بالمطعم الكبير قبل أن يتحول إلى ملهى ليلي لاستقبالهم!)

حاولت أن أعرف المزيد حول هذا الموضوع فضحك قائلاً سترى بنفسك!

عملاً بالنصيحة دخلنا المطعم وجلسنا نتناول أطراف الحديث وما تم إنجازه من أعمال واتفاقيات لكل منا خلال أيام المعرض وطال بنا الحديث بعض الوقت حتى وجدنا حركة سريعة جداً في المطعم والعاملين تهرع في كل مكان لإعداد المكان لحدث هام انتقلنا للجلوس بعيداً عن دائرة العمل لنشاهد ما سيحدث بدأ إعادة ترتيب المكان ليصبح مسرح ومقاعد للجمهور ثم بدأ توافد الأفواج السعودية بأعداد كبيرة جداً شغلت كل المقاعد الخالية وظل البعض ممن لم يجدوا لهم مقاعد ًخالية يقفوا على أبواب المطعم كمن ينتظر شيئا هاماً؟

بعد قليل بدأت الموسيقى تعزف وفرقة كلها من الفتيات يبدو على ملامحهم الشكل الآسيوي المميز وعرفنا بعد ذلك أنهم من الفلبينيات قاموا بالرقص الجماعي ثم بدأت بطلة الفرقة بخلع ملابسها وعندها هاجت القاعة تصفيقاً وضجيجاً وقام البعض منهم باعتلاء خشبة المسرح ليخرج من جيبه كميات هائلة من الدولارات والريالات ليضعها على جسد الراقصة الجاثمة على ركبتيها تلتقط أوراق النقد المتساقطة بلهفة وسرعة فائقة وسط صفير الحضور بصورة كانت فجة للغاية .

قمنا سريعاً لننصرف فلم يكن ما شاهدناه سوى شيء مقزز للغاية.

في مدخل الفندق كانت صفقات إحضار الفلبينيات إلى غرف الراغبين منهم تتم جهاراً نهاراً والمتعهد يقبض الثمن مقدماً بموافقة ومباركة الفندق! وأمام رواد الفندق شيء لا يصدق سوق نخاسة حرفياً بلا أي خجل .

صعدنا إلى غرفنا بعد رحلة استمرت أكثر من أسبوع وكانت كما قال لي صديقي قبل السفر (أعدك أن تشهد في هذه الرحلة مالم تشاهده في رحلة قبلها).

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

Exit mobile version